Quantcast
Channel: الرواية نت
Viewing all 1074 articles
Browse latest View live

ماذا تحكي روايتك الجديدة؟

$
0
0

بشير مفتي

ربما هو أصعب الأسئلة مشقة على الكاتب، ليس لأنه لا يعرف ماذا تحكي روايته؟ ولكن لأنه يعجز عن وضع ملخص لهذه الحكاية، فكل ملخص بالضرورة هو تشويه وتغاضي عن تفاصيل وحكايات كثيرة داخل الرواية، ولهذا على قدر ما يبدو السؤال مهما للصحفي الذي يريد معرفة سريعة بالرواية على قدر ما يجد الكاتب مشقة في الإجابة
عندما أرسل فردينالد سيلين روايته الفخمة ” رحلة في آخر الليل” إلى غاليمار طلب منه الناشر أن يلخص الحكاية فكتب سيلين رسالة طويلة لا يلخص فيها الرواية بل يشرح فيها لماذا تلخيص الرواية عمل مستحيل بالنسبة له ..
هل وحدثت هذه القصة بالفعل ؟ أظن قرأتها يوما في كتاب رسائل سيلين أو تخيلت القصة لأنها تناسب فكرتي الآن ..
هل هذا يعني أني لا أستطيع تقديم ملخص عن روايتي ” وحيداً في الليل” لا بالعكس، الرواية لا تقوم على موضوعة محددة، وربما هي كمجمل رواياتي يمكن أن يكون لها موضوع أساس، لكن بصراحة لا أعرف ما هو بالضبط ؟ ومن يقرأ الرواية سيعرف وحده ما هو الموضوع الأساس الذي يخلص إليه بنفسه: هل هو الخوف؟ الصداقة؟ الخيانة؟ لماذا تفعل بنا الحياة ما تريد أم نحن نفعل بحياتنا ما نريد ثم عندما تكون النتيجة سيئة نربطها بالظروف والأقدار وغيرها من المبررات
لا أفكر في الكتابة على أنها جملة من الأجوبة الجاهزة التي يقدمها كاتب حكيم خبر الحياة وقرأ المئات من الكتب وصار بإمكانه أن يقول شيئا عن الحياة المرئية وحتى تلك التي لا نبصرها ونكتفي بما نحسه به نحوها ..
الكاتب يكتب لأنه لا يعرف الإجابة ولأنه شديد الولع بطرح الأسئلة التي قد تزعج القارئ العام الذي يبحث في النص عما يريحه أكثر مما يبحث عما يقلقه ..
لقد تآلفت مع الكتابة بشكل ما، بطريقة تناسبني إلى حد بعيد، يعرفها بعض الأصدقاء القراء الذين لسبب أجهله يتعاطفون مع ما اكتبه، ويجدون فيه ما يلبي شغفهم، أو إلى حد يشعرون أنه يعبر عنهم، وكثير من القراء الذين يراسلوني على الخاص يؤكدون لي هذا التعاطف، وأنا أحس بصدقهم في التعامل مع نصوصي الروائية المختلفة حتى لو رأى فيها البعض أنها تحكي ربما قصة واحدة، وتتحدث عن شخصية واحدة والحقيقة أنه حتى في القصة أو الشخصية الواحدة يمكن أن نكتب عنها عشرات الأعمال من منظورات ورؤى مختلفة
الكتابة بالنسبة لي صارت قدرا الآن، لا مفر منه، ولم يعد يهمن ما يقال أو لا يقال، إن ما يجعلني أكتب هو بعض الإيمان أني لا أخون نفسي، ولا أخون أحداً، وإني أصدق فكرة أن الأدب يملك في هامشه الصغير مساحة واسعة من الحلم الذي يجعل الإنسان يقاوم بنبل حتى الأخير من أجل الأشياء التي يؤمن بها
كنت سأجيب صحفية سألتني عن الرواية فكتبت هذا الشيء

The post ماذا تحكي روايتك الجديدة؟ appeared first on الرواية.


صدور رواية “اختفاء السيد لا أحد”للجزائري أحمد طيباوي

$
0
0

صدرت للكاتب الجزائري أحمد طيباوي رواية “اختفاء السيد لا أحد” عن منشورات الاختلاف بالجزائر ومنشورات ضفاف بلبنان. جاءت الرواية في 140 صفحة، تدور أحداثها حول أهمية الوجود للإنسان وكيف يمكنه إثبات ذلك؟ وماذا لو اختار أن يختفي فجأة، أن يكون لا مرئيا بطريقة إرادية. عبر سرد ممتع نكتشف بطلا مهزوما سحقته الحياة ودفعته للاعتناء بشيخ اخذ منه المرض ذاكرته، قرر”السيد لا أحد” الاختفاء دون أن يترك أي أثر وراءه إلا جثة الشيخ العجوز في الشقة. حادثة اختفاء البطل وموت العجوز مثلتا التحول المفصلي في الرواية وبداية الجزء الثاني لها فطفت على السطح شخصيات أخرى منها ضابط الشرطة الذي حاول اقتفاء أثر “السيد لا أحد”، انطلاقا من عملية البحث يقوم الكاتب بتعرية حياة كل من الشخصيات التي أتى على ذكرها في الجزء الأول من الرواية على غرار عمي مبارك صاحب المقهى والإمام الشيخ دفاف وغيرهم من الشخوص الذين تم تناولهم بشكل سطحي في الجزء الأول. بقي احمد طيباوي وفيا لمنشورات الاختلاف وضفاف اللبنانية فقد سبق أن نشرت له “موت ناعم” في 2014 والتي تحصل بها على جائزة الطيب صالح، و “مذكرات من وطن آخر” سنة 2015 عن نفس الدار وفي سنة 2016 روايته المقام العالي عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية بالجزائر.

The post صدور رواية “اختفاء السيد لا أحد” للجزائري أحمد طيباوي appeared first on الرواية.

”فندق نورماندي”رواية من صنف الجريمة والغموض للكاتبة سوسن عوري

$
0
0

صدر عن دار نقوش عربية للنشر والتوزيع عمل أدبي جديد تحت عنوان “فندق نورماندي” للأديبة التونسية ذات الواحد والعشرون ربيعا سوسن عوري، طالبة بيولوجيا وهي من مواليد 11 نوفمبر 1997 بتونس.

تتكون الرواية من عشرين فصلا وتدور أحداثها في العاصمة الإسكتلندية “أدنبرة”، هذه الرقعة الجغرافية التي تتسم بالضباب الذي يخيم على أساطيرها واللعنة المختبئة خلف جدران قصورها تهيئ لأجواء القصة المفعمة بالغموض والأدرينالين. تبدأ الرواية بمحاكاة الحلم والجمال، حلم البطلة الشابة “أثير” في استكمال دراسة علم لنفس في جامعة أدنبرة العريقة، ولكن سرعان ما يتحول الحلم إلى كابوس عندما تجد البطلة نفسها متورطة في لغز فندق نورماندي. في هذه اللحظة تشرع الرسائل المشفرة والمؤشرات المبهمة بالقفز أمام عيني أثير لتقودها إلى الغرفة 25، الغرفة التي ستجيبها عن كل تساؤلاتها بل وتجعلها قطعة من هذه الأحجية المربكة إلى الأبد.

تتخذ الرواية أبعادا أخرى لتبرز أن اللوحات التي تجمع المافيا والحرب والفقر والضياع واللجوء وتجارة البشر هي في الأصل لوحة واحدة ولكن في كل مرة رسمت بفرشاة مختلفة أو بالأحرى بلون مختلف من الوجع.

تمتد المغامرة على مدى 429 صفحة، لا تتغيب الكاتبة فيها عن ذكر قيمتي العطاء والتضحية، معتبرة اياهما طوق نجاة الإنسانية الوحيد مهما ساد الظلم والظلام.

The post ” فندق نورماندي”رواية من صنف الجريمة والغموض للكاتبة سوسن عوري appeared first on الرواية.

تداخلات الرواة في يوميات يهودي في دمشق

$
0
0

زياد الأحمد

روايةٌ مُحَجّبةُ السحر، مغويةٌ مشاكسةٌ لعوب، لا تأبه بعابري السطور، لكنها تأخذ بعيني من يحاول اختراق حجابها لتدخلَه عالماً تخييلياً مُقنعاً خلف قِناعها، ينطوي على آفاق من الرؤى التي تتغلغل في مجاهل النفس الإنسانية، وقيودها الميثولوجية، ونزعتها إلى الانعتاق من كل ما هو مُؤطِّر لفطرتها الحرّة.

العتبات النصية:

 تبدأ الرواية إغواءَها بعتبتين نصيّتين مُغريتين بالدخول، إغراءَ أبواب تلك البيوت الدمشقيةِ اليهودية التي تمر عليها الرواية، مرتمية وراء أقفال أبوابها الصدئة، مغلقة على أسرار تلهب الخيال وتدفعه لاقتحامها.

أولاهما العنوان: (يوميات يهودي من دمشق) وقد كتب في سطر واحد، ليوحي بأنه تركيب إضافي، ومع عدم الضبط بالشكل لكلمة (يهودي) يمكن تفكيك العنوان إلى اثنين، عنوان رئيس ( يوميات)  وهو يعتمد الحذف المضموني، وعلى النص ان يتكفل بالإجابة عن صاحبها، وعنوان فرعي يعتمد الجملة الاسمية ( يهودي من دمشق) ومن خلال اعتماد الخبر (شبه الجملة) حرفَ الجر (مِن) يُفهم انتماؤه اصلاً لدمشق، بخلاف إيحاء حرف الجر (في) الذي استعمله المازني في (يوميات نائب في الأرياف) فهذا اليهودي هو أصلاً من دمشق، وليس كذاك النائب الذي كان عابراً في الأرياف عند المازني.  

أما لفظة (يوميات) فتحيلنا إلى التساؤل حول دلالتين لكلمة (يوم) من خلال إسنادها إلى ياء النسبة؛ فاليوميّ قد يدل على تفاصيل المعيش اليومي لتك الشخصية، أو مذكرات كتبت بشكل يومي.

وتأتي العتبة الثانية التي لا تزيد الأسئلة السابقة إلا إغراء أكثر بدخول النص، وقد نصت على:

“هذه الرواية تستند إلى أحداث وشخصيات حقيقية، بعض الأسماء تم تغييرها لضرورات تتعلق بسلامة أصحابها، كتبت هذه الصفحات في كل من دمشق وحلب وسياتل ونيويورك”

وهنا نلاحظ أن الكاتب سواء أكان الروائي أم الراوي يُنمّط عمله تحت نوع (رواية) وليس يوميات أو مذكرات أو سيرة، وهذا يدخلها في احتمال الرواية المكتوبة بطريقة اليوميات ولكن قوله: تستند إلى أحداث وشخصيات يجعل من الراوي كاتباً أو مدوناً لها وليس من الروائي، لأن الروائي الذي يكتب يوميات غيره يستند إلى وثائقه ومخطوطاته وليس إلى أحداث وشخصيات، وفي قوله كتبت في دمشق وحلب و.. يرجح لنا أن هناك مَن دوّن هذه اليوميات غير اليهودي وفي دمشق وغيرها.

ولكنّ العتبة النهائية وبعد آخر سطر فيما سمي رواية تقول:

“لم تنته اليوميات، ولكن تدوينها النهائي يكتمل الآن في مكان آخر”.

وهنا نقرأ تأكيداً على تسميتها يوميات، وأن لها أكثر من تدوين بدلالة أن تدوينها النهائي (وليس نهاية تدوينها) لم يكن مكتملاً وإنه يكتمل الآن في مكان آخر، وهذا يوحي باحتمال أن ذاك التدوين كتبه راوٍ ما، ويقوم راو آخر قد يكون الروائي ذاته بتدوينه النهائي.

كل العتبات السابقة مُرتبكة ومُربِكة، وجميعُ ما طرحته من إيحاءات وأسئلة تقترب من همس وعود مغرية، وعلى النصّ أن يفي بالإجابة عنها.

وفي النص سنقرأ حكايا مُقتطفةً باختيار دقيق من حيوات ثلاث شخصيات رئيسة؛ الأول: إخاد اليهودي الدمشقي الأصل، ويسكن بيتاً في حارة اليهود يعود تاريخه إلى خمسة آلاف عام، وهو متمسك بالعيش في دمشق التي يراها لا تقل قدسية عن أرض الميعاد فلسطين التي كان أبوه يحلم بالهجرة إليها، يشاركه العيش أختاه العانستان راحيل التي تنتظر حبيبها المسيحي الذي ذهب إلى حرب حزيران 67 ولم يعد، والأخرى زينب التي كانت تحلم بالهجرة إلى فلسطين لتتزوج هناك، ولكن بموت الأب توقف مشروع أحلام الهجرة…

 والثاني: هو إبراهيم الكاتب والشاعر والمهتم بالسينما، وكتابة الريبورتاجات عن دمشق القديمة، ولهذا يفاجئه إخاد في المقهى؛ ليروي له أسرار بيتهم في حارة اليهود. والثالث: هو محمد شوق أبو المحجن، وهو زميل إبراهيم وصديقه منذ أيام الدراسة وكان حلمه أن يصبح إماماً لمسجد صغير ولكن الثروة التي ورثها من حميه والد زوجته حولته إلى داعية ومتطرف كبير، له مريدوه، يطوف البلاد داعياً إلى الجهاد حتى طلبت قوات التحالف في العراق رأسه بتهمة التمويل والتحريض على الإرهاب فراح يتنكر وراء تحولات شخصية وفكرية بمساعده صديقه إبراهيم. 

تداخلات الرواة والروائي: يتناوب الروايةَ في النصّ ظاهرياً الشخصياتُ الثلاثُ السابقة، وبضمير الأنا، لكن الراوي الحقيقي واحد فقط، هو إبراهيم والشخصيات الأخرى تروي له وليس للقارئ، وهو بدوره ينقل إلينا تلك المرويات، ومثال ذلك: يبدأ الرواية إخاد بقوله:

 “لم تكن تلك الأرض تعني لي الكثير لكنهم يتحدثون عنها في البيت وفي مكان الصلاة و..”  ونكتشف في نهاية حديثه أنه يخاطب إبراهيم بقوله: لا أعرف لماذا أحدثك عن أمور كهذه … ص 10

 وكذلك محمد شوق يبدأ مقطعاً بقوله: بعد ستة أشهر ينتقل عمي إلى جوار ربه وترث ابنته عدة ملايين، وهي ما تزال بعد في الشهر الخامس من الحمل… ثم نكتشف أنه يحدث إبراهيم الذي يسأله ” يعني ورثت أنت” 

شخصيات إبراهيم:

سنلمح تحت هذا الاسم ثلاثَ شخصيات تتماهى الخطوط الفاصلة بينها أحياناً إلى حد التمازج؛ أولها إبراهيم الجبين الذي ثُبّتَ اسمُه على الغلاف، وهو مبدع الرواية؛ خالقُ شخصياتها وأحداثها ومقرّرُ مصائرها. ويتقاطع مع إبراهيمَ ثانٍ داخلها، يصرح أنه مبدع الرواية أيضا، أي أنّ هناك روائيان الأول واقعي حقيقي موجود خارج الرواية، والآخر ورقي تخييلي موجود داخلها، وإبراهيم الروائي الورقي كلّي المعرفة والقدرة على التحكم بشخصياته، والتغيير فيها والتحكم بمسارات حياتها:

“كان يجب أن أغير في أسماء شخصياتي وكان عليّ أن ألاحق تنفسهم ونبضاتهم، بعضهم تركته كما هو بانكسار حنجرته، وبعضهم وتّرته وعقدت تكوينه، آخرون كان تدخلي في حياتهم مدمراً، وكثيرون دفعت بهم نحو هاويتهم” ص 125

وفي موضع آخر، يُعْلمُنا أو يوهمنا بخروجها عن سيطرته، أو بعجزه أحيانا عن تبيّن مصائرها:

 “لم أعد أطيق التحضيرات التي اتخذها أبطالي لإغلاق الدائرة، ولا أريد ان أتدخل أكثر، إنهم يسألون عن المصائر، وكأنهم بلا وعود مسبقة بلا خطة مرسومة ويسبحون في الماء الذي يروي عنهم ما يروي .. إخاد سيختفي الآن والشيخ المتحول سيختفي ..” ص 137

وفي موضع آخر يصرح “أصبحت أكثر سطوة الآن، جميع شخوصي معي في المشي نحو الخاتمة، ولكن بم يختتم الذي يحدث…. لا خيارات لديك سوى الاستمرار كفعل مضارع.” ص 107 

كما أنه يتلاعب بسيرورة الزمن كيفا شاء، فيبتعد عنه قدر ما يريد متجاهلاً ما تفرضه أجواءُ زمن السرد الذي وضع فيه شخصياتِه:

“يرنّ الموبايل، لم أعد اذكر هل كنت أملك وقتها جهاز موبايل، أو لا على كل حال سيرنّ الموبايل أنظر إلى الرقم..” ص 75

“أنا الآن في ذلك القرن التاسع عشر ما غيره، قررت أنه لم يكن لدي موبايل، ولذلك لن يزعجني أحد لا إخاد ولا غيره، وغيرت القرن الزماني بأجمعه، لم يكن إخاد قد خلق بعد لا هو ولا أبوه ولا جدّه” ص 82

وفي حوار بين هذا الروائي الورقي، وبين شخص لا يظهر منه سوى ظلّه على الجدار؛ ويوهمنا بداية أنه إخاد، ولكنه يهودي آخر أرسل إليه رسالة تهديد يوم نشر في مجلة الدومري مقالاً عن المخلوقات الغريبة التي تخرج من قاع المدينة وقد فُهم منها أنه يريد نشر شائعات لترحيل من بقي من اليهود في دمشق.

 فحين يسأله إبراهيم:

  • “موضوع قديم لِمَ تفتحُه معي الآن
  • أردت أن استردك من شرودك فيم تفكر؟
  • نور
  • نور؟ من نور؟
  • لا أعرف، أفكر أيضاً بمحمد شوق
  • من محمد شوق هذا أيضاً؟
  • وبراحيل وزينب
  • راحيل وزينب؟ من هؤلاء

نظرت في الظل الذي يلقيه جسده خلفي على الحائط الحجري وقلت كلامي الأخير:

  • أفكر في إخاد
  • إخاد؟ ما كل هذه الأسماء هل تعرفت إلى هؤلاء الناس دون علمي مَن إخاد هذا أيضاً؟ ما هذا الاسم الغريب؟ إخاد ص 119

وفي كل ما سبق نرى أن إبراهيم الثاني يخرج من الرواية ليأخذ موقع الروائي الذي يتحكم في شخوصه، وزمانهم، ومكانهم كما يشاء، وهو ليس كلّي المعرفة فحسب، بل هو صانع كل شيء في الرواية.

أما إبراهيم الثالث فهو راوٍ وسيط ينقل إلينا ما يرويه له إخاد ومحمد شوق وما حدث بينه وبين عشيقاته، وغير ذلك من تفاصيل حياته الشخصية، وهو راو متموقع لا يتجاوز علمه ما تبوح به الشخصيات، فحين قدم إليه اليهودي في المقهى يقول:

يقترب من طاولتي شاب أشقر بثياب عادية، أقل أناقة قليلاً مما توحي ملامحه، يشبه سريان الجزيرة السورية، ولكنه ليس سرياناً، هذا واضح من التفاصيل غير الدقيقة في وجهه… هذا الشاب مختلف ولكن من هو..؟ ص 11 

مذهل، كيف يفكر هذا الأشقر؟ ولكنني لا أعرف بعد، أتوقع أنه يفكر بطريقة غرائبية أيضاً لعله لا يقصدني … ماذا لو كان يتجه نحو ذاك الذي يلعب بالزهر مع العجوز العراقي.. ص 13

ويقول في موضع آخر: بقي محمد بعدها نصف ساعة وهو يفكر، لم أعرف بماذا كان يفكر” ص95

ونلاحظ أن هذا الراوي موجود خارج الشخصيات، وعلمه لا يتجاوز ما يراه ويقال له.

والغريب أنه الأكثر تقاطعاً مع الروائي الحقيقي بدءاً من اسمه إبراهيم ونسبته الجبين ومؤلفاته ومنها كتاب لغة محمد، وهو شاعر وكاتب ومهتم بالسينما وكتابة الريبورتاجات الغريبة، وخاصة عن عوالم بيوت دمشق القديمة ومنها قصر العابد، وهذا كله من سيرة الروائي الذاتية.

 وإضافة إلى ما سبق هو شخص له عالمه الخاص به، فمع حبيبته ليندا اليهودية، التي قد يعود نسبها إلى جَدّة عربية يهودية أندلسية، كانت تكتب على فخذيها أشعار ابن زيدون؛ وجد إبراهيم هذا فيها عالماً من المتعة والانعتاق، فكان يشكّلها كما يريد، وذلك بإضافة أشعاره إلى جمال جسدها، وكأنه يساهم في خلقها، فيزخرفها بقصائده الخاصة ليعلن انتماءها إلى عالمه الخاص.

  • “لست من هذا العالم لا من بدايته ولا من نهايته
  •  من أين؟
  • من عالمي” ص 81

وترسم صديقته نورا شخصيته من خلال مشاعرها نحوه خلال لقاء عاطفي بينهما بقولها: “شعرت أنك تحاول افتتاح عالم مجهول وجديد عالم من الأساطير والأفكار والتفاصيل والألغاز …. أشعر أنك تبحث عن جرة قديمة تحتوي على شيء ما، جرة روحانية ربما” ص 98

كما أن إبراهيم يصلي مع الجميع دون تعصب لدين، أو رفض لآخر، فحين تسأله روبن الصوفية في غابات سياتل: هل تصلي معنا، يسألها كيف تصلون؟

  • “نمسك أيدي بعضنا البعض ونقول بعض الكلمات ثم نغني للحياة
  • أصلي معكم
  • ولكن معنا يهوداً ألا يزعجك ذلك
  • نعم لا يزعجني أعرف من لغتي القديمة أن الصلاة هي الدعاء، والدعاء هو التمني لا أكثر، لا مشكلة.

