Quantcast
Channel: الرواية نت
Viewing all 1074 articles
Browse latest View live

“الواحدة بتوقيت العاصفة”لـمحمد صفوت

$
0
0

هل سيتعرض العالم للفناء إذا خلا من الحكايات؟

ماذا يمكن أن يحدث إذا تمردت شخوص الحكايات على قمع السارد العليم؟

هذه أسئلة محورية تدور حولها رواية الواحدة بتوقيت العاصفة للكاتب الروائي محمد صفوت، والتي صدرت عن دار غراب للنشر والتوزيع، الجدير بالذكر أن الرواية حصلت على شهادة تقدير من حائزة جمال الغيطاني التي تمنحها جريدة أخبار الأدب.

والرواية هي العمل الثاني للكاتب بعد روايته الأولى القتلة يحتفلون بالفالنتين والتي فازت بالمركز الأول بجائزة ربيع مفتاح الأدبية عام 2015.

الرواية نت


فصلان من رواية “ليلة يلدا” *

$
0
0

“لا يرجعُ السّهمُ نحو القوسِ ثانيةً.
حافظ الشيرازي”

تمرُّ الأيام سريعاً، والصغير الذي كانت تقترب قامته من رغيف السنـﮔك قد كبر، صار أكثر طولاً من فيروز..كان هو الوحيد، الذي مازال يناديني بـشمس، فلقد صرتُ معروفاً بين الجميع بـ (حافظ)..فيروز يكرر لي دائماً بأنه لم يزل يراني طفلاً تبهره الحكايات، وأنني مهما كبرتُ أو ابتعدتُ عن هذا المخبز سأظل ابناً وحيداً له.

وفي تلك الليلة كنا معاً كعادتنا منذ سنواتٍ طوال، نقف أمام نار الفرن الحارقة لنُخرج منه الأرغفة الساخنة،ونرصّها في هواء الساحة أمام المخبز..

قلت:
-لن أتركك أبداً يا فيروز..
-أعرف أنها سنة الحياة يا ولدي، لقد أحببتَ العلم يا شمس والعلم سوف ينير لك الطريق أينما ذهبت. لكل مجتهدٍ نصيب يا بنيّ وأنت تستذكر طوال الوقت! ألا تملُّ يا شمس؟
-كيف أملُّ من دراسة كتاب الله؟ كما أنني آكل الخبز المنعجن بحكايات فيروز؟ وأحفظها عن ظهر قلب؟
-أنت (حافظ) الحكايات إذاً!
-بالطبع يا فيروز، وأنتَ منحة القدر الكبرى. ولكن أين حكاية اليوم؟
-أدّخر لك تلك الحكاية منذ وقتٍ طويل!

بعينين تمتلآن بالدموع حكى فيروز عن (فِرهاد)، فرهاد الذي عُرف بمهارته في النقش على الحجر، كان يعملُ في خدمةِ شيرين الأرمينية، ووقع في حبّها، ثم نقش رسماً لها فوق صخرة. كلّفه الملك خسرو ﭙرويز -زوجُ شيرين وعاشقها- بمهمةٍ مستحيلة وهي أن يحفر نفقاً في جبل بيستون، وعندما انتهى (فرهاد) من المهمة طمعاً في وصال شيرين أرسل إليه خسرو كذباً بأنها قد ماتت، فقتل فرهاد نفسه بنفس الأدوات التي حفر بها صورتها فوق الصخر!

ظلّ كلانا يتأمل خيط النور الأول من الفجر،نتنسّم عبيره المختلط برائحة الخبز الطازج. رثيتُ لحال فرهاد، وأخبرتُ فيروز برأيي في القصة، التي لم تعجبني! لماذا يقتل نفسه وهو يعرف أنها ليست له من البداية؟ وكيف يعمي العشق بصيرة رجلٍ ماهرٍ مثل فِرهاد؟
كان فيروز يبتسم وأنا أتحدث، ولم يعلّق.وعندما أذّن المؤذن لصلاة الفجر توجهنا إلى المسجد لأداء الفريضة وعدتُ سريعاً إلى المخبز كعادتي لإيصال الخبز إلى بعض بيوت الحيّ، إلا أن فيروز في ذلك اليوم لم يخطر بباله أبداً ما سوف يحدث لي بعدما أتم كلماته تلك:
-هناك زبائن جدد يا شمس، إنهم يسكنون بالقرب من حديقة (الشقائق والشمشاد) .

لقد سرتُ في طرقات الحيّ حاملاً الخبز مثل كل يوم. ألقيتُ السلامَ على الجيران والأصدقاء، وزّعت على زبائن فيروز سنـﮔك وتافتون وبربري ، مررتُ ببيتنا القديم وبحديقة الورد أيضاً. كان لِزاماً عليّ أن أمرّ بكل التذكارات المضنية يوميًّا، من المؤكد أن قلبي قد انفطر مئات المرات..ربما اعتاد كل هذا الألم ولكنه لم ينسه أبداً..في ذلك اليوم تحديداً كنتُ قد سامحتُ الجميع، ولا أدري لماذا، طوال الطريق تذكّرتُ ما حكاه فيروز عن القمح قبلاً، قال لو أن القمحة لم تنفلق، وتنشطر إلى نصفين ليخرج الخَضار من قلبها ما كانت هناك سنابل ولا حقول ولا خبز ولا فيروز ولا شمس! والأعجب من ذلك، فيروز لم يدرِ أنه يرسلني هذا اليوم إلى حتفي، فكأنني قد تطهّرتُ من كل أحزاني، واغتسلتُ من خطاياهم في حقي، أدنو من أسري وخلاصي، من نجاتي وهلاكي!

ماذا الذي حدث يا حافظ منذ رأيتَها؟

كنتُ فتىً يتيماً، الإنجاز الأكبر في حياته هو حفظ القرآن الكريم،لا يعرف أن بقاءه على قيد الأمل وعزمه على مقاومة الفشل برغم ما لاقى من قسوة وفُرقةٍ من أقرب الناس إليه منجَزٌ أعظم من ذلك.ربما كان اسم (حافظ) شحذاً لهمّة فتى مازال صغيراً على تحقيق أي إنجازات!

ولكن ما الذي حدث منذ رأيتُها؟

لقد أبصرتُ حديقة الشقائق والشمشاد وانعطفتُ يساراً كما وصف لي فيروز، فوجدتُ تلةً خضراء يعلوها بيتٌ بديع بنوافذ مزيّنة بالزهور من كل جانب.تحيط بالبيت حديقة لم أرَ لها مثيلاً بين كل بيوت الحيّ، وحول هذا كله سياجٌ من خشب. وقبل أن أصل إلى بوابة البيت الجميل، لمحتُ طَيفاً في الحديقة، كانت هي تمسك بفرع شجرة فستق، اكتظ بثمراته الحُمر. ظلّت تقتطف الثمرة وراء الثمرة، وتجعلها تتساقط فوق طرحةٍ من الحرير الأزرق. كان بياض يديها الجميلتين يبرق من بين ثمرات الفستق الأرجوانية، وجدائل شعرها الأسود تتدلى وراء ظهرها من تحت طرحتها الشفافة، وقوامها الرشيق ملفوفٌ في ثوبها الأخضر. نظرتُ يميناً ويساراً لعلّي أرى وجهها الذي تحجبه الشجرة فلم أستطع، كاد الخبز أن يسقط من يدي فتذكرتُ ما الذي جاء بي إلى هنا، ناديتُ بصوت غريق يبحث عن شاطئ:
-الخبز يا كِرام..الخبز يا أهل البيت..

أطلّت بوجهها الدرّي من بين الأفرع.جذبت طرحتها وغطّت بها وجه القمر، كانت برهةً من الوقت، برهة لا أكثر، رأيتُ فيها محيّاها العجيب، عيناها الواسعتان المكحّلتان وقوسا حاجبيها الحارسان قد صوّبا سهم عشقها نحو قلبي الغضّ. هذا الفم، أكان حقًّا فمها أم أنه فستقةٌ من تلك التي بين أناملها؟

كان كل شيء حولي يدور! السماء والأرض. خِدرٌ يسري في كياني ونشوةٌ لم تزرني من قبل، شلالٌ هادرٌ من الدماء يدفُق إلى قلبي..

ما الذي حدث يا حافظ؟

اقتربَت نحوي، سمعتُ حفيفَ الشجرة التي تركَتْها تستحلفها كي تعود إليها. وقع قدميها الصغيرتين فوق الأرض، تلك الأرض الخضراء بدت تتراقص فرحاً بقدومها.ولمّا أقبلت وصارت قبالتي تماماً شممتُ رائحة الياسمين تفوح من تلك الزهرة المتفتحة. اشتد العطر أكثر فأكثر، لقد مرّت من أمامي، باتجاه بوابة البيت. أحسست أنها مرّت فوق قلبي..

