Quantcast
Channel: الرواية نت
Viewing all 1074 articles
Browse latest View live

عدم النسيان جريمة تحتم الاعتقال

$
0
0

نداء أبو علي
في مشهد سريالي بديع، يقف أهالي جزيرة ما أمام البحر لإقامة مجزرة للورود، حيث يقومون بنثر بتلات الورود في البحر. ليس ذلك إلا تأبيناً للورود، حيث قررت السلطة المركزية للجزيرة، المتمثلة بشرطة الذاكرة، أن على الأهالي جميعاً نسيان شكل الورد ورائحته، ومن ثم إلغاؤه التام عن الوجود.
هذا المشهد التصوري هو جزء من العمل الروائي «شرطة الذاكرة»، الذي يعد من أدب الديستوبيا السوداوي، للروائية اليابانية يوكو أوجاوا، والذي نُشِر باللغة اليابانية عام 1994، فيما ترجمه إلى الإنجليزية ستيفن سنايدر لأول مرة في عام 2019. وقد رشحت الرواية لجائزة الكتاب الوطنية للأعمال المترجمة، ودخلت ضمن القائمة الطويلة لهذا العام. تدور الأحداث حول جزيرة لا تحمل اسماً أو هوية، ولا يحمل سكانها أسماء، ويظهر عدم تسمية الشخصيات بأسمائها حرصاً على إعطاء العمل الروائي طابع التعتيم المطلق على الجميع، وتهميشهم التام، حيث يعاني الجميع من تسلط الشرطة، واستيلائهم على ذاكرتهم من خلال تلاشي معاني الأشياء من حولهم. وتظهر الشخصية المحورية من خلال روائية لا اسم لها، تعكف على كتابة رواية تعاني من صعوبة في استلهام تفاصيلها أو تذكر حيثياتها. ويساعدها السيد R، وهو مدير التحرير المسؤول عن نشر أعمالها، حتى يضطر إلى الهروب من شرطة الذاكرة نتيجة عدم نسيانه، وتمضي الروائية في التخطيط لحمايته، وجعله يعتكف في قبو منزلها بعيداً عن شرطة الذاكرة، بمساعدة جارها الذي تطلق عليه «الرجل العجوز».
يتوغل هذا العمل الروائي في الرمزية، الأمر الذي دعا كثيراً من النقاد إلى تشبيهه بأعمال جورج أورويل، خصوصاً روايته 1984، ليناقش سطوة النسيان، والتراجيديا الناجمة عن فقدان الذاكرة واختفاء الموجودات التي تحيط بالمرء، فيما ترمز الرواية من جهة أخرى إلى الانعكاسات الناجمة عن الرقابة المطلقة التي تتغلغل في أنفس البشر لتجثم عليها، بتوصيف سلس وأحداث متسارعة لاختفاء موجودات مثل القبعات والطيور والزهور والطوابع، وحتى العطور التي تصفها والدة الروائية، التي تظهر كنموذج للتمرد على سلطة شرطة الذاكرة، وهي تحكي لابنتها قبل اختفائها «في تلك الأيام، كان بإمكان الجميع شم العطور»، واصفة بذلك تلاشي روائح العطور، لتصبح حتى محاولة شمها لا قيمة لها، أو الصور التي تصفها الروائية حين تتأملها: «لا شيء يعود إليّ حين أحدق بصورة: لا ذاكرة، لا ردة فعل. هي ليست أكثر من قطعة ورق».
من جهة أخرى، تتدرج الحاجيات التي ينبغي على أهالي الجزيرة نسيانها، فتبدأ بأشياء بسيطة يمكن بسهولة فقدانها دون تأثير على الواقع المعيش حتى تصبح أكثر أهمية، مثل قرار أن عليهم نسيان وجود أطراف جسدهم، واضطرارهم المشي على جانب واحد، وكأنه لا وجود للقدم الأخرى، ليتضاءل حيز الحرية لديهم حتى التلاشي والاختفاء الكلي عن الوجود. وتمثل الشرطة السلطوية المتعنتة التي تجثم على أنفاس الأهالي بالرقابة المفرطة، وإرغامهم على التخلص من الأشياء التي قرروا أن عليهم نسيانها، وتتلخص مهامهم في التأكد من نسيان الجميع لتفاصيل ما اختفى. ويظهر هناك بعض الأشخاص ممن هم غير قادرين على النسيان، دون سبب واضح لذلك، ليصبح لديهم همّ ممعن، يتمثل في محاولة التشبث بذكريات الأشياء، فيما يتوجب عليهم إخفاء ذلك عن شرطة الذاكرة خوفاً من اعتقالهم، أو حتى قتلهم نتيجة ذلك. شخصية السيد R تجسد هذه الفئة المتمردة ضد النسيان، ويعكس وضعه المزري الضغوط التي يعاني منها المتمردون، مثل محاولته التعايش مع حيز ضيق هو قبو الروائية، والتضاؤل التدريجي لجسمه وهويته في مخبئه.
ورغم وجود شخصيات معدودة متمردة غير قادرة على محو الذكريات، مما يحتم على من تتبقى ذاكرته إما الهرب إلى محميات أو أماكن مجهولة أو التعرض للاعتقال، فإن غالبية أهالي الجزيرة، بما فيهم الروائية، أشبه بشخصيات مستسلمة شديدة الانصياع للأوامر، بخضوع تام دون انفعال أو غضب. إلا أن الشخصيات، حتى المسالم منها، تجبرك على التوغل في عالمها الخاص، في صراعها الداخلي وهواجسها الخفية، وذلك رغم انسياقهم دون معرفتهم نحو العبودية، ومن ثم الفناء. في مشهد آخر، يظهر تطور من نوع آخر في تلاشي الأشياء، حيث تقرر شرطة الذاكرة وجوب نسيان الروايات والكتب، ليلزم على السكان التخلص من الكتب وحرقها، إلى الحد الذي يتم فيه حرق المكتبة المركزية بأكملها، لتحويلها فيما بعد إلى مقر رئيسي لشرطة الذاكرة. وفي ذلك إيحاء بتلاشي الإنسانية والثقافة، لتتبقى السلطوية وحدها، بعد أن تم التخلص من كل ما يساهم بإثراء الآخرين بالمعرفة والقدرة على التمحيص.
«لكن ماذا إن أصبح البشر أنفسهم يختفون؟» تتساءل الروائية، وفي ذلك إشارة إلى مبلغ التأزم الوجودي الذي يعاني منه أهالي الجزيرة. ورغم محاولات السيد R لإيقاظ روحها، وأن يجعلها تتذكر ما تلاشى من ذاكرتها، تقر هي بأن روحها ليست نائمة فحسب، وإنما اختفت تماماً نتيجة حيثيات ما حولها، حيث إن الاحتفاظ بالمقتنيات القديمة، في محاولة لإنقاذ ما تبقى منها، لا يحمل لها أي معنى بعد أن طمست معالمها ولفظتها الذاكرة.
*جريدة الشرق الأوسط

The post عدم النسيان جريمة تحتم الاعتقال appeared first on الرواية نت.


فرانسواز ساغان ..وهدير الرغبة

$
0
0

كه يلان مُحمَد
إنَّ التجديد والتنوع في الصياغة والشكل هوما يتطلعُ إليه مُعظم الروائيين إذ يتمُ تتبع مسار تطورهم بناءً على ما أُنجِزَ على المستوى البنائي الذي يُضيفُ إلى مضمون العمل الأدبي ومن المعلوم أنَّ ثمة كُتاباً مغرمين بثيمات مُعينة ولايُمكنُ التغافلُ عن هذا الجانب خلال تناول مؤلفاتهم وليس المرادُ من ذلك إختزال المعطي الأدبي في السياقات المُغلقة لأنَّ النصَوص مُتعددةُ المداخلِ وبالتالي تختلف القراءات وفقاً لما تنطلقُ منه وتختارهُ مدخلاً إلى فضاء النص.إذاً فإنَّ المؤلف يمررُ فكرتهُ بالإستمرار في صياغات مُختلفة وينهضُ عمله على ثيمات هي مثارُ إهتمامهِ الأمر الذي يضفى خصوصية إلى كتاباتهِ ويتآلفُ القاريء مع أجوائها دون أن يُسفر ذلك عن تلاشي عنصر التشويق.وهذا مايلاحظُ في أعمال الكاتب النمساوي ستيفان زفايغ فإنَّ الثمية النفسية ركنُ أساسي في بناء رواياته كذلك الأمر بالنسبة للكاتبة الفرنسية فرانسواز ساغان حيثُ يكون التركيز على البعد النفسي في تركيبة شخصياتها الروائية ويتبدى هذا الميل من باكورة عملها الروائي “صباح الخير أيها الحزن” وينعكسُ بالوضوح في “هل تحبين برامس؟”حيثُ تمرُ الشخصيات الثلاث الأساسية للعنوان الأخير بتجربة عاطفية مُلتبسة.إذ يراودُ هؤلاءَ الرغبة لإختبار علاقات عاطفية جديدة مشبوبة بالتوتر والقلق خصوصاً بالنسبة لشخصية “بول” التي تُعاني من الفراغ جراء هجر عيشقها.ومن الواضح أنَّ الرغبة هي المحرك الرئيس في مؤلفات ساغان وكثيراً مايتضاعفُ دورها في شخصية المرأة.وعن رأيها حول الحب أكدت فرانسواز ساغان أنها تؤمن بالرغبة التي قد تدوم سنة أو سنتين أما غيرها فلاتريد التَحَدُثَ عنها.طبعاَ أنَّ هذه الرؤية مبثوثةُ في تضاعيف نصوصها وتعبرُ عنها شخصياتها المسكونة بالمشاعر المُتناقضة.وقد تكونُ شخصية “دومينيك” في رواية (إبتسامة ما) دار المدى2019 أوضحُ تَمثيلا لفاعلية ودور الرغبة لدى فرانسواز ساغان.

هدير الرغبة
يبدوُ مناخ روايات فرانسواز ساغان هادئاً في الظاهر إذ أنَّ شخصياتها معدودة وتتحركُ في مساحة محدودة لكن هذا يناقض لما يتمُ إكتشافه على المستوى الداخلى لدى الشخصية الأساسية حيثُ هناك صخبُ وتوتر في الأعماق وهذا التعارض القائم بين المستويين هو مايطيبُ لساغان أن تعملَ عليه وتؤثثَ على خطه عالم مؤلفاتها الروائية ومن الواضح أنَّ الإنهمام بدواخل الشخصيات يتطلبُ توظيف تقنية الإستبطان والإنصات إلى الإختلاجات الداخلية لذا تصبحُ الأشياء الخارجية إمتداداً للمشاعر العميقة مثلما تجدُ ذلك في رواية “هل تحبين برامس” وينسحبُ أيضاً على رواية “إبتسامة ما” إذ يؤشر تبدلُ الأمكنة والفضاء إلى تحولٍ فى العلاقة بين الشخصيات كما ترى ذلك في رحلة دومينيك مع لوك إلى الساحل حيث يتحققُ ماكان يلوح في صورة رغبة مؤجلة في خيال دومينيك عندما تعرفت على لوك وهو رجل كهل عن طريق حبيبها برتران راودتها رغبة لملامسة وجهه وأقرت بأنهُ أكثر مشتهاة من إبن إخته لذلك يعجبه أكثر من برتران علماً بأنَّ لوك لم يكنْ وسيماً غير أن قسمات شكله هي ماشدت دومينيك طبعاً يكمنُ تفسير هذا الموقف في الرغبة التي بمثابة المحرك الرئيس للشخصية.أزيد من ذلك فالرغبة تُمكنُ الذات من أن تمتدَ خارجها وتذهبَ إلى الآخر على حد قول الفيلسوفة الفرنسية إلزا غودار. تمضي ساغان أبعد من ذلك فبرأيها إذا كانت الرغبة دافعا للتواصل مع الآخر فإنَّ معرفة الذات ماهي إلا نتيجة لذلك التواصل وماتقوله دومينيك حول علاقتها مع الحبيب الأول يحملُ جينات ساغانية “برتران حبيبي الأول معه تعرفتُ على عطر جسمي.على أجسام الآخرين نكتشفُ دائما أجسامنا،طولها رائحتها بحذر في البداية ،ثم بالعرفان” وهذا مايذكرُ بما أوردهُ إيتالو كالفينو في “لو كنت مسافرا في ليلة الشتاء” بأنَّ الحياة ليست إلا تبادلاً للروائح.هنا تكتسبُ الرائحة وظيفة علاماتية تحيل إلى الذات.
ممنوع الحب
يستمدُ النصُ الروائي عنصر التشويق من المُفاجآت التى تظهرُ في سياقه هنا تُباغت ساغان القاريء من خلال الدفع بشخصيتها الأساسية نحو موقع يصعبُ عليك توصيفه وممايزيدُ من غموض الموقف أنَّ دومينيك تُبدل حبها لبرتران بعلاقة مجهولة مع خاله لوك مع أنَّ الإثنين يمارسان الحب ويتعمق التواصل الجسدي بينهما غير أنَّ كلمة الحبِ تغيبُ في يوميات تلك العلاقة. وعندما تريدُ دومينيك وصف مايربطها ب”لوك” تدركُ بأنَّ ماتعيشه يقع خارج الأطر تقولُ متسائلة “لا أدرى إن كان هذا حباً أو تفاهماً هذا لايهم كنا وحيدين كل من جهته” ومن ثُمَّ تعقبُ على ذلك بما تتخيلهُ بعد ستة أشهر على الأيام التي جمعتهُ ب”لوك” وما هو واضحُ بالنسبة للبطلة أنَّ سيناريو إنفصال الرجل الكهل عن زوجته فرانسواز مُستبعدُ حتى لو أراد “لوك” هذا الإختيار فهى ترفض أن تكون بديلا للزوجة.بما أنَّ المستوى النفسي في روايات ساغان يكون محوراً للبيئة السردية لذلك تتواردُ الكلمات والملفوظات الكاشفة عن القلق من الفراغ العاطفي والوحدة والسأم ويصعبُ فهم تكوين الشخصية الأساسية في رواية (إبتسامة ما) دون ربطها بهذه الكلمات المفتاحية إذ تسردُ دومنيك تفصيلات علاقتها ب”لوك” لافتةً إلى ماعاشته من الملل خلال سنة دراسية مع تلميح إلى تراكم أعمال كثيرة لدى عشيقها الجديد فالبتالي يفصحُ الكلام أن المشترك بين الإثنين ليس إلا الشعور بالملل.عطفاً على ماسبق فإنَّ حلقات السرد تنفتحُ على حوارات حول مفهوم الحب بين دومينيك وصديقتها كاترين فالأخيرة تخبر برتران بمغامرة حبيبته مع لوك.كما أنَّ اللغة توحي بوجود غيرة دفينة لدى شخصيات ساغان.إضافة إلى الشخصيات التي تنتظمُ عليها حركة السرد توجد شخصيات ثانوية. والأغرب في هذا الإطار هو معرفة فرانسواز بعلاقة زوجها مع دومينيك دون أن تتخذ منها موقفاً مُناوئاً بل حدبت عليها حناناً وعطفاً وأرادت أن تخرج هذه الطالبة من مظهرها التعيس يذكر أن النص مضفور بعبارات دالة على المشاعر والمواقف الإنسانية تقول ساغان على لسان البطلة ” العيش في تجلياته القصوى ،هو أن يرتب المرءُ نفسه ليكون سعيداً أكثر مايمكن”وفي ذلك نبرة أبيقورية عن الحياة.تُحَملُ ساغان شخصياتها الروائية كثيرا من إهتمامتها الموسيقية إذ تفردُ صاحبة (جرح الروح) جزءاً من مذكراتها للحديث عن الموسيقى وإعجابها بالفنون الموسيقية.كما تتوالى في متن نصوصها الإشارات إلى أسماء فلسفية وأدبية سارتر ومارسيل بروست وستاندال والمعروف عن ساغان تقديرها الكبير لجان بول سارتر كما وصل إعجابها ببروست إلى حد إختارت إسم إحدى شخصيات (البحث عن الزمن الضائع) بديلاً ل”كواريز” فأصبحت مشهورة بفرانسواز ساغان إلى جانب ذلك تشير في مذكراتها إلى أثر كامو في تكوينها المعرفي وذلك بدأ عندما قرأت “الإنسان المُتمرد”عدا عن المجال المعرفي والأدبي كان لساغان شغف بالسيارة وإعترفت بأنَّ المال لايجلبُ السعادة لكن تفضل بأنَّ تبكى في جاكوار بدلاً من الباص.بالعودة إلى “إبتسامة ما” فإنَّ ما يتأكد أنَّ دومينيك قد أحبت “لوك” وهذا ماحدا بها لتوديع برتران الذي تعرفت عليه خلال إمتحانات نهاية السنة الدراسية في السوربون.وتنتهي الرواية بصعود البطلة إلى غرفتها بالبيت الجامعي بعد مكالمة مع شخصٍ نحسبه عشيقها لوك ويكون ذلك مرفقاً بالمؤثر الموسيقي .
*الجمهورية اللبنانية

The post فرانسواز ساغان ..وهدير الرغبة appeared first on الرواية نت.