من هو مدوّن اليوميات؟:  

ويمكن القول إن إبراهيم الثالث هذا هو صاحب التدوين الأول لهذه الرواية بحكم أنه الأقرب للروائي إبراهيم الجبين، والذي صنع الوثائق المطلوبة من خلال ما روت إليه الشخصيات الأخرى، إخاد ومحمد شوق ونورا وليندا وليجعل من حكاية اليهودي خيط حبكة لها، وليس يوميات خاصة به، ثم يظهر المدون الثاني إبراهيم الروائي الورقي، والذي نسمعه بصوت صريح يعلن تدخله ومسؤوليته عن الرواية في الثلث الأخير منها. وهو الذي يعدنا في النهاية بتدوين نهائي. وسيكون صاحبه هو الروائي الحقيقي بلا شكّ، والذي أخرج إلينا هذا الكتاب بصيغته النهائية، مع التلميح أن النهاية لم تأت بعد.

 ويمكن القول من كل ما سبق: أنّ الكاتب لجأ إلى نوع من اللعب الفني، فارتكز   إلى عوالم واقعية وحقيقية كاسمه وبعض سيرته الذاتية، وأسماء الأماكن كدمشق وحاراتها، أو أحداث وقعت حقيقة كمقتل توما الكبوشي، وليبني على هذا الواقعي عالماً تخييلياً مقنعاً يوازي هذا الواقع، ويترك القارئ محتاراً بين سحر الخيال المُقنع، وحقيقة الواقع، وتعدد شخصيات إبراهيم هو البؤرة الإبداعية التي منحت النص الروائي تميزه في الفن الروائي، كما أنها كسته غموضاً شفافاً جميلاً بما خلعت عليه من ضبابية.

The post تداخلات الرواة في يوميات يهودي في دمشق appeared first on الرواية.

عن “مديح الكراهية”ولا سكاكين في مطابخ هذه المدينة”

$
0
0

محمد سعيد احجيوج

يقال بأن الرواية ديوان العرب، لكن على عكس الشعر الذي نُظر إليه خلال فترة ما كحرفة (صنعة) أدبية ناضجة ما تزال الرواية تفتقد تلك النظرة. يغلب على مراجعات الروايات وتقييميات القراء والصحفيين (أين هم النقاد؟) التركيز على الحكاية والقصة والأمثولة، ويغيب الحديث عن حرفة الكتابة وأسلوب الكتابة والعناية بالكتابة، إلا كلمات عابرة تنحصر في الحديث عن جمالية اللغة. لذلك تجد كُتابا، بعد سنوات من مراكمة الخبرة، ما زالوا يرتكبون أخطاء الهواة. لديهم حكايات جميلة لا شك، لكنهم لا يملكون أدوات الكتابة باعتبارها حرفة قابلة للتجويد. يمكن القول بأن هذا أحد أسباب ضعف تلقي الغرب لترجمات الرواية العربية، وحصر النظر إليها في الجانب الفولكلوري.

مناسبة هذا الحديث هو رواية مديح الكراهية لخالد خليفة. حاولت قراءتها منذ عامين وتركتها بعد صفحتين وعدت لها اليوم وبعد أن تخطيت ثمانين صفحة لست واثقا أنني سأعود لها. لا شك هناك حكاية جميلة بدأ الكاتب في نسج خيوطها، لكن التطويل مبالغ فيه والقفز من حكاية إلى أخرى، مبرر من حيث المبدأ باعتبار السرد كله مونولوج في رأس البطلة الراوية، لكن الحكايات التي يقفز إليها ذهن الرَاوية ليست مبررة دراميا وبعضها لا حاجة فعلية لها إلا الحشو. كما أن بعض تلك القفزات لم يختر الكاتب مكانها بدقة فجاءت مربكة للقارئ دون قيمة فنية كبيرة.

أما الثغرة الأكبر، في نظري، وهي أكثر ما أزعجني في هذه الرواية، كما في روايات عربية أخرى، هي الإخلال بزاوية النظر عند السارد. في هذه الرواية مثلا، المكتوبة بضمير المتكلم، تحكي الساردة (البطلة) عن أحداث لا يمكن أن تعرفها. تصير فجأة راويا عليما مطلعا على كل شيء وذاك أمر لا يفترض أنه متاح لها. أحيانا يلمح الكاتب إلى أن الحدث (الحكاية) وصل إلى البطلة الرَاوية عن طريق شخص آخر، لكن حتى ذلك الشخص لم يكن بإمكانه أن يلم بكل تفاصيلها. هنا يكتفي القارئ، العربي خاصة، بالاستمتاع بالحكاية فقط، لكني لا أستطيع غض النظر عن مثل هذه الأخطاء التقنية. علما أنني نفسي أرتكب مثل تلك الأخطاء وأنا أغض الطرف عنها حين أقرأ الروايات الأولى لكتابها، لكن ليس الروايات التالية لكتاب يفترض أنهم راكموا ما يكفي من الخبرات لتجويد صنعتهم. الإبداع والإلهام لا بد منهما للرواية، لكن الكتابة تبقى صنعة لديها أدواتها التي تحتاج للصقل والتجويد.

ملاحظة أخيرة: في أجزاء كثيرة من الصفحات التي قرأت، كنت أسترجع رواية “العار” لسلمان رشدي. الفارق شاسع بين الروايتين على مستوى حرفية الكتابة.

لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة:

لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة. رواية للكاتب السوري خالد الخليفة نشرت بعد سبع سنوات من نشر روايته مديح الكراهية. كلتا الروايتين وصلتا إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية. ترجمتا إلى لغات متعددة ورشحتا إلى جوائز مختلفة. نالت رواية لا سكاكين… جائزة نجيب محفوظ للرواية العربية.

كتبت أمس عن مديح الكراهية، وشجعتني تعليقات بعض الأصدقاء على قراءة لا سكاكين… لم أجد الرواية متوفرة في مكتبات المدينة فقررت البدء بنسخة إلكترونية ريثما يتسنى لي شراء النسخة الورقية.

النتيجة: رغم الفاصل الزمني بين كتابة الروايتين (حسبما يظهر من تباعد تاريخ نشرهما) إلا أنهما مكتوبتان بنفس الطريقة تماما. نفس الأسلوب ونفس البناء… والأسواء، نفس الخطأ. الراوي المشارك في الحدث وفي نفس الوقت كلي المعرفة. بصيغة أخرى: الرواية مكتوبة بضمير المتكلم عن بطل يحكي أحداث وتفاصيل لا يمكنه أن يعرفها إطلاقا.

بعض القراء، أو ربما أغلبهم، لن يهتموا بذلك. يهمهم فقط الحكاية الجميلة وسيتقبلون أي ارتباك في السرد على أنه غموض مقصود أو عبقرية من الكاتب. ذلك حقهم.

أما أنا، فلن تعنيني كثرة الجوائز التي حصلت عليها الرواية، ولا الترجمات. أن يكتب الكاتب بتلك الطريقة يعني أمرا من اثنين: إما أن الكاتب يستغفل القارئ، يعرف خطأه ويتكاسل عن تصحيحه. وإما أنه غافل عن خطئه ولا يملك ناصية حرفته ولا أساسيات فن الرواية. رأيي، لو أن الكاتب استخدم ضمير الغائب في كلتا الروايتين لكانت النتيجة أروع.

قد أبدو أني أسبح ضد التيار أو كأني أحارب طواحين الهواء أو كأني أقصد انتقاد الكاتب خالد خليفة، وعلى الأرجح أنا أخلق لنفسي عداوات مجانية في وسط موبوء خاضع لسيطرة “الشللية”. لكن، ما باليد حيلة.

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

The post عن “مديح الكراهية” ولا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” appeared first on الرواية.

قراءة في رواية ”لا تنس ما تقول ”لشعيب حليفي

$
0
0

شميسة غربي- الجزائر

حينما أكبر؛ سأبني قبة بالربوة…

التقاطة سريعة….

عِشقٌ أبدِي للمكان… وتوْقٌ كبير للأزمنة التي استضافها المكان؛ وقدّم لها أجمل ما عنده…”شمس الدين الغنامي” أيقونة الوِجهة التاريخية / الوجدانية؛ التي رسم عليها الكاتب سرده الجديد؛ في روايته: “لا تنس ما تقول” الصادرة عن نادي القلم المغربي؛ 2019. عدد الصفحات: 175.

الإيمان بالعودة الروحية؛ للرمز القديم….الاجتهاد في ترسيخ الهوية “التامسنية” على مقامات “بويا صالح” « … ننتظر وعدك بالعودة، الطوفان يُغرقنا »       ص 44، تمثيلٌ لِجسْرِ العبور إلى المكاشفة عن فزع النفس وهي عالقة في شِباك الواقع.. لا خلاص؛ إلا بتحقيق الفعل المطلوب في الزمن الموعود؛ بالوجه المعهود…

يوظف المبدع العديد من الشخصيات ( جعفر المسناوي، علي النسر، علي أمنصاك نموذج الفارس الذي سيحقق النصر المأمول… موته يُخلّفُ خسارة كبيرة لدى مُحبّيه… عسّو السوسي، سعيد صاحب الكرامات، سيدي امْسمّر الطرحة…) شخصيات؛ تتفرّع بها السُّبُل لتحطّ عند ذكرى “الشيخ الهبطي” «  من لا تاريخ له؛ لن يخطو نحو المستقبل بشكلٍ طبيعي. ومن لا ذاكرة له؛ لن يستطيع التحديق في الشمس. أما الخيول الرابضة في دروب مجهولة بالغابة والسماء؛ فهي في الِانتظار..» ص 172.« نُسرّجُ خيولنا التي أعياها الانتظار.. فندكّ الظلم والظلام والظالمين..» ص 172. ومن زمن الانتظار الطويل؛ إلى زمن تدوين حكايا  التاريخ العديدة، سيترسّخ تاريخ واحد لا سِواه…« لا أستطيع يا أحمد الكردان        أن أكتب إلا تاريخ بويا صالح، أما باقي التواريخ فهي زورٌ وبُهتان..» 143.

شمس الدين يختفي… ولكن سيعود…!  ذاك ما يتأوّله عنوان الرواية: “لا تنس    ما تقول”…..فواقعُه: لا تنس ما وعدْت….  تمتدُّ دلالة هذا العنوان، إلى بعض العتبات الداخلية أو العناوين الفرعية التي تعضدُ شعور “اليقين” بأن التاريخ يُعيد نفسه…” الحرابلة قادمون، عودة الطيور، أوصيك… لا تقلْ ما ستنساه..! وعد قديم، حياتنا حدثٌ واحد…”

وإذا كان قد عُلم أن “شعيب”؛ “باع نفسه للخيال”، فإن هذا الطرح في إبداعه الجديد؛ لا يمكن أن يكون وليد خيالٍ محض… وإنما هو “قناعة” تخصّ حقّاً مهضوماً، من زاويةِ رُؤية معينة؛ وتخصُّ وجْداناً فاض به “القلق” في زحام الانشغلات الحياتية والصراعات الفكرية؛ فلم يعد بالإمكان كتمان هذا  القلق      أو التغاضي عن عِلاّته…. “شمس الدين الغنامي” الشخصية الأولى؛ بِعِلمِها وثقافتها وانفتاحها؛ واتساع آفاقها؛ وترحالها؛ تظل دائماً مشدودة إلى “غيْبِيَات” العوْدة إلى “الرحم الأول”… وإذا لم تكن تلك حقيقة ناصعة لدى البعض؛ فإن المبدع يقرّبها من الحقيقة؛ موظّفاً عنصر دورة الزمن، وما يتمخض عنه         من التجديد… « ذاب الزمن في بياض الفجر الذي تململ من شوقه ورمى بكل شيء خلفه، حتى يستطيع التخلص من الليالي الميتة، ويمنح الآتي روحاً متجدّدة وخالدة؛ قريبة من الحقائق التي لا يراها الراؤون..» ص 175.  “قلعة بويا صالح”، “ربوة باب السماء”؛ رمزٌ لِامْتِدادٍ تليد؛ يعتصره زمن “الثمانية قرون” ص 79، مُطعَّماً بالحكايا المحفوظة في قلب التامْسنيين، إلى يوم الدّين… رغبوا في العدالة… والعدالة حق رباني قبل أن يكون قانوناً بشرياً… وما هو رباني؛      هو روحي في الأساس، ومن هنا؛ تتسلل فكرة “العودة الروحية” للجد الأول صالح بن طريف.

الرواية جامعة لأحداثٍ ومواقفَ؛ وعاكسة لأوضاعٍ فكرية واجتماعية وحتى استعمارية « دخول الفرنسيين والإسبان الجنوب المنسي » ص 90. إشارات متفاوتة؛ يعلوها ضجر “المثقف” من كل شيء…! ( الأستاذة الأندلسية وعلاقتها مع شمس الدين، الفقيه ماو أو جعفر المسناوي ودخوله السجن، الحاج علي، رواد مقهى قتلة الزمن اليومي، فاطمة، سعدية طالبة الحقوق ومأساتها، عيموش السارق..) ينضاف إلى هذا الكمّ؛ ملمح سخري؛ ُيمَثله المرسوم الخاص بالمسرح؛ والذي نُعِت بـ: “فنّ القجمة”….ص 97. « أنا يا فخامة القجايمي، أريد معرفة    مَنْ بداخلي، جعلني هكذا بلا أحلام ولا أمل، معطوب… » ص 103.

تلك كانت؛ التقاطة سريعة حامت حول إبداعٍ سرْدي جديد؛ لِمُبدِعٍ؛ يتنفّس عشق الأرض والمطر والتراث والكتابة التي يعود بواسطتها إلى الزمن الجميل؛       في أسلوبٍ يمتحه من قاموس الصدق الفني والتصوير البارع للجزئيات… أنظر إليه في أحد المقاطع واصفاً: « سيستنطقه؛ خلال خمس ساعات (…. ) داخل قاعة ملأتها أدخنة سجائرهم التي لا تتوقف.. وأعقابها المرمية في كل مكان؛ وقدِ انفلتتْ أدخنتها مذعورة؛ وتجمعتْ حينما لم تجدْ منفذاً تفرُّ منه.. ثم تاهتْ وتراكمتْ وشرعتْ تتخيّلُ حلولاً مستحيلة، ففتّشتْ في الحيطان والشقوق و الأرض، وفجأة؛ تجد مسْرباً أسفل الباب المغلق، وعبر ثقب المفتاح، فتتنهّدُ بأنفاس محترقة، ثم تتسارع متزاحمة ومترنحة؛ كأنها ثملة بلا عقل يَعقلها، تسقط وتقوم وهي تتخيل أنها ستموتُ اختناقاً…. وتلك من أوهامها التي تعيش عليها…! » ص ص 46، 47. لله دره وكفى…    

The post قراءة في رواية ” لا تنس ما تقول ” لشعيب حليفي appeared first on الرواية.

ليليا.. رواية تلامس تناقضات أساسية في حياة المرأة

$
0
0

تتناول الروائية السورية نور قزاز في روايتها “ليليا” تناقضات أساسية في حياة المرأة بين الحب والكراهية، الحق والظلم، العقل والجنون، البراءة والجريمة..

ليليا رواية عاطفية إنسانية بلا حدود.

من الرواية:

عندما زار القمر قلبي وقبّله جعله يضرب في المقلوب، فاصبحت حياتي بعكس الطبيعة تسير روحي نحو المرح والطفولة لا إلى النضج والكهولة.. تسير نحو الولادة لا الى الموت.. الآلام والمصاعب وعقبات الحياة، تصقل الإنسان وتعرفه على مقدارته الكامنة، وفِي بكاء رقيق، قالت بصوت مرتعش: في بداية علاقتنا جثت روحي على ركبتيها تتوسّلك أن تنقذ قلبي من نبض حروفك، لم أشأ لقلبي أن يجن بك أكثر، أردت لملمة مشاعري بعيداً عنك لكنك استهترت وزدتني دلالاً ووضعت روحي على صدرك بقرب قلبك تمطرها حباً، وهمست اليها بما أسكرها حتى أدمنتك. بي رغبة عارمة لأتملكك لي وحدي. أي قانون أشكوك اليه لينصرني؟ أين أمضي؟ أنا بقايا امرأة بدونك، ردَّ لي عقلي وقلبي. أأقتل نفسي؟ أأشرب سم أفعى؟ أريد أن أموت دفعة واحدة، تعبت من الاحتضار ،يغتالني صمتك. ظننت أني قادرة أن أجعلك تحبي كما انا فعلت. أية لغة احدثك بها، اي درب اسلك اليك، لماذا تعذبني؟ قد يكتشف بعضنا متأخراً أن الشيء الذي استهلك من وقته و مشاعره كثيراً بحثاً عنه لم يكن بتلك الاهمية،،، فالسعادة لا تكون فقط عندما نحقق رغباتنا.. بل السعادة منهج حياة صحي يومي نمضي به لتطوير ذواتنا والحصول على نسخة أسعد وأسعد من أنفسنا باتجاه السلام الداخلي..

هذا ما قالته ليليا بطلة الرواية

The post ليليا.. رواية تلامس تناقضات أساسية في حياة المرأة appeared first on الرواية.

بلاغة الإيجاز في النص المفتوح

$
0
0

كه يلان مُحَمَد
وردت مفردة الغنائية غالباً لوصف اللون الشعري الذي يفيضُ بالعاطفة ويعكسُ المشاعر الوجدانية العميقة ويتميزُ هذا النوع من الشعر بصرف الإهتمام عن المواضيع التي تقع خارج هموم الذات الشاعرة.طبعاً أنَّ ماكتبهُ الكاتب الإيطالي ألساندرو باريكو بعنوان (1900) يتصفُ بخصائص غنائية على عدة مستويات ويمكنك أيضاً أن تضع هذا النص السردي القصير ضمن خانة المسرحيات المُغناة ومايدعمُ الجانب الغنائي في بناء النص هو إنفراد إحدى الشخصيات بالمشهد.إذ يسردُ الراوي المُتضمن سيرة عازف البيانو فالأخير هو نواة النص المفتوح على التقنيات المتنوعة من المسرح إلى السيناريو والقصة. فإنَّ البنية المكانية التي تنطلقُ منها الأحداث هي عَبارة فرجنينيان أما العنصر الزمني تعبرُ عنها الإشارات إلى التواريخ التي تُحيل إلى الشخصية الأساسية وبذلك يكونُ البطلُ مركز السيرورة الدلالية في بنية النص لأنَّ كل ماوردَ في سياقه يرفدُ مسارات الشخصية التي يؤشرُ إليها العنوانُ الذي لأول وهلة تراهُ مجردَ رقمٍ مُحدٍد لتاريخ معين لكن هذه العتبة مُتعلقة بمفردات لايمكنُ فك شفيراتها إلا مع قراءة المحتوى السردي يُذكرُ أنَّ إسم البطل يلفه الغموضُ وليس مُسجلاً ضمن أضابير أي مدينة في العالم إنما هو عائم على البحر ولاتعني له اليابسةُ شيأً.لكن إختلاطه بجنسيات مُختلفة على ظهر العبارةِ مكنهُ من النفوذ إلى المدن المأهولة بحاناتها الصاخبة وشوارعها المُبللة برائحة المارة مايعني تميز البطل في قراءة البشر على حدِ تعبير الراوي وهكذا بدأت تقاسيم جغرافيا العالم بالتكوين في ذهن (1900) بناءً على مايوحي به وجه ركاب العبارة.