بل ليتها فعلَت!

انفتح الباب وخرج خادمٌ حجب رؤيتها عني تماماً.عرّفني بنفسه سريعاً وسلّمتُه الخبز. وضع في كفّي المال، فلم أطبق عليه جيّداً وسقط مني، مالَ (رستم) ليلتقطه من الأرض وقال:
-لا تدعه يسقط مرةً أخرى!

كان قلبي قد سقط مني ولم أرد استرجاعه مرةً أخرى..

ما الذي حدث يا حافظ؟

عدتُ عبر الطريق نفسه، مشيتُ أمام البساتين ذاتها، كانت خطواتي المتربة مازالت بكراً فوق طرقات لم يطأها أحد بعد، شمس شيراز القديمة أشرقت منذ ساعاتٍ قليلة، وذهبتُ إلى الدرس وأنهيتُه وأنا لا أذكر ما قاله معلّمي..كنتُ أحلم يقظاناً بعودتي إلى حديقة الفستق المجاورة لبستان الشقائق والشمشاد. كنت أنتظر إشارة فيروز بالعودة إلى المكان ذاته مثل أمس، ولكني بعد الذهاب والعودة لمدة أسبوع كامل، وصل شوقي بي إلى منتهاه، ذقتُ فيه الوجْد والوحشة، فلم أظفر بلمحةٍ من طيفها ولا عطرها، القدر الذي فاض عليّ برؤية وجهها وشملني بحضورها وعبّقني برائحتها، منعني عنها طوال هذه الأيام الطويلة.فإن كان قد جمعني بها ليفرقني عنها فما الحكمة من وراء كل هذا العذاب؟

كيف اعتصرتُ ألمي كل صباح وأنا أعطي الخبز إلى رستم خادمها الطيب، وكيف أمسكتُ لساني عن السؤال عنها؟

لم يعد شيء كما كان أبداً بعد هذا اليوم..

ماذا حدث يا حافظ؟

كان (فرهاد) على وشك أن يقتل نفسه مجدداً في جسدٍ آخر، من أجلها هي!

* * *

“أحطّمُ نفسي
على ذكرِ
عينيكِ!
حافظ الشيرازي”

لو أن للعشق وصايا!

لو أن له سبيلاً إن قطعناها وصلنا!

كيف يكون في قلبك كل هذا الحبّ للمعشوق فلا يهتم ولا يبالي؟

ولكنّها تظل فتاة يا حافظ لا تملك من أمرها مثلما تملك أنت من أمرك..

ولكن لا.. الموافقة لا تحتاج سوى نظرة، لا تحتاج سوى أن ترخي أهدابها القاتلة تلك فوق عينيها، العيون تتبسّم يا حافظ، وإن كنتُ أفضّل الموت على ياقوتِ شفتيها لكن لا حاجة لقلبي بلسانٍ ينطق عن هوى، يكفيني منها ابتسامة عينيها..لفتة منها في منتصف الطريق قبل أن تختفي كل يوم داخل هذا البيت الذي بتّ أكرهه بقدرما أحببته، مجرد إشارة قبل أن ينغلق الباب في وجه العاشق المسكين..

هكذا تدور أحاديث النفس كل ساعة، بين العقل والقلب..بين اليأس والرجاء.

في طريق الذهاب والعودة، لا شغل لي سواها..

لن تعرف أبداً أنك تحبُّ إلا إذا وقعت في شرك الحيرة وعدم اليقين، العشق هو الآلة التي تعيدك إلى فطرةِ التعرّف إلى الأشياء كأنك تراها لأول مرة، بشغف المعرفة والرغبة في اختبار اللذة والألم على السواء، سوف يعيدك طفلاً إلى أن يرديكَ شيخاً. الحب أن تتعلّم ولا تكتفي منه أبداً، أن تصير الشئ وضده في آن واحد، الجنون والحكمة، والعرفان والجهل..

ربما كانت رغبتي في العلم والدرس تعوّضني عما أجهل منها!

تلك المرة لم أدعها تراني، تسللتُ حتى وصلتُ إلى شجرة الفستق الحانية، كان فراشها الأزرق مربوطاً بفرعٍ من فروعها المثمرة، اقتربتُ أكثر فوجدتُ ما لا أقدر على وصفه! كأن فستقة طازجة سقطت من الفرع مازالت مغطاة بمخمل قشرتها الأرجوانية، كانت هي “آسمان”، تتطاير طرّتها وخصلات شعرها الطويل أمامي، أتتبّع رقبتها العاجية حتى منبت صدرها، تطبق بيديها على قشرة الفستق هائلة الحجم، والتي تغطي جسدها العاري إلا من شقٍّ يجري في الكسوة الحمراء تلك يكشف عن منتصف صدرها وبطنها وسرّتها، فتحت ذراعيها لي أن اقترب، أقبلتُ عليها ألمسها بأناملي أتأكّد مما أرى، أغرقتُ روحي في بحر عينيها الأخضر، أصيح بأعلى الصوت:آسمان..آسمان، ثم أمسكتُ برأسها الجميل وقبّلتها في فمها، كألف ألف ثمرة فستق غارقة في العسل المصفّى. كانت تلك قبلتها، أردتُ أن أحتضنها، شعرتُ بنهديها فوق صدري، ضممتها أكثر، حتى تحطّمت قشرة الفستق من أعلى ومن أسفل ومن دبر، هبطتُ تحت قدميها، أقبّلهما صاعداً إلى أعلى، وأعلى..

استقيظتُ وكل ما بي يجري، دمي وعَرَقي ودَمعي ومائي!

سقطتُ من مضجعي وأصبتُ رأسي..ثم ضحكتُ..

ضحكتُ وقد تيسّر لي كل هذا..اللقاء والعناق والقبلة!

شعوري بها في ذلك اليوم اختلف كثيراً، بل اختلف كليّةً، صارت آسمان ملكاً لي باسم الحلم، كنتُ أحمل في صدري ذكرى حقيقية وطازجة، كنتُ أسير لأسبق روحي المحلّقة، وكلّي يقين بأنها لن تردّني عن بابها مرة أخرى..
ولكن ذهبتُ لأجد الشتاء قد سبقني إليها!

يتساقط الثلج فوق مدينتنا، ولم أجد آسمان في قشرة فستق أرجوانية، كان الثلج فحسب..

كدتُ أتجمّد في مكاني وأنا أحدّق إلى النوافذ فلربما أطلت من إحداها تعدني بلقاء وشيك، ولكن لم يظهر أحد، حتى رستم لم يخرج عندما ناديتُه، طرقت الباب، وأعطيتُه خبز فيروز ولم يردّ ولو بكلمةٍ واحدة، لم أنتبه لهذا التصرف الغريب فكنتُ في مصيبةٍ أكبر، وأي مصيبة أكبر من حرماني من رؤيتها؟

لو أنني أستطيع عجن هذا الخبز بعشقي حتى إذا تذوّقَته عرفَتْ ما بي!

عدتُ حزيناً إلى فيروز، كان أطفال الحي يلهون بكرات الثلج. يفرحون بمجيئه، بينما تستعد أمهاتهم في البيوت والأسواق استعداداً لليلة يلدا التي ينتظرها الجميع كل عام، حيث السهر فيها حتى مطلع الفجر..
-لقد كبر ابني شمس على إيصال الخبز إلى أصحابه..
-ماذا تقصد يا فيروز؟
-أظنُّ أنه يستوجب عليَّ إيجاد فتى صغير ليحمل عن كاهلك تلك المهمة، لقد أصبحتَ من أهل العلم، لا يجب أن تقوم بهذا العمل البسيط بعد الآن..
شعرتُ بطعنةٍ في قلبي! كيف أكفّ عن زيارة بيت آسمان؟
-لا..لا تقل ذلك أرجوك يا فيروز، لن أتركك أبداً! لا أستطيع!
-ومَن قال ذلك؟ سوف يبقى عملك معي هنا في المخبز ولكن لن تذهب لإيصال الخبز بعد اليوم..
-لستُ مرتاحاً لقرارك يا فيروز! هل حدث شئ؟
-سوف أصدقك القول يا بني..لقد جاءني رستم الخادم وطلب ألّا تأتي مرةً أخرى إليهم!
-رستم؟؟ لا أصدّق..لماذا؟؟
-أنت تعرف السبب يا شمس..

ألهذا الحد ترفضين حافظ يا آسمان؟!

حسناً يا حبّة القلب، حسناً يا أنشودة الروح..

لا عليكِ أبداً..

مازال الأطفال يضحكون..كأنهم يسخرون مني ومن حبّي..

آسمان!