«المدمن» للأمريكي وليام س. بوروز: محنةُ التغيب عن الزمن

$
0
0

كه يلان مُحَمَد

بعكس الأدب الواقعي الذي لا يُخطئ المتلقي في إدراك غاياته الأيديولوجية وتمثله لجملة من الاشتراطات المسبقة، فإن الواقعية القذرة التي نشأت في الولايات المتحدة الامريكية، لا تستجدي تعاطفاً من الآخر، ولا يلتزمُ كُتابها بقوالب وكليشيهات معينة، في ما يتناولونه في طيات مؤلفاتهم، وغالبا ما تُستعرضُ في أعمال هؤلاء عبارة عن تجارب ذاتية بلغة بسيطة، كما توردُ في سياق نصوصهم الكلمات الخشنة والألفاظ القاسية، التي لا تمرُ بمصفاة الكناية والمجازات، بل تقفزُ مباشرة من قاع المجتمع إلى الصفحات البيضاء، وهذا ما يبدو واضحاً في كتاب «المدمن» للأمريكي وليام س. بوروز الصادر عن دار الجمل 2017، بترجمة ريم غانم فهو يذكرُ في مُستهل مُؤَلَفه بعد مقدمة آلن غينسبرغ تاريخ ولادته، إذ أبصر النور في 1914 في مدينة كبيرة في غرب الوسط الأمريكي، نشأ في بيئة عائلية كانت تمتلكُ مقومات حياة آمنة على حد قوله. وفي هذا الإطار يُشيرُ إلى ما يراوده من الكوابيس وهو طفل، وخوفه من الظلام وقلقه من أن تدوم أحلامه المرعبة ولا يستيقظَ من النوم، وحين سمع من الخادمة بأنَّ تدخين الأفيون يسوقُ بالمرء إلى أحلام لذيذة، يقولُ وليام س.بوروز (عندما أكبر سأدخن الأفيون) ربما يجدُ المتلقي في ما يرويه المؤلف عن طفولته وأحلامه المفزعة جواباً لماذا صار وليام س. بوروز مدمناً؟ كأن الأخير أراد أن تكون أحلامه في مراحل لاحقة لسنوات الطفولة والمراهقة مختلفةً، فيتخلص من هاجس عدم انقطاع الكوابيس. لكنْ ما يعرضه عن تجربته مع أشكال متنوعة من المخدرات وبحثه عن البدائل عندما ينفذ الأفيون والهيروين ليس إلا وجهاً آخر من الكوابيس والمُطاردات والسجن والتغرب.
دون تجنيس
لعل اللافت بالنسبة للمتلقي هو غياب أى علامة تجنيسية على غلاف الكتاب، إضافة إلى ذلك فإن العنوان يُزيدُ الأمر التباساً ولا يُعينك على إيجاد رؤية حول ما يناقشه النصُ، غير أنَّ العُنصر الإيجابي في وحدة العنوان يَتَمثَلُ في ما يُخلف لدى المتلقي من التوتر، بحيثُ تكونُ أمام علامة تنفره وتجذبه إلى قراءة النص في آن. إذ ما ينفك يتساءل عن جدوى نصِ عارِ من التجنيس، فضلاً عن ذلك فإن مفردة (المدمن) صادمة بحد ذاتها، لكن ما يُرجحُ مُغامرة الشروع بالقراءة هو ما يختزنه العنوان من إشارات غير معهودة، والسؤال الملحاح عن السبب وراء تأليف كتاب حول شخص يُعدُ منبوذاً في كل المُجتمعات، تماماً مثلما أن تشارلز بوكوفسكي يدفعُ بكل تجاربه الشخصية ومُكابداته في العمل، وانغماسه في علاقات مفتوحة مع النساء والجعة والبارات. لاسيما في «مكتب البريد» و»نساء» إلى السطح. كذلك يفعلُ وليام س. بوروز الذي يُسردُ بداياته مع الإدمان وحقن المورفين واللص الذي من خلاله دخل إلى عالم المُخدرات، ومن ثم توسعت دائرة أصدقائه المدمنين والمُتاجرين بمواد مُخدرة في الحانات والشوارع، إذ عملَ الكاتب في البداية وسيطاً لبيع ما أخذه من اللص نورتون وبعدما يلتقي ب(روي هيرمان) يجربُ لأول مرةِ تعاطي هيروين ويستعملُ إحدى الحُقَن ويشرحُ أثر المادة في جسمه، وما ينتابه من الأحساسيس المشوبة بالقلق والخوف، ولا يمضي كثير من الوقت حتى تتحولُ شقتهُ إلى مكانِ يلجأ إليه المدمنون لتناول المُخدرات، وما تجدرُ الإشارة إليه في هذا السياق أن بوروز يضطرُ لشراء المخدرات من زبونه السابق روي، ولا يقف الأمرُ عند هذا الحد إنما يبتكرون وسائل جديدة للحصول على المورفين إذ يقنعه روي بالذهاب إلى أحد الأطباء ويدعي بأنَّ لديه الحصوة في الكلي ليكتبَ له روشتة بوصفة مخدرة، والحالة لا تخلو من الشد والجذب بين طبيب أو أحد أقاربه، والمُطالب بروشتة طبية، يُذكر أن اللجوء إلى الطبيب لأخذ روشتات توفر المواد المخدرة أو بدائلها جزء من الحيل التي لا يني المدمن يعتمدُ عليها حالما يُعاني من صعوبة الحصول على المواد بطرق أخرى، هكذا يندمجُ المؤلفُ في دائرة المدمنين يوما وراء يوم، ويذكرُ أنماط حياتهم، إذ يقاسي بعضهم من أمراض غريبة. ماري هي مدمنة تبلغُ الكاتب بأن أيامها باتت معدودة، وفي غضون سنوات تعجز عن الحركة لأن جسدها لن يعود قادراً على استيعاب كاليسوم، كما ينقلُ على لسان تلك المرأة الأجواء التي ترافقُ إيقاع الرجل داخل هذه البيئات، زدْ على ذلك فإن ماري تكشف عن ميولها السحاقية، ورغباتها في حالات حميمية وبهذا يظهرُ جانب آخر من الحياة تتضافرُ الجهودُ على كل المستويات لتكتم عليه حتى لا تتزعزع الصورة المثالية للمجتمعات، ولا تترشح أي معلومة عن البيئات المُهمشة، كأنَّ بالمؤلف من خلال عمله وما يقدمه عن أنواع المخدرات وأساليب استخدامها وتورط الجهات الرسمية في المتاجرة التي دُرجت في لائحة الممنوعات واقتران المدمن بالشيوعية، أراد إماطة اللثام عن وجه الواقع المُزيف، هذا ويميزُ بوروز بين الحشاشين والمدمنين ويبرز الاختلاف في الطبيعة لدى المجموعتين، فالمدمن يُعطيك النقودَ ويذهب بالمقابل. يتوقع الحشاشُ من التاجر أن يؤنسه ويُعدل مزاجه، وإذا انصرفت إلى مستوى الحقل المُعجمي للنص تجدُ أن ما يتوارد من الكلمات والألفاظ والتعابير لا يخرجُ عن الأطار الذي تُحدده عتبة العنوان.

رحلة العلاج

لا يفقدُ المدمنُ الأمل من استعادة حالته الطبيعية ويقلع نهائياً عن تعاطي المُخدرات، وهذه الرغبة لا تُفارقه في أسوأ حالاته، حسبما يذكره المؤلفُ، لذا كثيراً ما يدور الحديثُ بين المدمنين حول تجربة الإقلاع لدى من تجاوز هذه المحنة، عليه يتطرقُ بوروز إلى محاولاته الرامية للخروج من متاهة الإدمان، كما أن بعض أصدقائه سافروا إلى مركز رايكرز أيلاند للمُعالجة في ثلاثين يوماً، ناهيك عن شيوع نوع آخر من العلاج المعروف بـ(العلاج الصيني) وهو وصفة من الأفيون وماء تونيك، ضف إلى ما ذكر أعلاه يختبرُ المؤلف بنفسه تلقي العلاج في مستشفى على بعد عدة أميال من ليكسينغتون، هنا عندما يخبرُ الطبيب بأنه يتاجر بالهيروين يُفاجئه المُعالِجُ بأن متاجرته ليست إلا لمواصلة إدمانه بما يكسبهُ من الأموال، كما يلقي الضوء على مراحل العلاج، إلى أن يتلقى المدمن حقنة الوداع وعقب ذلك تبدأُ مرحلة التأهيل، غير أن فصول الإدمان لا تنتهى في حياة بوروز مع خروجه من المستشفى، إذ يجرفه التيارُ من جديد إلى دوامة الأفيون والهيروين وحبوب الكودئين والأخطرُ من ذلك يصبح مصيره بفعل المخدرات مطادرة وسجناً وهروباً، يُشيرُ وليام بوروز إلى أن المقلع عن الهيروين لا يحتاجُ إلى كثير من الوقت ليغرق في التعاطي مجددا حتى لو انقطع عنه لمدة عشر سنوات، بينما الأمرُ يختلف بالنسبة للمبتدئ تماماً يتنقلُ صاحب «المدمن» بين نيويورك ونيوأورلينز، كما أن في مدينة مكسيكو المكسكية يكون بوروز أمام محطة أخرى من الإدمان ويتعامل مع لوبيتا المرأة النافذة، وهناك أيضاً ينفصل عن زوجته ويشهدُ توافد الأمريكيـــــين على العاصــــمة المكسيكية تهرباً من(f.b.i) وتصله أخبار أصدقائه بعضهم يقبع في السجـــن، وهناك من رأى في الانتحار حلا، ويبحثُ وليام بوزروز أيضاً عن الياغي طلبا للتوازن الأخير، يجول بك هذا المؤلف في عالم تختلف سيكولوجية شخصياته عما تراه لدى الإنسان العادي وما تتوصل إليه أن المدمن يتغيبُ طوعاً عن الزمن ويمرُ بتجربة الموت وهو حي.

The post «المدمن» للأمريكي وليام س. بوروز: محنةُ التغيب عن الزمن appeared first on الرواية نت.

ستون عاما على أولاد حارتنا لنجيب محفوظ

$
0
0

أيمن مارديني

يوميات أولاد حارتنا:

**من حوار مع نجيب محفوظ في مجلة الاذاعة في تاريخ 21 ديسمبر 1957

إنّ كاتب الواقعية مل الواقعية، زهق من آلام الناس ومظاهر حياتهم المباشرة، ولم يعد هناك جديد يكتبه عندهم، وعندما يكتب مرة أخرى سوف يكتب بطريقة جديدة لم تتحدد معالمها في ذهنه حتى الآن، والا سوف يهجر الأدب الى الأبد.

* أقام احسان عبد القدوس حفلا تكريميا في منزله للأديب نجيب محفوظ وذلك بعد حصوله على جائزة الدولة التقديرية في عام 1957 وهناك التقى علي حمدي الجمال مدير تحرية جريدة الاهرام، الذي نقل له رسالة على لسان محمد حسنين هيكل رئيس التحرير يريد منه نشر رواية لديه في الجريدة على حلقات متسلسلة، وكان رد نجيب محفوظ: ليس لديه شيئاً جاهزاً الأن.

* ياولاد حارتنا توت توت …هي احدي أغاني الطفولة، اشار اليها في روايته ” خان الخليلي”

*في يوم الاثنين 14 سبتمبر 1959 نشرت صحيفة الأهرام في الصفحة الأولى خبرا عنوانه “الأهرام ينشر قصة نجيب محفوظ الجديدة” مصحوبا بصورته “اتفق الأهرام مع نجيب محفوظ كاتب القصة الكبير، على أن ينشر له تباعا قصته الجديدة الطويلة.

*في يوم الجمعة 18 سبتمبر جاء في الصفحة الأولى هذا العنوان “الأهرام يبدأ في نشر قصة نجيب محفوظ يوم الاثنين” مع صورة للكاتب، وإشارة إلى حوار معه في الصفحة الخامسة. وحفل الحوار الذي أجرته إنجي رشدي بعناوين منها “درست كل الفنون وتعلمت العزف على القانون”، “أنا لا أنتظر الوحي والمزاج بل أصنعهما”. ونشرت بقية الحوار في الصفحة الثامنة.

*في يوم الأحد 20 سبتمبر نشر في الصفحة الأولى خبر عنوانه “قصة نجيب محفوظ ستبدأ في الأهرام غدا” مصحوبا بصورتين لمحفوظ وللتشكيلي المصري الحسين فوزي الذي رسم شخوص الرواية.

* رسالة من القاريء محمد أمين تصل الى مجلة المصور في تاريخ 18 ديسمبر 1959

يذكر فيها أن محفوظ ” يحيد ويجانب كل أصول القصة، وكتابته لاهي رمزية ولاهي واقعية ولاهي خيال، ولاتنطبق على أي قألب معروف….والتستر وراء الرموز أضعف قضية محفوظ، في مجتمع يجل الدين بطبيعته.

*مجلة الاذاعة 12 نوفمبر 1960 حوار مع نجيب محفوظ: الجديد الذي أحلم بتحقيقه هو أن أترك الأدب وأعيش مرتاح البال في مزرعة أعمل بها بعيداً عن ضجيج المدينة وأهل المدينة….و عند سؤاله عن الكتابة الرمزية التي انتهجها محفوظ في روايته الجديدة قال:

…أبدا أنا لم أرمز الى شخصيات كبيرة. أنا قصدت الرمز من خلال هذه الشخصيات الصغيرة الى أفكار كبيرة. فبعض الشخصيات رمزت بها التفكير الديني، وبعضها الى التفكير العلمي، لأصورأفكار العصر الذي نعيشه ونعيش قلقه، أنا أعرف أن القلق النفسي والخوف التي يعانيها الفنان قبل أن يقدر على تحقيق فكرة جديدة او حلم جديد.

مجلة الكاتب فبراير 1964

في رأي نجيب محفوظ الفن لا يرتبط بجدته، وانما بالوظيفة التي يؤديها في تعميق الحياة واثرائها بالتجربه، وبما يحققه من متعه وفائده تنهضان كمعيار نظر في ضوئه الى التراث الفني للانسانيه كلها. ويذهب الى أن البحث عن تكنيك جديد للرواية قد يكون شيئا مهما للكتاب في اوروبا نظراً لظروف العصر، ولكن بالنسبة لي شخصياً (يكمل محفوظ ) عمل دائم على الموازاة بين التقنية والانشغالات المجتمعيه والفلسفيه ويقول: حين كنت مشغولاً بالحياه ودلالاتها كان أنسب اسلوب لي هو الاسلوب الواقعي الذي قدمت به اعمالي لسنوات طويله. كانت التفاصيل سواء في البيئة أو الأشخاص على قدر كبير من الاهميه …أما حين بدأت الأفكار والاحساس بها يشغلني لم تعد البيئه هنا ولا الأشخاص ولا الاحداث مطلوبة في ذاتها. الشخصيه صارت اقرب الى النموذج أو الرمز، والبيئة لم تعد تعرض بتفاصيلها، بل صارت أشبه بالديكور الحديث، والأحداث يعتمد في اختيارها على بلورة الأفكار الرئيسية.

على هامش يوميات أولاد حارتنا:

* يوليو 1958 فتحي غانم وبعد نشر روايته البارد والساخن يستدعى الى مباحث الآداب لما تحتويه على فسق وفجور، ويتدخل يوسف السباعي في وقف التحقيق فيها.

*سبتمبر 1958 احسان بعد القدوس وبعد رسالة من قاريء في بريد القراء وبعد نشر مجموعته القصصية البنات والصيف يزوره محمد حسنين هيكل ويبلغه بغضب جمال عبد الناصر لما أتى عليه في كتاباته.

* ايقاف سلسلة مقالات مصطفى محمود في روز اليوسف الخاصة ببحث فلسفة الدين.

*لقاء محفوظ بصلاح نصر في مبنى المخابرات العامة ( ولم يكن يعرف من هو أو منصبه أو دوره في حكومة عبد الناصر) وكان اللقاء يدور حول أولاد حارتنا. والمقصود من ورائها ومدى صحة مايقال عنها من تجاوزات دينية.

*صدور رواية بنك القلق لتوفيق الحكيم واحتجاح عبد الحكيم عامر شخصياً عليها، وعند اجتماعهم سوية مع توفيق الحكيم عند جمال بعد الناصر حسم الأخير لصالح توفيق الحكيم بحجة أنه من انتقد الأوضاع في عصر الاقطاع عليه أن ينتقد أيضا في عصر الثورة .

*انتهى الهامش

* ديسمبر 1967 نشرت الرواية في بيروت لبنان عن طريق دار الآداب، و بعد طول انتظار لحل المشاكل الرقابية في مصر حول الرواية التي بائت كلها بالفشل.

*1970 تم اذاعة مسلسل في الراديو ( صوت العرب) تحت اسم أولاد حارتنا من بطولة سميحة أيوب وعبد الله غيث وعبد الرحمن ابوزهرة وتوفيق الدقن وكريمة مختار والسيناريو ل عبد الرحمن فهمي و الاخراج ل حسين ابو المكارم .

* 1988حاز نجيب محفوظ على جائزة نوبل عن مجمل أعماله ومنها أولاد حارتنا

The post ستون عاما على أولاد حارتنا لنجيب محفوظ appeared first on الرواية نت.

مدن و لاسراويل للتونسية كلثوم عياشية..

$
0
0

رياض عمري

منية الشقري محور الحكي الغائر في التجريد بطلة من نوع آخر في الروايات تسرد قصتها و قصص أخرى منها القادمة من الهامش إلى العاصمة و منها قصص تملأ بيوت المدينة.
هذا الوجع التونسي يرثه جيل بعد آخر.
تنطلق أحداث الرواية بجملة من الأسئلة حول الكتابة و النشر و كيف السبيل إلى جعل القارئ يتحد مع أنفاس الحكي، كأن تقول له الكاتبة هذه قصص يمكنك أن تكون بطلها بفعل طريقة تجعل من العلاقة بينهما جدلية قائمة على إدخال القارئ في اللعبة الدرامية للقص.

منية الشقري امرأة تونسية تقدم لنا سيرتها متداخلة مع سير عديدة لشخصيات تعيش خرج دائرة اهتمام السياسي لنغرق مع الكاتبة في تفاصيل إجتماعية ثم نفسية وجودية لكل كائن قصصي.
منية الشقري المرأة المتعلمة المثقفة تعيش الاضطهاد النفسي والجنسي من أمها “يزة” وأخيها المعربد “عبد الحميد” اعتاد القارئ على قصص تسرد اضطهاد الرجل للمرأة لكن في مدن كلثوم عياشية الأمر مختلف نكتشف في ثنايا سيرة منية اضطهاد المرأة للمرأة تبرزه علاقتها مع أمها التي تدافع على تصرفات إبنها “حميدها” الشاذة والاستغلال المادي و التحرش الذي يتعامل به مع أخته.
ثم تدخل بنا منية إلى كشف التخلف الجنسي في التعامل مع جسد الرجل و المرأة منذ فترة البلوغ، الجيلاني طفل تقطع خصيتاه بسبب جهل أهله طريقة تطبيبه في اتباع عادة بالية “التشليط” بشفرة حلاقة صدئة. و منية الطفلة الصغيرة تجتاحها الدورة الشهرية تلميذة في المدرسة فتتلقى السب والشتيمة والقساوة من أمها “يزة” عوض العناية بها وتفسير الظاهرة الجسدية التي اعترتها مبكرا.
لتغرق بعد ذلك في تناقضات الروح و الجسد هذا المهمل المتروك كم يتسبب في آلام نفسية وعدم قدرة على التواصل مع الآخر داخل الأسر وفي الفضاءات الخارجية.
“الجيلاني” و “منية” خلاصة الطفولة والمراهقة الفاشلة في مجتمع يخدم التقاليد البالية والخرافة أكثر مما يخدم العلم والمعرفة والإنسان.

مدن و لاسراويل تدخل بنا إلى الصراع القائم بين الكاتب ونشر نصوصه فلذة كبده، أبناءه ومصائرهم.
ما فائدة أن ترى هذه النصوص والقصص النور لتقبع في نهاية رحلتها فوق الرفوف و الغبار؟
كأني بالكاتبة تخط قصصها في يأس كبير من تداولها بين أيادي القراء، دليل على وعيها بأزمة النفور والابتعاد عن الكتاب .

خديجة جدة منية كم أحببتها تسرد قصص في ظاهرها غير متماسكة في باطنها عجوز تجيد فن الحكي وتحبك القصة و الخرافة دقة في التصوير والاكتمال. هنا ربما انتصر الشفوي عن المكتوب في إشارة ذكية من الكاتبة عن روعة روايات لم تكتب جديرة بأن تقرأ.

مدن ولاسراويل لغة فصحى تتناثر داخلها عامية تونسية خاصة من خلال أمثلة شعبية تدل على مستوى ودرجات وعي و تفكير مجتمع ما.