العُلبة

تبدأُ حركة السرد برصد المشهد المُتكرر إذ أن هناك من يسبقُ جميع المُسافرين في رؤية الوجهة التي تمخرُ العبارة ُ الأمواج نحوها فيلتفتُ إلى الركاب مُطلقاً صوتاً مُنخفضاً أمريكا يوكلُ صاحبُ (المدينة) بعازف البوق مهمة متابعة وقص مايدور على متنِ العبارة.فهو كثيراً مايرى أمريكا في عيون المُسافرين وقضى ست سنوات ضمن الفرقة الموسيقية التي يعزفُ أفرادها يومياً ثلاث مرات فإنَّ ركاب هذه السفينةِ توزعوا على المقيمين في الطبقة الأولى ومن ثم منْ يسكنون في الطبقة الثانية أخيراً المهجارون البؤساء الذين قد يُنْعَمُ عليهم أحياناً بمعزوفة تزيدهم الأمل بالأحلام الموعودة ومايجعلُ الموسيقى ضرورياً في عرض البحر هو رهابة هذا العالم وحاجة المُسافرين إلى الرقص حتى لايموتوا.يعتمدُ المؤلفُ على المفارقة لإضفاء طابع عجائبي إلى الشخصيات المتواجدة في العبارة.لذا يصفها الراوي بأنها خارجة عن المألوف.فقبطانها يعاني من رهاب الإحتجاز،ومسؤول الإتصالات ألكن وأعسر كذلك فإنَّ الطبيب تنفر من إسمه المعقد.والربان أعمي .وما لايتوقع مُصادفته خارج هذا المكان هو وجود فرقة موسيقية بمواصفات فرقة(أتلانتك جازباند) وهنا يستندُ باريكو إلى التقنية المسرحية لتقديم أعضاء الفرقة الموسيقية على لسان إحدى الشخصيات.وآخر من يُنطقُ إسمه عازف البيانو (ت.دليمون 1900) الموصوف بالعازف الأعظم. يُعيدُ هذا الملفوظ بالمتلقي إلى عتبة العنوان.فالبتالي يفردُ عازف البوق المساحة السردية لتتبع حياة عازف البيانو.ومن المعلوم بأن مايشدُ أطراف النص هو العبارات التي يبقى مدلولها ضبابية إلى أن ينجلي الغموض بوجود مقطع آخر.ومايقولهُ الراوي عن لقائه الأخير بعازف البيانو بأنَّه كان جالساً على صندوق الديناميت لايمرُ عابراً إنما ترتبطُ به نهاية النص.ضف إلى ذلك ماينقلُ عن عازف البيانو بصيغة الحكم “لاتحلُ عليك اللعنة مادمتَ تحظى بقصة حياة فريدة وأحدٍ ماترويها على مسامعه”مؤشرُ لإنطلاقة قصة الرضيع الذي وجد في علبة كرتونية

الهارب

شاء القدرُ أنْ يكون داني بوودمان مُكتشفاً للعُلبة التي ركن فيها المولود وذلك بعدما ينزلُ المُسافرون في بوسطن أنذاك كان عمر الرضيع لم يتجاوز عشرة أيام.ولم يجد العجوزُ مايثبتُ هوية الطفل سوى كلمات مكتوبة بلون أرزق “ت .د.ليمون” أخيراً يتعهدُ الزنجي بالطفل مُقتنعاً بأنَّ العِبارةَ المطبوعة على كرتون تعني شكراً ياداني ومن ثُمَّ يقترحُ أحد البحارة على الأخير إضافة كلمة الثلاثاء إلى إسم الطفل وبدوره يروق ذلك لداني لأنَّه عثر على العلبة في بداية القرن عليه فإنَّ الطفلَ يُسمى ب(داني بوودمان.ت.د1900) نجح المؤلف في توظيف تقنية

The post بلاغة الإيجاز في النص المفتوح appeared first on الرواية نت.


«الديوان الإسبرطي» لعبد الوهاب عيساوي.. الرواية التاريخية ثلاثية التخييل (بناءً، توثيقاً وفكراً)

$
0
0

محمد الأمين بحري*

*– تمهيد : لماذا الديوان الإسبرطي أول رواية تاريخية؟

لعلنا سنقف كقراء في رواية الديوان الإسبرطي للكاتب الشاب عبد الوهاب عيساوي أمام أول رواية تاريخية جزائرية بالمفهوم البنائي والتوثيقي والفكري معاً.

لقد اتخذت هذه الرواية منحى معاكساً لسابق الروايات التي تزعم أنها تاريخية، والتي كان التاريخ فيها وسيلة وليس غاية للسرد، هكذا؛ كانت رواية “كتاب الأمير” لواسيني الأعرج تستنزف روح الأمير وأحداث حياته لصالح تمجيد وتدبيج بطلها (مونسينيور ديبوش) وراويها (جون موبي)، وما كانت شذرات حياة الأمير ودوره الثانوي سوى ملحقات وآثار في نفسية بطل الرواية “قس الحملة الفرنسية مونسينيور“، الذي منحه الكاتب في نهاية الرواية جنازة فردوسية ملائكية وملكية لم يحظ بها في الواقع أي قائد جزائري عبر التاريخ، ولم يمنح سكان الجزائر للقس الفرنسي تاريخياً ما منحوه له من تجلة وقداسة في جنازته الروائية المتخيلة في رواية الأمير. مما يشير إلى إن كل مظاهر التاريخ في هذه الرواية ليست سوى ملحقات ووسائل تبتغي غايات غير تاريخية، بما فيها شخصية الأمير نفسه الذي كان أحد الإكسيسوارات الثانوية (فنياً) في حياة البطل “مونسينيور”. مما يدفع القارئ للتساؤل سؤالاً يخرج في هدفه عن التاريخ تماماً كما خرجت عنه هذه الرواية: ترى لماذا قام الكاتب بتنكير التاريخ لصالح القس الفرنسي.. وجعل له خدماً جزائريين بداية من الأمير عبد القادر وانتهاءً بتقديسه (في جنازته الأسطورية). من طرف الشعب الجزائري، وهو ما لم يحدث قط لا في الواقع ولا في الخيال عدى في تخييل هذه الرواية؟ وهذا السؤال الواقع خارج التاريخ يتساءل ويبرر في الوقت نفسه الهدف اللاتريخي لهذا السرد. وهو ما يحول بينه وبين تصنيفه تاريخياً.

أما رواية هاجر قويدري (الرايس) فكان التاريخ فيها ديكوراً للحياة العاطفية للبطلة مريم، أما الرايس حميدو الذي تحمل الرواية اسمه في عنوانها فلم تمنحه الكاتبة الكلمة بل كان موضوعاً لكلام غيره وخاصة البطلة مريم. ما يجعله ليس فقط شخصية ثانوية فحسب (من وجهة نظر فنية)، بل هامشية حين حرمته الكاتبة من النطق والخطاب.

والأمر المشترك بين الروايتين أن الشخصيتين اللتين تزعمتاً بطولة الغلاف والعنوان (إيهاماً للقارئ أنهما البطلان) نجدهما في الروايتين، إما ثانوية أو هامشية. تأكيداً آخر على أن كل ما ارتبط بهما من تأثيث تاريخي هو وسيلة لغاية أخرى غير تاريخية.

وفي مقام ثالث نجد نص “الصخرة الأسيرة” للصادق بن طاهر فاروق، وهو سرد تاريخي فانتازي، عمد إلى أسطرة أحداث الثورات الشعبية وشخصياتها الثورية بالجلفة، لكن سبق وأن كتبنا عن معاناة هذا النص من إشكالية أجناسية تجاه النوع.

وبدرجة رابعة وظف التاريخ روائيون جزائريون كثر بداية من الطاهر وطار [اللاز-العشق والموت في الزمن الحراشي- الشمعة والدهاليز] وأحلام مستغانمي [ثلاثيتها: ذاكرة الجسد وفوضى الحواس وعابر سرير]، وواسيني الأعرج [سيدة المقام، أصابع لوليتا- مملكة الفراشة]، لكنه توظيف للتاريخ في الرواية وليست روايات تاريخية.

لكن علينا أن نضع أعمال محمد مفلاح [خيرة والجبال- شعلة المايدة، شبح الكاليدوني]، في خانة خاصة، ضمن خزانة الرواية التاريخية الواقعية النقدية، واقعية الحدث متخيلة الشخصيات. كونها روايات تفكيكية وناقدة للتاريخ ما جعل التحقيق والنقد التاريخي أقرب إلى أهدافها من الغرض التخييلي له.

لكن ما يفرق رواية عبد الوهاب عيساوي عن تلك الأعمال التي وظفت التاريخ كوسيلة وأداة لغايات متعددة هو أن تخييل التاريخ رواية الديوان الإسبرطي، قد وظف كل الجوانب الفنية والتوثيقية والفكرية في هذا السرد، كوسائل ولواحق مكرسة حصراً لاستهداف التاريخ وتخييله في الرواية، وهذا هو الأصل في بنية الرواية التاريخية التي لا توظف التاريخ من أجل غرض خارج عن مداره، وإنما تقوم بتسريد كل شيء في العالم السردي من أجل تخييل التاريخ روائياً.

أولا- هندسة السرد الدائري (في الحدث والشخصية والسرد التاريخي الاستبطاني)

بما أن كل نص يحاكم كاتبه بخياراته، فقد شاء الروائي عبد الوهاب عيساوي أن يعتمد مساراً سردياً دورانياً:

-أي يتمحور السرد حول نفس الأحداث من منظور عدة شخصيات، ما جعل السرد لا يتقدم وإنما يدور حول محوره الذي ابتغاه الروائي.

– وهو ما أنتج شخصيات مدورة أي أن خطابها تهيمن عليه المناجاة والحوار الباطني وتيار الوعي أكثر من الحوار والخطاب الخارجيين.

– وبما أن التاريخ هو محور الخطاب الشخصيات وغايته فقد أفرز هذا المنحى الدوراني للسرد رواية تاريخية استبطانية، تُحكى من منظور باطني لكل شخصية، وليس من منطلق وصف وسرد خارجيين. مما يعيق معالجتها السينمائية المفترضة التي تسمح بها الروايات التاريخية ذات السرد المشهدي الخارجي.

وقد كان لهذه الهندسة الثلاثية الأبعاد (وفق المنطلقات الاختيارية الثلاث السابقة)، بالغ الأثر والتكلفة على الرواية وتلقيها وقيمتها في المكتبة الروائية التاريخية العربية.

1 – السرد الدوراني للأحداث

تدور أحداث الرواية حول موضوع الحملة الفرنسية على الجزائر وحيثياتها في ذاكرة مهندسيها الفرنسيين منذ خسارة نابليون لمعركة واترلو(1815).. وتهيمن على الرواية أطراف ثلاثة:

*-الطرف الفرنسي: ويتكون من مهندسي الحملة الفرنسية على الجزائر 1830، من فلول عسكريي نابليون المنهزمين،(ويمثلهم القائد العسكري كافيار)، وأطباء، وصحفيين ( ويمثلهم مراسل الحملة السيد ديبون) وإقدامهم على اجتياح الجزائر وفق وجهات نظر مختلفة وذرائع وأجندات وعقد ودسائس لا براءة فيها.

**-الطرف التركي:  وهم طبقتان :حكام الجزائر ووزرائها من الأتراك في نهاية الدولة العثمانية. وحرس الدولة من اليوليداش وقادة الجيش العثماني.

***-الطرف الجزائري: ويتكون من طبقات: حاشية الأتراك من المور، التجار والحرفيين في القصبة خاصة، والنساء والدراويش.

لكن الغريب في هذه الرواية المطولة ذات الـ 384 صفحة، هو قلة أحداثها حيث لم تتجاوز الثلاثة أحداث: 1-إرهاصات ما قبل الحملة. 2- إبحار الأسطول الفرنسي نحو الجزائر. 3- إمضاء معاهدة الاستسلام. وتسليم الجزائر للفرنسيين. وفيما بين هذه الأحداث الكبرى تدور محكيات ضمنية وتفاصيل حول حياة الشخصيات في الجزائر.

ولعل تهميش الأحداث وندرتها في رواية تاريخية تستهدف فترة زمنية مخضرمة بين العهدين العثماني والفرنسي في تاريخ الجزائر، راجع أساساً إلى طبيعة الخيار السردي الذي انتهجه الروائي وهو السرد الاستبطاني. يعني أن السرد هنا كان مركزاً على العالم الداخلي للشخصيات الراوية وليس على العالم الخارجي، أي كان رؤية إلى الداخل وليس رؤية من الخارج.

وهو ما جعل موضوع التاريخ نفسه استبطانياً خاضعاً لوجهات نظر مختلفة (الفرنسية/ التركية/ الجزائرية) وهذا ما صنع خصوصية السرد التاريخي ونوعه الاستبطاني، ومحاولة تشكيل رؤية موضوعية للتاريخ عبر تناقض وجات نظر ثلاثة أقطاب متناحرة وشريكة في صنع تاريخ الجزائر.

ومن جهة ثانية فقد أضر الوصف الاستبطاني للتاريخ بمفهوم الحدث التاريخي، حيث كان السرد موجهاً للداخل ومهتماً بنفسيات وأحوال الشخصيات. أكثر من كونه وصفا خارجياً للحدث التاريخي، أي أن الحدث الخارجي كان مهمشاً لمصلحة أثره الداخلي في نفسيات الشخصيات.

2- المنظور السردي المتناوب

توقع رواية الديوان الإسبرطي قارئها في عدة إشكالات فنية: منها أنها رواية بلا بطل. وهذا خيار سردي متداول عالمياً وعربياً وليس عيباً في السرد كما يعتقد الكثيرون، وثانيهاً أنها بلا راوٍ محدد. أي أن جميع شخصياتها هم رواة(يتداولون على السرد).

حيث يجد القارئ نفس الشخصيات (1-ديبون/ 2- كافيار/ 3- ابن ميار/ 4- حمة السلاوي/ 5- دوجة) بنفس الترتيب تواجهه في كل قسم من الأقسام الخمسة للرواية. حيث تتكفل كل شخصية برواية فصلها المخصص الحامل لاسمها وصوتها ووجهة نظرها الباطنية.

وهو نمط معروف يسمى السرد المتناوب. أي أن تكون شخصيات الرواية هي نفسها الرواة، وتتقاسم وجهة النظر بينها، حين تروي كل شخصية فصلها الخاصة ويكون ذلك الفصل حاملاً لاسمها، دلالة على أنها هي من ستروي الأحداث للقارئ بوجهة نظرها، وما إن ينتهي فصلها حتى تسلم كاميرا السرد للشخصية الموالية وهكذا حتى نهاية الرواية. التي تتم عنونة فصولها بأسماء شخصياتها وهم أنفسهم الرواة الذين يتقاسمون المنظور السردي. وقد شاهدنا هذا النمط السردي في رواية سابقة هي (الرايس لهاجر قويدري).

3- الشخصيات المدورة (رواة أم أبطال؟).

دون أن يعلم القاري في كل فصل يحمل عنوان الشخصية التي ترويه، هل هذا الراوي هو بطل الرواية؟ لأن كل شخصيات الفصول قامت بسرد فصولها بعدد متساوٍ في حصة الفصول الممنوحة لها، حيث يبدأ كل قسم من أقسام الرواية بفصل يرويه الصحفي الفرنسي “ديبون”، ثم يتلوه “كافيار”، ثم “ابن ميار” ثم “حمة السلاوي” وينتهي “بدوجة”، على النحو الآتي:

الراوي الأول/ ديبون: وهو أول راوٍ لأول فصل في كل أقسام الرواية الخمسة: وهو مراسل متقاعد للحملة يعمل في جريدة (لو سيمافور دو مارساي)، متعاطف مع القضية الجزائري وفاضح لممارسات الاستعمار.

الراوي الثاني/ كافيار: نائب قائد الهندسة المدنية بالحكومة الفرنسية بالجزائر وصديق الدوق روفيغو حاكم الجزائر، ووزير في حكومة نابليون. وأسير سابق لدى الأتراك في معركة واترلو. مما أورثه عاطفة حقد لا متناه تجاه الأتراك والجزائريين.

الراوي الثالث/ ابن ميار: أحد المواطنين الجزائريين من المور وهو كاتب الديوان لدى الباشا، ثم عضو في مجلس بلدية الجزائر تحت الحكم الفرنسي، بعد رحيل الأتراك. وهو كاتب رسائل الشكوى (غير المجدية) وحاملها للقادة الفرنسيين في الجزائر وفرنسا.

الراوي الرابع/ حمة السلاوي– أحد السكان العرب الجزائريين درويش ومهرج دمى في الظاهر، لكنه حكيم ووطني وممثل لنخوة الغيورين على الوطن، وهو الذي يقتل الخونة والمندسين (مثل العميل المزوار)، ويلتحق بجيوش الأمير عبد القادر عند بدأ المقاومة الشعبية في الغرب.

الراوي الخامس/ دوجة: الفتاة الجزائرية ضحية الفقر والتشرد، التي تحولت بغياً لكن اكتشافها لنبل حمة السلاوي واحتضانها من طرف عائلة ابن ميار أنقذها من الرذيلة، وقد منحت مسحة رومانسية على الأحداث.

وطبعاً يبقى ترتيب الأولوية في الظهور هو الخيار الوحيد أمام القارئ في رواية اللابطل وتساوي وجهات النظر بين الرواة، لكن الإشكال ليس في البطولة ما دام الروائي قد همشهاً في خياره السردي. بل يظهر اللإشكال في كيفية السرد وتدوير وجهة النظر بينها وما سببه من إشكالات خطابية.

4- إشكالات السرد التناوبي والاستبطاني.

لقد وقع الروائي إثر هذين الخيارين السرديين (تدوير كاميرا الراوي بين الشخصيات+ السرد الباطني) في عدة مآزق وإشكالات:

 *– الإشكال الأول: هو طمس الحدث الخارجي، ولو لم تكن الرواية تاريخية لما كان لهذا الخيار السردي أي ضرر، لكن الرواية التاريخية يعنيها كثيراً السرد من الخارجي والراوي العليم المستقل نسبياً عن الشخصيات. (لأن الوضعية الطبيعية للكاميرا هي الخارج وليس الباطن)، وهكذا تصطدم خصوصية النمط الروائي مع خيارات السرد لدى الكاتب. وهنا يحق للقارئ أن يتساءل هل يصح أن تكون أحداث التاريخ باطنية في وصفها وسردها؟ وأن يكون التاريخ انعكاساً لما في باطن الشخصيات وليس هو المنظور إليه خارجها؟

وقد أوقع هذا الخيار السردي الرواية بأسرها في دوامة تكرارية اجترارية لثلاثة أحداث فقط.

حيث وجد الروائي نفسه يكرر الحدث نفسه من زاوية نظر خمسة رواة (أي خمسة فصول) في كل قسم من أقسام الرواية. فمثلاً: كلما حدثتنا شخصية الراوي الأول في كل أقسام: “ديبون” عن حدث (الاجتياح الفرنسي لسواحل الجزائر مثلا)، تقوم الشخصيات الأربع المتبقية في القسم، بسرد الحدث نفسه في الفصل المخصص لها معيدة سرده من منظورها.

فصارت الأحداث بدورها دورانية، والسرد يسير إلى الخلف ويدور حول نفسه خمسة مرات في خمسة فصول ولا يتطور. مما شل عجلة السرد، وأوقع الروائي في تكرار مجاني، وصار حبل الأحداث كُبة تدور حول نفسها بدلا من أن يمتد ويتقدم. وصار كل فصل يكرر ما جاء في سابقه بدلاً من يكون استكمالاً واستئنافاً له. فوقعت الرواية في دوامة من الاجترارات الدائرة حول نفس النقطة حتى جعلت من حدث بسيط كانطلاق الأسطول الفرنسي من فرنسا إلى الجزائر يستهلك ما يفوق 200 صفحة من السرد الدائر نحو نفس أطوار الرحلة. وهذا الخيار كلف الروائي عشرات الصفحات المجانية أتي أعاقت سيرورة السرد وأدخلته في مطبات من الإسفاف والحشو الذي أضاع كثيراً من الحبر والورق والجهد ووقت القارئ. فضلاً عن جلبه للملل في القراءة حين لا يتقدم السرد. ويجد القارئ حاله كحال الأحداث والفصول التي أمامه يدور في حلقة حدث سبقت قراءته لمرات ومرات. ولم يكن هذا ليحدث لوكان العين الساردة تروي الأحداث من خارج الشخصيات.

*– الإشكال الثاني: أن لهذا المطب مخرج ما؛ وهو أن تكرار الحدث نفسه في كل فصل يتم من منظور شخصية مختلفة الانتماء الفكري والموقعي والنمطي، وهذا جيد، لكن ما يلبث أن يسقط في مطب ثانٍ، وهو ما لم يحتسب له الكاتب، ذلك أن السرد الاستبطاني يجعل من وعي الكاتب هو المسيطر على جميع الشخصيات، وهذا ما حدث بالفعل؛ فإن كانت الشخصيات مختلفة فكراً وموقعاً ونمطاً في بنائها وانتمائها، فإنها متساوية في وعيها الناظر للأحداث، بشكل عاطفي (ماعدا كافيار) الذي كان على مسافة فكرية وعاطفية بعيدة عن الشخصيات الأربعة الأخرى (وإن كان يصب في إنائها)، ما يعني أن رؤية الكاتب هي التي ساوت بين وعي الشخصيات الراوية الأربعة، ووحدته رغم الفوارق الانتمائية والطبقية والثقافية والحضارية. وهذا ما أفرز في هذه التجربة الروائية، إشكالاً ثالثاً. ويتمثل في الزوائد السردية.