حتى اسمها يسخر مني! ستظل هي السماء ولكن من دون أن تظلّلني وتحميني، ستبقى هي الجنة وإن كنتُ مطروداً منها إلى الأبد!
كان يوم عيد، وكانت هي عيدي على الدوام..

جلستُ بالقرب من النهر لا أشعر بالبرد القارس الذي يمزّق أوصالي، في قلبي نيران تُشعِل ألف موقد في بيوت شيراز هذه الليلة،لم يكن أمامي سوى صورة آسمان وهي بين أحضاني، وجدتُ من يربّت على كتفي فإذا بفيروز يجذبني من يدي ويدخلني إلى بيته، كانت آزاده قد أعدّت مائدة يلدا الحمراء: البطيخ والرمان والخرما والتين، والزبيب الأحمر والكثير من الفستق!

أنتِ أيتها الجنة البعيدة كل شئٍ يؤول إليكِ في النهاية..لا مفرّ..
لا مفرّ..

أقبل جمعٌ من رفقائي في حلقة الدرس، وعددٌ من شيوخ الحيّ من أصدقاء فيروز، كان هذا الرجل هو الوحيد الذي يشعر بحالي ويعرف من أمري. حاول إدخال السرور على قلبي بكل ما أوتيَ من قوة شيخٍ شارف على الستين من عمره، فإن كان قد عجز أن يجلب لي من أحبّها فهو قادر على أن يجلب لي الكثير ممن أحبهم!

وقف عند رأس المائدة وبدأ يمارس هوايته المفضلة:

-أيتها الصحبة الغالية، شكراً لمجيئكم إلى بيتي المتواضع في ليلة العيد، ولكن أريد أن أقول إن من دعاكم الليلة هو ابني شمس..أعرف أن جميعكم الآن تنادونه حافظ، ولكن صار لي زمن لم أنادِهِ سوى باسمه، الذي اختاره أبوه بهاء الدين رحمه الله: شمس..
شمس ابني أيضاً، شاهدتُه وهو يكبر ويشتد عوده، يساعدني ويحمل الخبز على كتفيه. كنتُ أول من بشّره شمس بإتمام حفظ القرآن الكريم، واليوم يفخر به معلموه في حلقات الدرس، ويشيدون بنجابته وقدرته الفائقة على التعلّم والدرس، ويتنبأ الكل له بمستقبل عظيم..

مرّت ليالٍ حالكة الظلمة على هذا الشاب الطيّب ولكنه في كل مرة كان يخرج منها إلى النور، فهو حافظٌ ومحفوظ ولا أخشى عليه!

ادعوا معي لشمس ونحن ننتظر الشمس الجديدة..
انهمرت دموعي وأنا أحتضن فيروز..
-أنتَ أبي يا فيروز! شكراً لك!
-بل شكراً لك أنت يا بنيّ!فكم علّمتني وكم أدخلت السعادة إلى قلبي!
-أين حكاية الليلة يا فيروز؟
صاح أحد الشيوخ:
-إذا شرع فيروز في القصّ فسوف تطلع الشمس الجديدة ولن نمس هذه المائدة العامرة!

ردّ فيروز ضاحكاً:
-هيّا إلى الطعام يا أصدقاء، أما الحكاية فسوف أحكيها بعد أن تمتلئ بطونكم!

شاركتهم الضحك، بل كنتُ أعلاهم صوتاً، استغربتُ روحي،فها هي تعرف طريقاً للضحك وكنت حسبتُ أنها لا تعرف سوى البكاء والحَزَنِ!

استغرق جميعهم في الأكل، أما أنا فظللتُ أتناول الفستق حبّةً وراء حبّة، كل حبّةٍ تقرّبني من آسمان مرةً أخرى، كل حبّة تحطّم قشرة الفستق، التي تحول بيني وبين قلبها الأبيض، لم أكفّ عن الأكل إلا عندما صاح جعفر صديق فيروز القديم:

-سوف تنجب العديد من الذكور يا حافظ! كل هذا الفستق أكلته بمفردك!
ضحك الجميع وضحكتُ معهم خاصةً عندما بدأوا في طرح أسماء فتيات الحي، اللاتي يصلحن للزواج.. ثم همس جعفر لفيروز:
-أين النبيذ يا رجل؟ هل ستنقضي الليلة من دون نبيذ شيراز؟
أخرج فيروز من خزانته القديمة قارورة من النبيذ الأحمر، فصفق الجميع، ثم قال:
-هذا النبيذ عصرتْه جوارٍ كرجيات ، كان الكرْم الأحمر يستغيث من جمالهن فعصر نفسه وذاب!
قلتُ لفيروز :
-هذا شعرٌ يا فيروز..أحسنت!!

ثم أمر جعفر بإخراج الرّباب ، وبدأ فيروز يحكي حكايته الجديدة على أنغام جعفر الحزينة في مقام الصّبا. يحكي ويسكب النبيذ في الكؤوس:

منذ قديم الأزل، منذ بداية هذا الكون والقمر يعشق الشمس، برغم استحالة اللقيا بينهما،إلا أن القمر وبعد انتهاء عمله طوال الليل لم ييأس من محاولة رؤية الشمس فبات ينتظرها حتى السّحَر، ولكن في كل مرة كان النعاس يغلبه، ويطلع النهار، حتى خطرت له فكرة: صادَق نَجماً جميلاً وطلب منه في تلك الليلة أن يوقظه قبيل منتصف الليل، وقد كان، واستيقظ القمر وذهب ليستقبل الشمس قبل طلوعها، وما إن رأته الشمس حتى نسيت الكون وما فيه وراحا معاً في سكرةِ غرامٍ طويلة، وقد تركا الكون في ظلمة يلدا الحالكة، ولكن الشمس وإن طلعت متأخرة فقد كان مولد العشق بينها وبين القمر يتجدد كل عام في تلك الليلة!
-مولد العشق!
-نعم يا شمس، مولد العشق.. تلك قصة يلدا!

هيّا يا شمس ألقِ علينا من شعر سعدي الذي تحبّه.

كنت أتحسس موضع سهمها فوق قلبي،ومولد عشقها يتجدد مع الأفراح والأتراح..
كانت الخمرة أمامي مسكوبة في كأسي، شربوا جميعا وناموا مخمورين في مقاعدهم، تناولتُ الكأس ومددتُ يدي إلى بعض حبّات الفستق المتبقية، مضغتها وشربتُ معها نبيذ الكرجيات.
سألت الكرجيات: هل تقدرن على عصر هذا القلب، الذي ينبض بحبها؟!

ــــــــــــــــــــــــــــــ
* “ليلة يلدا” رواية صادرة عن دار التنوير ببيروت 2018.

* غادة العبسي كاتبة وطبيبة ومطربة مصرية

الأعمال الأدبية :

بيت اللوز -مجموعة قصصية -دار غراب للنشر 2018
الإسكافي الأخضر-رواية-مؤسسة بتانة 2017
الفيشاويّ-رواية-دار الساقي 2016
أولاد الحور-مجموعة قصصية-الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة الفائزين-2014
حشيشة الملاك-مجموعة قصصية-دار إبداع-2013

التكريمات:

الزمالة الفخرية في الكتابة من جامعة آيوا بالولايات المتحدة الأمريكية ٢٠١٧
حاصلة على منحة برنامج الكتابة العالمي لعام ٢٠١٧ بجامعة آيوا بالولايات المتحدة.
عضو خريجي التبادل الدولي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية.
أخيرا : عضو لجنة القصة – المجلس الأعلى للثقافة ٢٠١٧

الجوائز :

-جائزة أخبار الأدب لعام 2016 -فرع الرواية عن الإسكافي الأخضر.
-جائزة نادي القصة لعام 2015-2016 فرع القصة-المركز الأول عن قصة بيت اللوز.
-جائزة مجلة دبي الثقافية لعام 2015-2016 فرع الرواية
-جائزة إحسان عبد القدوس للقصة القصيرة لعام2014-المركز الثاني عن قصة (وحياة قلبي وأتراحه).
-جائزة نازك الملائكة للإبداع النسوي لعام2014-وزارة ثقافة العراق-فرع القصة القصيرة عن قصة (مانوليا)-مركز ثالث.
-جائزة المسابقة المركزية لهيئة قصور الثقافة-دورة صبري موسى عام2014 –مركز أول عن أولاد الحور(مجموعة قصصية).

عملت كمطربة (صوليست) في دار الأوبرا المصرية.