The post مدن و لاسراويل للتونسية كلثوم عياشية.. appeared first on الرواية نت.

آدم بعد عدن لفولتير

$
0
0

آدم بعد عدن، ترجمة جديدة كاملة لرواية “كانديد” الشهيرة. ترجمة وتقديم ودراسة للكويتي: عقيل يوسف عيدان
يقع الكتاب في بابين، في الباب الأول وبعد (مقدمة) موسّعة، يدرس عقيل يوسف عيدان الرواية في ثلاثة فصول، ينبري الفصل الأول لقراءة معمّقة في أصل مسألة الشر، والفصل الثاني فيتفحّص كيفية مواجهة فولتير لهذه المسألة في تجلياتها ومظاهرها كافة. أما الفصل الثالث، فيعرّفنا بأعمق المقاربات التاريخية والمعاصرة حول الرواية وبالجانب الإبداعي فيها. أما الباب الثاني، فيُقدَّم فيه عقيل عيدان ترجمة كاملة غير مختصرة لرواية (كانديد) لمؤلفها فولتير.
وقد اعتمد عيدان على خبرته في مجال الفلسفة ليوفر لقرّائه رؤية مغايرة وشاملة لنصوص وسياق نص الرواية.
أن فولتير في هذه الرواية يقدم نصا أدبيا، فلسفيا، وكذلك تاريخي وتنويري معاصر، بالرغم من مرور أكثر من 250 عاما على تدوينه وظهوره، حيث تمتاز جل مفاصله بوعي حاد يعيد من خلاله الكاتب تقويم الممارسات والوقائع والرموز والمعيش في حياتنا، علاوة على إدخال حيوية عقلية ناقدة تنشأ في المقاومة والتصدي الواعي لمظاهر الشر كافة الذي يخترق حياتنا.
من أهم الموضوعات التي تُطرح دائمًا للنقاش هي جدوى وجود الشر. مسألة الشر طالت البشر في كل زمان ومكان، واستحوذت على اهتمام الفكر الإنساني منذ أقدم العصور وحتى الآن، بل وتفوّقت على كل المسائل البشرية الأخرى كمصدر للفزع، القلق والألم والخوف… بالنسبة للإنسان.
ما الذي يحدث في عالم خالٍ من الشر؟ هل يكون عالمًا أفضل؟
فولتير يطرح القضية بصورة موسعة، وقد تكون روايته هذه هي أهم ما كُتب عن هذا الأمر.

مقتطفات من الرواية :-

– “الخيال حين تكون له قيمة لا يُخترع من العَدم وإنما قيمته أن يصفَ ما يُشاهد على السطح وتحت السطح وبين الركام أيضاً، ثم يبحر بعد ذلك إلى المحتمل و الممكن وذلك هو الفارق بين الخيال القادر على الخَلق، وبين العبث تائهاً في العدم “
– ” ولم نخلِ مع ذلك ما أودعناه هذه الأوراق اليسيرة ( من الأسرار ) عن حجاب ( رقيق وستْر ) لطيف يُنتهك سريعاً لمن هو أهلُه، ويتكاثَف لمن لا يستحق تجاوزه حتى لا يتعداه “
– “إن البشر يعيشون إما في مَلَلٍ، أو في بُؤس، غير أن الطريقة الوحيدة للخروج من هذه الحَدّية، هو أن نفعل شيئاً جاداً، صادقاً ومفيداً نحبّه.”
– ” إنها ملاحظة ممتازة، ولكن دعنا نَفْلَح حديقتنا”
– “أن نص رواية ( كانديد ) لن تخدم التنديد او الاعتراض على أشكال الشرّ إذا كانت مجرد تنفيس عابر تجاه الضّيم والوضع التعيس السائد حول العالم، وإنما باعتبارها شكلاً من المقاومة ضد الانصياع لأوجه الشر والاعتراف بالعجز بها، بل وتنديد مريراً باللامبالاة البشرية التي ترفض رؤية البؤس واليأس والموت ولا تنبس بفعلٍ، ولا حتى باحتجاج ! فهو التنويري الذي يُصر على تدمير تلك السلبية المبررة لقبول الشر واستمراره”.

من صفحة الروائي أحمد السماري

The post آدم بعد عدن لفولتير appeared first on الرواية نت.

الرواية…تجربة فكرية ـ تخييلية

$
0
0

لطفية الدليمي
قرأت قبل شهور رواية «Still Alice» للكاتبة ليزا غينوفا Lisa Genova، ومما شجّعني على قراءة الرواية مشاهدتي للفيلم السينمائي المنتَج عام 2014، المأخوذ عن الرواية، الذي حازت عنه الممثلة جوليان مور على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة لتجسيدها الدور الرئيسي في الفيلم. كانت غايتي الأساسية من وراء قراءة النص الأصلي للرواية معرفة الكيفية التي طوّعت بها الكاتبة ذلك الحشد من التفاصيل الطبية عن مرض ألزهايمر، في سياق سردية روائية حقّقت انتشاراً واسعاً فرض نفسه على السينما الهوليوودية التي لا تغامر بإنتاج فيلم ما لم تحدس في عناصره ما يحقق لها الربح الفاحش بقصته المثيرة ووقائعه الاستثنائية.
تتركّز ثيمة الرواية حول حياة أليس هولاند، البروفسورة في مادة علم النفس المعرفي والآليات الإدراكية الخاصة بديناميكيات تعلم اللغة، تعمل أستاذة في جامعة هارفرد بصحبة زوجها الأستاذ في الجامعة ذاتها. تعمد الروائية – منذ الصفحات الأولى – إلى تمهيد الأرضية أمام القارئ ليعرف أنه إزاء شخصية تعاني تمظهرات مرضية تشير إلى بوادر مرض ألزهايمر.

أثارت اهتمامي تلك العبارات المفتاحية التي وضعتها المؤلفة قبل المتن الروائي:
«حتى في ذلك الوقت قبل ما يزيد قليلاً على السنة، كانت ثمة خلايا عصبية دماغية قريبة من أذنيها تذوي في سكينة تامة إلى حدّ جعلَ من المستحيل أن تسمع أليس صوت استغاثة تلك الخلايا المتلاشية. يمكن أن يعتقد البعض أن هذا المرض قد غدر بها وجعل خلاياها العصبية الدماغية تسلك مساراً يفضي لدمارها الذاتي، وسواء كان هذا جريمة جزيئية أم انتحاراً ذاتياً للخلايا، فقد عدمت تلك الخلايا الوسيلة الكفيلة بتحذير أليس مما سيحدث لها عمّا قريب قبل أن تذوي إلى الأبد…».

تساءلتُ وأنا أقرأ هذه العبارات التخصصية البعيدة عن السياقات الأدبية المألوفة في مفتتح الروايات: كيف أمكن لهذا الحشد اللغوي المزحوم باستعارات مفاهيمية علمية أن يثير انتباه القارئ خصوصاً في مفتتح الرواية؟ ودفعني الفضول للبحث عن السبب الذي جعل هذه الرواية تحقّق مبيعات كبرى (بيست سيللر)Bestseller وتُترجم إلى سبع وثلاثين لغة، نعلم أن المؤلفة هي ذاتها عالمة أعصاب متخصصة، وقد غامرت بتحمّل تكاليف نشر هذه الرواية عام 2007 (وهي روايتها الأولى التي نُشرت بعدها ثلاثة أعمال أخرى)، ثم دفعت المبيعات الكبيرة للرواية دار نشر مرموقة هي «سايمون آند تشوستر» لشراء حقوق نشر الرواية من الكاتبة عام 2009، وإعادة نشرها بصيغة كتاب جيب زهيد الثمن بغية إيصال الكتاب بعد نجاحه المدوي إلى أوسع حلقة من القرّاء.
دفعتني تساؤلاتي إلى قراءة مراجعات نقدية عدّة للرواية، وقد اتفقت معظم المراجعات على ضرورة أن يمتلك القارئ شيئاً من معرفة معقولة بعِلْم النفس الإكلينيكي، أو أن يسعى على الأقل إلى امتلاك شيء من تلك المعرفة، إذا شاء الاستمرار في قراءة هذه الرواية، كما أكّدت المراجعات النقدية أنه من المهمّ الاصطبار على قراءة الصفحات الأولى التي بدت واضحة الجفاف وتعوزها المتعة والتشويق المطلوب الذي يثير شهية القارئ ويجذبه إلى متابعة العمل الروائي.
يمتاز الإنسان بقدرته الفريدة على خلق الأفكار ومساءلتها والتلذذ العقلي حد الانتشاء بها، غير أن تلك القدرة محكومة بمحفزات توفرها بيئة الإنسان المتقدمة من جانب ومثابرته الشخصية على اكتساب المعارف من جانب ثانٍ، أما في البيئات المتخلفة، فإن تلك القدرة تُعامل على نحو مدمّر، ويجري مسخها والاستخفاف بها، ويعتبرها كثيرون أمراً عقيماً يعجز عن توفير متطلبات العيش الأولية، وعلى الضدّ من ذلك نجد اهتماماً واسعاً بهذه القدرة في المجتمعات المتطورة، لإدراكها أن القدرة الإنسانية على توليد الأفكار هي «منجم ذهب لا نضوب لثروته»، ليس على صعيد الاهتمامات العامة فحسب، بل بالمعنى النفعي للعبارة، ويتعاظم اهتمام النظم التعليمية في تلك المجتمعات بالتركيز على تعليم كلاسيكيات الأدب والفلسفة في وقت مبكر من أعمار الطلبة لإدراكهم أن تلك الكلاسيكيات (بدءًا من المحاورات الأفلاطونية والأساطير الملهمة والملاحم ومختارات من الروايات الحداثية وما بعد الحداثية) تعزّز التفكير المبدع، وتحفز العقول الفتية على التعامل مع الأفكار.

يتساءل بعضنا: لماذا نعتبر الانتشاء بالأفكار التجريدية خاصية فريدة للعقل البشري؟ يكمن الجواب في معرفتنا بأن الأفكار التجريدية (كالرياضيات) تعني إمكانية توليد الأفكار بمعزل عن المؤثرات الفيزيائية المحسوسة الواقعة خارج نطاق العقل، مما يعني أسبقية العقل على الموجودات المادية، وقدرته على إنتاج الأفكار، حتى في غياب تلك الموجودات، وبوسع الروائي الاستفادة من هذه الخاصية، التي توفّر للعقل طاقة تخييلية هائلة تجعل من بعض الأعمال الروائية ضرباً من «تجارب فكرية»، قوامها الأفكار الممتعة.

يظنّ البعض بأن العمل الروائي كائن طفيلي يعتاش على الرؤية المادية المجردة، والانغماس الجسدي في تجارب البوتقة البشرية الفوارة، ويتجاهل هذا البعض أن كل عمل روائي أصيل (شأن كل إبداع آخر) يوظّف الطاقة التخييلية التي تعززها الأفكار، ويدور في مدارها، ومن غير سحر الأفكار البارعة الملهمة لن تكون الرواية سوى «حدوتة» مسطّحة وملفّقة تعتمد اللغة العاطفية السيالة والبوح المجاني والتبسيط المفرط لإرضاء فئات محددة من القراء، في حين تمتاز الروايات العظيمة (مثل روايات دوستويفسكي وتوماس مان وريبيكا غولد شتاين) بأنها لعبة ذهنية ثرية في المقام الأول، وليست محض سرد وقائعي لحوادث محددة أو مفترضة، غير أنها تختلف نوعياً عن الألعاب الذهنية الأخرى، لأنها لا تستمدّ مادتها الأولية من مواضعات متفق عليها، بل من الواقع الفيزيائي الذي يحيا الإنسان في مدياته، ويصحّ هذا الأمر على مختلف أطياف الفن الروائي حتى تلك الروايات ذات النزعة الميتافيزيقية، كبعض أعمال هيرمان هيسه وماري روبنسون ومارغريت آتوود.
يرفض البعض ممن يكتبون الرواية أو ممن يعملون في مجال عرض الكتب في الصحافة فكرة انطواء الرواية على مادة معرفية لقناعة مسبقة لديهم بأن الرواية هي حكاية ممتعة ترصد حياة مجموعة من الشخصيات، وتسرد، بأسلوب شيق ولغة مطواعة، وقائع حياة الشخصيات ومصائرها، ويفوتهم أن تعزيز السرد بمواد معرفية لا يجيء مطلقاً بشكل فوقي مقحَم أو بطريقة مباشرة (كما يفعل بعض الكتّاب) وإنما يتم بتكثيف الخبرة البشرية في خلاصات مركَّزة أو ما ندعوه «عبارات خوارزمية» بصياغات ملهمة أقرب إلى الحكمة المضغوطة التي ما أن يكتشفها القارئ حتى يتمتم: ما أروع هذه العبارة! كم هي ثمينة ومشرقة، ليتني عرفتها من قبل، إذن لكانت حياتي اتخذت مساراً مختلفاً عمّا مررت به، ولكانت بهجتي باكتشاف الحياة وثرائها قد تسامت لمرتقيات بعيدة ولتجنبتُ مزالق وخسارات كنتُ في غنى عنها.
شهد اليوم، وفي كل بقاع عالمنا، انحساراً معرفياً كبيراً مقابل تفجُّر معلوماتي هائل، وتكمن المشكلة دوماً في كيفية تحويل ذلك التفجر المعلوماتي، الذي يشبه الانفجار الكوني العظيم، إلى معرفة موجهة لصالح الفرد والمجتمع معاً، وقد جاءت لنا الوسائط الرقمية الشائعة بنوع من القدرة السهلة والجاهزة للحصول على المعلومة، إنما دون توظيفها لاحقاً في صيغة معرفة هادفة تقود إلى خبرة منتجة، وتفاقمت هذه الإشكالية حتى على صعيد المؤسسات التي كانت تُعتبر تقليدياً مصادر مزوّدة للمعرفة (مثل المدرسة والجامعة والصحيفة اليومية)، بعد انحسار الرغبة في القراءة الرصينة والاستعاضة عنها بالمتعة الصورية العابرة المفتقدة لأي قيمة فلسفية، ووصل الأمر إلى حدّ بلغ معه مرتبة المعضلة القومية في كثير من الدول، بعد أن شهدت مخرجات التعليم تباطؤاً واضح المعالم في القدرات الجمعية، إذ أصبح التفوق والإنجاز الأكاديمي وغير الأكاديمي غارقاً في الفردانية وبعيداً عن التمثلات الجمعية، مقارنة بما سبق، ووسط بيئة بهذه المواصفات بوسع الرواية أن تكون وسيطاً معرفياً مقصوداً أكثر من أي وسيط آخر، لتوفير المعرفة الهادفة عبر توظيف وسائلها اللامحدودة في المناورة والقدرة على تمرير الأفكار، في إطار جمالي تمازجه بالمتعة.
تلمست، في قراءاتي للرواية وعبر ترجماتي لحوارات كثيرة مع كُتّاب الرواية وكاتباتها، ميلاً طاغياً للروائيين المعاصرين نحو جعل الرواية نصّاً معرفياً بحدود ما يمكنهم توظيفه ويأنسون له، وسنلمس في روايات القرن الحادي والعشرين قبسات متزايدة من المعرفة العلمية والفلسفية والسيكولوجية والتأريخية تتواشج مع الصفات الخاصة لكل شخصية، وتبرز اهتماماتها وأحلامها ونمط سلوكها، ويتفق هذا الأمر مع القناعة المتزايدة بأن الرواية الحديثة ستلعب في السنوات المقبلة دور «الحاضنة المعرفية»، التي تزوّد الأجيال المسحورة بالعالم الرقمي بقدر معقول من تلاوين المعرفة المتجددة، وسيكون بوسع الروائي المتمكن (عبر مقاربة مفردات المعرفة بوسائل ناعمة وسلسة) إعادة التوازن بين المعرفة التحليلية والرقمية المهيمنة، ليساعد بعمله الإبداعي على تعزيز كفاءة قرائه الشباب في استخدام الطاقات الخلاقة المتاحة للعقل البشري.

المصدر /جريدة الشرق الأوسط

The post الرواية… تجربة فكرية ـ تخييلية appeared first on الرواية نت.

فوزي كريم…“مَلاذٌ”بين دفّتي كتاب

$
0
0

حسين السكاف

على حياء، يظهر الحب في هذه الرواية، بينما تهيمن فكرة المستقبل الكارثي، والخوف من تبعاتهِ على معظم أحداثها ومشاهدها… الحب جاء شفيفاً في روح شاب لما يزل على مقاعد الدراسة الجامعية… شابٌ يرى في مستقبل بلده “مدينة نحاس” كما صورها المسعودي في “مروج الذهب”… “مدينة النحاس” وكأنها جاءتني من عالمٍ آخر غير عالم الكُتُب. عالمٌ كنتُ قد استشعرتُه حين وقعتْ عيناي على الحكاية أوّل مرّة. وتذكّرتُ الصدى الذي خلّفتْه في النفس.”.

في روايته الأخيرة “من يخاف مدينة النحاس – دار المتوسط 2018” يفصح فوزي كريم (1946-2019) الذي تميَّزَ عن أغلب مجايليه من الشعراء والمثقفين العراقيين، بعدم تبنيه أية فكرة سياسية أو آيديولوجية معينة، حيث ظلَّ حراً لم يشوهه مبضع السياسة والإنتماءات، عن ذلك التحرر بصراحة تامة، ليتلمس القارئ سرّ تفرد المؤلف، وفي الوقت نفسه، يتلمس أيضاً، مصدر مكابداته وآلامه، في بلدٍ لا يعرف سوى الانتماءات والتحزب…

“ليست الرواية تراثاً وحدها. كلُّ كتابٍ تراث. “في الكُتُب تتجلّى روحُ الزمن الماضي كله: الصوتُ المنطوقُ والمسموعُ للماضي، في حين يتلاشى جسدُ ذلكَ الماضي وجوهره المادّي جميعاً مثل الحلم.” كل كتاب بين يدي يتطلّب مني استدارةً إلى الخلف. إنه صوتُ الماضي الذي ليس له من صوتٍ مسموعٍ.”. من هذه الفكرة ينطلق الراحل فوزي كريم في روايته ليضع أمام القارئ مكابداته التي ما انفكت تؤرقه لأكثر من خمسين عاماً، مكابدات العراقي الذي تلمسَ في بلدهِ مستقبل كارثي، يقترب بصورته المتخيلة من “مدينة النحاس” المدينة التي تُسِحر البشر وتقتلهم سقوطاً، بعد أن تنال اعجابهم، تلك القصة التي تضمنها كتاب المسعودي “مروج الذهب” والتي تشير إلى هلاك من يرى مدينة النحاس بعد أن يتسلق أسوارها… “حيث تحيا، يا ابن آدم، ثمة “مدينة نحاس” تنتصب فجأة على مقربة منكَ، مُغويةً أكثر منها مُهدّدة. ترتقي جدارها عن غير إرادة، أو وعي. تصفّق لها مُهلّلاً، ترمي بنفسكَ، ولا ترجع آخر الدهر.”