*– الإشكال الثالث الزوائد السردية: ونقصد هنا بالزوائد: كل ما أعاق عجلة سرد الأحداث ومنعها من التقدم والنمو. وهنا سنجد في الرواية:

– فصولاً زائدة: تُكرر أمام القارئ نفس الأحداث التي مر بها، بينما كان من الممكن المرور على تلك الأحداث بإعطاء وصف وموقف عابرين لها، والاهتمام بتقديم حدث جديد في الفصل الموالي لأن الغاية من تقسيم الرواية إلى فصول هو بحسب ما يستجد فيها من أحداث. فوقع ما يمكن تسميته بتكلس السرد، لأن الفصل الذي لا يقدم حدثاً فرعياً جديداً يطور ما سبقه من أحداث يعتبر تابعاً لما قبله ويلغي قيمة انفصاله عن الفصل السابق. لأن القارئ ينتظر مع بداية كل فصل جديد أن تقدم له حدثاً جديداً وليس عودة من نقطة انطلاق الفصول السابقة. ثم ما دور الشخصية الجديدة وسط حدث سابق إن كانت تكرر معايشته؟

  • هناك شخصيات زائدة: مثل شخصية دوجة، وهي التي جاءت لتمنح بعداً عاطفياً للرواية، ورغبة في إدراج العنصر النسوي في المنظور الروائي، وصورة للمرأة في تلك الفترة. وهو أمر مفهوم، لكن ما جعلها زائدة ومعطلة للسرد، هو أنها كانت إحدى الشخصيات الراوية الخمس، أي أن الروائي قد خصص لها فصلاً بكامله في كل قسم من أقسام الرواية الخمس، ما يعني أيضاً أنها روت لنا من داخلها خمسة فصول على امتداد الرواية، مع أن جل ما كانت ترويه هو حياتها الخاصة التي تعيد فيها سرد وقائع وقعت لحمة السلاوي، وابن ميار، والمزوار وحتى كافيار قبلها (بحكم أنها آخر الرواة في ميع أقسام الرواية)، أما حين تتحدث هي عن حياتها الخاصة فإنها تروي قصصاً زائدة ومثقلة للسرد لعدم وجود أي علاقة لها به، مثل قصتها مع تاجر النحاس وزوجته المهووسة بالنظافة .. ودخولها في عقد عائلة تاجر هامشي تورطت معه بشكل مجاني وخارج عن حبكة الرواية وعقدتها. فكان ما ترويه عبئاً حقيقياً على الرواية لانقطاع علاقة حياتها الشخصية ومشاكلها بإشكالات الكبرى للنص وأحداثه.
  • والخلل هنا ليس في إدراج العنصر النسوي. ولكن إدراجه بهذه الطريقة لم يكن في صالح الرواية. إذ لو استعملها الروائي كراوِ عليم مثلاً يسمو على كل الفصول والشخصيات والأحداث ويعبر بالقراء من شخصية لأخرى ومن حدث لأخر، لكانت أوفى للوجود الأنثوي للرواية، وأكثر اندماجا في كل تفاصيلها، ومساهمة في السرد التاريخي، ولاقتصدت ما يربو عن 100 صفحة من حجم الرواية، لكنه كان خيار الروائي الذي رآه الأنسب. وله أن تحمل تداعياته على القراء.
  • د‌-       ومن أبرز مزالق هذا الخيار السردي التكراري، وقوع الروائي في النسيان والسهو، من فرط ما تعاقبت المشاهد الروتينية على ذهنه.

وهو ما نقف عليه في القسم الرابع، في فصله الرابع الخاص بحمة السلاوي، ص:291. حين عقد في نهاية الرواية علاق صداقة لم تحدث أصلاً في الفصول السابقة بين شخصيتين لم تلتقياً من قبل لتخالف مساريهما، وفجأة دون مقدمات صارا صديقين؟ في مشهد ناشز، يستغربه القارئ الذي مر به كل منهما في فصله الخاص: كيف صارا صديقين هنا ولم يحدث أن حدثتها الرواية بذلك في فصليهما على الأقل: وهما الصحفي الفرنسي “ديبون“، والدرويش حمة السلاوي؟؟

ففي ص289، يتدخل حمة السلاوي ليلطم شاباً مالطياً دفاعاً عن الصحفي الفرنسي ديبون؟؟ ولم تورد الرواية أنهما التقيا أو تعارفاً في الفصول السابقة التي يرويها كل منهما بعيداً عن الآخر. بل كان كل منهما يتخذ في فصله مساراً مختلفاً حسب موطنه وطبقته وفكره ومستواه بعيداً عن الآخر لنجدهما فجأة صديقين ويناديان بعضهما باسميهما دون سابق معرفة فيما سبق من السرد. فما مبرر هذه الصداقة وأين حصلت؟ وكيف وصل كل منهما إلى الأخر؟؟

يقول حمة السلاوي في ص290: “انتبهت إلى “ديبون” يحييني، فالتفت إليه وسألته منذ متى وأنت هنا؟ ما السر في عودتك؟ (…)”، ثم يواصل في ص 291: “أتفق معك يا صديقي، ولكن قل لي: هل سيدفعهم اتفاقنا إلى الرحيل؟”.

فكيف صاراً صديقين وآخر ما قاله حمة السلاوي قبل هذا عن “ديبون” يشي صراحة أنه لا يعرفه، بل ينكره صراحة، إذ وصفه بالشاب الأوربي في أول ذكر له في الرواية على لسانه حيث قال: “أبصرت ابن ميار يحدث شاباً أوربياً، هممت بالاقتراب منهما، وعدلت عن الأمر” ص 225، ما يعني أن اللقاء والمعرفة لم يحصلاً، والرجلان نكرتان بالنسبة لبعضهما، ويستنتج القارئ من هذا النكران، أن المقصود من لفظة الشاب هو الصحفي “ديبون“. أما السلاوي فلم يرد في يوميات أو الفصول التي رواها “ديبون” مطلقاً، ولا أحد من الشخصيات الرواة عبر جميع الفصول تكلم عن علاقة بينهما، ليظهراً صديقين حميمين في الفصل الرابع من القسم الرابع، وهي صدمة غير مبررة في لقاء شخصيات وأحداث لم يسبق التبرير لوجودها، وهو ما قد يصيب فصول وشخصيات الرواية وخطها الدرامي باختلال فضيع، أو يسمها بالكولاج في رصف شخصيات وأحداث لا علاقة طبيعية بينها.

ورغم ما اعتور هذه الرواية من إكراهات فنية وأخطاء تركيبية في إدارة الشخصيات، تسببت فيها خيارات الروائي (مثل الخطأ الأخير الذي نتمنى استدراكه وتبريره في الطبعات اللاحقة)، فإن ما يمكن قوله بموضوعية، هو أن رواية “الديوان الإسبرطي” رغم كل هناتها، قد أضافت فصلاً هاماً من فصول الرواية التاريخية العربية والجزائرية بتقديمها لتوليفة من اللوحات التاريخية والمشاهد الحية في صور تخييلية عميقة الارتباط بالتاريخ، دون أن تخون التاريخ وحوادثه وشخصياته في شيء، ودون أن يخونها التخييل السردي في تقديم رؤية متعددة الأبعاد لفترة تاريخية متداخلة الأحداث، عاصرتها الرواية تخييلياً ومنحت القارئ فيها حياة ومعايشة لأحداثها وشخصياتها، بأنفاس سردية جارفة تحمل من التشويق ما تحمله من ندوب وإكراهات ناتجة عن حوادث عمل راسخ القواعد من حيث انتمائه الفني روايةً وتاريخاً.

—————————–

*– محمد الأمين بحري- ناقد وأكاديمي جزائري

**- رواية الديوان الإسبرطي- منشورات دار ميم للنشر، ط1، 2018.

The post «الديوان الإسبرطي» لعبد الوهاب عيساوي.. الرواية التاريخية ثلاثية التخييل (بناءً، توثيقاً وفكراً) appeared first on الرواية نت.

جائزة كتارا تعلن عن الفائزين بدورة 2019

$
0
0

أعلنت جائزة كتارا عن الفائزين بها في دورة 2019، وفاز بها كل من: الإريتيري حجي جابر عن روايته “رغوة سوداء” فيما نالها الجزائري الحبيب السائح عن رواية “أنا وحاييم” واليمني حبيب عبدرب سروري عن رواية “وحي”، والأردنيان مجدي دعيبس وليلى الأطرش عن روايتيْ “الوزر المالح” و”لا تشبه ذاتها”.

وفي فئة الروايات غير المنشورة فازت السورية وفاء علوش عن روايتها “كومة قش”، والعراقي وارد بدر سالم عن “المخطوفة”، والمصري عبدالمؤمن أحمد عبدالعال عن “حدث على أبواب المحروسة”، والمغربية عائشة عمور عن “حياة بالأبيض والأسود”، والجزائري سالمي ناصر عن “فنجان قهوة وقطعة كرواسون”.

ويحصل كل فائز في فئة الروايات غير المنشورة على 30 ألف دولار، إضافة إلى طباعة الرواية.

وفي فئة الرواية القطرية، التي استحدثت لأول مرة هذا العام، فاز بالجائزة أحمد عبدالملك عن رواية “ميهود والجنية”. وكانت جائزة كتارا للرواية العربية، التي تأسست في 2014، قد أعلنت في فبراير الماضي أنها تلقّت 1850 مشاركة في دورتها الخامسة.

وقال خالد بن إبراهيم السليطي مدير المؤسسة العامة للحي الثقافي – كتارا في حفل إعلان وتسليم الجوائز الثلاثاء “صلتنا بالفائزين لا تنقضي بالحفل الختامي، فأبوابنا مفتوحة أمامهم دوما للمشاركة في فعالياتنا الثقافية، كما أننا لا نكتفي بتحفيز المواهب الأدبية فقط إنما نسعى إلى غرس حبّ الأدب في نفوس الأجيال الناشئة”. وأقيم الحفل في دار أوبرا بالدوحة بحضور عدد من الكتّاب والنقاد والمثقفين، منهم حياة القرمازي مديرة إدارة الثقافة في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألكسو”.

The post جائزة كتارا تعلن عن الفائزين بدورة 2019 appeared first on الرواية نت.

المخيم الفلسطيني مسرح أحداث «مرج البحرين» لهيثم ابو الغزلان

$
0
0

يعتبر المخيم الفلسطيني مادة دسمة للإبداع والكتابة والقص والإبداع.. فهو مفعم بمفردات الأدب الملتزم.. ولعل هذا ما يلاحظ في رواية “مَرَجَ البَحرين” للكاتب الفلسطيني هيثم أبو الغزلان، فأبطال الرواية من أسرة فلسطينية وعدد من أصدقائها (أدوار رئيسية وأخرى ثانوية)، ومكانها أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان (عين الحلوة) في جنوب لبنان، وشخصياتها تعيش الحياة كما هي بمتناقضاتها، وصعوباتها: الفقر، والكثافة السكانية، والمقاومة، والصمود، والهجرة، والتهجير، والمنفى، والمشهد العبثي في الاقتتال الداخلي وتداعياته المختلفة والصادمة، والتحرير والعودة.. فتتشابك وجهات النظر والشخصيات الساردة. وهي رواية تقع في (116 صفحة)..

ويعتبر المؤلف أن اختيار المخيم بوصفه مكانا أساسيا لأحداث الرواية ناتج عن أن الصراع في هذه الأوقات على وجود هذا المخيم. ولأن قضية العودة التي يحملها أهله تقودنا إلى أن نكون أو لا نكون ضمن سيرورة صراعية تهدف إلى تدمير المكان وإنهاء وجود ساكنيه تمهيدًا لإنهاء القضية الكبرى… وهذا ما يقاومه الفلسطيني فيحفر في صخر الوجع أمثولة نضال يومي تحفر من جديد عناد الفلسطيني وإصراره على البقاء و”الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا”.

ورد في الرواية على لسان إحدى الشخصيات: “..لا يُسأل البحر عن المخيم، لكنّه يُسأل عن الشهداء والمنفى وأسرار الذين طاردهم فنشرها وغيّبهم. يُسأل عن أؤلئك الذين ضاعوا في متاهاته، وأؤلئك الذين ما ضلّوا ووصلوا الأرض بروحهم أو بلهفتهم والحنين. فتطفو جراحاتهم، ويعودون إلى وجه الأم الكنعانية، يعبرون مخاض الألم من المخيم إلى البحر إلى الوطن، فتغدو فلسطين فاصلة بين موجين”!

وورد في مكان آخر عن امرأة فلسطينية في مخيم عين الحلوة أثناء الاجتياج الإسرائيلي في العام 1982: “تسمّرت رجلاها في مكانهما فمشهد الموت والدمار المخيف والقاتل حتى الثمالة جمّد الدّم في عروقها، فلا هي قادرة على التّقدّم إلى الأمام، ولا تستطيع العودة إلى الوراء.. انتظرت مع شقيقيها مرور أحد من أبناء المخيم، لكن انتظارها طال، كأنّ أهل المخيم اختفوا، أو رحلوا.. أصابها الذهول فهي لم تعتد سابقًا على رؤية المخيم دون ساكنيه”!.

وورد أيضًا: “أما السفن حين تشق عباب البحر، فمرة يوصلنا البحر إلى مبتغانا، ومرة إلى مبتغاه حيث يبتلعنا. فالكلُّ حين يجوع البحر يصبح طعامًا له. وحين تعلو أمواجه وتتبدّل أحواله يُدرك الإنسان أنه ليس النّبي نوحٍ لتنجيه السفينة، ولا المسيح ليمشي على الماء فَيَصِل إلى مبتغاه، أو النبي موسى ليفرق البحر فينجو ويُنجي أصحابه”.

The post المخيم الفلسطيني مسرح أحداث «مرج البحرين» لهيثم ابو الغزلان appeared first on الرواية نت.

منصورة عزالدين “المتلقي أكثر من شريك، هو فاعل لا غنى عنه في إنتاج النص”

$
0
0

أجرى الحوار: كه يلان محمد

يعتقدُ فرانز كافكا بأنَّ الكتاب الذي لايكسرُ جليدُ الرأسِ ليس جديراً بأن تُضيع الوقت في قراءته،فعلاً بأنَّ مالايخرجُ عن المألوف ولايُحطم أشكالاً سائدة ولا يُشاغبُ أنماطاً تقليدية لايُضيفُ لك شيأً،ولايثير أسئلة حبلى بنزوع معرفية،وعندما تبحثُ النصوص الروائية عن أفق جديد وحيز مُختلف للتعبير عن هواجس إنسانية تُكرسُ حساسية جديدة لدى المُتلقي وتنفض الغبار عن ذائقته الأمر الذي يشرع مداركه على إتجاهات جديدة،وينهي حالة الركون على ماهو متعارف عليه،وهذا ما تراهن عليه الروائية المصرية (منصورة عزالدين) كلما تباشرُ بكتابة عمل جديد،مع ماترافق المغامرة حالة من القلق والتساؤلات،لاقت (أخيلة الظل) وهى آخر ماألفته منصورة عزالدين إحتفاءً على مختلف المستويات،وذلك لما إتصفت به الرواية من خصائص أسلوبية مميزة والتمساك البنائي.وكان لنا حوار مع صاحبة (جبل الزمرد) حول تجربتها الروائية وقراءتها للمشهد الروائي المصري.

*يقول مارسيل بروست إن السبيل الوحيد لحماية اللغة هي مهاجمتها هل يمكنُ وصف روايتك الأخيرة بأنها ثورة على الشكل التقليدي للرواية أو محاولة لاكتشاف أفق جديد في صياغة الأدب الروائي على غرار ما عمله الغيطاني في (الزينى البركات)؟

ج-أظن أن وصفًا مماثلًا متروك أمر البت فيه للنقاد والقراء، ما أعرفه أن “أخيلة الظل” وليدة الضجر من الكتابة التقليدية ومن عودة البعض لأسئلة فنية عفا عليها الزمن.

*تتواردُ في سياق رواية (أخيلة الظل) عباراتُ توهم بإشراك المتلقي في إنجازها لماذا يُمنحُ هذا الدور المركزي للقارئ؟

ج- في رأييّ أن المتلقي شريك أساسي في أي نص. بمجرد صدور العمل يصبح ملكاً لقرائه، وكل قارئ يقوم بتأويله على طريقته ووفق ثقافته ومرجعياته الخاصة. شراكة القارئ مع الكاتب ليست خصيصة ما بعد حداثية كما قد يتراءى للبعض، كُتَّاب قدامى من ثقافات مختلفة انتبهوا لهذه الشراكة وخاطبوا قراءهم المفترضين، كل بأسلوبه، يحضرني الآن مثلاً الجاحظ وثربانتس.

في حالة “أخيلة الظل” المتلقي أكثر من شريك، هو فاعل لا غنى عنه في إنتاج النص. الرواية مقدمة منذ سطورها الأولى باعتبارها لعبة. لعبة تخييل؟ أم لعبة افتراضات؟ سيان. المهم أن اللعبة تحتاج إلى طرفين، إذ ليس بإمكان الكاتب أن يلعب منفرداً. هو في حاجة إلى تواطؤ القارئ وتسامحه. عليه أيضاً أن يتوارى قليلاً ويتخلى عن مركزيته المفترضة في انتاج النص، حتى ولو كان هذا التواري مجرد احتيال ومراوغة. فكما يقول جان بودريار: “لا ينبغي أبداً أن يكون اللاعب أكبر من اللعبة نفسها وإلا لفظته”. منطق اللعب يفرض وجود شركاء متواطئين على قواعد معينة للعبة، كما يفرض مساواة – ولو متوهمة – بينهم. ربما لهذا لم تُكشف هوية من يدير اللعبة ويحركها: كاميليا؟ أم أولجا؟ أم راوٍ آخر خفي؟

مركزية المتلقي كانت أيضاً محاولة لخلق درجة من الألفة معه لتقليل ارتباكه أمام لعبة التبادلات والمرايا في النص. هذا غير أن الإيهام الأساسي في العمل يتمثل في افتراض أن معظمه يقع في منطقة ما قبل الكتابة، في أحلام اليقظة والتخيلات والأحلام. فكاميليا تحلم بأولجا، وأولجا تتخيل كاميليا وآدم رافضةً أن تكتبهما لأنها لم تعد تؤمن بجدوى الكتابة.

لكن بعيداً عن كل هذا، أظن أن الكتابة – في وجه من وجوهها – فعل قراءة. الكاتب يقرأ العالم ويُئوِّله ويقيم العلاقات بين عناصره بينما يكتب. في المعاجم العربية القديمة مثلاً من معاني مفردة “قرأ”: جمع الشيء وضمه بعضه إلى بعض. وهذا في ظني يصلح تعريفاً أيضاً للكتابة عموماً ولكتابة الرواية على وجه الخصوص. في “أخيلة الظل” الكتابة خلق صلات وعلاقات بين أشخاص (وأشياء؟) لا علاقة ظاهرة بينهم.

* من الملاحظ تفاعلُ نصك الروائي مع الفنون الأخرى لاسيما فن السينما والفن التشكيلي وأيضا الموسيقى هل يأتي هذا نتيجة لإعتقادك بأنَّهُ لم يُعد هناك خطوط فاصلة بين تلك الفنون والأدب؟

ج-هذا الأمر يأتي عفوياً، ربما لقناعتي بأن لا خطوط فاصلة بين الفنون والأدب. الفن التشكيلي والسينما والمسرح والفوتوغرافيا مكونات أساسية في تكويني ككاتبة. في مراحل مبكرة من طفولتي أرشدتني السينما إلى كثير من القراءات. عبرها تعرفت على كثير من الكتاب وقرأت لهم، هذا غير غرامي بجمالياتها الخاصة وجماليات الصورة بشكل عام. علاقتي بالفوتوغرافيا معقدة منذ بدايتها، لطالما أدهشتني الصور الفوتوغرافية وأخافتني في الوقت نفسه. عبرها انشغلت مبكراً بفكرة توقيف الزمن؛ إماتته وتثبيته. من ناحية أخرى ذاكرتي بصرية بالأساس، بل أجازف بقول إن لغتي نفسها كذلك. المشهدية بارزة في كتابتي من أول قصة كتبتها، إلهامي يحضر في هيئة مشاهد أو صور مقتطعة من سياقها، بعضها لأشياء أو أحداث مررت بها – ولو عابراً – ثم أكتشف لاحقاً تأثيرها عليّ وقدرتها على تحفيز مخيلتي.
أما بالنسبة للموسيقى، فحضورها نابع بالأساس من طبيعة شخصيات الرواية والتقنية المختارة لكتابتها. فـ”أخيلة الظل” تستعير نوعاً من التزامن الموسيقي لتشكيل العلاقة بين شخصياتها.

*-الشخصيات الأساسية في الرواية لاتشغلها سوى الذكريات وتدوينها كأنكِ أردت بذلك توصيل رسالة وهي أن الإنسان محصلة للإشارات الصادرة من بئر الماضي على حد تعبير كونديرا هل هذا صحيح؟

ج-“أخيلة الظل” – في مستوى من مستوياتها – مبنية وفق منطق الصورة، إذ تضمر بداخلها ما تتمركز حوله الفوتوغرافيا من تثبيت للزمن. التثبيت في الرواية ليس تاماً بطبيعة الحال، لكنه أقرب لتوقفات عند لحظات/ ذكريات بعينها، والتركيز عليها باعتبارها مركزية في تشكيل ذوات الشخصيات ورؤيتها لنفسها وعلاقتها بالعالم. كأن الذات مضت في طريقها مع حركة الزمن فيما وقف ظلها أمام نقطة بعينها في الماضي محدقاً فيها ومتأملاً نفسه خلالها. العلاقة بالماضي مركزية في كتابتي منذ البداية، “متاهة مريم” كانت – بشكل ما – حوار مريم مع أشباح ماضيها، وفي “وراء الفردوس” ثمة محاولة سلمى المستحيلة للانسلاخ عن الماضي والقطيعة معه، و”جبل الزمرد” يمكن النظر إليها كمحاولة لاختراع ماضٍ متوهم يُنظَر للرجوع إليه باعتباره المخلِّص والمصحح لكل الأخطاء.
من هذا المنطلق أتفق مع مقولة كونديرا، ومع رؤية ماركيز الخاصة بأن حياتنا هي ما نتذكره منها. الإنسان محصلة كل أفعاله وكل ما مر به، ونحن لا نعي الأفعال والأحداث بشكل جيد إلّا حينما تمضي، ويصير بيننا وبينها مسافة تتيح لنا إمكانية الرؤية والاستبصار فيها.

* شهد فن الرواية في مصر مراحل مُتعددة إذ كان وراء كل مرحلة اسم أدبي بارز الآن كيف تقييمين منجز الروائي المصري ؟

ج-من الصعب تقييم منجز الرواية المصرية في عجالة، فكما ذكرت ثمة مراحل متعددة واتجاهات ومدارس متباينة. هناك أيضًا كُتَّاب منسيون رغم أهمية ما قدموه. بالنسبة لمشهد الرواية المصرية الآن أراه حيوي وصاخب، لكن ينقصه الفرز النقدي. ففي خضم الصخب وغياب النقد تتوارى أصوات مهمة خلف الضجيج. من ناحية أخرى لا تهتم كثير من دور النشر المصرية بتوزيع إصداراتها بشكل جيد خارج مصر، وتكتفي بالقارئ المصري، وهذا حجَّم من انتشار الرواية المصرية عربيًا باستثناءات قليلة.
*الجمهورية اللبنانية

The post منصورة عزالدين “المتلقي أكثر من شريك، هو فاعل لا غنى عنه في إنتاج النص” appeared first on الرواية نت.