“ولادة كريستوفر”.. يحتاج المرء إلى الكثير لتحدي القدر

$
0
0

قضيت العشرينيات من عمري كما يفعل معظم الكتاب الشباب: زاحفاً على يدَي وركبتَيّ، وبتحدّ ذاتي للقلق والحرج والعار واليأس. عندما سألني الناس عمّا قمت به من أجل لقمة العيش، وجدت أن من الصعب الإجابة عن هذا السؤال دون غصة ودموع. دعوت نفسي روائياً، ولكن العالم عرفني فقط كمدقّق قانوني. أهدرت من شبابي وموهبتي خمس ليالٍ في الأسبوع، من الساعة 11,5 مساءً وحتى الفجر، في غرفة صغيرة. أمعن في كلمات كنت أعرف كيفية تهجئتها، ولكن معانيها ظلت عصية على الفهم (ما هو الجحيم هو السند، على أية حال؟). حالما تشرق الشمس، أحدّق من نافذتي في أبراج المكاتب الأخرى في وسط مدينة مانهاتن، وأفكر بأني سأموت هنا.

في ديسمبر من عام 1984 قررت أن أتحدّى قدري. استأجرت شقة في بروفنس تاون في ماساتشوستس حيث سأكتب، إن لم تكن الرواية الأميركية العظيمة، ستكون رواية، ربما لن تكسبني المال الكافي لشراء القلم الخاص بي، ولكن على الأقل ستمكنني من أن أنظر في عيون الناس في حفلات العشاء، عندما يسألونني ماذا فعلت من أجل لقمة العيش؟ اخترت بروفنس تاون لأنني كنت أعلم أنها أرض ثلجية قاحلة يسكنها في الغالب رجال مثليون جنسياً.

مما يعني أنه لن يكون هناك إلهاء رومانسي أو جنسي، أيضاً جاءت الشقة بدون هاتف أوجهاز تلفزيون، لذلك سأعيش وأعمل مثل راهب.

بعد شهر من وصولي، خلال ذلك الوقت كنت أعتاش كلياً على طهي المايكروبيوتيك المطبوخ في المنزل، ونادراً ما كنت أخطو خارج المنزل. خرجت بالفصول الأربعة الأولى من رواية ما رآه فرانسيس (What Francis Saw) . أُعدّت في مانهاتن، وهي تحكي قصة روائي طموح صدف وأنه كان يحمل تشابهاً مذهلاً معي. كما في أبطال معظم الروايات الأولى، كان فرانسيس بارتون سلبياً بشكل لافت للنظر، ويواجه الحياة بشكل حصري تقريباً من خلال مقلة العين وبالتالي جاء العنوان بذيئاً.

تابعت العمل على الكتاب عندما عدت إلى نيويورك، وبعد سنتين انتهيت منه. في الفصول الاثني عشر التي يصور كل منها شهراً من عام 1984، ترنّح فرانسيس الشاب عبر وجوده الكئيب، في محاولةٍ لفهم الكون الذي لا يبدو أن فيه مكاناً له أو لمثله العليا. الرواية كانت 600 صفحة من المشاعر العميقة والترقب عن كثب والتألّق الغنائي، وكانت ذات مغزى فقط بالنسبة لي.

من الصعب تخيل ذلك الآن، و لكن في تلك الأيام اعتبرت التقديمات المتعددة خرقاً لبروتوكول التأليف. لذلك اضطررت إلى إعطاء تحفتي الفنية غير المرغوب بها إلى وكيل أو محرر في كل مرة، استغرق كل منهم شهراً لقراءتها. بعد أربع سنوات، كل ما اضطررت لإظهاره من أجل إصراري، كان عدداً من خطابات الرفض. يحتاج المرء إلى الكثير لتحدي القدر. أودّ في الواقع أن أموت كمدقق لغوي.

تغير المشهد إلى بعد عشرة أعوام في لوس أنجلوس، بعد التخلي عن كتابة النثر، أنا الآن كاتب سيناريو ناجح، أقود سيارة فولفو، أعيش في بيت جميل، وقد تحول أفضل سيناريو أصلي لي إلى فيلم كبير في هوليوود. وقد صقّل كاتب آخر السيناريو قبل بضعة أيام من التصوير. السيناريست الذي حوّله إلى الشاشة تقيّد بقصتي تماماً، كان 90 % من الحوار الذي أجريته يُنسب بالكامل إلي، ومع ذلك فقد تشبه إلى حد كبير وجهة نظري، كوجه الشبه بين مزيل الروائح الكريهة المتدلي من السيارات، وشجرة صنوبر حقيقية. كانت خيبة أمل تجارية ومصيبة خطيرة.

كان وقتاً جيداً للتوقف وقياس حياتي. كان تفكيري يجري على النحو التالي: إذا كان من الممكن إعادة كتابة السيناريو، الذي كان بطاقة الاتصال الخاصة بي لمدة عامين، وأكسبتني الملايين من الدولارات في المهام، في اللحظة الأخيرة، وتحولت إلى محاكاة ساخرة على نطاق واسع، إذاً لن أكون في أمان.

إذا كان السيناريو السينمائي في الأستوديو سيحقق لي أي نوع من الإشباع الفني، فسيكون عن طريق الصدفة، وليس بالتصميم.

فخر التأليف لم يكن ببساطة جزءاً من الصفقة.

في ذلك الوقت صادف أنني كنت أقرأ سيرة سومرست موغام التي تعلمت منها أن أعظم رواية لموغام هي “عبودية الإنسان” التي نشرت عندما كان يبلغ من العمر الواحدة والأربعين سنة. كان في الواقع مراجعة لمخطوط غير منشور من فترة الشباب. هذا جعلني أفكر: ماذا لو أخذت نظرة أخرى على “ما رآه فرانسيس؟” قد يكون هناك شيء يستحق المطالبة به في تلك الصفحات الستمائة من العمل الشاق والأنانية المجنونة. وإذا كان الأمر كذلك، فهل يمكن العودة إلى الكتابة الروائية حتى ولو كانت مؤقتة، هي بالضبط ما أحتاج إليه كترياق للإذلال المتصاعد في حياتي ككاتب سيناريو.

جلست وبدأت بإعادة قراءة “ما رآه فرانسيس”. من المؤكد أنه كان هناك الكثير من المواد الجيدة، ولكن كانت قابلة للاستخدام فقط إذا تمكنتُ من إيجاد طريقةٍ لنقلها من المعالجة الذاتية إلى العالمية. مستوحياً مرةً أخرى من موغام، تخيلت الراوي أول شخص يقع خارج العمل، ولكن مع اهتمام عاطفي في كل حركة يقوم بها فرانسيس. يجب أن يكون هناك شخص ما يراقبه دائماً كالأخ الأكبر، ويكون مغروراً لدرجة كافية بحيث أنه يروي حتى حياته الداخلية. ولكن لماذا تستثمر شخصية أخرى الكثير من الطاقة في بطلي المفقود والموحش؟ الجواب بسيط إنه يحبه بجنون.

من خلال رواية “ما رآه فرانسيس” قمت بتشكيل رواية جديدة تسمى “كريستوفر” (Christopher). كما كشف الراوي المتيم نفسه لي، اتخذت قراراً واعياً بعدم السيطرة عليه، ولكن السماح له بالوقوف والتجول وتقديم نفسه لي، فكانت النتيجة برايث كينث تروب ( Bryce Kenneth Troop) ( اختصاراً B.K.) وهو شخص أصلع طويل القامة منمش في منتصف العمر، ومثقف وذكي وعاطل عن العمل غير متوازن كيميائياً ومثلي الجنس، مدمن على الكحول، ويحب نبرة صوته. بما أنني لست من الذين يكتبون كثيراً على الآلة الكاتبة، فقد كان كل ما يمكنني فعله هو مواكبته.

على الرغم من شكوك الذات المستمرة وإغراء عمل السيناريو الذي يدفع أجوراً عالية، إلا أنني واظبت على الكتاب من دون اكتراث بالنتيجة. تاركاً العنان لـB.K). ) ليقود الطريق. ولأنني كنت أبني على أساس جيد ومتين، فإن رواية “كريستوفر” لم تأخذ مني عامين آخرين لكتابتها، بل أخذت أقل من سنة واحدة. عندما انتهيت منها، بدلاً من إرسالها إلى كومة طين، أرسلتها إلى وكيل الفيلم في وليام موريس، والذي أحالها على الفور إلى مكتب نيويورك وإلى أيدي أسطورة الاحتراف جنجر باربر. أخذتها معها في عطلة نهاية الأسبوع في الرابع من يوليو، وبعد بضعة أيام، اتصلت وقالت إنّها تود تمثيلها.