منطقة “العباسية” في كرادة مريم ببغداد. المنطقة الخصبة على ضفاف نهر دجلة، التي أصبحت منطقة رئاسية بعد أن سرقها حزب البعث، لتكون بعد الاحتلال وسقوط البعث بما يسمى المنطقة الخضراء” تشكل مسرح الرواية، فيها ولدَ المؤلف “بطل الرواية” وترعرع، حتى أكمل دراسته الجامعية. ومنها انطلق في رحلته خارج الوطن، هارباً من مستقبل البلد الكارثي كما كان يتصوّره نتيجة معطيات مقنعة تصورها لنا مشاهد الرواية… العباسية دائمة الحضور في مؤلفات ومقالات فوزي كريم، وكأنه لا يعرف منطقة أخرى في بغداد غيرها، بل تكاد أن تكون الوطن كله بالنسبة له، ولعلنا نتذكر ذلك التوق الذي كان يناشده فوزي كريم في روايته “العودة إلى كاردينيا” لعبور الجسر حيث الضفة الأخرى، ليكتشف “كورنيش أبو نؤاس” المقابل لمنطقة العباسية، وذلك الخوف والتردد الذي كان يتلبسه، بدايةً… إنه الإنتماء للمكان، أو لنقل “بغدادية” المكان، لذا نجده في أكثر من مكان داخل الرواية يستخدم المفردات العامية من اللهجة العراقية، أو على الأصح اللهجة البغدادية، ليضفي على الرواية روحها التي يريد أن يُشعر القارئ وبحميميتها… “حطّتْ أختي استكان الشاي على مسند “الكرويته” إلى جانبي، ثمّ وزّعت البقيةَ على أمي وعمّتي الجالستين، على “منادرهنّ” القطنية، وبين أصابعِ كلّ منها سيجارة “المزبّن” البيضاءُ النحيلةُ التي لم تشتعل بعد، فهي مفضلة بعد استكان الشاي مباشرة.”

الحب في رواية صاحب ديوان “قارات الأوبئة” يظهر مقاوماً لظواهر الموت والدسائس التي كانت منتشرة زمن الرواية، الحب “ملاذ” كل رافضٍ لتلك الظاهرة القبيحة التي كانت تقترفها عصابات من الجهلة تحت غطاء شعارات سياسية… وليس عبثاً أن يختار المؤلف اسم “ملاذ” ليكون اسم حبيبته التي كانت شقيقة أقرب أصدقائه “مصطفى”… “الحبُ، أو مشروعُه بكلمة أدق، لم يحدث بسببِ نظرةٍ مفاجئة محكومة بالصدفة. بل حدث بواسطة حبّ آخر، أملتْه الصداقة العميقة… الذي صرتُ أشعر أن مصطفى هو شخصي في المرآة، لي كل الحقّ في أن أتأمّله دون حرج، وأحدّثه دون محاذير… في اليوم الأوّل الذي صحبتُه فيه إلى بيته، رأيتُ أخته التي تصغره سنة أو سنتين، تقف على عتبة باب البيت، تراقب أطفالاً، يحثون الترابَ على بعضهم البعض، وهي تبتسم. كانت بشرتُها صافيةً، وعيناها واسعتين بصورة تُلفت النظر، وقد عقدت شعرها البني الكثيف إلى الخلف… ما أن جلستُ، حتّى رأيتُها تُطل عليّ مبتسمة، لتسألني إذا ما كنتُ أرغب بشاي وماء…”

يرفض بطل الرواية حاضره، ويسميه بـ “الحصار” لذا يجد في قصة حبه مهرباً نحو الماضي، وكذلك الكتب التي تتحدث عن الماضي، يجدها أكثر نقاءً وأهميةً من حاضره… “شعرتُ أن شيئاً ما يفيض بي، حتّى خشيتُ أن يُربك في فمي الكلمات. كانت هي تنظرُ مبتسمة، وكأنها تُقبل إليَّ من بين دفّتي كتاب. “في الكُتُب، تتجلّى روح الماضي..”، قلتُ لنفسي، تخرج من دفّتي كتاب، وتجلس معي، لتبتسم.”. وهو بهذا يمنح الماضي نظرة حميمية مسترخية وأكثر إنسانية، بينما يظهر الحاضر بالمقابل، كارثياً يُنبئ بمستقبلٍ دموي، لذا يصرّ بطل الرواية على أن حبيبته صورة جميلة عن الماضي، خرجت له من بين طيات الكتب التي تنتمي إلى الماضي الجميل…

فوزي كريم، الذي عرف منظر الدم وسحل الجثث في الشوارع وهو في الثالثة عشرة من عمره، عاش هول التناحرات والاعتقالات وأيضاً سحل الجثث وتعليقها على أعمدة الإنارة في شوارع بغداد، وهو على مشارف بلوغه سن الرشد… كل ذاك وغيره جعله قارئاً نهماً للكتب، كون ذلك يتطلب الإنزواء بعيداً عن الشارع، كما جعله قارئاً لمستقبل بلده، فلم يكن مستقبل بغداد في نظره إلا “مدينة نحاس” تقتل كل من يحاول تسلق حاضره بغية الارتقاء نحو المستقبل… “أن الكتب التي أقرأ، أبعد ما تكون صلةً عن الحاضر. والحاضر سياسة. والسياسةُ، كما يعرف الجميع، حافة سكين، ورصاصة طائشة، قد تتعرّض لها كل رقبة.”… الشاب الذي قرأ مستقبل بلده، منذ حفلة الدم الأولى حين قُتِلَ الملك، وهو في الثالثة عشرة من عمره، لم يحد عن الصواب في قراءة مستقبله آنذاك حين رآه مصطبغاً بالدم، فما من يوم مرَّ على بلده بعد ذلك، إلاّ وكان الدم عنوانه… “الحاضر كتيبة مسلحة لمحْق الكائن، والمستقبل بعدٌ دمويٌ، وأكثر…”. ذلك الحاضر المرّ، الذي يرى فيه صاحب كتاب “تهافت الستينيين” تهديداً لبقاء حبه حياً نابضاً بجماله الإنساني، كان يخشى من أن يبتلعه الحاضر الدامي، يخشى على نقاء حبيبته من كل الملوثات العديدة التي يتلاطم بها حاضرهما… “انتابني شعورٌ بأن كلَّ الذي يريد أن يحدث، إنما يحدث للإجهاز على مشروع حبّي هذا. يريد أن ينتزعني من الماضي، ويلقيني مُرغماً في المستقبل. يريد أن يلغي الكتاب بوجه “ملاذ”، التي طلعتْ منهُ إليّ. يريد أن يطمرَها كما يَطمر الماضي.”.

ثم تنكشف عزلة ذلك الشاعر “غير المنتمي” لعصابة الحاضر، بأجمل صورها وهي تختلط بالحب والشكوى، لأضعف وأرق كائنٍ عرفه الإنسان، الأم التي لا تحتمل وجع أبنائها رغم تلمسها لذلك الوجع المرير… “إنني أفيضُ بالحبّ، يا أمّي. أفيضُ بحبّ فتاة، لعلّكِ تعرفينها عن بُعد، أو عن قُرب، لا أدري. ولكني على يقين من أنكِ، لو التقيتُما، ستحبينها بقدر ما أحبّها… ولكنني أفيضُ بالحزن أيضاً، أشعر بأني محاصرٌ، منذُ زمن، والحصارُ يضيق أكثرَ مع الوقت. كيف أستغيثُ بكِ، وأنتِ أضعفُ من أن تتحملي استغاثتي؟!”.

ينهي فوزي كريم روايته بعبارة ظل مشهدها ماثلاً أمام ناظريه طيلة سنوات عمره، كما ظلت رائحة المشهد منذ مجموعته الشعرية الأولى “حيث تبدأ الأشياء” (1968) حتى آخر رواية له “مدينة النحاس” عالقة في كتاباته وذاكرته، يستنشقها أحيناً كثيرة…

“الجثثُ تُعلّقُ في ساحاتِ بغداد عبر تاريخها كلّه. تتعفن، ويستنشقُ العراقيون الرائحة.”

The post فوزي كريم… “مَلاذٌ” بين دفّتي كتاب appeared first on الرواية نت.


“كاهن دورا”رواية: عبد العزيز الموسى

$
0
0

زياد الأحمد

متدفقةٌ هادرةٌ كسيلٍ، وسَلسةٌ ناعمةٌ طريةٌ كزبدة الغنم.

 تُباغتنا ملتفةً بشفوفٍ من سحرِ الأساطيرِ المعتقةِ في جرار الذاكرة، تشف عن جسدٍ من ضوءٍ صارخٍ في عتمة العيون المطفأة، وسراديبِ العقولِ المُطَحْلَبَة.

مُغويةٌ مُشاكسةُ لعوب، تخاطبنا بلغةٍ منسيةٍ في أعماقنا منذُ آلافِ السنين، تلك اللغة التي تتسللُ في غفلةِ يقظةِ منّا؛ في مناماتنا وأحلامنا، منفلتةً من الزمانِ والمكانِ والجسد.

 تغمزنا بكلمات مفعمةٍ بلذّة المعصية؛ معصيةِ الزمان والمكان والجسد، لتحلق بنا عبر عدّة حيوات مرّت على “خربة عامود”.

  تمسكُ بناصية العيون لتلهثَ خلفَها حيناً، وحيناً ترواغُها وتُداوِرها؛ فتختفي بين أدغال السطور، وتتماهى مع ظلال الكلمات وإيماءات المعاني، فتُجبر العيونَ على العودة صفحاتٍ إلى الوراء باحثةً عن بداية درب اللحاق بها.

أنا لا أتحدث عن امرأة؛ أنا أتحدث عن رواية “كاهن دورا” الصادرة عن دار نون4 للنشر والطباعة والتوزيع 2017 للروائي السوري الكبير عبد العزيز الموسى ابن مدينة “كفرنبل” التي كانت من أجمل أيقونات الثورة السورية، وكان أجملُها عبد العزيز الذي يقف اليوم في مهبّ الغربة عارياً إلا من قلمه في وجه الأمل الصخري الأسود، والمرض القاهر.

 ينتصب بشموخه الموروث منذ أيام كاهن دورا؛ وحيداً يعاقر خمرة قلمه، ليعلنَ انتصارَه بذاك القلم الذي ما أبقى له الطغاة شيئاً غيره، يعلن انتصاره للحياة على كلّ دعاة الموت الذين قتلوا وطنه، يعلن امتداد الحياة التي بدأت من عماء “جايا” الأم، البحر، الأولى، يعلن استمرار بحرها عبر حبر قلمه الذي أنجب “كاهن دورا” ومن قبلها إحدى عشرة رواية أخرى.  

The post “كاهن دورا” رواية: عبد العزيز الموسى appeared first on الرواية نت.

مقطع من رواية “حارس السفينة”

$
0
0

عبدالله ناجي

عادا إلى السجادة الحمراء، وفي صدريهما تتفجر ينابيع اللذة، كلٌ منطوٍ على نفسه، يغترف من ينبوعه الخاص. راح الغريب يستعيد بعض اللقطات في آلة تصويره، مستمتعًا بمشاهد السفينة، بينما محمود يستعيدها في ذاكرته، إلى أن دعاه، فاقترب منه وصارا جالسين كتفًا لكتف، وهي المرة الأولى والوحيدة التي يتقاربان إلى هذا الحد. ثم أخذا يستعيدان مشاهد السفينة معًا، معلّقين على بعض الصور حينًا، ومُكتفيين بالمشاهدة الصامتة للبعض الآخر أحيانًا، فجلّ تلك المشاهد كانت أكبر من الكلام. جنح الوقت إلى الثالثة والنصف صباحًا، وانتهيا من جلسة المشاهدة تلك، فانفصلا وسبح كل واحد منهما في عالمه ومحيطه، كان محمود وقد امتلأت روحه بلذة غريبة، يحاول الاحتفاظ بتلك اللّذة لأطول زمن ممكن، لقد اختزن في ذاكرته مشاهد السفينة مرتين، مرة على الطبيعة، وأخرى عبر آلة التصوير، فأخذ يقلّب تلك المشاهد في باطنه، لتفيض عليه مزيدًا من اللذائذ، غير مُفرّقٍ بين لذة روحية ولذة جسدية، إنها لذة وكفى، وهو ممتلئ بها، وشاعر بأنها تتنقل بين روحه وجسده، أو أنّها فاضت من روحه حتى ملأت جسده، ثم فاضت من جسده أيضًا، وهاهو يشعر بنشوة تعتريه من رأسه حتى أخمص قدميه، تمنى أن يرقص، ويتمايل طربًا، بل أن يجري على رمل الشاطئ، ولولا حياؤه من الغريب لفعل ذلك.

            “ولمَ لا أرقص؟ سيحول الظلام بيني وبينه، فلا يراني”

 ما إن فرغ من محادثة نفسه حتّى انتفض واقفًا، استأذن من الغريب لقضاء حاجته وأوغل في الظلام، وبعد مسافة لا بأس بها أطلق ساقيه للريح، راكضًا في خط مستقيم، بمحاذاة الشاطئ، إحدى قدميه تنغمس في الماء، والأخرى تنغرس في الرمل، يلتصق رمل الشاطئ بقدم الرمل ثمّ ينتثر منها، وينتثر الماء عند قدم الماء ويطيش حولها، وحين أحس بوحدة خالصة، توقف عن الركض، وتسمّر في مكانه برهة من الزمن، ثم بدأ في الدوران حول نفسه، دورات متتابعة. أخذت سرعته في التزايد، فرد ذراعيه، ليحافظ على توازنه، أغمض عينيه، بالرغم من أن الظلمة لم تكن تسمح له برؤية شيء، وتخيّل نقطة واحدة يدور حولها، وهكذا اكتسب مركزًا داخل روحه يطوف حوله، ولا يشعره بالدوار في الوقت ذاته. رفع إحدى رجليه، واستمر في الدوران على قدم واحدة، كانت القدم اليمنى مركز دورانه الأرضي، والسفينة مركز دورانه الروحي، لقد تنبه أثناء الدوران -وَكان عكس عقارب الساعة- إلى أنّ السفينة هي النقطة التي اختارها لتكون المركز داخل روحه. رفع رأسه إلى الأعلى، كأنما ينظر إلى السماء، وهو مستمر في الرقص والدوران، فتح عينيه بعد الدورة السابعة أو العاشرة، أو المائة…..، وصافحت حدقتاه النجوم المعلقة فوق رأسه، شعر بأنها قريبة جدًا، وكلما زاد في دورانه، أحس بامتزاجها، واقترابها منه أكثر. شعر بأنها ستتحول إلى ثقب أبيض سيبتلعه لو استمر في الدوران والنظر إليها، فأغمض عينيه، ولكنه لم يتوقف عن الدوران، وفي دورانه أحس بأن الأشياء بدأت تدور معه، كأنما كانت ذراعاه مفتوحتان لتحتضنا تلك الأشياء، أخذت الدائرة تتسع، والأشياء تمتزج، الهواء والبحر والرمل والسماء والنجوم، وكلّ الموجودات من حوله. زادت سرعة دورانه، وزاد انصهار تلك الأشياء داخله، أو داخل السفينة التي كانت مركز دورانه، ودوران الأشياء معه، ثمّ بدأت صرخة تنمو داخل وجدانه، وتكبر، صرخة نبتت في منتصف صدره، وأخذت أغصانها تتصاعد وتعلو لتصل إلى حلقه، ومنه إلى فمه ثم إلى الفراغ المحيط به. لقد ذابت كل الأشياء من حوله، وذاب فيها، ولم يعد من وجود لشيء إلا للسفينة, أو له. انطلقت تلك الصرخة من أعماق روحه كبرق، أحدثت شرخًا في الفراغ الهائل المظلم، لم يعد يعلم أين هو بعد تلك الصرخة، تداخلت الأزمنة والأمكنة داخل وجدانه، ومرّت عليه كل اللحظات التي عاشها في سرعة الضوء، لقد ارتفع، وأصبح يشاهد ما جرى له في حياته أسفل منه، كان ينظر إلى قدمه اليمنى أثناء الدوران في الظلام، فلا يراها، ولكنه يبصر الوجوه التي ارتسمت على الفئران من قبل. عادت الفئران تقرض قدمه اليمنى، وَتتعلق بساقه، محاولة التسلق والانتشار في جميع أرجاء جسده، الذي انتفض لحظتها ودار بأقصى سرعته، جاعلاً الفئران تتطاير حوله، إلاّ أنّها كانت تعود مرة أخرى لتتسلق جسده، عبر ساقه الوحيدة المرتكزة على الأرض، وكلما عادت زاد من سرعة دورانه، حتّى وصل إلى سرعات هائلة، لم يكن يتوقع أن يصلها. عند ذاك الحدّ أحس بأن جسده بدأ يرتفع، فرفع قامته وصار يدور على أطراف أصابعه، استمر على ذلك، واستمرت الفئران في محاولة الصعود إليه، أحسّ بازديادها، وتكاثرها على ساقه، فاندفع جسده يدور بأقصى سرعة، ما أشعره بخفة هائلة، إلى حدّ أنّه فقد الإحساس بجرمه ووزنه. وفي لحظة فائقة، وهائلة الخفة قفز إلى الأعلى قفزة عظيمة انخلع فيها عن الوجود، وَانفصل جسمه عن الأرض تمامًا. غاب عن وعيه في ذلك الانفصال وتلك القفزة، ثم أوغل في عالم البياض. 

عبدالله ناجي:  

• شاعر وروائي يمني

• يسكن مكة وتسكنه منذ صرخة الميلاد

• صدرت له ثلاث مجموعات شعرية : 

•  أتصاعد في الصمت 2007

•  الألواح 2014

•  منازل الرؤيا 2018

• ورواية منبوذ الجبل 2018

. رواية حارس السفينة 2019

The post مقطع من رواية “حارس السفينة” appeared first on الرواية نت.