ثنائية الحيوان و الإنسان في “هل فعلها؟”

$
0
0

ليلى عبدالله

من المتداول ان يعبر عنوان الرواية او القصة بشكل من الاشكال عن مضمونها وذلك عبر ادراج المكان الذي تدور فيه احداث القصة أو عن طريق ذكر بطل الحكاية, مثالا عن ذلك عنوان بعض قصص ستيفان زفايغ كلاعب الشطرنج أو مانديل باع الكتب القديمة, هنا يدرج الكاتب بطله منذ التواصل الاول بينه و بين القارئ. أما في قصته اربع و عشرون ساعة من حياة امرأة فقد اشار الى عنصرين مهمين و هما ان البطل في القصة ستكون امرأة و ان اربع و عشرين ساعة هو الزمن الذي ستدور فيه احداث الرواية.
أما أن يأتي العنوان في شكل سؤال فهذا بعيد كل البعد عن المتداول و المتعارف عليه, فالصيغة الإنشائية التي يفتتح بها الكاتب روايته يكون وقعها مختلفا عن العناوين الاخبارية. بهذه الصيغة أراد ستيفان زفايغ أن يعنون قصته فاختار لها سؤالا يحيل به القارئ منذ البداية إلى المزيد من طرح الاسلة على غرار من الذي فعلها؟ و ماذا فعل؟ و كيف فعل؟, كل هذه الأسلة من شأنها ان تدفع القارئ نحو القصة التي لا تتعدى 46 صفحة حتى يبحث عن إجابة “هل فعلها؟” و عن الأسئلة التي توالدت في ذهنه.
لم يشكل العنوان فقط السبب الرئيسي للاستغراب لدى القارئ, فالصورة التي كانت على الغلاف عززت الاندهاش فمن النادر ان تجد صورة حيوان على غلاف رواية أو قصة, اما في هذا العمل تصدر وجه الكلب الغلاف.
تنطلق احداث القصة بشكل روتيني , يتمطط أحيانا أمام دقة الوصف التي يغدقنا بها ستيفان زفايغ, تدور احداث القصة في الريف الانجليزي اين قرر عجوزان قضاء ما تبقى لهما من السنين في مكان ناء بعيدا عن ضوضاء المدينة. لم تدم عزلة الزوجين كثيرا فخلال فترة ليست بالطويلة انتقل للعيش بجوارهما زوجان شابان. كانت الاحداث في الجزء الاول من القصة تسير بشكل طبيعي , لا شيء يمكنه ان يساعد القارئ على ايجاد اجابات للأسئلة التى خالجته عند قراءة عنوان القصة , لكن حدثا ما سيغير مجرى القصة عندما يقرر الجيران و الزوجة مساعدة الزوج الشاب و لفت اهتمامه بجلب حيوان اليف يرعاه و يهتم به.
قلُب دخول بونتو الكلب الصغير سير احداث القصة فبات هو المهيمن ,البارز و محور اهتمام الزوج فالدلال المفرط الذي اغدقه عليه جعله مع مرور الأشهر كلبا عنيدا , متغطرسا و لا مبال يستبيح كل ما يصادفه متأكدا أنه لن يتم عقابه.لكن أمرا ما حدث جعل صاحبه يتغير من ناحيته فتم تهميشه بل و إلغاؤه بشكل مفاجئ ساعتها انقلبت تلك الغطرسة و الكبرياء الى حيرة اولا و استعطافا طلبا لتفسير ما يحدث ” أرجوكِ أخبريني ما سبب تغير سيدي و الآخرين تجاهي؟” ثم طغيان و استبداد عندما عجز عن فهم السبب.
ركز ستيفان زفايغ عند وصفه للكلب بونتو على الجانب العاطفي و التغيير الذي انتابه بمجرد ان احس ان خطرا يهدد وجوده و مكانته في البيت فأصبحت المشاعر هي التي تتحكم في ردة فعله , مشاعر تنسب عادة للإنسان لكن زفايغ تمكن من نسبها لحيوان حيث جعلنا نتعاطف معه احيانا و نكرهه عندما نقترب من ايجاد اجابة لعنوان القصة. فمشاعر الغضب و الدهشة المغلفة بالغيرة المؤدية في الاخير الى التخطيط و الانتقام عبر ارتكاب جريمة ذهبت ضحيتها تلك الطفلة التي سقطت في النهر بشكل غامض.
البس زفايغ ذلك الحيوان ثوبا انسانيا عندما نسب له هذه المشاعر و هذا السلوك فأبدع في ايصال ما يجول في ذهنه من افكار و مشاعر من خلال نظراته و حركة جسمه فقط. انطلاقا من هذه القصة كشف لنا الكاتب عن الرابط الذي يمكن ان يجمع الحيواني بالإنساني و كيف يمكن لحيوان ان يكتسب صفات انسانية بحتة.
تلت هذه القصة قصة ثانية قصيرة جاءت تحت عنوان ليبوريلا لم تتعد 38 صفحة تدور احداثها حول خادمة في العقد الرابع من عمرها انتقلت من احد ارياف النمسا الى بيت في المدينة لتعمل كطاهية هناك. كانت شديدة القبح ذات تقاسيم قاسية تفتقر لأي ملامح انثوية لم تتلق في حياتها اي اهتمام من اي شخص كان , الى ان انقلبت حياتها عندما عشقت سيدها فلم تعد خادمته فحسب بل اصبحت تسعى على راحته و خدمته مثل ما يخدم الكلب الوفي سيده فتخلت تدريجيا عن انسانيتها تاركة المكان للحيوان الذي يسكنها ليطفوا على السطح.
عنصران جمعا هاتين القصتين أولهما عملية القتل غير المعلنة عنها و التي تفهم غالبا من خلال سياق الأحداث , ففي كلتا القصتين لا يصرح زفايغ بشكل علني عن مرتكب الجريمة بل يترك المجال لأحدى الشخصيات لتقوم بعملية التحليل و الاستنتاج.
ثانيهما الرابط الجامع بين ماهو أنساني و حيواني في كلا العملين, رغم أنهما عكس بعضهما البعض ففي الاولى علاقة الكلب الذي اكتسب صفات انسانية بسيده الذي يسعى لإرضائه بشتى الطرق و الثانية علاقة المرأة التي ترضخ لسيدها و كأنها كلب تريد رضاه , هذه العلاقة ماهي إلا مواجهة بين الإنسان و حقيقته الباطنة.

The post ثنائية الحيوان و الإنسان في “هل فعلها؟” appeared first on الرواية نت.

آية ياسر: روايتي الأولى خلت من كثير من أخطاء وزلات العمل الأول

$
0
0

عندما أتطرق إلى الحديث عن تجربتي الأولى في الكتابة الروائية وأول رواية تنشر لي “ضائعة في دهاليز الذاكرة”، الصادرة في عام 2014م، عن الدار للنشر والتوزيع، فإن ذكريات البدايات الأولى تحضرني ولا يمكنني فصلها عن أي من أعمالي الأدبية التالية؛ فالبدايات تعني التجارب الأولى التي تتراوح بين النجاح والإخفاق، لكنها جميعاً تكون مدفوعة بذلك الشغف الذي شكلته لدينا الموهبة الأدبية وأصقلته بدورها تلك القراءات التي تركت أصداء طيبة في الذاكرة.

عرفت طريقي مبكراً إلى عوالم القراءة الرحبة بسبب أمي التي حرصت على شراء واقتناء قصص الأطفال ومجلات الطفل لتقرأها لي في سنوات الطفولة الأولى، حتى قبل أن أتعلم القراءة والكتابة. وخلال المرحلة الابتدائية والإعدادية من دراستي بالمدرسة كانت المكتبة المدرسية هي ملاذي الأوحد، وعرفت حينها شغفي بالرواية أكثر من غيرها من الألوان الأدبية الأخرى، فقد كانت الرواية التي أستعيرها من المكتبة هي صديقتي المقربة التي ما أكاد أبدأ في قراءة سطورها الأولى حتى تجذبني كالمغناطيس لأستمر في قراءتها ولا أتخلى عنها حتى يسدل كاتبها الستار على آخر فصولها.

أتذكر أنني كنت مولعة في تلك الفترة من حياتي بالروايات العالمية المترجمة وخاصة أعمال كاتب الرعب الأميركي “ستيفن كينج” والكاتبة “أجاثا كريستي” والكاتب “راي برادبوري” والكاتبة “بيرل بك”، وروايات الراحل “أحمد خالد توفيق”، والروائي “نبيل فاروق”، وحين صرت أكبر عمراً تعرفت بعوالم “نجيب محفوظ” و”يوسف السباعي”، وقرأت عشرات الأعمال لروائيين مصريين وعرب معاصرين.

لكن الإرهاصات الأولى للكتابة الأدبية بالنسبة لي جائت في عمر صغير، حين كنت في الثامنة من عمري وكتبت أربعة نصوص، تندرج تحت القصص القصيرة للطفل، ورغم سذاجتها الطفولية إلاّ أنها تمثل لي ذكرى طيبة لا أزال أحتفظ بها بين أوراقي، وأذكر أنني حين كتبتها بخط فوضوي ودعمتها برسوم طفولية بالحبر الأزرق والألوان، أخبرت أمي أنني أريد أن أصير كاتبة عندما أكبُر.

وطيلة سنوات المراهقة كان يراودني حلم كتابة رواية، فكتبت بضع صفحات لمسودات روايات لم تكتمل وسرعان ما فقدت شغفي تجاهها، فلم تكن قدرتي على ولوج عالم الكتابة الروائية قد اكتملت في ذلك العمر الصغير، لكني أذكر أنني في الإجازة الصيفية التي أعقبت عامي الأول بالمرحلة الثانوية قد كتبت نوفيلا اجتماعية رومانسية صغيرة أسميتها “عشاق إلى الأبد”، وكانت لغتها بسيطة تخلو من جماليات اللغة وحبكتها لم تكن عميقة كافية لترقى إلى النشر فهي لم تكن أكثر من محاولات قلم يرتعش في خطواته الأولى على درب الكتابة. وحتى وصلت إلى المرحلة الجامعية وبلغت العشرين من عمري كانت لي أربع نوفيلات غير منشورة تتراوح بين الرومانسي والاجتماعي، وجميعهن لم يكنّ في نظري سوى محاولات لا أكثر وتجارب كتابية ممتعة في ذلك العمر المبكر.

وذات ليلة صيفية من العام 2010 روادتني رغبة قوية في الكتابة، فما إن أمسكت بقلمي وخططت به على أوراقي حتى تدفقت كلمات بلغة شاعرية عذبة كانت مفتتح روايتي الأولى المنشورة “ضائعة في دهاليز الذاكرة” لكن القلم ساقني هذه المرة لمغامرة أدبية لم أكن أتوقع خوضها في ذلك اليوم، وهي كتابة الرواية البوليسية، وقد استغرق مخاض هذه الرواية عاماً كاملاً حتى انتهيت من مسودتها الأولى.

وفي صيف العام 2011م تعرفت بالروائي المصري الراحل “مكاوي سعيد”، وعرضت عليه مسودة روايتي التي نالت استحسانه، وقام بتزكيتي لنشر العمل الأول لي لدى دار الدار، لكن الرواية تأخر صدورها وخرجت إلى النور في عام 2014.

وحظيت الرواية لدى صدورها باستحسان عدد من الأدباء والنقاد الذين أكدوا أنها خلت من كثير من أخطاء وزلات العمل الأول، وكانت المبدعة الراحلة “ابتهال سالم” على رأس من أشادوا بي وقدموا لي دعماً معنوياً. وقالت الناقدة الدكتورة فاتن حسين، في قراءة لها حول الرواية: “اعتمدت الكاتبة في السرد على إسلوب الرواي الذي يتكلم تارة بضمير المتكلم وتارة بضمير الغائب وليس ذلك سهواً منها بل عن قصد؛ فالبطلة تروي الأحداث من وجهة نظرها، وبهذا قدمت الكاتبة تقنيتين جيدتين للسرد تضمن قدرا من الموضوعية أولا وهذا يكفله السرد بضمير الغائب، وفي الوقت نفسه تنقل القاريء لقلب الحدث مباشرة وتكشف له عن عقل البطلة ومشاعرها فيحياها مع أشخاصها، وهي تقنية رائعة جدا وتغيير موضع الراوي هنا يشير لتغيير الرؤى التي تروى منها الأحداث؛ وهي تقنية استخدمها نجيب محفوظ في روايته “اللص والكلاب”. هناك لعبة فنية في “ضائعة في دهاليز الذاكرة” تدل على ميلاد كاتبة حقيقية، يتماهى فيها المتخيل والواقع والماضي بالحاضر، وتسير الرواية في عدة خطوط” .

وقال عنها الناقد والشاعر عمر شهريار: “الكاتبة وضعت قواعد للعبة بوليسية وإن كانت في بدايتها احتوت على محاولة للتحليل النفسي وأشارت صفحاتها الأولى إلى أننا أمام نص عميق جدا يتناول طبقات وعي بطلتها وذاكرتها وما يدور داخل النفس البشرية.

وأضاف شهريار: أن اللغة لدى “آية ياسر” جميلة وممتعة جدا، وأن الصياغة الشكلية للجملة في روايتها مفعمة بالمعاني؛ إلا أن هناك مصطلحات قليلة عالقة بذاكرتها تنتمي إلى الكلاسيكيات الأدبية.

وبعد عامين من صدور روايتي الثانية “همس الأبواب”، وانتهائي من كتابة المجموعة القصصية تحت الطبع “صرخات مكتومة”، كتاب الأطفال تحت الطبع “متى سأكبر وقصص آخرى للصغار”، وبينما أشارف على الانتهاء من كتابة ثالث رواية لي “ذكريات الأمكنة”، أقول إن التجربة الأولى اختلفت كثيراً عن الأعمال التالية سواء المنشورة منها وغير المنشورة، من حيث النضج الأدبي والعمق والتنوع والجراءة في تناول القضايا وتجريب ألوان أدبية جديدة، بفارق العمر وتراكم الخبرات الأدبية التي أصقلها العمل كمحررة ثقافية منذ تسع سنوات إلى جانب القراءات والتعرف على تجارب الكثير من المبدعين العرب والكرد والأجانب.

  • كاتبة ورائية مصرية  آخر ماصدر لها رواية “همس الأبواب” عن الدار للنشر والتوزيع.

The post آية ياسر: روايتي الأولى خلت من كثير من أخطاء وزلات العمل الأول appeared first on الرواية نت.

الرواية.. حين تنفلت من الحبر وتتحوّل إلى صيغة مرئية في حضرة السينما

$
0
0

هدى الهرمي

لا تستأثر الرواية بالإبداع وإنما هي فرع مُهمّ من شجرة الأدب المُتجذّرة من الفنّ فكانت إحدى روافده المُهمّة والمُعتمدة على الحبر، لينصاع للسرد والوصف وذلك الصراع القائم بين الشخصيات، وهي تعتمد على قواعد فنية تجعلها مُنفردة في صيغة الإبداع ومختلفة عن سائر الفنون الأخرى.

بينما تُعدّ السينما نوعاً من الفنون القائمة على الصورة والصوت، ويتميّز بتقنيات وسمات عديدة جعلته يستحوذ على الابداع المرئي، بشكل ماتع في طرحه لمواضيع معرفية ووثائقية لا تخلو من التأثير، وربما هو محاولة ناجحة أيضا للموازنة بين القضايا الانسانية ومهمّته الفنية والمبهرة بشكل بصري،  ولكن من خلال تلك الجدليّة القائمة بينه وبين الرواية، التي طالما تناولت الواقع الانساني بكل ابعاده و تجلياته لكن بنتف من الخيال وهو أمر مثير وجذاب لرصد هذا الاقتباس الذي ظلّ مُفتعلا لاقتحام عوالم الرواية و البحث في عمق شخصياتها و هواجسهم التي تختال بين الوهم والحقيقة والأمل والألم.. فهل يمكننا استنادا لهاته الجدلية ان نُعزّز قيمة السينما وتقنياته المرئية في الولوج إلى أغوار الرواية بنجاح، وإضفاء المزيد من الإبهار للعمل الأدبي بصناعة عملاقة تُوسع أمداء الرواية دون تشويه أو إسفاف في حق الإبداع ومصادرة لجهود الكاتب؟

يُعدّ عصرنا الحالي عصر ثقافة الصورة بامتياز، حيث اجتاحت الوسائل المرئية بؤرة التلقّي، بل وجلبت اليها انماط حديثة لاستقطاب فضاءات الدهشة من خلال فرض سلطتها على عديد المجالات الإبداعية والفنية، لتتنامى صناعة الصورة و الصوت بعد الافلام الصامتة التي رُجمت بالحوار،  و خلال مائة سنة قدّمت السينما اهم عمالقة الادب وخاضت تجربة الاقتباس لروايات عالمية، كما تخلّصت من تقنياتها الكلاسيكية من خلال التشاكل الزماني و المكاني مما اكسبها عمقا ملحوظا ورونقا اخر شجع المخرجين السينمائيين على صناعة مُستقلّة، فقدّمت لجمهورها العريض مأدبة مرئية وساهمت بشكل أو بآخر في انتشار هذه الروايات المُلهمة لها.

 والجليّ أنّ السينما، استطاعت جذب جمهور عريض من قُراء الأدب بعد أن انحازت إلى العمل الروائي وأحدثت ذلك التوافق والانسجام، مع اضافة لمسات تقنية وحبكة درامية، ساهمت في نجاح العديد من الأفلام فتوهّجت النصوص الروائيّة لتُضفي عليها جودة وسحرا وشاعريّة، ولعلّ رواية “التيتانيك” التي ظلت مغمورة لفترة، لكن النجاح الخُرافي للفيلم أهله لدخول قاموس غينيس للأرقام القياسية بحصوله على 11 اوسكار. 

ومن الأعمال الروائية التي قدمتها السينما بصيغة مرئية مبهرة وعَرّفت بمؤلفيها، رواية “العطر” لباتريك زوسكنيد، اضافة الى العديد من الروايات التي منحتها شهرة وعمقا وجدية في المعالجة الدرامية رغم ضعف حبكتها الفنية والشكلية منها رواية “الحب في زمن الكوليرا” لغابريال غارسيا ماركيز، و”شيفرة دافنشي” لدان براون.

وتماشيا مع ما عرفته السينما العالمية من تنامي ظاهرة اقتباس الأعمال الروائية وتحويلها الى افلام، فقد اكتسحت أيضا العالم العربي وأثّرت بصفة ملحوظة على السينما العربية، ممّا فسح المجال لها ان تُوّطد علاقتها بالجمهور العريض وتعرف نُقلة نوعية مثل فيلم “دعاء الكروان” لطه حسين و”الرباط المقدس” لتوفيق الحكيم و “الأرض” لعبد الرحمن الشرقاوي.  

ورغم الاختلاف الجوهري بين الأدب والسينما من حيث البنية الفنية وأسلوب التلقي، فقد كانت العلاقة بينهما على غاية من العمق والإثراء، ما جعل السينما خير مجال يُعتمد عليه في سبيل انتشار الكاتب بقطع النظر عن الترجمة الى عديد اللغات الاجنبية، وأضحى اقتباس العمل الروائي واحد من اقصى ما يمكن ان يطمح اليه اي كاتب للحصول على أكبر قاعدة شعبية تضمن لأعماله البقاء والرسوخ.

 ولعل نجيب محفوظ هو أكثر من حُظي بهذا التوهّج الاستثنائي في السينما العربية، من خلال مجموعة من الروايات التي تحولت الى افلام واقتحمت وعي الآخر المتلقي البسيط، لترتقي إلى مصاف الآثار الفنية والإنسانية الخالدة إلى يومنا هذا.

فهو يُعدّ من عمالقة الروائيين في العالم العربي، وأول كاتب عربي حاز جائزة نوبل للآداب، وأضافت أأعماله إلى السينما المصرية الكثير من العمق بمحاكاتها للواقع لتُخلّف بصمة مُؤثرة في القرن الماضي، وساهمت بشكل او بآخر في انتشار رواياته الملهمة لدى شريحة هامة من القراء.

من اهم اعماله الروائية التي تحولت إلى أفلام رواية ” اللص والكلاب ” و “زقاق المدق” التي ظلت محفوفة بالإبهار وذلك التأثير المتوّج بروعة الاقتباس.

أمّا السينما البوليوودية فهي لا تخلو من الاقتباس ايضا، فقد حوّل المخرج سانجاي رواية “ديفداس” الشهيرة الى فيلم، وهي للروائي والقاص البنغالي سارات تشاندرا، وقد تباينت طريقة المعالجة والطرح لكنها في النهاية جسّدت روح الرواية وبقيت ناقلا أمينا لها، مُضيفا عظمة بصريّة وحبكة درامية هائلة. ويُعدّ هذا العمل نسخة ثالثة وحديثة بعد ثمانية عقود ليصبح مدخلا مرئيا، تطرّق الى حال الهند في بداية القرن العشرين، وبمستوى تقني مُتطور واستعمال هائل للمؤثرات الخاصة، والمُلاحظ ان سانجاي برع في الحفاظ على التشويق مع الحرص على أمانة نقل سير الأحداث في الرواية، واستحدث بذلك حركة وطنية حداثية في الأدب الهندي، وكانت مناسبة لاستحضار الشخصية المَنسيّة الى حيز الوجود مرة أخرى.