بعد ظهيرة أحد أيام الجمعة، عندما كنت أقود سيارتي إلى وارنر براذرز، بعد اجتماع حول السيناريو، تلقيت مكالمةً من جنجر تقول لي إن برود واي بوكس، قسم دبلداي قد قدم عرضاً على كريستوفر. في هذه المرحلة من مسيرتي المهنية، استمتعت بالكثير من الأخبار الجيدة بعضها يحتوي على مبالغ فاحشة من المال، ولكن لم يسبق لي أن تلقيت أي اتصال مهني سبب لي حتى نصف هذه السعادة (ولا حتى الآن). عندما عدت إلى المنزل، تعجبت من أن كل تلك الساعات الطويلة واليائسة في العشرينيات من عمري، وأنا منكب على الآلة الكاتبة اليدوية، قد توصلت بالفعل إلى نتيجة ما. أريد أن أمرر درساً للكتّاب الشباب: إن العمل بجد نادراً ما يذهب سُدى. تمسكْ بكل الخردة التي تكتبها، أنت لا تعرف أبداً كيف ستسفيد منها في مسيرتك.

لم يتضح أن نشر روايتي الأولى هو القصة الخيالية التي تصورتها منذ زمن طويل. بعد بضعة أسابيع من توقيع العقد كشفت لي جنجر أن رئيس التحرير مثلي الجنس كان متحمساً جداً ليكتشف ما اُفتِرض أنه كاتب جديد للشواذ، ونصحتني بعدم البوح بأية كلمة له عن حالتي الجنسية الطبيعية. أنا صريح على الخطأ، لذلك فكرت في العيش في خزانة مستقيمة كانت لعنة بالنسبة لي، لكنني ذكّرت نفسي أن التوجه الجنسي للمؤلف يجب ألّا يكون له علاقة بقبوله. إذا كان القرّاء ضيّقي الأفق، بحيث يستخدمون استقامتي ضدي، فإنهم لن يكونوا مؤهلين للحقيقة. أليس كذلك؟ بعد كل شيء الأمر ليس كما لو أنني اخترت أن أكون مستقيماً. نظراً لعدم وجود الطرافة والجمالية والجنس السهل فمن سيرغب؟ عندما خرجت رواية “كريستوفر”، ظهرت في البرامج الإذاعية للمثليين وعلى قامة الكتب في مكتباتهم. اختارها المحامي كأحد أفضل القراءات في الصيف. الصحافة الحرة في شيكاغو قالت عنها عليها: النثر في الصفحة تلو الأخرى بارع، فاحش، بذيء، ثاقب، لطيف، رومانسي.

وحذّرت “أنستينكت”: “سوف تجد نفسك تُكسّر وتشكر القوى العليا الخاصة بك أنك لست ذلك القدر من الملكة الملتهبة”، ومع ذلك وبصرف النظر عن الهذيان في صحيفة صاندي لوس أنجلوس تايمز، فإن الصحافة السائدة بالكاد لاحظت الكتاب. وضعتها سلسلة المتاجر في الخلف في قسم المثليين.

ثم بدأ أصدقائي يفكرون مليّاً. عند التحدث عن الكتّاب النساء نادراً ما يذكرن الميول الجنسية لـB.K.) ) صرّح الأصدقاء الذكور المثليون علنية بالأدب الباطن. كان فقط أصدقائي الذكور المستقيمون كلهم من الليبراليين المزعومين الذين أعربوا عن استيائهم. البعض رفض قراءة الكتاب، آخرون اعتقدوا أنني أحمق. أعني ماذا لو أزعجني الناس مع B.K.) )؟
ماذا لو ظن الناس أنني مثليّ؟ آخرون أكثر انفتاحاً، أعربوا فقط عن أملهم المهذب في أن تكون روايتي الثانية أكثر تعميماً
– لم تكن كذلك
– رواها أيضاً (B.K. )
– كذلك كانت التالية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أليسون بورنيتAllison Burnett : روائي ومخرج سينمائي وكاتب سيناريو أميركي يعيش في لوس أنجلوس. أخرج الفيلم المقتبس من روايته جيرل الغامضة ( Undiscovered Gyrl ).

الرواية نت

“لا صديق سوى الجبال”توصل مأساة الأكراد إلى العالم

$
0
0

احتفى الإعلام بخبر حصول الكاتب الكرديّ الإيراني بهروز بوجاني على الجائزة الفيكتورية للأدب في ملبورن بأستراليا، والتي تعدّ من أهم الجوائز الأدبية الأسترالية، والمخصص لها مبلغ نقدي بقيمة مئة ألف دولار أسترالي (73 ألف دولار أميركي).

وفاز الكرديّ طالب اللجوء بالجائزة، لكن فرحته لم تكتمل ولم يتسنّ له أن يتسلمها شخصيا لأنه مقيم في مركز احتجاز في جزيرة مانوس التابعة لبابوا غينيا الجديدة.

وتوّج بوجاني (مواليد 1983، بمدينة عيلام غربي إيران) بالجائزة عن كتابه “لا صديق سوى الجبال: الكتابة من سجن مانوس”. وترددت تقارير أيضا عن أنه أفضل كتاب غير خيالي.

واستلهم بهروز عنوان روايته من عنوان كتاب شهير آخر أصبح مثلاً دارجاً منطبقاً على حال الكردي في حلّه وترحاله وهو كتاب “لا أصدقاء سوى الجبال.. التاريخ المأساوي للأكراد” للصحافيين البريطانيين جون بلوج وهارفي موريس، والذي ترجم إلى العربية من قبل راج آل محمد وراجعه وقدّم له الراحل هادي العلوي في منتصف التسعينات من القرن الماضي.

بهروز الذي درس العلوم السياسية في جامعة “تربيا مدارس” في طهران وعمل صحفياً بعد أن غدا محرراً لمجلة “واريا” الكردية المتخصصة بالشؤون السياسية والاجتماعية الكردية، لفت أنظار السلطات الإيرانية إليه، وبدأت تلاحقه فاضطر إلى مغادرة بلده في العام 2013 لخشيته من الاعتقال، لكنه أصبح معتقلاً في سجن جزيرة أسترالية في وقت هرب بحثاً عن حريته.

وبوجاني الذي يعيش في مركز احتجاز في جزيرة مانوس منذ عام 2013، وشأنه شأن كل المحتجزين، غير مسموح له بمغادرة الجزيرة، كتب روايته مقطعاً مقطعاً على هاتفه الجوّال، وكان يرسل المقاطع إلى صديق له ليحتفظ بها ويجمعها ويضمّها بين طيّات كتاب.

وقال بوجاني إن الفوز أعطاه “شعورا متناقضا”. وقال “لا أريد الاحتفال بهذا الإنجاز في حين أنني ما زلت أرى الكثير من الأبرياء يعانون من حولي”. وأضاف “أعطونا حريتنا. لم نرتكب أي جريمة.. نحن لا نطلب سوى اللجوء”.

وبحسب دار النشر كتب بوجاني الكتاب عبر الرسائل النصية (إس إم إس) التي أرسلها من مانوس التي تتبع بابوا غينيا الجديدة ولكن كانبيرا تستخدمها منذ عام 2013 كمكان لإرسال طالبي اللجوء الذين يحاولون الوصول إلى أستراليا بحرا. وتم شجب هذه الممارسة ووصفها بأنها تنتهك الحقوق الإنسانية للمهاجرين والمحتجزين.

صرخة كردي سجين

رواية بوجاني صرخته للعالم وجسره للعبور إلى حرّيّته المنشودة، ويأمل أن تحطّم أسوار سجنه، وهو الهارب من سجن إلى آخر. شعور السجن يلاحق الكرديّ في كلّ مكان. هو المنفيّ في أرضه، المستعدى لأسباب بعيدة عن جوهر التآخي والإنسانية، المنبوذ المحروم من التلذّذ بخصوصيته كغيره ممّن يعيشون خصوصيّتهم ويحتفون بها.

كتب بهروز بوجاني روايته بالفارسية، وترجمها إلى الإنكليزية لتفوز بأرفع جائزة أدبية أسترالية، فازت الرواية وبقي الروائيّ خاسراً لحرّيته.

هل فازت روايته لأنّه كتبها من سجنه؟ لأنّه كتب بصدق عن معاناته ومعاناة الكثيرين من حوله؟ لأنّه كتب عن قضية عالمية؟ عن اللجوء الذي بات مشكلة مستعصية في عالمنا المعاصر؟ عن قضيّته الكردية في سياق لجوئه؟ عن مأساته الشخصية؟ ربّما ساهمت هذه العوامل مع غيرها من العوامل الفنّيّة والاشتغال الأدبيّ بتصدير العمل وتتويجه والاحتفاء به كرسالة أدبية عابرة للحدود والهويات والعداوات.

والخشية أن يكون إطلاق الرواية والاحتفاء بها على حساب إبقاء صاحبها رهين المبلغ الماليّ الذي يرسل إليه من دون أن يتمّ علاج وضعه ووضع حدّ لفجيعته المستمرّة منذ سنوات.