مستودع الطفولة ..ولَمْلمةُ نُثارِ الذكريات

$
0
0

كه يلان مُحَمَد

إنَّ الغموض والتعقيد والحفر في سجلات الماضي والتوهان في دهاليز الأزمنة الغابرة ونفض الغبار عن طبقات الذاكرة من موضوعات مُفَضلة بالنسبة للكاتب الفرنسي (باتريك موديانو). إذ يميلُ صاحب (أقاصي النسيان) إلي تحبيك حلقات مادته الروائية من خلال شبكة من شخصيات تتسلل إلي فضاء السرد، وتأتي الإشارة إلي كل شخصية جديدة بهدف توفير مزيد من العناصر التي تُعينُ المتلقي في بلورة تصورِ عن جملة أو مشهد سبقَ وأن مر عليه ولم يفهمْ دلالتهُ، لذا كلما يمضي القاريء قُدماً مع (باتريك موديانو) يتفهم أكثر بأنَّ كل ما يردُ من أسماء الأمكنة والشخصيات والصور المتوزعة في تضاريس أعماله يُبني لدي هذا الكاتبُ ما يُسميه أحدُ النُقاد بسحر غير قابل لتحديد، ومن هنا يَتَخِذُ أُسلوب موديانو طابعاً خاصاً يختبرُ إدراك القاريء أحياناً علي مُختلف المستويات، ما يكون لغزاً في رواية (مستودع الطفولة) منشورات الإختلاف الجزائر بالاشتراك مع منشورات ضفاف بيروت 2016 هو البُنية المكانية، إذ أن مدينة باريس هي مسرحُ لايغادرها مؤلف (دفتر العائلة) في رواياته وقد تزاحم عاصمة النور بعض المدن الفرنسية الأخري مثل نيس في (آحاد أُغسطس) غير أن ذلك لايُبعدُ بالعملِ عن أجواء باريس وفنادقها وشوارعها، إلي أن يخطو موديانو في (مستودع الطفولة) أبعدَ من باريس، إذ يقيمُ جيمي سارانو كاتب مسلسل مغامرات لويس السابع عشر في مدينة غير مُعينة بالإسم لكن الكاتب يصرُ علي إيراد عناوين الشوارع وأماكن الإقامة في مضامين روايته، كما يُمكنُ أن يُفهم من سياق بعض العبارات تحديد هوية المدينة التي تدورُ فيها الأحداثُ لاسيما عندما يتوقع كاتب المسلسل الإذاعي الذي تُوكلُ إليه وظيفة السرد أيضاً، وجود مُستمعين لعمله في مدينة تطوان ، جبل طارق أو الجزيرة الخضراء فضلاً عن ذلك يموه الراوي هويته معتقداً بأن لا أحد يربط بين الشخص الذي نشر الروايات في باريس وكاتب أندلسي، هذا كل ما يقدمهُ المؤلف في بداية عَمَله، كأنَّ الكاتب أراد بهذا الإبهام أنْ يُشرِكَ المُتلقي عملية إحتمال البعد المَكاني.
مكان مُفترض
يري مترجم (مستودع الطفولة) نجيب مُبارك، أنَّ مدينة طنجة الساحلية هي ماتُصبح حاضنة مكانية لأحداث الرواية، ويستخلصُ هذا الإفتراض من مواصفات جغرافية وتاريخية ذكرت علي لسان الراوي فالأخيرُ يعملُ في راديو مودنيال التي تشبه حسب رأي المترجم إحدي محطات إذاعية كان موجودةً بطنجة خلال الحرب العالمية الثانية، لكن وفقاً للتواريخ المذكورة في متن النص، أن الزمن الذي يُسرد الراوي وقائعه هو ثمانينات القرن الفائت، هكذا يتحولُ تشكيلة المكان إلي أحجية في الرواية، لعلَّ مايَّشدُ الإنتباه في هذا الإطار هو الإشارة إلي صوت الآذان أكثر من مرة خصوصاً في الحوار الدائر بين الراوي وكارلوس سيرفون، ومن المعلوم بأنَّ الآذان علامة دينية وزمنية في الوقت نفسه، تأتيُ هذه الإحالة إلي الحقل الديني بالتساوق مع ذكر مدن أُخري (القاهرة، لندن، مدريد). كما أن الأجواء الكرنفالية التي تسودُ في تلك المدينة غير المصرحة بإسمها تكشفُ لك عن طابعها الكوزموبولوتي مايرجحُ رأي نجيب مبارك هو تمليح الراوي بأنَّ المكان الذي يُوصف بـ(الثغر) نال شهرته من الشخصيات العالمية التي أقامت فيه. بالطبع أن طنجة قد إستقطبت كتاباً عالميين أمثال جان جنيه ، ويليام بوروز، جاك كيرواك، نيل كاسِدي، غريغوري كورسو و علي رغمِ إهتمام الراوي بتصوير مكان إقامته علي المستوي الجِغرافي وإبراز مكوناته غير أن ذلك لا يكون بديلا لباريس ولايُقصي ذكريات باريس بوصفها مرتع الطفولة والصبا إلي زوايا مُعَتَمَة، بل يطوف بك الكاتبُ المُختبيء في جلباب السارد في أجواء باريسية بإمتياز، إذ يذكرُ أسماء الشوارع والمقاهي والفنادق والمعالم الثقافية لعاصمة فرنسا. ويتحطمُ السدُ أمام سيل الذكريات بمجرد رؤية جون مورينو المتنكر توراء إسم جميمي سارانو لفتاة تعودُ به إلي مستودع الطفولة.
طيف
توجدُ لدي الروائيين المُتميزين فكرةُ مركزية تنظمُ خيطَ أعمالهم، ولايؤثرُ إختلاف التقنية ولا شكل هيكل الرواية علي هذا العنصر الثابت، وبذلك نكون أمام معادلة ثبوت الفكرة وتحول الأساليب في بناء الرواية، ويبدوُ أنَّ مؤلف (دفاتر العائلة) يؤثثُ أركانَ أعماله الروائية وفقاً لهذا المنهج، إذ يتباين المبني الحكائي والصيغ في معالجة النتيجة الأساسية المتمثلة في الذاكرة وإستعادة وجوه قد تعرف عليها الراوي في زمن قد مضي، أو تجمعه بها صلة القرابة، من الواضح أنَّ موديانو يعتمدُ علي تقنية الصور أو مُستمسكات محددة لتجسير الهوة بين الشخصية الأساسية والأزمنة المُنقضية، في رواية (شارع الحوانيت المُعتمة) و(آحاد أغسطس) و(حتي لاتتيه في الحي) حيثُ أن بعض الشخصيات ليس لها وجود فعلي بقدر ماهي قائمة في الصور أو مذكورة أسماؤها في دليل الهواتف بينما تكون الشخصيةُ التي هي بمثابة معبرٍ بين الراوي والزمن الماضي تحضرُ في ترسيمة العمل، إذ تصبحُ ماري محوراً في رواية (مستودع الطفولة). فهي تشتغلُ في محل الخطوط الجوية سيسنيروس وما أن تقع عليها عين الراوي من خلال واجهة المحل حتي يتذكرُ تجربته في مدينة باريس مع المرأة التي تُدعي ماري روز وهي ممثلة مسرحية، ومن ثُم يبوحُ الراوي بأنَّه قد حاول توثيق علاقته مع هذه الممثلة التي تبدو جذابةً ومثيرة من خلال طفلتها الصغيرة إذ يتعهدُ بها، أن التقارب في الملامح بين ماري الموظفة في محل سيسنيروس والممثلة المسرحية يفتحُ الباب أمام فرضيات تدفع بالراوي للتقصي عن هوية تلك الشخصية ومعرفة الدوافع وراء وجودها بالمدينة الساحلية، حيثُ يصلُ إلي الفندق الذي تقيمُ فيه ويستفسرُ عن الفتاة الفرنسية في مكتب الإستقبال ويسددُ القروض المتراكمة عليها مؤكداً لموظف الإستقبال بأنّه عم ماري، هكذا تتوزعُ إنشغالات الراوي بين تحضير حلقات المسلسل الإذاعي ومتابعة ماري التي تظهر مثل طيف في المقهي ومسبح ناديسبروكسس مع عيشقها الأنجليزي حتي عندما تباغتُ الراوي في شقته الواقعة بشارع فيلادو لاتّخرجُ من طبيعتها الطيفية إذ المشهد الحميمي الذي يجمع بين الإثنين أشبه بلوحة تشكيلية وذلك من خلال ذكر عناصر الخلفية المكونة من الضوء الخافت وبعض التفاصيل الأُخري.
استجواب
يراقبُ الراوي الشخص الذي يسميه بالحشرة وهو مقيم بشقة مقابلة لشقته، إذ يجدُ من يتحاور معه إلي أن يستنتجَ بأنّ هذا الكاتب المغمور أعيد اكتشافه في باريس وأصبح موضة علي حد قول الصحافي الذي يلتقي بـ (جيمي سارانو) في شاطيء فندق سندباد، لاتأتي أي فقرةٍ أو جملة في روايات (موديانو) حشواً، بل يرتبُ مروياتهِ بما يخدم الفكرة الأساسية من هنا لايكون اللقاء بين الراوي والصحافي إلا حلقة أخري ترسخُ صلة كاتب المسلسلات الإذاعية بماضيه، إذ يفاجئه الصحافي بمعرفة إسمه الحقيقي (جون مورينو) كما يسأله عن ليلة الحادث، وبهذا ينتظمُ ما يشيرُ إليه الراوي عمايراه في الحلم من إغراق سيارة في نهر المارن ليلاً وما يذكره في وحدة لاحقة عن مرافقته للسائق ماكديبورغ إلي باريس في خط واحد، حيث يستعيدُ تفاصيل تلك الرحلة. بما فيها وجود الطفلة التي تحمل سلة الفاكهة ويعتقدُ الراوي بأنَّ ماري ليست إلا تلك الطفلة ومن هنا تتضحُ دلالة مقولة الراوي (سنجدُ أولئك الذين نبحثُ عنهم إذا كانوا أحياءً في مكان ما). إذا كان عمل يتضمنُ رسالةً فإنَّ رسالة روايات (موديانو) تتمثل في أنَّ كل ما تمر به من الأشياء والوجوه والأمكنة تستثير الذاكرة.

المصدر / أخبار الأدب

The post مستودع الطفولة ..ولَمْلمةُ نُثارِ الذكريات appeared first on الرواية نت.

أحمد طيباوي “الإنسان كومة من التفاصيل”

$
0
0

أردت أن أكتب قصة البشر كلهم في رواية واحدة”.. هكذا فكرت، كيف كان العالم سهلا للاختزال عندي إلى حد أن أطويه في نص أضعه عندي رأسي قبل النوم مغتبطا أو متخففا من كل شيء؟ ربما أحببت أن أرسم خريطة واحدة للألم، للصراع، للمشاعر المختلفة، للرسالات.. كان طموحا معقولا وواقعيا في نظري قبل أن أمسك بالقلم وأحاول أن أخط به على الورق أولى ملامح الحياة من أولها لآخرها.. كان يرافقني هذا السؤال: ما الذي لم يكتبه من سبقك وتريد أن تكتبه أنت، ما الذي بقي في الظل ينتظر أن تعرضه للآخرين؟ بل أكثر من ذلك، تريد أن تُجمِله في حكاية واحدة؟ قرية معزولة يعيش أهلها على الزراعة، يسقون أراضيهم من نهر صغير، رجل من أعيانهم يسافر مقهورا ويعود غنيا ويتولى حكم القرية، يتحالف مع كبار الملاك، وفي القرية شاب نشأ يتيما يرعى أمه، يحب فتاة من المدينة ويعجزه الفقر، يكون صوتا للحق ويتصدى للفئة الباغية (هل فكرت حينها أنه قد يكون مجرد مغامر أو طامح يطلب بالحق ما سيراه الناس في الغد القريب باطلا عندما يقهرهم كما فعل من سبقوه؟ يجب أن ألتزم الصدق وأقول إني لا أذكر)، تخونه الظروف ومشتقاتها: تمرض والدته وتموت، يخطب الرجل الذي عاد مظفرا وحكم القرية المرأة التي أحبها هو، ويتجبر عليهم أكثر. الطمع، الصراع على الموارد، السلطة، الخيبة، الانكسار، الحب، الخيانة، الفرح، الخذلان والآلام العميقة.. تقريبا هذا كل ما أذكره من الحكاية التي أردت أن أختزل فيها كل شيء، غالبا لم أضع لها عنوانا نهائيا، وبقيت مخطوطا، ولم أفكر حتى بأنها تصلح للنشر أم لا، ثم ضاعت في الزحام. بعيدا عن القراءات والبحث في التاريخ والفكر ومعها تخصصي الأكاديمي (إدارة الأعمال) والسّيَر خاصة، وجدت شيئا مبهما بداخلي يدفعني للسرد، وأمي كانت ساردة جبارة أعادت عليّ في ليالي طفولتي سيرة جازية وذياب الهلالي وغيرها من “المخارفات”. وتعلمت أن الكتابة عن الإنسان شاقة بقدر ما هي ممتعة، وأن التقاط التفاصيل الصغيرة وحفظها من النسيان الجاحد أصعب من معالجة القضايا الكبيرة، الإنسان كومة من التفاصيل. في البدء بدت كل الصور واضحة في ذهني لأعيد رسمها بسهولة، وكل الأشواط سهلة لأقطعها في نفس واحد، تكفي أن تكون الرؤية جيدة، والانطلاق بخطوات كبيرة حتى أصل.. ثم ما لبثت أن عرفت بأن اختزال الحياة والبشر وما يربطهم وما يفرقهم صعب جدا تماما مثلما هو التفصيل في كل ذلك.. ما أبعد البدايات! لم تكن سوى سذاجة البداية، كم أنا مدين لسذاجة البدايات، ما زالت تعلمني أن أكتب كأن أحدا لم يكتب قبلي حرفا، ثم أفقد الإيمان بكل ما دونته كأنه محض ثرثرة لا أحد سيثقل على خاطره بها.. وأكتشف بعد تلك المراوحة أن إعادة إنتاج ما يدور حولي أو جزء منه، سرديا، تستدعي أولا أن أعرف، في كل مرة، كيف أعاد الآخرون إنتاجه في الآداب والفنون إجمالا، وأجتهد في أن يكون ما أكتبه في كل مرة عميقا وممتعا ومختلفا. هذا شيء من رواسب البدايات. ما زلت أخجل مما أكتب، قد لا يعجب أحدا، هكذا أضمر القول في نفسي دائما، أخفيه وأراجعه مرات ومرات..أعود فأعتذر، مثل طفل مسكون بالمثالية، لنفسي وللحياة وللإنسان الذي تيقنت أخيرا بأن اختزاله مستحيل، ، وأقول بأني لست ساحرا لأخرج من يدي وردة تفوح أو طاقية تخفي هذا وتُظهر ذاك، إني أكتشف ذاتي وحسب، أتطهر نيابة عن الآخرين، أو أعاقب بعضهم بجرم بعضهم الآخر. في الطريق إلى النص المنشود أجدني أكثر تعلقا بالتفاصيل المنسية، بأشخاص عالقين على رصيف الحياة الضيق، يحلمون مثلي في كل يوم بالعودة إلى سحر البدايات حيث كان العالم -مثل الحلم- سهل الاختزال.. حينها يمكنني أن أتوسده متخففا من كل شيء.

كاتب ورائي جزائري صدرت له مؤخرا رواية بعنوان -إختفاء السيد لا أحد-

The post أحمد طيباوي “الإنسان كومة من التفاصيل” appeared first on الرواية نت.

دعد ديب “كانت الشخصيات تكتبني وتأخذ مسارها المختلف عما رغبت وأردت”

$
0
0

ربما مازال الأوان مبكرًا لأتحدث عن تجربتي الأولى في كتابة نص سردي وخاصة روايتي “وتترنح الأرض” الصادرة عن دار التكوين بدمشق -2019 لأني أشعر بأني على مفرق طرق في تجميع الأفكار والآراء حولها ومازلت أتلقى ردود الأفعال والأصداء المختلفة والمتضاربة في أحيان أخرى، كونها صدرت منذ أشهر معدودة، وأنا أتهيأ في أعماقي لتقبل كل رأي مهما كان متعارضًا مع ما وددت إيصاله إلى المتلقي، وبذات الوقت أعلل النفس بقراءات مختلفة لعملي على أكثر من مستوى ومحور، قد تتوافق أو تختلف مع ما حاولت بثه عبر حمولات شخصيات الرواية من أبعاد نفسية واجتماعية وسياسية، تتقرى الواقع والتاريخ مسرحًا لتفاصيلها.
أمضيت وقتًا غير قليل وأنا اعمل على تفكيك نصوص الآخرين من خلال مراجعات نقدية وفي كل حكاية سردية كنت أفكر لو أن الكاتب تناول هذا الموضوع بطريقة أخرى، أو اتبع أسلوبًا آخر، لكان منجزه أكمل وأشمل وأقرب إلى الذائقة، وأعمل على تصويب ما هنا وهناك، إلى أن فكرت برسم خطوط روايتي الأولى، وأنا مدججة بحمل كثيف من الأفكار والتصورات المتواترة، ولكني فوجئت بأني اكتب شيئًا مختلفًا عما حضرت له واستحضرته، من أدوات كنت أظنها لصيقة ووثيقة الارتباط بهذا الفن، كانت الشخصيات تكتبني وتأخذ مسارها المختلف عما رغبت وأردت، كنت أنوي كتابة شيءٍ ما، وعند الجد والفعل تطالعني أفكار جديدة ومسارات مغايرة عن تلك التي خططت لها، مما عزز عندي الرأي القائل بأن للكلمة روحاً وحياة، ما إن تكتبها حتى تقفز بعيدًا عن كاتبها، وتنشأ لها حركتها وكينونتها الخاصة، طبعًا هي بالنهاية حصيلة جهد معرفي ونتاج تراكمي لثقافة الكاتب وتجاربه وخبراته الحياتية، ولكنها ليست بالضرورة حياته الخاصة وشؤونه الشخصية، إذ إنني طالما كنت أنفر من كتاب السير الذاتية التي تكبر فيها نرجسية الكاتب بلا أي مبرر أدبي أو فني، ربما أتفق في هذا مع رأي رولان بارت حول موت المؤلف، لان النص ما إن يكتب وتأخذ اللغة فيه أشكالها التعبيرية، حتى تنبت له أجنحة ويصبح له كيانه المستقل وحتى معان مختلفة لما أراد له صانعه، ضمن مناخات المشابهة والمخالفة للمعاني، وخاصة عندما يصبح لكل قارئ تأويله الخاص ورؤيته المستقلة لكل مفردة من مفردات العمل.
لذا فانا اعتبر شخصيات العمل من ممدوح وبارعة وزبيدة ومحمود وحاتم وغيرهم، ممن ركبوا معي في متن “وتترنح الأرض” أصدقاء رحلة، عاش معي من عاش وسقط من ذاكرتي من سقط، عشت هواجسهم ورغباتهم وخيباتهم كما تحملت نذالات وسفالات بعضهم الآخر، وقد تركت لهم حرية التعبير حول فهمهم وتفسيرهم للأمور، في صور الحياة المتناقضة التي تلتقطها عدسة الذاكرة وتعيد إنتاجها في لوحة جديدة، رغبة مني في ترك مساحة لما تقوله الشخصية لذاتها، ولطريقتها في تبرير كل ذاك الإخفاق والفشل والارتكاب التي تعيشه، و كيف تحاول تزيينه وترقيعه ومواجهته، بما يحفظ توازنها ويمنعها من الانهيار، بنسب متفاوتة وفق تمكن اللون القاتم في ذواتهم ونفوسهم، إذ لكل ذات منها الظروف التي أنتجتها؛ وخلقت معاييرها؛ وشكلت منطلقاتها الفكرية وثوابتها، وهي على الرغم من كل خلافها واختلافاتها، تتعرض لواقع واحد على مستوى العالم كله، والوطن الصغير كحيز ضيق، لذا تتباين صداماتها وردود أفعالها والمشهد مفتوح لم ينته، لان الصراع باق بكل ألوانه داخل الشخوص وخارجها، في الواقع والمستجدات الطارئة عليه التي تتغير باستمرار، وبالتالي تخلق الحياة صورًا أخرى ومتوالدة بشكل مضطرد، ولا أستطيع الإدعاء بأني أحطت إلا بجزء أو صورة منها، سلطت عليها عدستي وهكذا كانت رؤيتي لها في وتترنح الأرض.
ربما أتوقف قليلًا عند العتبة النصية للعمل من صورة الغلاف للفنان جواد خليل التي تشير إلى الاسم الذي اخترته عنوانًا لروايتي، وقد استلهمته من أسطورة الثور الذي يحمل الأرض على قرنيه، وعندما يتعب يقوم بنقلها من قرن إلى آخر(وقد نوهت إليها بالعمل) وفي هذه النقلة تهتز الأرض وتترنح وينتج عنها ثوران البراكين وزلازل تشق الأرض وتحفر جغرافيا جديدة لها، الأرض التي تئن وتترنح تحت وطأة وجعين وجع الإنسان والجور والظلم اللذين يمسكان بتلابيبه، والذي ينذر بما ينذر من هزات وبراكين كامنة، ووجع المكان الذي لطالما كان منارة لحضارات مرت وعبرت، تستصرخ ضمائرنا وعقولنا كورثة للتاريخ  ألاَّ نقتلها من جديد، واألَّا نتركها عرضة للنكران مرة ومرة للتجاهل ومرات للموت فهل نحن قادرون؟؟ سؤال لنا جميعاً.