لكن لنا أن نتساءل عن اشياء كثيرة قد تتعرّض اليها الرواية من خلال اقتباسها وتطويع الحبر الى مشهد مرئي، وفي هذا الإطار يرى الروائي الايطالي ألبرتو مورافيا أن الرواية قد تتعرض فيها اشياء للحذف والاقصاء عندما تتحوّل الى فيلم، لان للسينما حدود وهي تستطيع ايضا ان تنجز اشياء رائعة ومُدهشة لا يستطيعها الأدب من اجل انشاء واقع جديد تماما. 

أما الفيلسوف والروائي الايطالي أمبرتو ايكو فهو يقول ” ليس سهلا دائما التعبير في الفيلم عن أشياء موصوفة على الورق، أشياء سوف يفهمها القارئ آليا”.

لذلك لا تخلو بعض الاعمال السينمائية من تشويه للرواية فنيا وأدبيا ولعل “ذاكرة الجسد” لكاتبتها أحلام مستغانمي خير مثال على ذلك إضافة الى رواية ” العجوز والبحر” لأرنست همنغواي والحاصلة على جائزة نوبل للأدب حتى أنه حين شاهد الفيلم خرج قبل نهايته صارخا في الظلام “ليست هذه قصتي”.

ومن جانب آخر تُعبر صناعة الافلام الروائية تجارة مُربحة واستثمار جيد للأرباح وجني اهتمام النقاد مع حصد الجوائز العالمية، اذ تجاوزت مَبيعات افلام الروائي ستيفن كينغ وهو أشهر كاتب رعب 350 مليون نسخة وبلغت اعماله المُستوحاة من عوالمه الروائية والمُقتبسة ما يقارب 214 عملا متنوعا بين أفلام قصيرة وطويلة، ويكفي القول ان هناك ما يقارب 25 عمل سينمائي وتلفزيوني مُقتبس من رواياته جاري اعدادهم للعامين القادمين.

أما أجاثا كريستي فهي تُعدّ أعظم كاتبة للروايات البوليسية حتى الآن، وقُدرت مبيعاتها أكثر من مليار نسخة من رواياتها، لتتصدّر الافلام المُقتبسة من رواياتها شبابيك التذاكر في قاعات عالمية.

إن الكُلّ يَجزم ان المستقبل للصورة المرئية وإن العمل السينمائي أصبح مُنفتحا أكثر، ومُكتسحا بقوّة لوجدان المُتلّقي المثقف والعادي على حدّ السواء، وهذا في حدّ ذاته رهان للرواية وربما مخاطرة، لكن يظلّ الحسم للكاتب فيما يراه جديرا بإبداعه دون الوقوع تحت طائل قانون العرض والطلب.

وبدون الحكم على تجارب العديد فإننا نعيش اليوم على وقع   السينما كمساحة جذب لنصوص وشخصيات أدبية في كامل اصقاع العالم، وحسب كلود موريال وهو الذي يُعتبر من أهم كُتاب السينما ومُنظّريها “أن السينما تتمتع بأكثر الوسائل اقناعا في اقتناص الشاعري اولا لأنها لا تُجمّده.

وفي خضم الائتلاف والاختلاف، أيّ مستقبل للرواية بعد أن تنامت صناعة الصورة بشكل مُتطور و ذي نسق سريع، في ظلّ نزعة استهلاكيّة نحو اقتحام كل ما هو مرئي و مُريح مقابل عالم الكتب الشّاق الذي يُكابد في عصر هذا الانفتاح البصري الشاسع.

  • كاتبة من تونس

The post الرواية.. حين تنفلت من الحبر وتتحوّل إلى صيغة مرئية في حضرة السينما appeared first on الرواية نت.


الملك في بِجامته ..الزمن الفاصل بين العهدين

$
0
0

كه يلان محمد

التحولات التي شهدها العراق منذ العام 2003 كانت لها تمثلات في الأعمال الروائية الصادرة، وأضحت الظواهر الناجمة من الفضاء المتُخم بالموت العبثي والمشحون بصراعات مُحتدمة بين وجوه متمترسة وراء هويات فرعية ثيمةً أساسية في السرد الروائي، الأمر الذي لفتَ انتباه النُقاد وطرحوا بشأنه أسئلة من الصميم، ربما ما أثير في ضفة النقد له ارتدادات على اختيار بعض المؤلفين الذين يهمهم عدم الوقوع في مزالق التكرار…
انعطفَ الروائي خضير فليح الزيدي في عمله «الملك في بيجامته» الصادر من دار الرافدين – بيروت 2018 إلى حلقة إشكالية وابتعد عن المناخ السائد في روايات ما بعد 2003 إذ يستعيدُ لحظة فارقة في تاريخ العراق وهي الانتقال من الملكية إلى الجمهورية، وبهذا يفتحُ أفق الاشتغالات الروائية بوجه إمكانيات ورهانات جديدة. أكثر من ذلك فإنَّ صاحب «فاليوم عشرة» قد غامر على المستوى البِنائي، ومضى بعيداً في التجريب وتوظيف أُسلوب ميتا السرد، إضافة إلى تمكنه في الدفع بشخصيات تاريخية إلى فضاء عمله متجاورة مع ما نحتهُ من شخصيات مُتخيلة، كما أن السردَ يتحركُ بين أزمنة مُتعددة، فضلاً عن انفتاح النص على فن المسرحية والسيرة الذاتية، ما يعنى ضرورة استنفار مدارك القارئ حيث يختبر النص مستوى وعيه، إذ تتقاطعُ قصص بصيغ مُختلفة في سياقِ هذا العمل، وتتحول شخصية خالد الذي سُمي بشيخ الروائيين من دون أن يكون لديه مؤلف روائي إلى خيط ناظم لمسلسل الأحداث.
قبل الدخول إلى أجواء الرواية، يوردُ الكاتبُ ثلاثة تقارير في المقدمة، ولا تنفصلُ هذه المادة التقريرية مما تتوالى من الوحدات السردية… يضعُك التقرير الأول أمام ملابسات محاكمة شخصية جميل قرة تبى الذي كان يشتغلُ في دائرة الاتصالات والبرق في العهد الملكي وما يردُ في حيثيات محاكمتهُ يظهره في إهاب شخصية أبيقورية، لذلك ما أنْ يصدرَ الحكم ُباعدامه شنقاً حتى يهتف بشعارات زاخرة بشحنات تهكمية «يحيا رقص، تحيا رحلو».
ويلي هذا التقرير مقالُ شيخ الروائيين حول تفشي الوباء في الرصافة القديمة وتفيدُ الرسائلُ المتبادلة بين المواطنين بأنَّ أحد كتاب بغداد راح ضحية للوباء. كما يصفُ شيخ الروائيين ما يسود في المدينة من الهرج والمرج عقب انطلاق الجرذان من كل حدب وصوب… والتقرير الثالث هو من مُنظمة الصحة العالمية التي تحدد نوع الوباء، مشيراً إلى أنه سبق واجتاح جنوب غربي آسيا في الأزمنة الماضية.
ما أشرنا إليه آنفاً من المتون التمهيدية يكشفُ عن الصياغات المتنوعة في المبنى الروائي، إذ ينحو السرد منحى مُغايراً في الباب الأول حيثُ يذكرك الراوي بالكارثة التي حلت في بغداد ثُم ينعرجُ إلى موضوع المسرحية التي طُلبَ منه حضور تمارينها الأخيرة، يتلقى شيخ الروائيين الدعوة من «براق الكوني»، فالأخير أسند إليه دور الجزار في العمل المُقتبس من رواية «عماد الآغا» الذي وافته المنية في عام الوباء قبل أن يكمل الفصل الأخير، يهمين ضمير المُتكلم على الفقرات التي يروي فيها شيخُ الروائيين تفاصيل بروفة المسرحية والنقاشات التي احتدمت بين القائمين على انجاز العمل فضلاً عن إشارته إلى موقع بناية معهد الفنون الجميلة المعبقة برائحة الإناث اللائي سكنَّ فيها، ما يستدعي الحديث عن علاقته بالرائحة واحتفاظه بحاسة الشم رغم وصوله إلى خريف العمر.
ومن ثم يتموضعُ القارئ في زاوية نظر الشيخ خالد مُندمجاً مع ما يدور على المسرح حيثُ يظهرُ راوٍ بملامح مُتجهمة يتقمصُ دور حكاء التاريخ، يمهدُ لانطلاقة العمل. وعقبُ ذلك تتصاعدُ الابتهالاتُ إذ تحتجُ امرأة بلهجة عراقية وهي أخت آخر العنقود الملكي في العراق على مقتل أهلها.
ومع استمرار البروفة ومداخلات بعض الحضور حول دقائق العرض يخرجُ كوادر المسرحية من الممثلين والمخرج والمتخصص في الديكور والأزياء من العتمة كما تتضح طبيعة العلاقة القائمة بين مخرج المسرحية نورس والمتخصصة في الأزياء الإسلامية سعاد بدوي التي شغفت حباً بطالبها. إلى جانب ذلك ينجلي الغموض عن دور شيخ الروائيين الذي كُلِفَ بكتابة الفصل الأخير من رواية المغمور «عماد الآغا» وقبل موت الأخير كان لشيخ الروائيين لمسات على الخطوط العريضة للعمل خصوصا العنوان، إذ يُعدله من «الملك في قصر الرحاب» إلى «الملك في بيجامته» مُستفيضاً في الحديث عن دور العتبة الأولى وضرورة طابعها الإيحائي، وذلك ابان عن ثقافته النقدية لدى المُكَلَف بإكمال الرواية المكتوبة عن واقعة قصر الرحاب، وهو مطلع على كواليس الرواية كما يُصاحبُ تحضيرات المسرحية إلى يوم العرض. لذا يصحُ وصفه بمؤلف الظل.
يمتازُ هذا العمل بطابعه المراوغ وذلك يتمثل في خطين يتقاطعان السرد، فمن جهة يتابعُ المتلقي لقاءات شيخ الروائيين مع براق الكوني والأفكار المتمخضة عنها. وتستأثرُ فصول رواية غير مُكتملة لـ «عماد الآغا» باهتمامه من جهة أخرى، إضافة إلى تجاور سلسلة من القصص الفرعية المُتفاوتة زمنياً في متن الرواية، مناورات غزلية لسعاد بدوي مع نورس ومن ثم العلاقة الافتراضية التي تتحول إلى علاقة واقعية بين سعاد وأحمد، وقصة الحب بين وحيد زنكي، ابن الحدائقي في القصر الملكي ورازقي وما يعيشهُ جميل قرة التبي من حياة المجون، وقوع الأميرة راجحة في حب الملازم عبدالجبار، ونبوءة العرافة للملك الصغير بأن زواجه من فاضلة سيكلفه ثمناً باهظاً، ومشهدُ مغادرة الفواخيت لشجرة عجوز بأيام قبل أن تلم الكارثة بالعائلة المالكة.
احتشاد العمل بكل هذه القصص لا يؤدي إلى انفصام بين وحدات الرواية بقدر ما يُزيدُ من عناصر التشويق في بناء العمل بأكمله، ويدعمُ القصة الأساسية وهي وقائع يوم 14 يوليو 1958عندما يتساقطُ جميع أفراد الأسرة الملكية باستثناء الأميرة هيام، قتلى، ويبدأُ فصل جديد من تاريخ العراق، يُحسب للكاتب دقته في التقاط اللحظة الدرامية وتعجينها مع عنصر التخييل، وإيراد أسماء الشخصيات الواقعية من دون أن تضيع خصوصيات العمل السردي في لجة المعلومات التاريخية.
ومن الواضح أنَّ مؤلف «فندق كويستان» يريدُ تطعيم كل أعماله الروائية بالحس الشعبي من خلال تصوير مناخ البيئة البغدادية، وهنا اعتمد أيضاً على توظيف الفوتوغراف بالأسود والأبيض لسد ثغرات في التاريخ.

The post الملك في بِجامته ..الزمن الفاصل بين العهدين appeared first on الرواية نت.

أسطورة الطفل الراكد.. مقطع من “ليل طنجة”

$
0
0

محمد سعيد احجيوج

نسيت دوائي. أحتاجه من جديد. لم أتناوله منذ يوم الجنازة. مئة درهم في الجيب. ثمن علبة الدواء مئة وثمانون وثمن مؤخرة مومس في نهاية عمرها الوظيفي خمسون درهما. لم أجرب من قبل. المبيت مع إحداهن من الطبقة الدنيا يبدأ بمئة درهم زائد أجرة الفندق. ليس أمامي إلا الاكتفاء بثقب المؤخرة وقضاء الطلب في زقاق خلفي مظلم. دقات قلبي تتسارع. الخوف. الرعب. التردد. أحتاج للدواء. أعود بضع خطوات عبر شارع مكسيك إلى رأس المصلى. أحتك من جديد بالأجساد الساخنة. تبلعني متاهة أزقة المصلى الضيقة. خمسون درهما ستوفر لي قرصا واحدا وسأحتفظ بالخمسين درهما الأخرى لأخنق الحيوان الذي يعضني. أضع القرص في فمي وأبلعه دون ماء. تلفظني أزقة المصلى إلى شارع فاس. أهرب من المفاتن الأنثوية الباذخة التي تملأ شارعي باستور ومحمد الخامس. أمر عبر الشوارع الفرعية حتى أصل إلى ساحة الأمم. اسمها الآن ساحة فلسطين والعراق. بضعة أمتار نزولا وأصل إلى نهاية شارع محمد الخامس على مقربة من حي النجمة الذي صار وكرا للدعارة الراقية ولا قبل لي بغلاء المومسات هناك. التهم دوران الأرض حول نفسها نصف ساعة من أعمار سكانها وبدأ مفعول القرص ينتشر في دمي. دقات قلبي ترتفع. ضوء مؤلم يتدفق إلى عينيَّ بضراوة جيش مغولي. أسمع صوت الرصاص يخترق سكون البادية. صهيل الخيل وصرخات الرجال. تحكي جدتي عن أبيها وتقول بأنه شهيد عند الله. يقول الفقهاء الشهيد كل من مات في سبيل الله وجزاؤه الجنة والحور العين وأما محمد شحرور فيقول بأن الشهيد والشهادة لا علاقة لهما بالموت. الشهيد لا يمكن أن يكون ميتا. الاقتران بين الشهيد والمقتول في سبيل الله لا وجود له في التنزيل الحكيم. من أين جاء الربط الفقهي بين لفظ الشهيد والموت في سبيل الله؟ بالنسبة لشحرور الشهيد هو كل من اكتشف أمرا غيبيا عن الناس وعرضه عليهم. ابن الهيثم شهيد لأنه شهد حقيقة البصر وابن النفيس شهيد لأنه شهد حقيقة الدورة الدموية وباستور شهيد لأنه شهد حقيقة جرثومية المرض. الضوء والبصر والدورة الدموية والجراثيم كانت موجودة لكنها كانت في علم الغيب بالنسبة للناس قبل أن يأتي بها الشهداء. الشهداء هم من كشفوا غيبا وقدموه للناس. خرج جدي بل جد والدتي مع جيش الخطابي بعد أن ترك بذرة جدتي في أحشاء أمها. جدة والدتي. ركد الجنين في رحم أم جدتي ونام عامين قبل أن تأتي والدة والدتي. والدة جدتي كانت تلعب بذيلها على ما يبدو. أم أمي تصدق تلك الخرافات عن الطفل الراكد. أمها حكت لها أنها حبلت بها ليلة ذهاب أبيها إلى جهاد الإسبان. عاد الرجال بعد الحرب وعاد الموتى ومن يفترض أنه جد أمي لم يعد. لم يُعرف إن كان حيا أم ميتا. تقول جدتي أن والدتها ذهبت إلى فقيه فعزم لها ليركد الجنين. ثم بعد سنتين وصل الخبر اليقين عن زوج جدة والدتي. امرأة اسبانية سحرته وجلبته بسحرها إلى تطوان ومن هناك رحلا معا إلى مدريد. الصدمة فكت سحر الفقيه عن أمَّ أمِّ أمي فتابع الجنين نموه وجاءت ولادة جدتي بعد سنتين من اختفاء والدها. الحكاية الأخرى التي لا تقال إلا همسا من طرف فروع بعيدة من الأسرة أن أم جدتي كانت تعشق فقيه الجامع في القرية وكان الجامعُ جَامِعَهما في جِماعِهما. بالنسبة لجدتي والدها شهيد في معركة أنوال المجيدة. أقنعت نفسها بذلك وصدَّقت. جدتي أمية لا تقرأ حرفا ولا تكتب. لكنها تحفظ الكثير عن أنوال. كانت تحكي لنا ونحن صغار أساطير عن هذه المعركة التي دحر فيها عبد الكريم الخطابي الجيش الاسباني الكامل التجهيز. تفخر جدتي بالقول إن الهزيمة كانت صاعقة نزلت على الإسبان لدرجة أنهم سموا الموقعة كارثة أنوال. بدأت المعركة يوم 22 يوليو 1921 بين الجيش الإسباني الاستعماري المدجج بالأسلحة والمقاتلين ومجموعة من سكان الريف تحت قيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي. فتك الوطنيون بالمستعمر الإسباني. لا أعرف من أين سمعت جدتي بكلمة فتك. تمكن المقاومون من غنيمة كبيرة شملت مئتي مدفع وعشرين ألف بندقية وملايين الخراطيش وسيارات وشاحنات وأدوية وأغذية معلبة. آسر الوطنيون سبع مئة من الإسبان وأثخنوا خمسة عشر ألفا من جنود العدو. لطالما استغربت من ذاكرة جدتي على حفظ هذه الأرقام. كانت نقطة ضعفي دوما حفظ الأرقام والتواريخ. أستغرب كيف أن هذه التفاصيل طفت إلى ذاكرتي الآن بيسر وسهولة دون أي محاولة استدعاء من جانبي. حين كبرنا صارت جدتي تشبه أنوال بمعركة بدر التي لم تكن تعرف عنها إلا ما سمعته من برامج قناة محمد السادس للقرآن. ماتت أمي قبل أن تكمل الستين من عمرها وما تزال أمها حية وتكاد تكمل المئة سنة. دقات قلبي تتسارع وتعاني رئتيَّ في التقاط الهواء. أسقط على أقرب مقعد في حديقة ساحة الأمم وألتقط أنفاسي. لماذا غيروا اسم الساحة إلى ساحة فلسطين والعراق؟ هل لأنها كانت الملتقى للحناجر التي كانت تلعلع بالهتافات ضد أمريكا وإسرائيل. “خيبر خيبر يا يهود. جيش محمد سيعود.” بخ. يا له من هراء. أي جيش هذا الذي سيعود؟ صدق من قال بأن العرب محض ظاهرة صوتية. إن كانت إسرائيل هي العدو فإنها عدو قوي. عدو لا يفهم إلا قانون القوة. فهل جيش محمد الذي سيعود سيكون قويا؟ جدتي تؤمن بأسطورة الطفل الراكد. تواجد الإنسان العاقل على الأرض منذ مئتي ألف سنة على الأقل. بدأت مظاهر التحضر تظهر عليه منذ خمسين ألف سنة. بدأ الإنسان الزراعة وتدجين الحيوانات منذ عشرة آلاف سنة. أول حضارة متكاملة ظهرت منذ سبعة آلاف سنة. مع ذلك يتعذر على هذا الإنسان البائس أن يعرف الفترة القصوى لحمل المرأة. بئيس هذا الإنسان. أئمة المذاهب الفقهية الأربعة يقبلون بفترة حمل تزيد عن التسعة أشهر. بعضها يقبل بعامين وبعضها بخمس سنوات. بعد استقلال المغرب اعتمدت مدونة الأحوال الشخصية على مدة ثلاث مئة وخمسا وستين يوما كفترة قصوى لحمل المرأة مع بعض المرونة التي تسمح بعدم القطع مع ممارسات الماضي التي تسمح بوصول الحمل إلى سبع سنوات في تهجين صارخ بين المذهب المالكي والمعتقدات الأمازيغية. لم يتم ترسيم الفترة القانونية في 365 يوما إلا بعد إصلاح المدونة سنة 2004 ضمن الإصلاحات الحماسية التي بدأ بها الملك محمد السادس فترة حكمه قبل أن يفقد الأمل في إمكانية صلاح الشعب والمنتخَبون منه لتسيير البلديات والوزارات. أتخيل أحيانا أن الملك تعب من الحكم وأمرضته الملكية فأوكل تسيير بعض القطاعات المهمة إلى أصدقائه المقربين وترك الحبل على الغارب لأحزاب سياسية فاقدة الأهلية لا هم لها سوى الاقتتال على أصوات ناخبين لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع إلا لأوهام دينية أو لأجل صندوق من الطحين والزيت والسكر. ضحكة رقيعة تخترق أذني كفرقعة قنبلة صوتية. يتردد الصفير طويلا في أذني. أشعر بالغثيان. أرفع رأسي. على بعد بضعة أمتار على يساري امرأة سقطت من الكون النقيض لعالم الجمال. خدان منتفخان عليهما أطنان من الصباغة الحمراء. رموش صناعية طويلة أرجوانية اللون. شفتان غليظتان مثقلتين بطبقات بنية اللون مما يفترض أنه أحمر شفاه. شعر مجعد مرفوع إلى الأعلى ككومة قش بنى عليها غراب عشه. قميص قصير لا يغطي السرة الواسعة كفوهة بركان أعلاه شبكة مخرومة تظهر كامل الثدي الذي يفترض أنها تغطيه ولا تغطي منه سوى رأس الحلمتين. سروال لاصق لا أعرف كيف دخل في فخذيها السمينين يكشف بجلاء تضاريس العضو أعلى ساقيها. يخاصرها رجل تسبقه بطنه المترهلة. كلاهما يتمايل في مشيته كأنهما مخموران تماما. إن المرأة جميلة كيفما كانت. كل امرأة جميلة بطريقتها الخاصة. ما أكثر النسوة اللواتي يفسدن جمالهن بمساحيق وتسريحات شعر يحسبن وهما أنها تزيدهن جمالا. أو ربما هي تزيدهن جمالا في نظرهن الجاهل عن تعيين الجمال. غثيان قوي. أغمض عينيَّ وأتنفس بعمق. أضغط بكفيَّ على أذنيَّ. ما زال صدى ضحكتها الرقيعة يتردد في تجاويف أذنيَّ. استفادت المرأة على مر التاريخ في المغرب العربي وفي الجزيرة العربية وحتى في اليونان منذ زمن أبقراط من أسطورة الطفل النائم. المرأة العاقر يمكن أن تدعي أنها حامل وأن الطفل تأخر في المجيء لتتجنب الطلاق. المرأة التي تعاشر رجلا آخرا وتلد بعد أشهر من غياب أو وفاة زوجها تدعي أن الجنين كان نائما لتنجو من تهمة الزنا. الأرملة يمكنها أن تحبل من رجل آخر وتدعي أن الجنين كان راكدا حتى تحصل على نصيب الطفل من الميراث. إن كيدهن لعظيم. بخ. حتى الخليفة عمر بن الخطاب الشهير برجاحة عقله سقط في فخ هذه الأسطورة عن الطفل النائم التي أخرجتها النساء لتنوم بها الرجال. تقول الحكاية أنه استشير مرة حول أرملة تزوجت من جديد ووضعت مولودا بعد أربعة أشهر فطلبت نسب طفلها لزوجها الأول. بعد تشاور الخليفة مع نساء مسنات خلص عمر إلى أن المرأة حملت بالطفل من زوجها الأول وقد جف الجنين بسبب عودة الدورة الشهرية للأرملة وأن مني الزوج الثاني قام بتغذية الجنين فعاد للنمو من جديد حتى اكتمل نموه. الصداع رهيب وأشعر بأن الأرض تتحرك تحتي. هل يعقل أن تكون هذه الحكاية صحيحة؟ كيف سأعرف وكل التاريخ الإسلامي يمكن أن يكون مزيفا. ما أسهل تزييف التاريخ. دوار رهيب وأصوات مزعجة تثقب أذني. منبهات السيارات. لغط الناس. الهواتف التي لا تخرس. الضجيج. عالم من الضوضاء والضجيج. ما عاد الناس يتحملون الصمت. في المقهى يشغلون مقاطع فيديو بئيسة بأعلى صوت. في الحافلة والتاكسي يتحدثون عبر الهاتف بصخب مع تشغيل مكبر الصوت ليسمع الجميع تفاهة محادثتهم التي كان يمكن انتظار الوصول قبل ربطها. في البيوت تشغل الموسيقى الرديئة والمسلسلات التركية المدبلجة إلى العامية بطبقات صوت قادرة على زلزلة أساسات البيوت حتى آخر الزقاق. الضجيج والضوضاء وما عاد الناس يتحملون الصمت. هل نحن في قبر؟ يقولون. هم لا يفكرون وهم لا يقرأون. لا حاجة لهم للصمت ولا قدرة لهم على تحمله. دوار رهيب وشعور طافح بالغثيان. اللعنة. هذا القرص مغشوش. منذ قضت الدولة على إمبراطورية حميدو الذيب غزت الأسواق أنواع مغشوشة من المخدرات. ما عاد بين اللصوص من شرف. أدس أصابعي في حلقي وأدفع وأضغط. تصعد الحمم البركانية من المعدة وأتقيأ. أشعر بنظرات الاستهجان تسلط عليّ من الجالسين في الحديقة ومن العابرين. لا يهم. فليذهبوا جميعهم إلى الجحيم. هناك متسع لهم ولغيرهم. صوت فيروز يأتي من مكان ما. ألهث. أعب الهواء. أبصق مذاق الصديد من فمي. صوت فيروز يأتي من لا مكان. أدلك صدري. أبصق بقايا القيء. صوت فيروز يأتي من العدم. صفعة أخرى من الضوء الغاشم تحرق عينيَّ. سموم القرص المغشوش وصلت إلى دمي. أغمض عيني وأعود بظهري إلى الوراء. صوت فيروز يأتي من الفضاء. كم كنت أحب هذه الأوبريت. ما زلت معجبا بها خاصة مطلعها “أحترف الحزن والغياب، أرتقب الآتي ولا يأتي” لكنها ما عادت تزرع فيَّ أي حماس. مقطع “جسر العودة” في الأوبريت وكلماته “العاثر ينهض، النازح يرجع، المنتظرون يعودون، وشريد الخيمة يرجع… يدخل آلاف الأطفال، من كبروا الليلة في الخارج، عادوا كالبحر من الخارج” صار محض كلام يجري على الألسنة لا صلة قرابة له بالأفعال. هي مجرد أمنية ابتذلت لكثرة ما تكررت أملا زائفا. شئنا أم أبينا إسرائيل دولة قوية وأما العرب فمحض ظاهرة صوتية. إسرائيل تعرف أنها قوية وأن نرفض تسميتها دولةً ونعتبرها كيانا استعماريا لا يغير شيئا من حقيقة أنها تستوطن أرضا كنا نسميها فلسطين منذ أزيد من سبعين عاما ولا قدرة لنا على إخراجها الآن. قديما قال الشاعر بأن الطريق إلى القدس يمر من فوهة بندقية. أما الآن ليست إسرائيل هي العدو. على الأقل ليست العدو الأني القريب الذي يجب البدء به. المملكة العربية السعودية متحالفة مع إسرائيل ضد إيران. بالنسبة لحكام السعودية إسرائيل لا تمثل خطرا على كراسيهم أما إيران بمذهبها الشيعي تمثل خطرا على استقرار الكرسي تحتهم. آل سعود غير معنيين بالقضية الفلسطينية. استقرار العرش لديهم أهم. حُقَّ لهم ذلك. شعبهم سمح لهم. خنوع الشعب وصمته سمح لهم فما شأني أنا بآل سعود؟ أحتاج أن أنظف عقلي من هذه الأفكار الخبيثة. أريد أن أصير كاتبا روائيا ناجحا. أريد الفوز بالجوائز الدسمة التي تقدمها السعودية وحليفتها الإمارات. لا شأن لي إذن بآل سعود وآل مكتوم. اهدأ. لا شأن لي بالسعودية. التقية. لكم دينكم وليَّ ديني والاختلاف في الرأي لا يفسد للجوائز قضية. من العدو إذن؟