هنا تكون الكتابة جواز سفر الكرديّ بهروز إلى حرّيّته المتخيّلة، تراه يبحث عن وطنه وذاته في كلّ مكان يلجأ إليه، يحاول من أيّ بقعة إيصال صراخه ومعاناته، لكنّه يبقى رهين القيود والحواجز التي تحيق به وتقيّده بأتونها.

لكن للأسف هذه الكتابة التي عكست سيرته ومحنته في سجونه المتعدّدة لم تفلح بعد في تحريره من تلك السجون القاسية، كما أنّها أصبحت مادّة دعائية للاحتفاء بالسجين واستعذاب معاناته والتعاطف معه لكن من دون إيجاد حلول شافية له.

هل تكون تلك الجائزة تعويضاً مادّياً وعبارة عن حوالة تصل إلى بهروز كي يصرفها في حانوت سجنه، وهو المحروم من التنفّس بحرّيّة؟ هل تكون تلك الآلاف التي تمّ منحه إيّاها أداته لتحسين ظروف سجنه وهو الهارب من سجن إلى آخر؟ هل يتمّ تحويل تلك الدولارات إلى نقاط تصرف في حانوت السجن البائس؟ هل يندرج ما كتبه بهروز ضمن الأدب الفارسي أم ضمن الأدب الكرديّ؟ هل يكون أدباً عالمياً باعتباره كتب عن محنة عالمية، حيث اللجوء بات أزمة عالمية وهوية تتبلور بقسوة ووحشية في عالم بائس.

لماذا يتحتّم على الكرديّ أن يطالب بصكوك الغفران بطريقة ما من آخرين يستكثرون عليه تمايزه واستقلاليته وحرّيّته؟ هل هو نوع من التقوقع وتصدير الذرائع للبحث عن مخارج من حلم العيش المشترك والمصير المشترك؟

إلى مَن ينتمي بهروز؟ إلى تلك الدولة التي هرب منها والتي اسمها إيران؟ أم إلى دولته المتخيّلة غير الموجودة على الخريطة بعد كردستان التي يكرّس من أجلها جهوده وكتابته؟ لأيّ أدب ينتسب عمله؟ للفارسيّ أم الكرديّ المكتوب بالفارسية؟

أسئلة الانتماء والهوية كرديّاً

هناك كثير من أسئلة الانتماء والهوية تلاحق الكردي وتفرض عليه البحث عن إجابات لها.

يتّهم بعض الأكراد المفتئتين للغة الكردية أولئك الأدباء الأكراد الذين يكتبون بلغات أخرى كالفارسية أو التركية أو العربية بأنّهم يخدمون آداب “الأعداء” ويثرون مكتباتهم، ويطوّعون الإرث الحضاري والثقافي والفكريّ الكرديّ لخدمة ثقافات الآخرين، وما ينتجونه من إبداعات هو في خدمة مَن يلغي وجودهم وهويّتهم، وعليهم أن يشعروا بالعار لا بالفخر لأنّهم ينسلخون عن لغتهم. وهذا رأي لا يخلو من شوفينية تجاه الذات والأخ والآخر، وينطلق من عدوانية معلنة وذات لا تتورّع عن التنكيل بالآخر إذا ما أتيحت لها الفرصة.

كيف للكرديّ أن يمارس بحقّ غيره تلك الموبقات التي مورست بحقّه؟ كيف يمكنه أن يمنع التواصل والتعايش والتضامن مع جواره الثقافي والحضاري ويمنع نفسه وغيره من أن يثرى به ومعه؟

لا يخفى أنّنا في فترة تاريخية حرجة تتعالى فيها أصوات المتشدّدين من هذا الطرف أو ذاك، وتلقى صدى عند جماعات تجدّ في التشدّد ملاذاً ومهرباً للتملّص من استحقاقات التسامح والتعايش والسلام. وافتعال الحروب أمر سهل بالمقارنة مع مشقّة تسييد السلام.

الكرديّ غير المعترف به في أرضه، الممنوع من القراءة والكتابة بلغته، الباحث عن هويّته وكينونته من خلال الأدب، الباحث عن اعتراف بإنسانيّته وحقّه بالعيش كغيره، بحيث يضحك ويبكي ويصرخ ويتألّم ويفرح بلغته، لا بلغة مَن يقمعونه ويمنعونه من الغناء بلغته..

اللغة بالنسبة إلى الكرديّ ليست أداة تواصل فقط، بل هي أداة تحدّ ومواجهة، أداة إثبات الذات والجدارة بالمنافسة والتفوّق، وسيلة لبلورة صيغة من صيغ الهويّة المنفتحة الباحثة عن تآخٍ مع الهويّات التي تقمعها بمسمّيات وذرائع مختلفة.

الكرديّ الذي يعيش على أرضه التاريخية في كردستانه التي يحلم بها، والتي ما تزال ممنوعة حتّى في الأحلام والأغنيات عليه، في دول كإيران وتركيا بشكل أكبر، يحرم من دراسة لغته والعيش بها في عالم الفكر والأدب، لذلك اقتحم كثير من الأكراد عالم الثقافة والفكر والأدب عبر لغة الآخر التي وظّفوها لتقديم قضيّتهم وأحلامهم وأساطيرهم، وليوصلوا من خلالها أصواتهم إلى الآخرين الذين يعيشون معهم وبين ظهرانيهم، والذين يجهلون معاناتهم، أو يتجاهلونها، أو لا يدرون عنها كما يجب بحكم التعتيم الإعلامي والسياسي الذي كان مفروضاً من قبل الأنظمة الحاكمة لأجزاء كردستان في كل من تركيا وإيران والعراق وسوريا.

لا يكاد الكرديّ يعبّر عن همّ من همومه إلّا وتلاحقه تهم مختلفة كإثارة النعرات القومية والطائفية، أو إضعاف عزيمة الأمّة، أو اقتطاع جزء من “الوطن” وإلحاقه بدولة أجنبية، وهنا الدولة الأجنبية المفترضة والمتخيّلة هي كردستان المتخيّلة لا غير، والتي يكون ذكرها واستحضارها مثيرين لحفيظة الأنظمة الشوفينية التي تفرض قيوداً على الأحلام وتتعاطى معها كجرائم واقعية توجب محاسبة أصحابها وإدانتهم عليها.

يكتب كثير من الأكراد بلغات جوارهم الثقافي والحضاري، ووجدوا أنفسهم مجبرين على اكتساب العلم والفكر والدراسة بلغة البلد الذي يضمّهم، ففي إيران يكتبون بالفارسية، وفي تركيا بالتركية، وفي العراق وسوريا بالعربية، وهناك عدد بدأ يكبر رويداً رويداً في السنوات الأخيرة يكتب بالكردية ويحاول الاستمرار بها، رغم المشقات التي يعانيها في إيصال صوته، والعثور على قرّاء ومتلقّين لرسائله وأفكاره، ذلك أنّ الوقائع والتراكمات التاريخية خلقت فجوة إجبارية بين الكرديّ ولغته، وأرغمته على السكنى في آداب الشعوب المجاورة ولغاتها لتكون أدواته للتعبير عن كرديّته وذاته وهويّته ووجوده.

الكرديّ محكوم بالتاريخ والجغرافيا معاً، عليه أن يتقبّل الواقع وإلّا سيكون خارج التاريخ والجغرافيا معاً، فالحسابات الدوليّة دائماً تصبّ في خانة الأطراف الأخرى، والطرف الكردي دوماً هو الخاسر، في السياسة، لأنّ المصالح أكبر من أيّ قضة عادلة في الممارسات السياسية، ولأنّ الكرديّ يتعاطى السياسة بما يمكن وصفه بحالة بدائية، أو بدويّة بمعنى ما، مع أنّه يحلو لبعضهم الادّعاء بأنّها من منطلق مبدئيّ وليس بدائيّ.

لا يحتاج الكرديّ إلى أعداء فالكرديّ عدوّ نفسه، هكذا تقول بعض التعابير الكرديّة الجالدة للذات، والرمز الذي اتّخذه الكرديّ لنفسه -أو ألصق به- هو “الحجل”، وهو خير تعبير عن حالة الاستعداء والعدوانية من الكردي تجاه بني جنسه، فالحجل يوقع ببني جنسه في الفخّ ويسقطهم معه في الأسر من حيث يدري ولا يدري.

ولطالما أنّ الكردي لا يحتاج إلى أعداء فإنّه لا يتقن صناعة الأصدقاء، أو أنّ المقوّمات التي لديه لا تكفي لصناعة أصدقاء دائمين عابرين للمصالح والسياسات الآنية، فهو يبرع في الانكفاء على ذاته، يهرب إلى الجبال، ويكرّر لنفسه لازمة “لا أصدقاء سوى الجبال”، أو أنّ الجبال وحدها هي أصدقاء الأكراد.