كاتبة ورائية سورية صدرت لها مؤخرا رواية -وتترنح الأرض –

The post دعد ديب “كانت الشخصيات تكتبني وتأخذ مسارها المختلف عما رغبت وأردت” appeared first on الرواية نت.

رواية “الباب”للهنغارية ماجدا سابو.. الأشياء عارية وصارمة ومباشرة

$
0
0

أحمد السماري

حين أعدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قائمة تضم أفضل عشرة كتب فى عام 2015 كانت رواية «الباب» للروائية المجرية «ماجدا سابو» فى طليعة المؤلفات التى نالت إعجاب القراء، وتتناول الرواية العلاقة العميقة بين الكاتبة وخادمتها والتى تعلمت من خلالها الكثير عن الناس والعالم بشكل عام أكثر من الفترة الطويلة التى أمضتها وحيدة أمام الآلة الكاتبة.
نُشرت رواية «الباب» للكاتبة «ماجدا سابو» عام 1987، (ترجمة: أسماء المطيري) أي فى السنوات الأخيرة للحكم الشيوعى، لتبين لنا أن القصة تصلح فى أى وقت وفى أى مكان. وقال عنها ‏هيرمان هيسه :-‏(بإمساكك كتابًا لسابو تكون قد أمسكت بالسمكة الذهبية ، سمكة الحظ . إشتر كل رواياتها تلك التي كتبتها، وتلك التي ستكتبها.)
تتمحور الحبكة حول شخصيتان متناقضتان (كاتبة وخادمتها إيمرنس) ولكنهما تتكاملان. واحدة تعيش مع الكلمات وبالكلمات ومن أجل الكلمات وتنتج الكلمات في الكتابة وتستهلك الكلمات في القراءة. وثانية تمارس العيش من يديها وبيديها. تنهض صباحاً فتشمر عن زنديها وتكشط وتنقش وتخيط وتقوم وتقعد واضعة كل شيء في مكانه وعاملة كل شيء بيديها. لا مجال هنا للخيال أو الصور أو التعابير المنمقة. الأشياء هنا عارية وصارمة ومباشرة.
الكاتبة تتصرف كامرأة متعالية تحاول أن تظهر للخادمة مكانتها وعلو شأنها في الوسط الثقافي. غير أن الخادمة لا تقيم أي وزن لهذا. بالنسبة اليها ليس ثمة ما تمتاز به المرأة المثقفة سوى تلاعبها بالألفاظ وتصنع وضعيات طريفة في الجلوس والتكلم. لقد عاشت الخادمة، وهي امرأة كبيرة في السن، في ظل حكومات مختلفة وعايشت أنظمة تسوسها إيديولوجيات كارهة للبشر كالفاشية والشيوعية. وقد حفظت ذاكرتها صوراً لجماعات وأفراد تمارس قساوة غير مفهومة على الإطلاق بحق ناس لم يستحقوا أبداً ما حل بهم.
لقد نمت فيها إرادة صلبة ضد أشكال السلطة القاهرة بتلاوينها المختلفة ولو تم ذلك على يد فرد واحد. وهي باتت تنفر من كل من وما يمت بشيء إلى السلطة، أية سلطة. هي تكره الأساتذة والقساوسة والأطباء والرؤساء على السواء. وفي نظرها، فإن السلطة الرمزية، والفعلية في حالات كثيرة، التي يمتلكها الكاتب لا تختلف في العمق عن سلطة هؤلاء.
كان لها تساؤلاتها الفلسفية حين تخاطب الكاتبة بالقول: “لا أعرف كيف كونت لنفسك إسماً معروفاً، ولكنني أعرف أنك لا تعرفين الكثير عن الناس العاديين”. او “كيف تظهر الرواية من العدم ؟ من مجرد كلمات ؟ لم يكن في استطاعتي تفسير سحر الخلق اليومي و المألوف بالنسبة لنا. لم يكن هناك من سبيل لإخبارها كيف تولد الحروف ” .
شخصيتين عنيدتان وعنيفتان في ردود الفعل ولكنهما تحترمان بعضهما بعضاً احتراماً صامتاً كأنهما لاعبتان في مبارزة سرية تتعادلان فيها في القوة والمهارة. هما متنافستان تمارسان النزال ولا تستهين الواحدة بقوة الأخرى،وهكذا إستمرت العلاقة عشرون عاماً.
“الباب”، عنوان الرواية، هو الباب الذي يفضي إلى المنزل المتواضع التي تشغلها (إيمرنس إيميرينتش) في الحي . و الخادمة تحرسه كما لو كان قلعة حصينة، وهي لا تدع أحداً يدخله بمن في ذلك الكاتبة نفسها، و برغم حب وثقة الجميع بها، كان لديها أزمة ثقة مع الآخرين.
“كان الجميع يثق يإيمرنس، ولكنها لم تثق بأي منهم، أو بمعنى أدق وزعت فتات ثقة للقليل منا “.
الرواية هي لوحة من اللون الداكن ترسمه المؤلفة لوصف صراع خفي على السلطة بين إمرأتين تختلفان في كل شيء ولكنهما تنجذبان إلى النقطة التي تربطهما معاً كما لو كانتا قطبين مركزيين لقوة خارقة تندفع في اتجاهين. عند النقطة المركزية تجتمع القوتان وتتبدل طاقتهما التدميرية لتتحول إلى طاقة خلاقة تثمر صداقة وتفاهماً وإثراء.
مقتطفات من الرواية:

  • “كل باب مقفول هو حد فاصل بيننا وبين الآخرين, وقد نفتحه بحسب أولوية الحب والاهتمام”
  • “إن الكتابة ليست ربة عمل متساهلة ؛ فالجمل التي لم نكُمل، لا يمكن أن تنتهي كما بدئت بجمال و سلاسة . والأفكار الجديدة تثني جذع النص ، فلا يستقيم تماماً مع منبته .”
  • “لا معنى للحياة ،إذا لم يكن هناك من يِسّعد بنا حين نعُود الى بيوتنا.”
  • ‏” كلما سمحت لأشخاص أكثر بالاقتراب منك، ازدادت نقاط ضعفك.”
  • ” كنت أود أن أبين لها أنه رغم عدم علمي سر كل حزنها هذا، إلا أنني شعرت بالأسف من أجلها. ولكن تلاشى كل هذا حين وقفت أمامها. لا أجيد الكلام سوى على الورق، وأما في الحياة فلا قدرة لي على تقصي الكلمات المناسبة والإمساك بها. “
  • ‏”لا بد أن أدفعها للكف عن التعبير عن تعلقها بي، بهذه الطرق المجنونة. ولكن أدرك الآن، بعد مرور كل هذا الوقت، إن التعبير عن الحب لا يقتصر على الطرق المتزنة والواضحة، وأنه لا يمكن لأحد أن يلزم غيره بالطريقة المناسبة، كما لو كانت وصفة دوائية”
  • ” ذلك الشعور في أن تحمل خبراً مهماً في حياتك ولا تجد أحداً من حولك تخبره به يقف قلبك مكشوفاً في الفراغ، أعزل، في تحدٍ بائس مع الزمن والبرد والألم.”
  • ” لا نموت بكل بساطة وسرعة، ولكننا نقترب منه صدقيني، ويجعلك ما مررتِ به أكثر ذكاء وفطنة، حد أنكِ تتمنين أن تصبحي غبية وساذجة من جديد. لقد أصبحتُ أذكى، وينبغي أن لا تستغربي من ذلك.”

The post رواية “الباب” للهنغارية ماجدا سابو.. الأشياء عارية وصارمة ومباشرة appeared first on الرواية نت.

“طير الليل”روايةٌ جديدةٌ للجزائري عمارة لخوص

$
0
0

صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، في طبعةٍ جزائرية؛ روايةٌ جديدةٌ للروائي الجزائري عمارة لخوص، حملت عنوان “طير الليل”. وذلك بالشراكة مع دار حبر للنشر التي ستتولى توفيرها في مكتبات ونقاط التوزيع الجزائرية بعد المعرض الدولي للكتاب المقبل (سيلا 24). وستصدر الرواية في بيروت، خلال الأيام المقبلة، في طبعةٍ عربية.

تضعنا “طير الليل” في قلبِ مدينةِ وَهْران، صبيحة عيد الاستقلال. حيثُ يُعثر على مجاهدٍ سابق في ثورة التّحرير مذبوحاً. يقطعُ قائدُ وحدة مكافحة الإرهاب العقيد كريم سلطاني إجازته ليتولّى التّحقيق وثلاثة أسئلة تُلحُّ عليه: مَنْ قَتَلَ ميلود صبري؟ لماذا في هذا اليوم بالذّات؟ وهل في ذلك علامة على عودة سنوات الإرهاب في التِّسعينيَّات وتصفية الخصوم؟ ينطلق التحقيق عبر أحياء وَهران وضواحيها، تتشابك فيه الفرضيَّات وتتوالى المفاجآت، وتُصادِفُنا، شيئاً فشيئاً، شخصياتٌ بالغةُ التعقيد ونكتشف جوانبَ مِنَ التَّاريخ السِّري لثورة التحرير ومَسْحاً لما حصل في سنوات الاستقلال طيلة ستِّين عاماً. فمن خلال حبكة مبتكَرة تدور وقائعها في يوم واحد فقط، يستدرجُنا المؤلِّف إلى الحياة الخفيَّة لعصابات المال والسّياسة والفساد. ويلامس مواضيع عديدة مثل الحُبّ والعنف والحقد والوفاء والنذالة والخيانة وتصفية الحسابات وقَتْل الأخ لأخيه، قبل أن يصل بنا إلى حَلِّ خُيُوط الجريمة من حيثُ لم نتوقَّع.

من الكتاب:

لم يجد العقيد كريم سلطاني صعوبةً تُذكَر لرَكْن السَّيَّارة أمام فيلَّا بديعة، بُنيت على الطراز القديم أيَّام الاستعمار، لم يكن هناك أثر لقوَّات الأمن، فأدرك أن الجريمة لا تزال في طيِّ الكتمان. سار خلف العميد بلقاسمي الذي أسرع الخُطى، فولج العقيد البوَّابة الرئيسة، وظهرت له حديقة مليئة بأشجار البرتقال والليمون، متناسقة في الطول والعرض، وطاف ببصره على الزُّهُور المختلفة الأنواع الموزَّعة بإحكام وذوق رفيع. اقترب من وردة حمراء، فمَدَّ يده، ولمسها برفق، ثمَّ انحنى وقرَّب أنفه، فاشتمّ أريجها. لحق بالعميد، وصعد إلى الطابق الأوَّل، فرأى باباً مفتوحاً في آخر الرواق، قَصَدَهُ، فوجد نفسه في غرفة نوم فسيحة، تُطلُّ على شرفة كبيرة، كانت الرائحة تزكم الأُنُوف رغم أن النوافذ مفتوحة. أوَّلُ وجهٍ وَقَعَ عليه بصره هو الطبيب الشّرعيّ عبدو حملاوي وكانت علامات النعاس لا تزال عالقة بعينَيْه، ربَّما جيء به على عجل دون السماح له بغَسْل وجهه. بعد خطوات، وقف كريم وجهاً لوجه أمام الجثَّة. كان القتيل عارياً، مُقيَّد اليَدَيْن والقَدَمَيْن وسط خليط من الدم والبول والبراز. اقترب أكثر فرأى أرنبة الأنف على الصدر، وعلامات الذَّبْح من الوريد إلى الوريد.

المؤلف:

عمارة لخوص من مواليد 1970 بالجزائر العاصمة، يكتب بالعربية والإيطالية، تخرّج من معهد الفلسفة بجامعة الجزائر عام 1994. أقام في إيطاليا 18 عاما، حصل على دكتوراه في الأنثروبولوجيا من جامعة روما. يقيم في نيويورك منذ 2014.

صدر له:
-“البق والقرصان” (رواية بالعربية والإيطالية ، ترجمة فرانشيسكو ليجّو)، روما 1999.
-“كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك”، الجزائر 2003 وبيروت 2006. أعاد المؤلف كتابتها بالإيطالية بعنوان “صدام الحضارات حول مصعد في ساحة فيتوريو”، روما 2006 وترجمت إلى ثماني لغات: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والهولندية واليابانية والدنماركية والأمازيغية. كما أقتبست إلى فيلم سينمائي عام 2010 من إخراج إيزوتا توزو. حازت الرواية على جائزة فلايانو الأدبية الدولية وجائزة راكلماري – ليوناردو شاشه عام 2006، إضافة إلى جائزة المكتبيين الجزائريين عام 2008.

  • “القاهرة الصغيرة” (رواية بالعربية والإيطالية)، بيروت وروما 2010. ترجمت من الإيطالية إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية واليابانية.
  • “فتنة الخنزير الصغير في سان سالفاريو” (رواية بالإيطالية)، روما 2012. ترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية.
  • “مزحة العذراء الصّغيرة في شارع أورميا” (رواية بالإيطالية)، روما 2014. ترجمت إلى الفرنسية والإنجليزية.

The post “طير الليل”روايةٌ جديدةٌ للجزائري عمارة لخوص appeared first on الرواية نت.


ريجينا لنور أبو فخر.. في قلب الظلام

$
0
0

تعيش عائلة كاستيللو المؤلفة من الأب والأم والفتيات الثلاث حياة هانئة ومستقرة في مدينة فيتكا الواقعة على البحر. وفي أحد الأيام قررت العائلة الذهاب برحلة نحو الريف لزيارة عائلية، فركبوا الأحصنة وسط الأمطار والثلوج حتى وصلوا بصعوبة إلى بيت العمة آليانا. إلا أن ريجينا أرادت اللعب بالثلج، فخرجت وتاهت فتبعتها أختها أورورا لتعيدها إلى المنزل، وفي تلك اللحظة التي كانت تسيطر على الفتاتين مشاعر الخوف والقلق والحيرة، ظهر فجأة أمام عينهما ضوء ساطع ما لبث أن تحول إلى بوّابة سحرية مضيئة، فكانتا أمام خيارين، إمّا العودة إلى منزل العمّة إليانا الذي لا تعرفان طريقاً له، أو الدّخول إلى بوّابة لا تعرفان إلى أين تؤدي… وكان الخيار الثاني فدخلتا بحذر شديد إلى تلك البوابة، لكن سرعان ما أغلقت ولم تستطيعا العودة، فكانتا كما لو أنّهما في قصة خرافية بدأت منذ دخولهما تلك البوّابة الغامضة، ووجدتا نفسيهما في قصر مبني من الذهب والألماس والأحجار الكريمة، تتدلى من سقفه الذّهبي المنقوش بالفضّة نجوم ساطعة تضفي جمالاً وسحراً على المكان…

وفي العالم الجديد تعيش الفتاتين الصراع بين قوى الخير والشر وتخوضان مغامرات في عالم سحري عجيب تصبح الأرض فيها هي السّماء والسّماء هي الأرض، وتُكلَّفان بمهمات صعبة، وهاجسهما الوحيد كيف يُمكن العودة إلى عالمهم الحقيقي؟

من أجواء الرواية نقرأ:

“تجوّل الملك ماركوس في أرجاء مملكة السّحر الأبيض، وأكثر ما لفت انتباهه جمال ريجينا السّاحر، أعجب بها جداً وأزال السّحر عنها لتستيقظ من سباتها، رآها جميلة وضعيفة ولا تشكّل أي خطر عليه، ظلّ يرمقها بنظرات غريبة بعينيه العسليتين المائلتين إلى الصّفار. كانت ملامحه القاسية وشعره الأحمر الطّويل الذي يشبه لون الدّم وأسنانه الحادّة تثير الرّعب داخلها. كان يرتدي ثياباً من الجلد الأسود ويضع خواتم في أصابعه الاثني عشر والتي أصبحت جزءاً من جسده فهو لا يتخلّى عنها ولا يخلعها، فكلّ خاتم يخفي لغزاً لا أحد يستطيع فكّه. لكنّ هاجس استرداد قلب الظلام كان دوماً يلاحقه. حاول سنوات عديدة الانتقام من مملكة السّحر الأبيض والسّيطرة عليها وضمّها إلى مملكته وهاقد جاءت الفرصة الآن لتحقيق حلمه.

The post ريجينا لنور أبو فخر.. في قلب الظلام appeared first on الرواية نت.

أسئلة التّاريخ والهويّة والمواطنة في “منبُوذو العصافير”لإسماعيل يبرير

$
0
0

يعود الرّوائيّ الجزائريّ إسماعيل يبرير إلى قرائه بآخر أعماله “منبوذو العصافير” التي تصدر في طبعتين متزامنتين عن دار العين المصريّة في الطّبعة العربيّة، ودار الحبر الجزائريّة في الطّبعة الجزائريّة، وتعتبر الرّواية العمل السرديّ السّادس في مسار الرّوائيّ، تقترب من عالم مختلف عن رهاناته السّابقة، ففي ثلاثيّته السّابقة “باردة كأنثى، وصيّة المعتوه، مولى الحيرة” كتب عن المكان ودافع عنه، كما ضبط عدسته على الحركات الدّاخلية لأبطاله، غير أنّه في الرّواية الأخيرة يختار مكانا افتراضيّا غير حقيقيّ، وإن كان في جزء منه هو مكان محتمل في الفضاء الجزائريّ، ويركّز على الشّخوص والسرد والحكاية باقتصاد واضح.