مقطع من مخطوط رواية “ليل طنجة”.

محمد سعيد احجيوج

http://hjiouij.com

The post أسطورة الطفل الراكد.. مقطع من “ليل طنجة” appeared first on الرواية نت.

حجي جابر: لا نجاة من التورّط في الكتابة العنيفة

$
0
0

أجرت الحوار : ريم غنايم

حجي جابر، روائي إريتري، من مواليد عام 1976. يعمل صحافيًا في قناة الجزيرة ويزاول الكتابة الروائيّة على نحو شديد الخصوصيّة. منذ عام 2012، اقتحم حجي جابر المشهد الروائيّ العربيّ بصخب مع روايته “سمراويت”. وهو يداور الهويّة وأسئلتها ويفتح التاريخ الإريتريّ على مصراعيه في مدارات الخيال والتخييل مثلَ خيّاط ماهرٍ لا يضيّع تفاصيل الثّوب الذي يحيكه. صدرت لجابر أربع روايات حتّى الآن، هي “سمراويت” و”مرسى فاطمة” و”لعبة المغزل”، و”رغوة سوداء”. وهذه الأخيرة صدرت مؤخرًا عن دار التنوير.

مع مؤلّف هذه الروايات الأربع، المكتوبة بأربع لغات هوياتيّة تكشف عن جماليات الجسد الإريتريّ الثابت والمرتحل ومصائره من إريتريا إلى أثيوبيا وصولًا إلى فلسطين المحتلّة، كان هذا الحوار.

(*) طفل قادم من مصوّع، المدينة الإريتريّة، هبط في جدّة، ووصل إلى عالم الصحافة ثمّ عوالم الرواية التي ولجتها رسميًا عام 2012. إنها مسارات متعدّدة وحمولة هويّاتية تترنّح بين المركز والهامش، شكّلت في النهاية مفهومك للأدب وصاغَتكَ فنيًا. ما الذي اكتنزته- نفسيا وأدبيا- من هذا التهجين الثقافيّ، وما الذي سقط منكَ في الطريق؟

حين أعود بالذاكرة إلى الوراء أجد أنّ هذا السؤال محوريّ للغاية. لهذا عادة ما تأتي إجابته مختلفة في كل مرة. في البداية كنتُ أنظر إلى الأمر بشكل سلبي، ولهذا ربما خرجت “سمراويت” إلى الوجود. كانت شحنة غضب زفرتها في وجه الجميع. كنتُ محتجًا على عدم قدرتي تحديد شكلي النهائي، ماهيتي الكاملة، والهيئة التي ينبغي لها تقديمها للناس. لكنني، وبسبب “سمراويت” أيضًا، عدتُ أكثر هدوءًا وأصبحتُ أنظر إلى الأمر بشكل مختلف. هذا التهجين الثقافي، كما أسميته، بدا قادرًا على فتح مساحات أوسع أمام إدراكي وبالتالي إنتاجي الإبداعي. أما إذا أردتُ أن أختار إجابة مختصرة، تصلح للراهن من دون ضمانة أن تبقى دائما، فما حدث حرمني طمأنينة كنتُ أحتاجها، لكنه في المقابل حقنني بصخب ضخّ في تجربتي الإبداعية.

(*)ماذا عن ذاكرتك الأسريّة.. ألا تحتلّ حيزًا من ذاكرتك الإبداعيّة. أم أنّها ذاكرة محيّدة بتعمّد من صاحبها؟

لم أكن أملك ذاكرة تخصني فيما يتعلّق بالوطن الذي ولدتُ فيه ثم غادرته رضيعًا. كنتُ أقتات على تلك الذاكرة المستعارة وأستند عليها. لكن بدءًا من عودتي المتأخرة والتي سبقت كتابة روايتي الأولى “سمراويت” بعام واحد، بدأت في بناء ذاكرتي الخاصة. أشعر أن ما يشبه الإحلال تم في رأسي، ذاكرتي الناشئة محل تلك العتيدة، لكنني في النهاية لا أستطيع الزعم أني انفردت تمامًا بذاكرتي إبداعيًا، فكثيرًا ما ألجأ إلى تلك الذاكرة الأسريّة الرحبة.

(*) في فترة وجيزة، لا تزيد مدّتها عن ست سنوات، تمخّضت عن أربع روايات، تمكّنت من اجتراح مكانة روائيّة بارزة في الساحة الأدبيّة العربيّة الراهنة. في رأيك هل يعود هذا إلى خصوصيّة ما تقدّمه من مادّة روائيّة مدارها الترنّح بين عوالم إكزوتيكيّة بالنسبة للمتلقّي العربيّ؟ أم أنّ هناكَ شيئًا ما حيويًا في العَودة إلى مرجعيّات مقترنة بالتاريخ المنسيّ المنفوخ فيه فنيًا؟

عادة ما أكرّر أني محظوظ بالانتماء إلى بقعة جغرافية وثقافية بكر تكتنز الكثير مما يستحق الكشف والإظهار. الأمر أشبه بأن أكون الإنسان الأول لمكان ما، مع قدرة مسبقة على التواصل مع العالم خارج هذا المكان. هناك أمر آخر يتعلّق بكوني قادمًا إلى إريتريا من الخارج، كوني نشأت في الخليج، ولستُ معجونًا بطبقاتها الاجتماعية والثقافية. هذا الأمر أتاح لي أن أبقى قادرًا على رؤية ما يعجز عن رؤيته المقيمون فيها. أنا مرتاح لكونيّ إريتريّا وسائحا في الآن نفسه.

(*) لماذا تستحضر إريتريا ذاكراتيًا؟ هل هي محاولة لاسترداد هويّة مفقودة، أم هي احتفاء بهويّة موازية حاضرة راسخة في راهنك، أم هو تعويض عن إحساس بالحرمان، أو على الأصحّ، بالذّنب تجاه قطيعة قسريّة مع المكان الأوّل وإعلان الوفاء له؟

هو كل ذلك في حقيقة الأمر. لكن دعيني أضيف أمرًا آخر؛ إنه الغضب. أنا غاضب لأن بقعة جغرافية ما لفظتني في ذروة تشبثي بها، لذا جاءت هذه العودة عالية النبرة. أنا في الحقيقة أخبر الجميع أنّ لي جدارًا أستند إليه مهما بدا متداعيًا أو آيلًا للسقوط، لكن يكفي أن يكون لي ويخصني.

(*) الفنّ الروائيّ هو فنّ بوليفونيّ بامتياز. لماذا تعرّف نفسك على الدوام كروائيّ إريتريّ، بينما الرّواية لا تعرف حدودًا للهويّة، وأنت بالذّات روائيّ الجغرافيات الثقافيّة المتعدّدة؟

أفعل هذا من دون وعيّ، وربما بوعيّ. ما أعرفه أنّ إريتريا تعيش في العتمة، بينما أقف على ناصية الطريق أنادي على العابرين كي يلتفتوا إليها. أفعل ذلك كثيرًا، لذا لا أفوّت فرصة تكرار اسمها بمناسبة أو من دونها. إنها كالكلمة الجديدة بحاجة لتكرار حتى تثبت في ذهن المتحدث قبل من يستمع إليه. وبالمناسبة كنتُ سأفعل الأمر ذاته لو كنتُ طبيبًا أو لاعب كرة قدم على سبيل المثال. إنه النداء ذاته على المارة.

(*) يبدو لي أنّك كائن مسكون باستقصاء العنف.. في مناخك الروائيّ دراماتيكيّة ساكنة أحيانًا، عنيفة كثيرًا حتى في سكونها.. من في رأيك المسؤول عن هذا العنف الفائض في واقعنا إلى حدّ تأريخه روائيًا؟ هل هو أداة القاهرين والمقهورين التي لا بدّ منها، أم مرض جمعيّ متناقل، أم نزعة راسخة في طبيعة المكان الذي يستدعي العدوانيّة؟

سيبدو أيّ نصّ خارج هذا المناخ نشازًا. من الصعب أن أخرج بكتابة متنائية بالكامل عما نعيشه. هذا الأمر يأتي عرضًا ودون تقصّد. حين أكتب عن إريتريا التي أوغل نظامها في الاستبداد والقمع وقهر الإريتريين، لن أكون قادرًا على تجاوز هذا، حتى إن كانت مادة روايتي بعيدة عن تناول ما يجري على هذا المستوى. سيتسلل هذا التوحش إلى أسطري. نحن لفرط إقامتنا الطويلة في هذا الجو الموبوء أشعر أنّ الأمر أصبح متعلقًا بالجينات. وقد لفتتني إشارتك إلى كمّ العنف الذي تختزنه أرواح المقهورين أيضًا. لا نجاة إذًا من التورط في الكتابة العنيفة.

(*)كان صاحب “يوليسيس” يستلقي على بطنه لكَي يكتب، وكان همينغواي يكتب واقفًا، وكان ماركيز يقرأ الصحف قبل أن يشرع في الكتابة، وموراكامي تهيأ للكتابة بالركض. وأنت؟ كيف تكتب؟

لا أهتم عادة بالشكل الذي تأتي ضمنه الكتابة. لستُ مهووسًا بالطقوس. أترك الأمر يمضي على كيفيته. بتّ أعتقد أن النصّ هو من يستدعي طقسه الخاص، لذا لا أقوم بإجباره على طقسي أنا. كتبتُ “سمراويت” بالكامل في مقر عملي في غرفة الأخبار وسط ضجيج الربيع العربي، بينما احتاجت “مرسى فاطمة” إلى شيء من العزلة، وأذكر أني في أثناء كتابة “لعبة المغزل” كنت أستمع إلى أبو بكر سالم لأتوقف فجأة وأرقص سريعًا ثم أعود للكتابة. لا طقس واحدًا لي. أكتب ما يأتي به النص.

(*) أنت كاتب رشيق في التعبير، خفيف الحركة في جملك السّرديّة، وتكتب بجديّة فائقة. بعبارة أخرى، أنت روائيّ- رياضي.. علاقة تكامليّة بين مفهوم شدّ العضلات ومفهوم شدّ الذهن. من تجربتك، أي علاقة ماهويّة تربط بين ممارسة الرياضة واحتراف الكتابة؟

لم أكن منتبهًا إلى هذا الأمر من قبل، لكني وبمجرد أن انتظمت في التمرينات الرياضية بواقع خمسة أيام في الأسبوع تفتّح ذهني على أنّ هذا الجهد البدنيّ يصبّ بطريقة أو بأخرى على الكتابة. ثمة ما يصفو في الذهن بعد فراغي من ذلك الرهق اللذيذ. ثمّ إنّ الرياضة مساحة تستحق التأمل؛ هذا البناء القائم على الهدم، تحدي الذات، لذة الوصول، وأمور أخرى كثيرة لا بد أنها تتسرّب إلى كتابتي بشكل أو بآخر.

(*) يتحرّك حجي جابر في الكتابة على مسطّح جافّ مناخه قاسٍ جدًا. يعاني أبطالُك من القسوة، على الصعيد التاريخيّ، النفسيّ، الاجتماعيّ. شخوص نازحة في حالة ارتحال عن أوطانها، عن ذاتها، تعاني (أو ربّما تتمتّع) من الفصام واللجوء والانتفاء، تعيشُ ديمومة التحوّل وكأنّها شرطٌ للخلاص. ألا ترى، ربّما، أنّ هذا المنفى الداخليّ هو الهويّة البديلة لنا جميعًا اليوم، في ظلّ راهن متفتّت؟ أن نربّي أنفسنا على المنفويّة كشكل من أشكال إعادة إنتاج الهوية؟

قد يبدو هذا حلا ملائمًا للوهلة الأولى، لكنه للأسف ليس خاليًا من الكلفة مثله مثل محاولة الانتهاء من حالة الشتات والمنافي. هل نحن قادرون على انتحال هوية مؤقتة ريثما نصل؟ هل نحن جادون في اختيار هذه الهوية الجديدة أم هي محض عزاء وترضية؟ هل سنشعر بالاكتمال في ظل اختيار هوية قائمة على النقص والقصور؟ أسئلة لا بد من إيجاد أجوبتها قبل الإقرار بهذا الأمر.

(*) “رغوة سوداء”، روايتك الصادرة مؤخرا عن دار التنوير للنشر (2018)، توثيق بعين ميكروسكوبيّة دقيقة لحكاية لاجئ أسوَد بثلاثة أقنعة (داويت، داود، ديفيد) في الطريق إلى “أرض الميعاد” إلى فلسطين المحتلّة.. في الرواية إيقاع شظف، صراع وجوديّ على النجاة، ذكاء السّرد المتأرجح بين الواقع المأساويّ والخيال الرشيق. من أين أتيت بهذه التفاصيل حول تباين وتشظّي واقع اللاجئين الأفارقة في دولة الاحتلال، وكأنّك ابن هذه البلاد؟

لطالما كنتُ مشغولًا بالمنافي كأوطان بديلة. فعلتُ ذلك في “سمراويت” و”مرسى فاطمة”، وها أنذا أعود إلى ذلك وإن بطريقة مختلفة. الحالة في فلسطين مغرية للغاية، إنها الدوائر المتداخلة. كيف لي أن ألجأ إلى بلد يحوي داخله طبقات قهر. اعتاد الإريتريون النجاة بأنفسهم في بلدان الغرب الآمن والمطمئن، ماذا عن اللجوء إلى بقعة نار لا تهمد؟ هذا الإغراء كان دافعي لأبحث وأسأل وأقترب حتى جاءت فرصة زيارة فلسطين فكان تتويج كل ذلك الجهد برؤية المكان بعين السائح والباحث هذه المرة.

(*)وهل وجدتَ في فلسطين إجابة عن سؤالك الصّعب حول لجوء المقهور إلى بلاد قاهرة مقهورة؟

هو أمر مربك ولا شك استغرقني التفكير فيه وقتًا طويلًا. يخطر لي أحيانا أن فلسطين هي حالة مكثفة لذروة كل شيء؛ ذروة القهر، والأمل، والدنو، والاستحالة. هي الآتية بكليتها والهاربة من دون التفات. فلسطين مكان حقيقي للغاية، والتورط فيه أمر معقد للغاية، سواء أكنت قاهرًا أم مقهورًا.

(*) تعمل صحافيًا منذ سنوات. ماذا أكسبكَ عملك الصحافيّ ومنعطفاته التقريريّة في ممارستك الأدبيّة ومنعطفاتها التخييليّة؟

قدّمت لي الصحافة الكثير. بفضلها أنجزت نصًا ما كان له أن يتمّ لولا أدوات العمل الصحافي الاستقصائي، وأعني هنا رواية “مرسى فاطمة”. كما تكرر الأمر ذاته في “رغوة سوداء”. الصحافة فنّ بإمكانه أن يرفد بقية الفنون. فقط أنا بحاجة في كل مرة أن أنتبه كي لا تتسلل تلك اللغة التقريرية إلى أعمالي الروائية.