لا ينبش الكرديّ غالباً في ما وراء الأحداث التاريخية، ذاكرته سمكيّة، ينسى بسرعة، لا يعتبر من دروس التاريخ، يتوه في دوّامات السياسات والتحالفات والمؤامرات، يكون مهيض الجناح في تاريخه وواقعه، ولا يملك القوّة المتكاملة اللازمة لتخرجه من قوقعته نحو فضاء يمكّنه من الحرّيّة والاستقلال، يبقى أسير ما يفرض عليه وما يحاك ضدّه، أو ما يتشارك بعض من الكرد أنفسهم في حياكته ضدّ بني قومهم.

ربّما يحتاج الكرديّ إلى وقفات مطوّلة مع الذات، عليه أن يواجه مخاوفه ويقف في مرآة الراهن وينظر إلى خبايا التاريخ وأسراره، ويستلهم الدروس والعبر منه كي لا ينجرف وراء عواطفه ولا يدخل مستنقع السياسة بعدّة المحارب فقط وببندقية ملقّمة وبإصبع على الزناد ينتظر التوجيه إلى هذه الناحية أو تلك.

أصدقاء تحت الطلب

يشيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومسؤولون أميركيون آخرون، بالمقاتلين الأكراد ضدّ تنظيم داعش، وأنّهم القوّة المساندة لهم على الأرض، ويحتفي الإعلام العالمي بصور المقاتلات الكرديّات وجدائلهنّ المسدلة على ظهورهنّ والبنادق في أيديهنّ، من دون أن يزيح الستار عمّاء وراء تلك الصور، لأنّ الزوايا المختارة بعناية هي التي تخدم وغيرها قد يخرج عن الإطار المراد تقييده به.

يوصف الكرديّ بأنّه صديق تحت الطلب لمن يحتاجه، ويستنكر عليه الوفاء بالتزاماته تجاهه، لا يجد أيّ بأس في استخدامه ومن ثمّ التخلّي عنه لأنّ منطق سوق السياسة السوداء يفرض نفسه، وقوانين السوق لا تحمي المغفّلين.

ولو لعب الكرديّ في ميدان السياسة بنفس الأداء الذي يخوضه في ميادين المعارك لاختلف وضعه وواقعه، لكنّ المحنة في عدم التمييز المتقن بين اللعب السياسي واللعب الحربيّ، بين استخدام الأدوات في كلّ معركة كما يجب، لا التخبّط والتوهان وإضاعة البوصلة في تجاذبات واستقطابات تضاعف تخبّطه التاريخيّ بين الممكن والمأمول، بين الواقع والحلم.

يلجأ الكُرد إلى الجبال في المحن التي تحيق بهم، تكون جبالهم سندهم الوحيد، ويتخلّى أصدقاء الكرد المفترضون عنهم بسهولة ويسر، ومن دون أن يرفّ لهم أيّ جفن، يبيعونهم في أوّل مزاد أو تفاوض، يقلبون الطاولة على رؤوسهم وينزعون الأسلحة منهم، أو يفرغونها من بارودها بحيث تصبح وبالاً عليهم، ويبقونهم فريسة للأنظمة التي تستضعفهم وتبتزّهم وتعاقبهم بطرق مختلفة.

أستعيد ما ختم به مؤلّفا كتاب “لا أصدقاء سوى الجبال” كتابهما به، حيث استذكرا حكاية منسوبة للزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البارزاني الذي سافر بعد أيام من موت ستالين -وكان منفياً حينها- إلى موسكو وذهب إلى مكتب استعلامات الكرملين، وطرق بشدة على الباب وعندما سأله أحد الحرّاس عمّا يريد، أجاب “لست أنا مَن طرق، إنّها الثورة الكردية تطرق على باب الكرملين”. ويقول المؤلّفان في الجملة الأخيرة “لا يزال الأكراد يطرقون على الباب ولكنّ طرقهم الآن أقوى وأعلى”.

الآداب الكردية المكتوبة بلغات الشعوب المجاورة والمؤاخية للكرد بدأت تطرق أبواب العالم الآن ومنذ عقود، وتنقل جزءاً من معاناتهم إلى الآخرين، وهي خير وسيلة للتواصل بعيداً عن العنف والاحتراب، تظهر الرقيّ المأمول وتوصل القضيّة العادلة كما يجب لا بشكل يشوّهها ويسيء إليها. والرجاء أن يكون هناك في الجوانب الأخرى، ففي ضفاف الأصدقاء المفترضين مَن بدأ يحسن الإصغاء بمعزل عن سطوة المصالح وخبث السياسة ولعنات التاريخ والجغرافيا.

وبهروز بوجاني واحد من الأصوات الكردية المعتبرة، وقد نجح في كسر العزلة وتجاوز حدود السجن، ولجأ إلى عالم الكتابة بعد أن ضاقت به الأرض على سعتها، وتمّ إبقاؤه في الاحتجاز لسنوات وهو الهارب من الاعتقال أساساً. إنها مفارقات الواقع المريرة التي لا تخلو من مفاجآت سارّة وسط متاهات قاسية.

ولعلّ من الظلم تكرار مقولة لا صديق سوى الجبال والاحتفاء بها بطريقة ببغائية لدرجة المصادقة المطلقة عليها والأخذ بها كمسلّمة غير قابلة للمناقشة والدحض، لأنّ هذا يلغي فرص الصداقات الحقيقية ويبدّد الآمال بها، ولأنّ الواقع يؤكّد أن ّهناك أصدقاء آخرين للأكراد سوى الجبال، ومن أعظم الأصدقاء الأوفياء لهم في تاريخهم الحديث الآداب والفنون.

عن صحيفة العرب اللندنية

صدور “التانكي”للعراقية عالية ممدوح

$
0
0

صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، رواية جديدة للروائية العراقية المعروفة عالية ممدوح، حملت عنوان: “التانكي”، وكلمة التانكي كلمة مُستمدّة من معناها الانجليزي تُستعمل في اللهجة العراقية بمعنى الخزان. روايةٌ تضاف لمسيرة كاتبة يعتبرها النقاد من أبرز الروائيات العربيات في عصرها، وبين الكاتبات المغتربات؛ لما تتميز به من خصوصية إبداعها الأدبي، ومتخيّلها السردي المليء بالتنوع، والنابع من صميم واقع الكاتبة ومحيطها، وتجاربها، بل وتوصف نصوصها كفعل ثوري، يتضح من خلال الانقلاب على السائد والموروث، ومن خلال التعبير عن قضايا نضال المرأة.

والتانكي رواية تنشغل بعلاقة الإنسان بالمكان المسلوب، وكيف يمكن بعد أربعة عقود من الزمن في المنافي، أن تتخيَّل الكاتبة عودتها إلى العراق، لتبدأ رحلتها في رصد التحولات الكبرى التي مرَّ بها البلد والتغيّيرات التي حدثت في المجتمع، عودة أدبية، لكنها تلامس حدود التراجيديا، بنسج حياة تتشارك فيها مع أبطالها، ما طال المكان من تحوّلات.

وقد عدَّ محمد الأشعري الروائي والأديب الكبير الحائز على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية؛ الرواية من أهم ما النصوص الأدبية التي كُتبت حول بتر الأمكنة منّا، واستيلابها قصراً، حيث قال عن الرواية وأهميتها: «إنني متأكد أن رواية التانكي هي من أجمل وأعمق ما كُتب في أدبنا العربي الحديث عن بتر الأمكنة منّا، أو بترنا منها، حتى يصبح الوطن يمشي وحيداً، ونحن نمشي وحيدين بعيداً عنه. لقد شعرت أثناء قراءتي للرواية بأثقال الطوبوغرافيا التي صارت خريطة دواخلنا، ومجالاً مستباحاً بالعنف والحسرة والموت البطيء. ثم هذا المكعب الذي يشبه سفينة الطوفان، نغلقهُ على ما تبقى من خراب المدينة، ونبحر على متنه طلبا للنجاة منه، ومن أنفسنا.

روايةُ ألمٍ لا تروضه سوى متعة الكتابة».