تُشرّعُ “منبوذو العصافير” على قرن من الزّمن، تشكّلت فيه المدينة الافتراضيّة التي اسمها “العين”، وعلى مسافة قريبة بلدة اسمها “باب العين”، في هذا الفضاء ينشأ ازدحام بشريّ من شخوص الرواية الذين جاؤوا من جهات مختلفة وإثنيات عديدة، هناك مارك الألمانيّ الذي هاجر من بلاده وادّعى أنّه فرنسيّ ثمّ تحوّل إلى جزائريّ، وقد أنجب أولادا عمروا بعدهُ، وصار له أحفاد يحملون دمه، ويحضر مارك الثاني حفيده الذي يسعى لكتابة رواية مختلفة، ثمّ لا نعرف إن كان يكتب رواية أم يسرد سيراً حقيقيّة.

هناك ليلى والتي هي ريبيكا اليهودية بنت كوهين بن موريس، عجوز تحبّ الولهي (أحد الأبطال الرّئيسييّن للرّواية) بعد رحيل زوجها “الكافي”، وقد هاجر أهلها سنة 1947 إلى وجهة مجهولة، يعتقد أنّهم من اليهود الذين أسسوا إسرائيل، تخفي هويّتها عن أبنائها وأحفادها، غير أنّ زوجها يعرف هويّتها وسيتوقّف عن حبّها إن لم يكن قد كرهها إثر تأسيس إسرائيل.

يوجد أيضا سيمون الفتاة الفرنسيّة التي تساعد الثوّار وتحبّ وتتزوّج بشّار بن مارك الأوّل، ثمّ يتخلّى عنها ويتنكّر لها، وتجد نفسها في تيه قبل أن تعثر على سليمان القصاب (عازف ناي) ويلتقطها، ثمّ يقتله الفرنسيّون، فتقرّر الانتقام له بالالتحاق بالثّوار.

بالإضافة إلى الوافدين غير الأصلاء من السكان، يوجد الولهي رجل متعلّم ومثقّف أحبّ وفشل حبّه فهاجر من بلدته “باب العين” ثمّ عاد مختلفاً يرتدي عباءة الزّهد والحكمة، ولكن أيضا حكّاءً يخيط القصص للنّاس ويبالغُ في تقديس الحبّ، يقيم في كوخ على أطراف البلدة.

ويوجد الكافي وابنه محسن، وهما فاشلان يدّعيان القوّة، محسن هو ابن ليلى من الكافي، وقد أحبّ بنت سيمون “الجوهر” والتي ماتت مقتولة واتهم هو بقتلها، ويوجد الهاشمي بن محسن، وهو الذي أصابته لعنة الولهي فسلك طريقهُ

هناك أيضا أمجد ابن أنيسة بنت الكافي، خاله محسن وجدّته ليلى، لكنّ والده هو إسماعيل الفلسطينيّ، وقد مات في الحدود المصريّة اللّيبيّة، بعد أن خرج قاصدا محاربة اليهود سنة 1973، ولم يصل مصر قطّ، ولم يعلم أحد بموته.

تبدو الرّواية كمشاهد مسرحيّة متلاحقة، ففي كلّ مرّة تميل كفّة الحكاية لواحد من الشخوص، لكنّ للعصافير حضور رمزيّ، يقيس به الكاتب الحريّة والحياة والتجرّد من الآخرين، تلك العصافير التي يلاحقها سكان الفضاء الرّوائيّ منذ مطلع القرن، ولهذا فرّت وغادرت الى مكان مجهول ترقب منه البشر، وبدأت الملاحقة منذ جاء اليهوديّ موريس بعصفور حسون من أوروبا ليحميه من الطّاعون الذي ضرب العين، مستندا إلى ميثولوجيا تقول إنّ من يملكه ينجو من الطّاعون، لكنّه باعه لأحد الأثرياء بمقابل كبير، هذا الأخير حرّره، فرصد اليهوديّ موريس مكافأة كبيرة لمن يصطاده، لهذا اجتمع النّاس للحصول عليه وطاردوا كلّ عصافير الحسّون في المكان الذي أطلق فيه الحسون الأوربيّ.

تدافع الرّواية عن فكرة المواطنة ضمنيّا، فلا توجد أيّ إشارة إيديولوجيّة أو سياسيّة، لكنّ القراءة العميقة تجعلنا نعتقد بأن يبرير يقول: إنّ الأرض لا ترفض وافدا إذا ارتبط بها وأحبّها وخدمها. إنّها رواية تتشكّل على معنى وقيمة التعايش وقبول الآخر، لأنّ البشريّ لا يعرف عادة بأنّ بعض الكائنات تنفر منه.

ولربّما جدّد الكاتب رهانه على الأسلوب فكتب بلغته المميّزة، وقدّم الحكاية بكثير من المراوغات الجميلة التي تجعل القارئ يعيد في كلّ مرّة الفقرة كأنّه في اختبار، لكنّه لم يغفل أبدا الأسئلة التي علقت بالتاريخ عن موقع وحقيقة الوجود اليهودي والفرنسيّ في الحياة العامة للجزائريّين، وعن مفاهيم الهويّة الغامضة، وكذلك عن الحريّة والحبّ، وفي النّهاية تبدو الرّواية وكأنّها ملحمة من أجل الحبّ الذي يشكّل الهويّة المشتركة أو ما يشبه التيّار الذي يجرف كلّ النفوس أو ينقذها.

أهمّ ما يميّز الرواية هو التركيز، فقد تجنّب الروائيّ الغوص في هوامش الشخصيات والأحداث، وحافظ على الموضوع ولبّه، فهامش البعض هو لبّ البعض والعكس، وهذه التقنية في حدّ ذاتها ميّزت العمل عمّا سبقه، إذ لا يمكن أن تفهم الرّواية بحذف فقرات بسيطة منها، وهو تكامل جميل يكشف النّضج الكتابي لدى يبرير، خاصّة إذا ما عرفنا أنّ الرّواية كلّها تدور حول أسئلة الكتابة، تلك الأسئلة التي تؤرّق محسن الذي يكتب رواية مضمّنة يكشف عنها الشكل الرّوائيّ.

سبق للكاتب الجزائريّ إسماعيل يبرير أن حاز عددا من الجوائز العربيّة، ولفت الانتباه إلى طريقته في الكتابة بعد روايته “وصيّة المعتوه” المتوّجة بجائزة الطيّب صالح عام 2013، ونال جائزة محمد ديب قبل سنة عن روايته “مولى الحيرة”، كما قدّم له المسرح الجزائري بعض الأعمال المسرحيّة.

الرّواية: منبوذو العصافير

النّاشران:  العين المصريّة للطّبعة العربيّة، دار الحبر الجزائريّة للطّبعة الجزائريّة

نبذة عن إسماعيل يبرير

ولد إسماعيل يبرير في مدينة الجلفة (جنوبي الجزائر العاصمة) في الخامس أكتوبر 1979، نشأ في مدارس المدينة وكتاتيبها، وواصل تعليما متقطّعا قبل الدّخول إلى الجامعة، اشتغل في مهن حرّة قبل أن يلتحق بالجامعة، وفي أثناء ذلك مارس الصّحافة، ثمّ أصبحت مهنته لسنوات لاحقة وما تزال حيث يعمل كمحرّر في وكالة الأنباء الجزائرية.

قدّمت تعاونية سرور بالجزائر عمله المسرحيّ “الرّاوي في الحكاية” في يونيو 2016 وقد حظي باهتمام جماهيريّ، والمسرح الجهويّ بمدينة الجلفة عمله المسرحي “عطاشى” سنة 2018.

صدر له :

ياموندا… ملائكة لافران، رواية، الطبعة الأولى 2008، الطبعة الثانية 2010، موفم للنشر (المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية)، الطّبعة الثالثة 2016 دار برديّة، دار مصر العربية، مصر.

طقوس أولى، شعر، منشورات أسامة، الطبعة الأولى 2008

التمرين، أو ما يفعله الشاعر عادة، شعر، منشورات أسامة، الطبعة الأولى 2008.

الراوي في الحكاية، مسرحية، دائرة الثقافة والإعلام. الشارقة. الإمارات العربية المتحدة2012.

بادرة كأنثى، رواية، منشورات الاختلاف الجزائر، ضفاف بيروت، الطبعة الأولى 2013.

_ وصية المعتوه…كتاب الموتى ضد الأحياء، رواية، منشورات زين للاتصالات الخرطوم، السودان 2013، منشورات ميم، الجزائر، 2013. دار ورق، دبي الإمارات العربية المتّحدة، مكتبة تنمية، مصر، 2017.

أسلّي غربتي بدفء الرّخام، شعر، دار العين، مصر، 2016.

مولى الحيرة، رواية، منشورات مسكلياني، تونس، دار الحبر للنشر، الجزائر 2016.

عطاشى، مسرحية، دائرة الثقافة والإعلام. الشّارقة. الإمارات العربية المتحدة 2012.

منبُوذو العصافير، رواية، دار العين، مصر، دار الحبر، الجزائر 2019.

حاز على عدّة جوائز من بينها :

جائزة الشارقة للإبداع العربي في المسرح. الشارقة. 2012.

_  جائزة الطيب صالح العالمية في الرواية. الخرطوم. 2013

–       جائزة محمد ديب للرّواية، تلمسان. الجزائر. 2018

صفحة وبريد الكاتب

–  https://www.facebook.com/smail.yabrir.page/

– smailyabrir@gmail.com

The post أسئلة التّاريخ والهويّة والمواطنة في “منبُوذو العصافير” لإسماعيل يبرير appeared first on الرواية نت.

سيدات زحل للطيفة الدليمي.. رواية الوجع العراقي

$
0
0

أحمد السماري

رواية (سيدات زحل) سرد موجع لوقائع الحياة العراقية، وقد استخدمت الروائية المبدعة لطفية الدليمي تقنيات السرد الروائي باقتدار، كي تتمكن من تقديم عمل روائي جميل، يقرأ بمتعة وشغف، ممتزجة بالدمع الهتون، ويمتد إلى اكثر من ثلاثمئة صفحة، استخدمت الروائية فن تيار الوعي، كما أنها زاوجت بين سرد الواقع، وبين الفانتازيا والغرائبية السحرية، ترى أليس الواقع العراقي يشبه الفانتازيا والفانتازيا الفاجعة تحديداً؟ كما أنها استفادت من قراءات معمقة في التأريخ العراقي الموغل في القِدَم والحديث والمعاصر وحيوات متصوفة بغداد عبدالجبار النفري وأبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج وعوالم السحر والأبراج وانعكاساتها على حياة البشر، أو ليس اسم الرواية سيدات زحل؛ برج النحس والشؤم؟ .
جاءت روايتها سيدات زحل لتكون رواية الوجع النسوي بامتياز، فضلا عن وجع الرجال ونكباتهم، إذ خصصت الفصل الثامن الذي سمته (كتاب البنات)، لأوجاع ونكبات وخيبات البنات، راوية، منار، هالة، شروق، لمى، آسيا كنعان التي تغادر العراق بجواز مزور باسم حياة البابلي، فضلاً عن الأمهات الخائبات والزوجات المهجورات، تحطم منظومة القيم الحياتيه في العراق، صيرت الطبيب الجراح المختص بالأنف والأذن والحنجرة، صيرته قاطعاً لآذان وألسنة الرجال، هذا الذي يفترض به أن يكون مداوياً وآسياً لأوجاع الناس، يتحول إلى قاطع لصيوان البائسين، ليشوه الخلقة التي خلقهم الله تعالى عليها، هو جراح التجميل الذي يكثر من رسم طائر الشؤم الغراب.
ترتقي هذه الرواية إلى مستوى الكارثة العراقية التي حلّت بالعراق إثر انهيار الدكتاتورية وسقوط بغداد، ليس بأيدي القوات الأنكلو – أميركية فحسب، وإنما بأيدي المتشددين والظلاميين والمليشيات الدينية ورجال القاعدة ومجاميع الجريمة المنظّمة والذبّاحين واللصوص والسلابين والمبتّزين وقُطّاع الطرق .
رواية سيدات زحل وثيقة حية للحزن العراقي المستديم وللفجائع التي لفت حيوات العراقيين، مزجت الفن بالواقع بعيداً عن التسجيلية الفجة، وستكون مرجعاً لمن يريد دراسة الحياة العراقية من الاجيال التي تأتي مستقبلاً، ولن يكتفي القراء والدارسون، بالاستعانة بالتأريخ، بل سيستعينون بالفن الروائي في درس تلك المرحلة من الحياة العراقية، ورواية سيدات زحل ستكون في مقدمة من يرجع اليه.
هي ملحمة روائية تكشف عن جذر الخراب وتلملم شظايا الواقع لتعيد بناء الإنسان بالحب واسترداد قدرة الحلم، فبقدر ما تمتلك خصوصيتها العراقية الساطعة، تتجه بقوة إلى كونيتها لتكون حكاية الجميع وحلم الجميع وتاريخ الجميع قتلة ومقتولين وعشاقا وحالمين و مقاومين للشر ومحبين للحياة و الجمال.


مقتطفات من الرواية :


– ” إن فسدت روحك صار جسدك إلى عدم وقلبك إلى ألم وعشقك إلى ندم وعقلك إلى وهم “
– “حكمة الإمبراطور الشهيرة التي كانت تُدرس في دور العلم ( السكوت مقدس والنطق مدنس، والرؤية إثم والشم محظور والفكر كفر والسؤال زوال والحلم خيانة )”
– ” الوسط الذي نعيش فيه وسط سكوني منشغل بماضية و مقلد و عاجز عن الابتكار ..”
– ” لا تأخذي كل قول على محمل الصدق، فالألفاظ بها لبسٌ والمعاني بها اشتباة والألفة استوفت معاني المدركات وهي لغة جوهر الروح وصفو القلوب، وأنا مرتاب بكل حرف ومؤداه مما يدعيه غير العارفين بالحق .”
– ” الجمال ليس شأنا مستقرا، هو كالماء أو الروح، ليس هو الشكل الثابت والأنموذج، إنه الوجه الممكن للبحر والحالة المستحيلة للضوء، المفردة اللامنطوقة لوصف الحب، الجمال ليس حكماً منسوبا للفضيلة أو الخير وإن كان ينطوي عليهما، إنما هو كل ما يتمرد على أي قياس، إنه الحب في أعلى تجلياته ..”

من صفحة الكاتب على الفيسبوك

The post سيدات زحل للطيفة الدليمي.. رواية الوجع العراقي appeared first on الرواية نت.