(*) قضيّتك المطروحة في الساحة الأدبيّة العربيّة، ألا تخشى من أن يفقدَ القارئ العربيّ البسيط الاهتمام أو التفاعل مع المادّة التي تتعامل معها أدبيًا؟
أسأل نفسي دائما ما إذا كان القارئ العربي قد تشبّع بمواضيع إريتريا أو على وشك أن يفعل. لا أملك إجابة قاطعة، لكنّ هذه الفكرة تحثني على الدوام كي أنوّع من أدواتي ومواضيعي. مؤخرًا اهتديت إلى الإبقاء على مشروعي مع تمديد الأرضية التي يقف عليها. فالإضاءة على إريتريا لا تتطلب الالتزام بالجغرافيا ذاتها. في “لعبة المغزل” يخفّ حضور المكان كثيرًا، وفي “رغوة سوداء” خرجتُ إلى إثيوبيا وفلسطين.
العربي الجديد

The post حجي جابر: لا نجاة من التورّط في الكتابة العنيفة appeared first on الرواية نت.

قراءة في رواية بناء 35 لآلاء فاعور

$
0
0

زياد الأحمد

في مدينة ما على سطح هذا الكوكبِ؛ لا يُحدِّدُ مكانَها أو هويتَها إلا أسماءٌ أوربيةٌ وديانةٌ مسيحية لسكانها؛ تدور أحداثُ روايةِ آلاء فاعور الصادرة حديثا /2019/ عن دار نون4. وخلال عدة الأيام التي تسبِقُ عيدَ رأسِ الّسنة.

الحكاية:

فجأةً يجدُ الشاب الجامعيّ “أليكس” والمنتمي إلى أسرة ثريّةٍ نفسَه مقبوضاً عليه بتهمة سرقةِ صندوقِ تبرّعات المرضى، وهو يصرُخ:

  • لست أنا، أنا لست الفاعل صدقوني أرجوكم.

 يصرخ مندهشاً، رغم مشاهدته لنفسه في الكاميرات متلبساً بالجرم المشهود.

وفي الوقت ذاتِه يقوم عجوزٌ وقورٌ باختطاف حافلةٍ لتلاميذ مدرسة، ويقودها بجنون كاد يودي به وبهم، ورغم أنّهم قبضوا عليه في الحافلة يعلنُ أنه ليس الفاعلَ …

وفي مكانٍ آخرَ نجدُ “زاك”؛ موظفَ البنكِ يحصُلُ على ترقيةً في عمله؛ نتيجة إخلاصه، ويحتفل مع زوجته طبيبةِ الأعصابِ “هانا” بهذه المناسبة، وهما يخططان لبناء أسرتهم وتربية أولادهم تربيةً مثاليةً، كما احتفل به زملاؤه في العمل وكرّموه، لكننا في اليوم التالي نُفاجَأ به يهجم على سائق سيارة البنك، يرميه أرضاً ويخّلصه السيارة ويهربُ بأموال البنك التي فيها، وحين تحاصره سياراتُ الشَرِطةِ نسمعه يصرخ:

  •  ساعدوني أرجوكم! هناك شيء ما يتحكم بي، لا أعلم أين أنا، لا أعلم ما الذي أوصلني إلى هنا؟ ص 52

وفي كنيسة المدينة نجد العروسين “هايلي” و”لوكس” وقد وقفا أخيراً لعقد قرانهما بعد سنينَ طويلةٍ من الحبّ، تجاوزوا خلالها صعوباتٍ وتحدياتٍ، وبذلوا كلّ ما أوتوا من عزم؛ ليكونوا تحت سقف واحد، وفي اللحظة التي حلُموا بها طوال سنين نفاجأ بـ “لوكس” يصيح في وجه الكاهن:

  • هذا يكفي أنا لا أستطيع أيها الكاهن، أنا لا أريد إتمام مراسم الزفاف هذه ص91، وينسلّ مغادراً الكنيسة.

ولم يكن هذا الجنونُ قد نزل بالبشر فحسب؛ فالعجوز “باتريشيا” تعلن عجزها عن مقاومة الأعشاب الضارة التي بدأت تتكاثر في حديقة منزلها بشكل غير مسبوق وحتى كلب العائلة “روكي” رفض بعناد غير مسبوق الدخول إلى تلك الحديقة مع صاحبته وكأن شيطاناً غير مرئي يتراءى له بين أعشابها.

المحقق في الجرائم السابقة “بترسون” وهو شقيق العروس “هايلي” أيقظته صدمة أخته في الكنيسة؛ ليعيد تقليب أقوال الذين حقق معهم في الجرائم السابقة، فجميعهم ينكرون ما فعلوه، ويمرون بحالة هستيريا حين يُلقى القبضُ عليهم، وكأن المجرم شخصٌ آخرُ غيرهم، وخاصة بعد أن رأى تصرف “لوكس” وكأن الذي صرخ وخرج من قرب العروس شخص آخر وليس حبيبَ أخته، وقد كان موقناً “أن “لوكس” و”هايلي” تجسيدٌ دقيقٌ لمعنى أن يذوب اثنان في واحد؛ فيكوّنا شخصاً واحداً، فيقرر في ذاته البحثَ عن الحقيقة الكامنة في تلك الأحداث، وفي الوقت نفسه تنضم إليه طبيبة الأعصاب “هانا” التي تسعى لتبرئة زوجها “زاك” وهي موقنة من براءته. ومن قبلهما كانت موظفة الأرصاد الجوية “أنابيل” قد لاحظت أن المدينة بجوّها ونباتاتها وحيواناتها تمرّ بحالة غير طبيعية، وخاصة بعد اشترت لولدها بوصلةً، واكتشفت أنها لا تتعامل مع الجاذبية والجهات بشكل صحيح دائماً.

يتفق الثلاثةُ على التطوّع للوصول إلى الحقيقة؛ الطبيبةُ من خلال مرضاها من الأطفال والذين تكاثر عددُ المصابين منهم بحالات تشبه التوحّد، وموظفة الأرصاد من خلال أجهزتها العلمية، والمحقق في قسم الأمن من خلال أقوال مَنْ حقق معهم. ويصلون إلى حقيقة خلاصتها: إن هؤلاء الأشخاص ينفصمون عن ذواتهم، ويتحولون إلى شخص آخر، لا يمت إلى الأوّل بِصِلة، ويستنتجون أن هناك طاقةً تنبعث من مكان ما، وتؤثر على بعض الأشخاص مدّةَ تعرضهم لها، ومركزها قد يكون البناء 35 الذي يتوسط المدينة، وآلية عملها تكمن في أنها تؤثر على كيمياء دماغ الإنسان والحيوان، وهذه الطاقة إذا تمت معرفةُ ماهيّتها ستؤدي إلى قفزات حضارية بالبلاد؛ بدل أن تكون وبالاً عليها.

ولكنّ ثلاثَ جهاتٍ تقف في وجه المتطوعين لكشف تلك الحقيقة؛ مركز الأمنِ وبنك المدينة، ومؤسسة الأرصاد، ويساندهم التلفاز المحليُّ، فجميعُهم نسبوا محرك الجريمة إلى الشرّ الكامنِ في مرتكبيها، والتلفاز نسبها إلى كائنات فضائية ترسل شيفراتها إلى الأرض حيناً، وحيناً آخر نُسِبت إلى أرواح شريرة، وبمعنى آخر راحوا يبحثون عن مكمن الداء بعيدا عن الجسد المصاب؛ وهو جسد المدينة، ويُهزَم فريقُ الباحثين عن الحقيقة أمام خصومهم الذين سفهوا آراءهم، وهددوهم بالطرد من وظائفهم إن لم يُقلعوا عن ترهاتهم كما نعتوها.

 وفي الصفحة الأخيرة نقرأ أنّ التلفزيون المحليّ كان يبثّ مقابلة مباشرة عن تلك الأحداث مع شخص يقوم بتعليلها قائلاً: أنا على يقين بأن هناك كائنات أخرى أكثرَ عقلانيةً منا هبطت إلينا منذ آلاف السنين من كواكبَ بعيدةٍ، وتعيش معنا منذ ذلك الحين، وإن هذه الكائنات قد ضاقت ذرعاً بنا، إنهم أصحابُ رسالة سماويّة ويوجهون رسائلهم إلينا؛ ليحذرونا، وإن لم نستمع إليهم سيصيبنا بسببهم الجنونُ .. حينها تقاطع “أنابيل” موظفة الأرصاد المتحدثَ مُتهّمةً إياه بتشويه العقول، وبأنه مأجورٌ لقول هذا الكلام، وتصرخ أمام الكاميرا ” هناك حقيقة واحدة مؤكَّدة لما يجري هنا، وكلُّ ما ينقُصها هو التفسير العلمي” ص 156 وليس الخرافات والسخافات.

الرؤيا السردية:

 تنصب رؤيا الرواية كما استقرأتها على خمس نقاط:

  1. الداء الكامن في أيّ مجتمع يجب البحث عنه في أعماق ذلك المجتمع، وليس خارجَه فبلاء المدينة كان ينبع من مركزها؛ من بناء /35/ الذي توسط المدينة ومن الخطأ أن نبحث عنه خارجها أو في السماء.
  2. في البحث عن الداء علينا ألا نأخذَ بظواهر الأمور، حتى لو صورتها لنا الكاميراتُ، فهي تصور اللصّ من الخارج فحسب، ولا تصور دوافعَه الداخلية،
  3. المسؤولون عن أي وضع قائم هم الذين يقاومون أيّ كشف لتردّيه حرصاً على استمرار وجودهم ومصالحهم، فأصحاب البنك كانوا حريصين على إثبات التهمة للسارق حرصاً على سمعة البنك، ودائرة الأرصاد لا تريد أي تشويش يصدر عنها نحو أفكار الناس، ومدير دائرة الأمن حريص على أن يُظهر للناس أنه قد أمسك بالمجرمين الحقيقيين.
  4. حالة الترف والاسترخاء التي يعيشها المجتمع الأوربي ربما هي التي دفعته إلى الخروج على تلك الرتابة؛ فتحرك في داخله ذاك الإنسانُ الذي يتوق إلى التمرد والعبث؛ فثار الإنسان السجينُ في داخل ذاك الثري ليسرق مبلغاً بسيطاً من صندوق تبرعات مشفى، وثار الإنسان الكامن في الموظف الأمين في بنك ليسرق أمواله، حتى الحديقةُ التي ملّت رتابتها فبدأت بفوران أعشاب ضارة لا يمكن مواجهتها.  
  5. تعلن تلك الرؤيا في النهاية أيمانَها بالعلم كوسيلة حتمية للخلاص، وليس في نسبتها إلى كائنات خارقة أو روحية.

البنية الفنية:

صنفت الكاتبة عملها تحت اسم “بناء 35” والجميل هنا التنكير في كلمة بناء الذي كان ملائما لصفته في الرواية؛ إذ كان محاطاً بالغموض، ويتوقع أن يحتوي على السر الخطير الذي يفسر كل ما حدث في المدينة. ولكن المشكلة في تصنيف هذا العمل تحت اسم “رواية”

 فالرواية وإن كانت اليومَ هي الفنُّ الأقدرُ على استيعاب كافة الفنون النثرية من قصة ومسرح ومقالة وشعر وحتى المقولاتِ الفكريّة؛ ولكن لكلّ فنّ من هذه الفنون خاصيّتُه التي إذا ما طغت على فن الرواية أخرجتها من تحت تصنيفها أو أضعفت من جمال استقلال فنيتها، وحينها يبدو العمل هجيناً غير واضح الانتماء لفنّ نثري محدد، وهذا ما وقعت فيه هذه الرواية.

فما سمته الكاتبة “رواية” هو أقرب إلى المسرحية أو السيناريو وذلك لطغيان الحوار على السرد والوصف، فالحوار هو متن النص بأكمله ومهمة الراوي المحدود المعرفة والذي يروي من وراء الشخصيات كانت أن ينقل لنا حواراتهم، أما مهمته في السرد والوصف كانت مختصرة ومنحصرة بين أقواس، حيث انحصرت في الإشارة إلى صاحب الصوت، أو المكان، أو مشاعر الشخصية وحركاتها وانفعالاتها وليس أكثر. وكأن الراوي يتخيل أمامه متلقياً أعمى وعليه تحويل روايته إلى أصوات مشروحة. ولنتأمل المقطع التالي ومن بدايته:

  • إنها السادسة والنصف (صوت بترسون ناظراً إلى ساعته المعلقة على جدار مكتبه) حسنا لديّ الوقت لأعدّ كوباً من القهوة قبل أن أباشر العمل
  • صباح الخير جون (بيترسون متجهاً إلى آلة تحضير القهوة) يبدو أنك جئت مبكراً
  • صباح الخير سيد بترسون (يجيب جون) في الواقع كنت في مناوبة ليلية أمس. ص 122

فالسرد والوصف هنا منحصر بين الأقواس وعلى هامش الحوار، كما نقرأ الكثير من الحشو وخاصة في الحوار على امتداد الرواية، ومنه قوله في المقطع السابق (يجيب جون) ومن الذي سيجيب غير جون وهما وحيدان في الغرفة.

اما بالنسبة لتوافق المستوى اللغوي للحوار مع الشخصيات فقد جاءت لغته على سويّة واحدة فلغة الطفل لا تختلف عن لغة أبيه أو لغة الطبيب أو رجل الأمن.

وعلى صعيد سلامة اللغة فقد وقعت الكاتبة في الكثير من الأخطاء التعبيرية والنحوية والإملائية، فمن التعبيرية قولها في وصف اقتراب عيد الميلاد ” أحلام كثيرة تغزو سماء المدينة مع اقتراب نهاية سنة جديدة” ص7، فجمعت بين جدّة السنة ونهايتها، والأصح أن تقول مع اقتراب بداية سنة جديدة، واستعمالها في أكثرَ من موضع كلمة “سوية” بمعنى “معاً” كما في قولها و”لنقض وقتاً ممتعاً سوية” ص 88 ومن الأخطاء النحوية قولها “لقد قال بأن لديه عمل مهم” ص85، فنجد ثلاثة أخطاء في جملة واحدة؛ عدم نصب اسم إن وصفته وزيادة الباء في غير موضعها غيرت معنى الفعل قال، والصواب “لقد قال إن لديه عملاً مهماً” ومنها إدخال حرف الجر على حرف العطف في قولها “من ثُم لا شان للعمر في هذا” ص15 أو عدم إدخال الباء على المتروك مما قلب المعنى في قولها “لن أطلب أن يستبدلك بأب آخر” وهي تريد: لن أطلب أن يستبدل بك أبا آخر ص 14  أو تعدية أفعالٍ بحروف جرٍ لا تتعدّى بها كقولها “انطلقت في سيارتها” هي تريد انطلقت بسيارتها لأنها هي التي كانت تقود السيارة والباء تفيد الاستعانة أو “ما عرفتك على نفسي” بدل إلى نفسي أو بنفسي، ومن الأخطاء الإملائية كتابتها “كي لا” موصولة “كيلا” والصواب فصلها.

خاتمة: على الرغم مما سبق لا بدّ من القول إن هذا العمل تميّز بحبكة حكائية شائقة استطاعت الإمساك بالقارئ والمضي به لمتابعة الأحداث، وقدمت رؤيا لها خصوصيُتها للمجتمع الإنساني الذي يجب عليه أن يتعافى بالعلم من أمراضه وأنظمته المهترئة. ولكنها لم توفق في اختيار الشكل الفني الذي يؤطر هذا العمل الذي جاء قلِقَ الشكل يتأرجح ما بين المسرحية والسيناريو والرواية.  

                              ******************  

The post قراءة في رواية بناء 35 لآلاء فاعور appeared first on الرواية نت.

فصل من رواية ”الملائكة لا تطير “

$
0
0

فاطمة بن محمود / كاتبة وإعلامية  من تونس

حلّ الظلام بالبيت وعمّ السكون الأرجاء. فوق السرير جسد ضخم، بجانبه جسد نحيف وصغير يكاد لا يظهر؛ يتكوّر على نفسه، كأنّه قط وحيد.
دقات الساعة في الصالون تصلها منتظمة ورتيبة، تفسد الهدوء المحيط بهما. تحاول أن تُلهي نفسها بتتبّع أنفاسه وتماثله في الشهيق والزفير. الآن يملأ الهواء فيعلو صدره الكبير. تملأ، مثله، الهواء. يطلقه من أنفه، ينخفض صدره، فتفعل مثله وتبتسم. أخيرا، أصبح لها جسد يمكن أن تحضنه وأنفاس تتبعها ورجل لها وحدها.
كانت أمها تصرخ في وجهها في ساعات الغضب “ستبقين رهينة في البيت ولن يتزوجك أحد”. تبكي بصمت وهي تتأمل حجمها الصغير وتخجل من النظر في المرآة. اقتربت منه بهدوء؛ كأنها تريد أن تؤكد لنفسها أنها لم تعد رهينة في البيت الذي غادرته ولن تعود إليه.

تحسّست بكفها وجهه وتلمّست ندبا غائرا لجرح قديم على فكه الأيسر يعود لطيش الشباب. اختبأ الجرح تحت شعر لحيته. سيف لا يريد أن يتذكر أن هذا الجرح سببُه بائعة هوى. ظهرت، في ذلك المساء البعيد، في أحد أزقة ساحة برشلونة فاندفع نحوها. وجد نفسه وسط شبان لا يعرفهم لكنهم كانوا، مثله، تقودهم رغبة شرسة نحوها، تمكّنت منهم فحوّلتهم إلى كائنات متوحشة. كل واحد منهم يريد أن يكون أول من يفتتحها وتهدأ أنفاسه بين فخذيها. لم يهتم أحد بأمر بائعة الهوى ولم يسألها أحد عن رأيها، إن كانت ترى في من تجمهروا حولها رجالا يملكون نقودا لها أو ذئابا ينهشون جسدها ويرحلون. لا تطيق أن تكون ضحية، ولم يهتم أحد بنظراتها الفزعة؛ كأنها لم تعد إنسانا وتحوّلت إلى إناء كل يريد الانفراد به.
كانت الشتائم والسباب ترتفع بينهم وهم يتدافعون حولها، ثم تشابكوا. امتدت قبضته إلى وجه أحدهم. وبسرعة خاطفة، رد عليه بضربة مشرط، فترك جرحا غائرا في فكه. ينزعج سيف من كل من يسأله عن هذا الجرح، وراقه أن يمتد شعر لحيته فيغطيه و لم يعد الناس ينتبهون إليه. من حكمة اللحية أنها تميز المسلم الحقيقي ومن محاسنها له أنها تستر عيبه وتغطي ماضيه السيئ. يتذكر جيدا كيف أنه تفاجأ بأن اللحية نفسها كانت موضوع خلاف شديد بين رجال الدين، يتنازعون حول القول بتحريمها أو إباحتها أو كراهيتها. لم يفهم إلى الآن كيف يمكن للحية بسيطة أن تكون موضوع جدل حادّ. بالنسبة إليه أطلق لحيته على عادة السلف الصالح واقتداء بإخوته في الإسلام. وقد راقه أن يكون ذلك مخالفة للكفّار، لذلك تميزه لحيته عن جيرانه وأصدقائه القدامى، فالكفار لا يخلو منهم زمن.
رفعت كفها إلى رأسه، ثم عادت إلى الجرح القديم تتحسّسه بأناملها، تُبعد شعر لحيته وتقتفي بسبابتها خط الجرح وتضغط عليه بلطف. تململ منزعجا وقال لها، دون أن يفتح عينيه “أبعدي يدك عني”. كان ذلك كافيا لأن يجعلها ترفع كفها عن الجرح المخفي وتمدها في اتجاه شاربه المحلوق. بلطف شديد، أخذت تداعب بأناملها شفتيه الغليظتين. الحرارة التي بدأت تسري في جسده جعلته يتململ قليلا. فتح عينيه وهو يقول:
– ماذا تريدين؟
كان ذلك كافيا لتستيقظ رغبته وتشعّ في ظلام الغرفة. لم تعد تهتمّ بدقات الساعة الرتيبة التي تصلها من الصالون. صارت في حالة أخرى لا يصلح فيها أن تتذكر ملامحها في المرآة ولا أن تستحضر صوت أمها وهي تصرخ بها “ستبقين رهينة في البيت”. كانت في حالة لا تُحسن وصفها. الرغبة تعدو بهما مثل حصان جامح وشعرت بأنها ترتفع إلى الأعلى، تكاد تلامس سقف الغرفة. عند ذاك سقط ماء في مجرى بحوضها وانبثقت حياة في نفق مظلم بجدران رطبة ولزجة.
– يا لَحظّيَ الجميل.!
هتف الحيوان المنوي المحظوظ:
– كم يبدو مثيرا ورائعا أن أحظى بفرصة حياة لن يسرقها منّي أحدٌ!
عندما انشغل الحيوان المنوي داخل البويضة بلعبة التقسيمات الممتعة كان في شوق كبير لما ينتظره. قال بزهو: الآن تُصنع حياتي!
وهو غافل عما سيحدث له لاحقا.!

***

تملّك ليلى فرحٌ عارم حين أكدّت لها الطبيبة صحّة الحمل!

.وصلت للقائمة القصيرة في جائزة راشد الشرقي بالامارات ستصدر قريبا من دار زينب -تونس

The post فصل من رواية ” الملائكة لا تطير “ appeared first on الرواية نت.

Viewing all 1074 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>