البيريتا يكسبُ دائما: عالمُ مغموس في الشر

$
0
0

كه يلان مُحمَد
يتطلبُ تأسيسُ مساحات الإختلاف والتجديد في كتابة الرواية وعياً مُسبقاً بما يسودُ في الوسط الأدبي من النصوص التي تعكسُ مستوى ما وصل إليه الحس الفني لدى الروائي من جهة كما يمكنُ المُتابع من تحديد الذائقة المهمينة لدى القاريء من جهة ثانية وبناءً على هذه المُعاينة ينطلقُ الكاتب الروائي لإرساء مداميك مشروعه المُغاير يتتبعُ الروائي التونسي كمال الرياحي المشهد الأدبي بإطاره الأوسع مستوعباً لخصوصيات المنجز الروائي العربي وتمثلات الوقائع السياسية والإجتماعية في مضمونه وما يُصاحبُ ذلك من التحولات في شكل النص وصياغته رافداً ذلك بمتابعته لموجة جديدة في التناول الروائي الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً وأضاف كل ذلك إلى مختبرهِ السردي من حيث صناعة الأدوات والتفاعل مع المُعطيات البصرية والوسائط المُتعددة ومايمورُ به الواقعُ من مظاهر التوحش الناجم من إنفلات العنف ومن الواضح بأنَّ التلذذ بمشاهد مغرقة في القسوة والوحشية أصبحَ لوناً من الترفيه يكرسه الأعلام بشقيه التقليدي والبديل.والحال هذه فإنَّ كمال الرياحي يريدُ تغطية هذا المُناخ الموبوء بالفحش واللامعقول في روايته الجديدة(البيريتا يكسبُ دائما) منشورات المتوسط ميلانو إذ أدرك صاحب (عشيقات النذل) منذ نصوصه الأولى بأنَّ الثيمات المُستهلكة لم تُعدْ خياراً مُناسباً لتعرية الواقع من قشوره المُزيفة كما لايمكنُ المراهنةَ على مفهوم الثنائية الضدية بإعتباره مُحركاً أساسياً للسردأو مصدراً لتوليد الشُحنات الدرامية.
أدوار مُتناقضة
تغيبُ تقنية التقابل في تشكيلة وحدات النص وبذلك يضربُ الكاتبُ بأفق إنتظار المُتلقي عرض الحائط.عندما يضعهُ أمام شبكة من شخصيات متورطة في مجاهل الإجرام والعنف والخيانة. لايستدرُ نص البيريتا العواطفَ بقدرِ ما يجعلُ القاريء مُتسمراً حين تتوالي عليه المَقاطعُ النابضة بالحركة والتوتر والتقلب في المواقف لعلَّ من أهمها هو حيثيات الواقعة التي يستعيدها ضابط الشرطة (علي كلاب) عبر فلاش باك بينما يقودُ الأخير سيارته الفورد عند حدود التونس والجزائرية عائداً عبر البر إلى تونس يصادف شاباً نحيفاً يبع الخبز يعرضُ عليه مسدساً مقابل أربعمئة دينار ملوحاً بإيماءات عدوانية غير أنَّ الوضع يتبدلُ حين يدفع الضابط غريمه بباب السيارة ويأخذُ زمام المبادرة ومن ثمَّ يرغم خصمه على أكل الثعبان الميت ملفوفا بالخبز الذي يعرضه للبيع حتي يتسمم ويموت وفي طريق عودته لايصحبه سوى مسدس البيريتا الذي يظهرُ شبح نظرات صاحبه الميت بين ماسحات الزجاج.على هذا الإيقاع التصعيدي يُديرُ الرياحي مكونات سرديته حيثُ تتشابك الوقائع وترى الشخصيات مُتلبسة أدواراً مُتناقضة مُتأرجحة بين الإحتمالات المجهولة . يزيدُ إنشطار الزمن من غموض المادة المروية ويتمددُ المكان خارج البيئة المؤطرة للحوادث مُنفتحاً على الفضاءات الإفتراضية مايعني تداخل النص مع أشكال تعبيرية وتواصلية غير تقليدية وهذا ما يُصبحُ مثاباتٍ لخطاباتٍ متنوعة مع إنطلاق آلة السرد التي تُدخلك إلى أجواء درامية عنيفة حيثُ يقتحمُ أفرادُ من الشرطة مرتدين بدلات سوداء وقمصان بيضاء يتبعهم الضابطُ ومن ثُمَّ يبدأُ الإستجوابُ وتدلي مديموازل بيه بشهادتها أمام علي كلاب والموضوع الذي يدورُ حوله الحديثُ هو كومة العظام المدفونة في أحواض شرفة الجيران.ولايتمُ فك شفرة هذا اللغز إلا مع تعاقب الحلقات السردية. يُذكر أنَّ بذور الرواية دفينة في الصحفات الأولى على غرار مايعمله ساراماغو في أعماله خصوصا في (الكهف)و(مسيرة الفيل) إذ أن مايُتابعهُ القاريءُ في الفقرات اللاحقة عبارة عن التفصيل الذي يُمكنهُ من تفكيك الطلاسم الكامنة في بداية النص.والمُلفت في هذا السياق هو الصخب في الأصوات المتوزعة بين الصيغة الحوارية والمولونوج والكلام المُسجل على الهاتف الجوال واليوميات المكتوبة إذ تلقي هذه الموادُ بثقلها على الحيز السردي.
مؤشرات تناصية
لايأتي هذا التنوع في الصياغات إعتباطاً فالحوارُ يوفرُ فسحة لمراقبة تطور الأحداث وإدراك مستوى الشخصيات من خلال ملفوظاتها كما يكونُ أداةً لفضحُ ماهو مُتسترُ في العلاقات القائمة بين شخصيات عائمة في العمل.بينما يبدوُ في الظاهر أنَّ متعاوني (على كلاب) لايحيدون عن خطه فإنَّ الحوار المُتبادل بين هؤلاء يكشفُ كراهيتهم لصاحب (البيريتا) والأهمُ من ذلك يفهم مما يرشحُ من الحديث أن سيدهم قد عاد إلى مهنته من جديد.وهنا يوميءُ الرياحي إلى واقع الثورة التونسية مع إستدعاء إرهاصاتها المُتمثلة بصعود رجل إلى الساعة القائمة في قلب العاصمة.وهكذا تتبلورُ مؤشرات تناصية بين (البيريتا يكسب دائما) و(الغوريلا) حيثُ يكتملُ فصل آخر من ملابسات واقعة الساعة ومصير الرجل الذي تعلق ببرجها.فالشخصية التي يُعهد إليها المؤلفُ وظيفة توضحية في نصه الجديد هي المرأة التي تبلغُ الشرطة عن كومة العظام المريبة في شقة مجاورة لمكان إقامتها.إذ يتذكرُ الأعوانُ الخدمة التي قدمتها ل(علي كلاب) وتهمتها المفبركة ضد الشاب المُلقب بالملاكم الأسترالي مقابل إطلاق سراحها وكتمَان سرها لأنَّ بية قد ضبطت ملتبسةً في علاقة حميمية مع عشيقها وبذلك تُحطم مستقبل السجين لاينتهي التناصُ عند حدود التفاعل مع الأعمال الأخرى للكاتب بل إنَّ إطلاق عملية قتل الكلاب التي تفوق فيها ضابط الشرطة يُحيلُ إلى ما رواهُ ميلان كونديرا عن مجازر مُنظمة للكلاب في تشيكوسلوفاكيا قبل شن حملية إرهابية ضد الجماهير.كأنَّ كمال الرياحي يوافق صاحب (حفلة التفاهة) بأنَّ هذا الحدث الذي يهمله المؤرخُ والمُحلل السياسي له دلالة أنثروبولوجية.لايجوزُ أن يتغافل عنها الروائي إذا أراد مُعالجة الواقع من زاوية أخرى زيادة على ذلك فإنَّ العقلاقات الحسية المستهترة بين يوسف غربال المؤلف وصديقة زوجته ماري من جهة والتواصل الجسدي بين ملاك المساكن ليوسف مع زوجة الأخير من جهة أخرى وما يتناثر على جسد النص من العبارات الطافحة بمدلولات جنسية وهي تأتي مُتجاورة مع الغريزة العدوانية تُذكرك بمرويات داعرة لبوكوفسكي لاسيما “أجمل نساء المدينة” وأجواء متشبعة بالفحش والعدوانية لسرديات “بوريس فيان” وسادية مجونة لماركيز دوساد الذي مررَ الكاتبُ بعض عباراته الإباحية في نصه كما أن طيفَ بوروز وأعمال ماركيز دوساد يطوفُ في فضاء الرواية إذ يستدعي مايقومُ به ضابط الشرطة من تصويب ماسورة مسدسه إلى التفاح الموجود على رأس زوجته لحظة مقتل مؤلف (المدمن) لشريكة حياته.ومايضاعفُ من النزعة السوريالية هو صرف كاميرا الراوي لرصد العملية الجنسية بنسختها الحيوانية.
لعبة قرين
تحضرُ الخلفية المعرفية لكمال الرياحي في تضاعيف عمله الروائي إذ يضمنُ نتفاً من سيرة كاتبه الأثير ديفيد والاس في تياره السردي ولايفتأُ يوسف غربال يتحاورُ مع شبح الكاتب المُنتحر وعشيقته كاثرين بل تتبدي حياة شخصية غربال إمتداداً لما عاشهُ صاحب (مداعبة لامُتناهية) من الكوابيس الخانقة ناهيك عن معاناة الإثنين على المستوى العاطفي والشك الذي يحوم حول كل من جوناثان وملاك فالأول صديق لوالاس أما الثاني فهو مساكن ليوسف حيث يؤرقُ الأخيرَ بتلصصه على علاقته الغريزية مع ماري.وجه آخر من التقاطع بين شخصيتين هو رغبة الإنتحار التي تراودُ يوسف ب(البيريتا) الذي تسلل إلى أكداس الصحف وهي ما احتفظ به نظراً لمحتوياتها الخبرية المتعلقة بحادث إنتحار والاس والأغرب في هذا الإطار أن البيريتا كان وراء اغتيال السياسي اليساري التونسي شكري بلعيد الذي دارات الشبهات منذ اغتياله حول تورط الاسلاميين واليساريين والمخابرات الدولية وحتي زوجته.وتصطفُ شخصيات أخرى راحت ضحية لعملية الإغتيال بجانب بلعيد ولايفقدُ الرياحي وسط هذه القتامة حسهُ الساخر عندما يتناولُ أمر الجوائز الأدبية حيثُ يقنع الفلسطينى المقيم بالسويد صديقه السوداني بتأليف كتاب بعنوان (يوميات نجل الجانجاويد) إذا أراد حيازة نوبل والمعنى أن الضحية أصبحت علامة تسويقية عطفاً على كل ماسلف ذكره فإنَّ طريقة كتابة هذا العمل مُتفاعلة مع المواد الفيلمية خصوصا فيلم الطير لهيتشكوك ولكن البطلَ في رواية كمال الرياحي إضافة إلى الطيور النافقة وحمائم الرجل المُقعد أمام باب الجامع هو البيريتا. انها سيرة مسدس ملعون وصل صدفة إلى يد علي كلاب لينفذ العديد من الجرائم والاغتيال ويتداول من أيدٍ مطيحا برؤوس شتى في موقع شتى. راسمة رواية سوداء تجعل الجنس أدوات لقول السياسي والثقافي وتسجل عودة السيستام/النظام القديم إلى تونس الثائرة. فهل هي إنذار في صيغة إبداعية أم وصفا لواقع حقيقي قوض مباديء الثورة باستعادة أكثر رموزها شراسة :علي كلاب؟ قصارى القول فإنَّ مايحوكه الرياحي هو من طينة نصوص هؤلاء الذين يعتقدون بأن ما يلهم بِمُغامرة الكتابة هو عالم مغموس بالشر لاتتحركُ شخصياته إلابدافع شبقي.ماتتأكد منه وأنت تنتهي من قراءة هذا العمل هو أن كل شيء وأي شيء يصلح أن يكون مادة مناسبة للرواية على حد قول فرجينيا وولف

The post البيريتا يكسبُ دائما: عالمُ مغموس في الشر appeared first on الرواية نت.

روايةُ الحرب السوريّة وعباءةُ داعش

$
0
0

زياد الأحمد

             دفعني تَذكُّري لقول ديستويفسكي: “كلّنا خرجْنا من معطف غوغول”؛ وبعد قراءتي لعددٍ غيرِ قليل من روايات الحرب السورية التي جعلت من داعش مادةً لموضوعها، ورؤيتها السردية؛ دفعني إلى التساؤل:

  • أخرجت تلك الرواياتُ من عباءة داعش لترصدَها كمرحلةٍ من مراحل ثورةِ شعبٍ على نظام؟ أم لترصدَ الثورةَ كلّها من خلال داعش جاعلة منها ثورة إرهابين ومتطرفين؟
  • إلى أي مدى سيتمكنُ الروائيون من الفصل بين داعشَ والنظامِ كعدوّين للثورة؟ أم أنّ طغيانَ حضورِ داعشَ، وممارساتها المتطرفة سيخبّئ خلفه النظامَ وجرائمَه، مما سيؤدي بالناس إلى الترحم على أيّامه؟ 
  • هل اختباء الروائيين في عباءة داعش؛ خوفاً من بطش النظام بهم انعكس سلباً أو إيجاباً على حقيقة تلك الثورة؟

كلّ الأسئلة السابقة مشروعةٌ للدم السوري الذي كان مداداً لكتاب الحرب السورية، أسئلةٌ مشروعةٌ لركام وطنٍ جعلوا من كومة حطامه منبراً لأصواتهم.

والإجابة لا تكون إلا بدراسةٍ متأنية للأعمال التي رصدت الحرب السورية من خلال عباءة داعش. وسأحاول في عُجالةٍ أن أتناولَ نماذجَ من تلك الأعمال واستخلص مدى إجاباتها عن تلك الأسئلة.

“نزوح مريم” لمحمود حسن الجاسم:

       مرثيةٌ طويلةٌ لماضٍ جميلٍ قبلَ الثورة وظهور داعش في الرقة، تروى على لسان “سارة” الراوية الوحيدة في النص لما حدث هناك على يد النظام وداعش.

و”سارةُ” مُدرّسة من بلدة “محردة” المسيحية عيّنت في إحدى مزارع الرقة، أي أنها غريبة عن البيئة التي ترصدها، فهي من بيئة متحررة، تملك قرارها وحقوقها حتى إنها اختطفت قلب مدير المزرعة من بنات بيئته الغارقات في شقاء الحقول والزراعة، فتزوجته، وعاشت معه أجمل حالات الحب والهناءة، ثم جاءت الثورة لتسلبها سعادتها، وتحولها إلى شبه أرملة تعيش لياليها وحيدة مع كوابيس السبي من داعش، فهي متضررة من الثورة، ومن حقها وهي التي تعاني من النوستالجيا أن تكون في صف النظام ضد المعارضة،  وخاصة أنها لا تتسلح برؤية سياسية مُسبقة، فرؤيتها رهينة بما فقدته، ورغم محاولة الروائي جعلها تلتزم الحياد إلا أنها كانت تسهب في مشاهد الويلات التي سببتها داعش أكثر من النظام، ويتضح ذلك من مقارنة مشهدين؛ الأول  قمع النظام للمظاهرة التي مرت بها ذاتَ جُمعة، واعتقالها لساعات ثم إرجاعها بسيارة النظام إلى بيتها، والثاني يوم اعتقال داعش لزوجها هاشم بتهمة أخيه الشبيح ودون عودة، والإسهاب في نقل مشهد إهانتة وعائلته وأمه العجوز بأقذع الشتائم المتمازجة بأصوات التكبير.

          وسنقرأ على لسان أكثر من شخصية تباكياً على ذلك الماضي قبل داعش:

كقول سارة “عشنا هانئين سعيدين، أيامنا تمرّ كالأعراس قصيرة ولذيذة، .. أذوب حنينا إلى تلك اللحظات لأبل الصدأ يا مريم. (ص 109). وفي قول أبي سلطان الذي كان وجيها في عشيرته قبل داعش:

“كنا بألف نعيم وكل واحد له وزنه وله حدوده، اليوم طلعت لنا وجوه ما أحد يعرف أصلها ولا فصلها” ص 159.

ويمكن القول إن هذا النوع من الروايات قد رصد الثورة والحرب السورية من خلال داعش جاعلاً منها الخصم الحقيقي وليس العارض، والجبهة المقابلة للشعب السوري وبذلك يكون قد أغفل الخصم الحقيقي لهذه الثورة وهو النظام الذي قامت ضده.

“سماء قريبة من بيتنا” لشهلا العجيلي:

رواية أخرى تتخذ من الرقة وسيطرة داعش منطلقا مكانياً لأحداثها ولكن من موقع ومنظور مغايرين لما سبق.

فالعجيلي تأخذ موقعا بعيدا جداً عن أرض الحرب التي ترصدها، تطل منه على رقعة جغرافية تمتد من سوريا إلى فلسطين والأردن والعراق وأوربا الشرقية وأفريقيا وفيتنام وأمريكا الجنوبية وشرق آسيا، وخلال فترة زمنية تمتد من القرن التاسع عشر وحتى الوقت الراهن، ولتحطّ في مدن كثيرة من واشنطن إلى برلين وبلغراد والرقة وحيفا ويافا وكابول وغيرها، وهدفها ان تجمع شخصيات كثيرة يربط بينهم أنهم من سلالة الحروب، وكأنها أرادت أن ترصد أكبر قدر ممكن من المصائر التراجيدية، لأفراد عاشوا حروبا متشابهة، وبذلك تتشابه أحزانهم ووحدة آلامهم وآمالهم، ومن جهة أخرى لعلها أرادت أن تستشرف رؤيا مستقبلية سوداوية لما بعد الحرب في سورية من خلال مصائر تلك الشخصيات التي عاشت تلك الحروب التي تشبه الحرب السورية ولم تنته مأساتهم بعدُ.

تعتمد العجيلي على الراوية جمان لرؤية ما حدث في الرقة التي تتميز برؤية أنانية لا تختلف عن سارة في رواية نزوح مريم فهي تنطلق من حجم الخسائر التي خسرتها هي وأسرتها وأجدادها من جهة، ومدينتها الرقة تحديدا من جهة أخرى؛ في عهدي النظام والثورة وداعش فهي لا ترى فيمن كان قبل الثورة وبعدها إلا:

“ضحايا صاروا جلادين، أو منتفعين بعضهم كان من صلب النظام وارتزق منه سنوات ثمّ انقلب عليه، وبعضهم مرتهن للخارج، وهناك الفقير والجاهل والمغيّب ” ص 92

وحين يذكرها صديقها ناصر باحتراق بغداد والقاهرة وطرابلس تقاطعه بحدة: “أنا مع بيتنا لا يهمني” “بيتي ليس في دمشق أو القدس” ثمّ تستدرك: “يحزنني جداً أن يحدث ذلك، لكن أيقونتي هي الرقة (ص96)

ومع أن الرواية تمر على بعض سلبيات النظام؛ كالتسلط والرشاوى وسرقة الآثار والتفريق الطائفي لكنها تركز على ما لحق بأسرتها الإقطاعية بدءاً من جدها الذي جمع ثروته من عَرَقه ثمّ قُتل بطلقة التأميم. وانتهاء بهدم بيتهم/ القصر في الرقة.

     وهذه الرواية تقوم بتقزيم الحدث السوري بفعل التحليق المكاني والزماني للراوي فتنمحي الحدود الفاصلة بين الثورة وداعش والنظام ويظهران جسماً واحداً قام بدمار عالم الراوية “جمان” قبل سوريا وتشريد شعبها الذي كان يعيش كما تقول في غمرة الماضي الجميل ونشوته.

ونلاحظ أن المشترك بين الروايتين اعتمادهما على رواة لا يمثلون الشريحةَ الأوسعَ من الشعب السوري الذي ثار على النظام الاستبدادي، وأنهما لا تفرقان بين ما فعله النظام خلال نصف قرن وما فعلته داعش في شهور، متناسين أنها كانت أداةً لحرف الثورة عن مسارها الحقيقي.

“ليل العالم” لنبيل سليمان:

 حكاية منيب الذي عاش في الساحل السوري، وعاد إلى الرقة التي تعود أصولُه إليها؛ ليعمل مدرساً، وذلك مع وصول النظام البعثي إلى الحكم في السبعينيات، وليكشف منذ ذلك هيمنة أبناء الساحل وتسلطهم على الداخل المهمل والمرمي على هامش سورية، ثم اعتماد النظام على القبضة الأمنية إلى درجة أن يجعل من التلميذ جاسوساً على مدرسه.

 ويتعاظم القهر والكبت ليؤدي إلى الانفجار الشعبي في 2011 وفيه خرجت فيها كافة المُكوّنات المجتمعية من عرب وأكراد ومسلمين ومسيحيين… وتفصّل الرواية قمع النظام لذاك الحراك وإجباره على حمل السلاح للدفاع عن وجوده، ثم تحويله إلى حرب طائفية وخاصة بعد إطلاقه لقياديين إسلاميين من سجونه (صيدنايا) وتوليهم مناصب قيادية في داعش، ويسهب في وصف قمعها وتضييقها على الناس وخاصة غير المسلمين وغير العرب مما دفع بهم إلى الهجرة، وبذلك تكون قد وَأدت الثورة وقتلت رموزها.

اعتمد سليمان على رؤيا مجموعة من الرواة، ومن مواقع مختلفة للإحاطة بالحدث؛ منهم المؤيد الذي يرى أن الثورة كانت خطأً دمر البلاد، والمعارض “منيب” الذي يرى أنها خروج على السلطة القمعية المؤيدة، والمسيحي المعتدل كالأب باولو الذي يرى أنّ التطرف سرطان سوف يفتك بالثورة، إضافة إلى رؤية العلماني والداعشي والعربي والكردي والمسلم والمسيحي.

 ويمكن القول إن سليمان قد أجاب عن تلك التساؤلات التي طرحتها في بداية هذه الدراسة: بأنّ داعش كانت مرحلة انحراف بالثورة عن مسارها الحقيقي، وجبهتُها جزءٌ من جبهة النظام الذي أراد حرق أوراق الثورة في مهدها، وتحويلها عن وجهتها الحقيقية ضده.

وبمعنى آخر رواية “ليل العالم” خرجت من عباءة داعش لترصد الثورة السورية بدءاً من أسبابها البعيدة وارهاصاتها القريبة وتحولاتها على يد داعش التي تقوم بحرب بالوكالة عن النظام ضد الشعب السوري وجميع مكوناته، ومنه فهما عدوٌ واحدٌ وفي جبهة واحدة ضد الشعب الثائر.

وفي النهاية: قد يكون بعض الكتاب قد تستر بعباءة داعش، ومناوشة النظام من ورائها ظناً منهم أنهم بذلك يتجنبون بطشه؛ لكن بعض رواياتهم قامت بتشوية صورة العدو الحقيقي لتلك الثورة، فجاءت برؤيا قاصرة وسطحية للحدث، فتركيز الرؤيا على داعش كان سبباً في إخفاء العدو الحقيقي للثورة خلفها، وبذلك اقتربت كتاباتهم -رغم ادعائهم المعارضة-  من أبواق النظام التي وحدت بين الثوّار والجماعات الإرهابيّة المتطرفة. ولكن في الوقت ذاته نجد روايات أخرى جاءت برؤيا أعمق وأبعد لعدو الثورة الحقيقي الكامن وراء هذا التنظيمُ وخلف دمار سورية.

                        *****************************

The post روايةُ الحرب السوريّة وعباءةُ داعش appeared first on الرواية نت.

Viewing all 1074 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>