من الرواية:

غريب أمركم، دكتور، أعني أجدادكم الإغريق، عندما كان يتمّ التركيز الشديد لتطويل فترة الحنين عبر عائلة عوليس وزوجته المستسلمة وطفله تيليماخوس، فيتمّ تصعيد احتياجات المحارب للتعويض عن الأوقات السّيّئة والخسارات المتوالية في الحروب، فغدت إيثاكا، شخصية سَردِيَّة مُهلكة لمن ينتظر الوصول إليها. فنرى عوليس يجرجر قدميه “كصيّاد مرتحل”، وهو لا يملك ما يعارض به القدر، والمدينة على بعد إصبع منه، فلا يصلها. يتجمّع في فمه ما لا يقال، فلا يتفوّه بكلمة .. فهل تغيّرت الطريق إليها؟ أم غادرت إيثاكا، وارتحلت؟

فحسب خطاب هومير، الوقت يفلت من بين ذراعيه، والزوجة لا تغادر خرسها، العابر للخرساوات المكتئبات المنتظرات جميعهنّ دونما غفوة ولا نوم، وعلى طول سَردِيَّة التاريخ، ألم تشاهد يدها يوماً، دكتور، وهي تفكّ كبّة الخيوط تلك، وتعيدها؟ فبماذا تُذكِّركَ؟ كلاّ، ليس بالحكمة والصبر؛ بالتسوّل وبالعوز رسمت يدها، وهي تتسوّل ظلاّ لعوليس، وهو ينهض مبتهجاً من بين أحضان “كاليبسو”. ما الذي نراه فيها؟ اليد، والذراع، الأصابع والكفّ والرُّسْغ. يدان هاربتان، ويُغمى عليهما دائماً، فتقرع الأجراس، لكي لا تتوقّف عن تلك التعاسة.

عالية ممدوح:

كاتبة وروائية عراقية، مواليد بغداد ١٩٤٤. خريجة علم النفس من الجامعة المستنصرية عام ١٩٧١، شغلت وظيفة رئيسة تحرير جريدة (الراصد) البغدادية الأسبوعية لأزيد من عشر سنوات. غادرت بغداد منذ ١٩٨٢، وتنقلت بين عواصم ومدن شتى، تقيم حالياً في باريس. أصدرت عام ١٩٧٣ مجموعة قصصية بعنوان: «افتتاحية للضحك»، ومنها توالت أعمالها الأدبية؛ ثمانُ روايات منها: «ليلى والذئب»، 1980. «المحبوبات» الحائزة على جائرة نجيب محفوظ للرواية، 2004. و«الأجنبية»، سيرة روائية، 2013. تُرجمت بعض رواياتها إلى الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والإسبانية، أشهرها رواية «النفتالين» التي تُرجمت إلى سبع لغات، ودُرست لمدة سنتين في جامعة السوربون.

الرواية نت

اغتيال الروائي العراقي علاء مشذوب أمام منزله في كربلاء

$
0
0

بغداد- أثارت عملية اغتيال الناشط والروائي العراقي علاء مشذوب مساء السبت في وسط شوارع مدينة كربلاء سخطا في الوسط الثقافي العراقي.

وقال “صفاء كامل” وهو ضابط برتبة مقدم في قيادة عمليات الفرات الأوسط (تابعة للجيش) إن “مشذوب اغتيل أمام منزله وسط مدينة كربلاء”.

ولفت إلى أن “مسلحين أطلقوا عليه النار ثم لاذوا بالفرار بعد تنفيذ عملية الاغتيال”. وأعلن اتحاد أدباء كربلاء السبت اغتيال الأديب العراقي الدكتور علاء مشذوب، أمام منزله.

وفي إشارة إلى حساسية الموضوع، أرسلت قيادة شرطة كربلاء فريق تحقيق على الفور إلى مكان الحادثة، وتوعدت في بيان بالكشف عن منفذي عملية اغتيال الروائي علاء مشذوب أمام منزله.

وتعليقا على مقتله، قال الكاتب العراقي علي لفتة سعيد إنها “عملية قتل الكلمة الحرة والصادقة ووأد الجمال”.

وقال نائب رئيس اتحاد أدباء كربلاء سلام بناي، في حديث مقتضب للصحفيين إن “الدكتور علاء مشذوب اغُتيل أمام منزله”.

وكتب علاء مشذوب في تدوينه على حسابه على فيسبوك يوم 31 يناير ” صباح الأزقة والشوارع الفرعية لمدينة لم تنعم بالاستقرار أبدا.. في كل مرة أصل إلى رأس شارع (أبو ديه) أقف بحبور عنده وأضع يدي اليمنى تحت حنكي واتفكر به.. فيرتسم بذهني مرة كسفينة راسية، ومرة خليجا واسعا، مرة أراه فكرة مجردة، ومرة حقيقة واقعة.. أية غمامة صيفية بيضاء هذا الذي أقف في حضرته”.

وعلى صفحته على فيسبوك، كتب الروائي أحمد سعداوي، صاحب رواية “فرانكنشتاين في بغداد” التي لاقت نجاحا عالميا، “أي خسّة ونذالة وجبن أن تطلق النار على شخصٍ أعزل إلا من كلماته وأحلامه”.

وأضاف أن “العار سيلاحق المجرمين والقتلة أينما كانوا. والعار سيلاحق السلطات المحلية في كربلاء ومن خلفهم أجهزة وزارة الداخلية، إن لم تسارع للكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة بأسرع وقت”.

وعرف الكاتب والناشط والروائي علاء مشذوب بكتاباته التي تنتقد التدخلات الخارجية في شؤون البلاد، وانتقاده للدور السلبي لبعض رجال الدين على مدى السنوات الماضية.

وكان الراحل اجتمع مع مجموعة من الكتاب والصحفيين كما هي العادة في أحد الملتقيات، حتى قرر مشذوب المغادرة إلى منزله الذي يقع بالقرب من مركز المدينة القديمة، ليعترضه مسلحون ويطلقون عليه الرصاص.

وأفاد شهود عيان وقت سابق بمقتل الناشط المدني والأديب علاء مشذوب وسط مدينة كربلاء. وقال الشهود إن” شخصين يستقلان دراجة نارية أطلقوا النار على مشذوب، فأردياه قتيلا قبل أن يلوذوا بالفرار إلى جهة مجهولة”.

وإحياء ذكرى هذا الروائي الغزير، العاشق لمدينته التي كان يصف أحياءها التاريخية في كتبه، كان بالتوازي مع رسائل سخط وصلت حتى المطالبة بفتح تحقيق برلماني من قبل لجنة الثقافة. في المقابل، يرفض الجميع توجيه أصابع الاتهام إلى جهة معينة، مشيرين فقط إلى “جهات مجهولة تجعلنا لا نستطيع التكلم”، في بلد تعصف فيه رياح العنف منذ عقود.

والروائي الراحل من مواليد 1968، وتخرج من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد عام 1993، وحاصل على دكتوراه في الفنون الجميلة عام 2014.

وصدرت له روايات منها “مدن الهلاك – الشاهدان” (2014)، و”فوضى الوطن” (2014 ) و”جريمة في الفيسبوك” (2015) و”آدم سامي – مور” (2015). كما صدرت له عدة مجموعات قصصية أبرزها “ربما أعود أليك” و”زقاق الأرامل”.

وهي ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها شخصيات عراقية معروفة للاغتيال. العام الماضي قتل أربع نساء، بينهن عارضة الأزياء تاره فارس التي اغتيلت بالرصاص في وضح النهار وسط بغداد. وتشهد محافظة كربلاء (مركزها مدينة كربلاء) ذات الأغلبية الشيعية جنوبي العراق وضعاً أمنياً مستقراً، ولم تسجل فيها حوادث اغتيالات أو عمليات مسلحة.

عن صحيفة العرب اللندنية

الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية من القدس

$
0
0

القدس – أعلنت لجنة تحكيم الجائزة العالمية للرواية العربية قائمة الكتاب الذين وصلت رواياتهم إلى القائمة القصيرة في دورتها الثانية عشرة، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقد في المسرح الوطني الفلسطيني – الحكواتي في مدينة القدس، شارك فيه أربعة من أعضاء لجنة التحكيم عبر تطبيق الاتصال بالفيديو “سكايب”، حيث تضمنت القائمة، الكتاب والروائيين هدى بركات، وكفى الزعبي، وشهلا العجيلي، وعادل عصمت، وإنعام كجه جي، ومحمد المعزوز.

وجاء الإعلان عن القائمة القصيرة من مدينة القدس في إطار النهج السنوي الذي اعتمدته الجائزة العالمية للرواية العربية باختيار مركزٍ يعبر عن المشهد الثقافي العربي كل عام لتعلن منه قائمتها القصيرة، في وقت تخطط الجائزة لعقد سلسلة من الفعاليات الثقافية في مدينتي رام الله وبيت لحم بالضفة الغربية، احتفاءً بالإبداع الأدبي الفلسطيني، بالنظر إلى وصول عدد من الكتّاب الفلسطينيين إلى القائمتين الطويلة والقصيرة في الدورات السابقة، وأبرزهم الروائيان إبراهيم نصرالله، وربعي المدهون، الفائزان بالجائزة في عامي 2018 و2017 على التوالي.

ووصلت إلى القائمة في العام 2019 ثلاث كاتبات سبق لهن الوصول إليها، من بينهن إنعام كجه جي التي ترشحت للقائمة القصيرة عامي 2009 و2014 عن روايتي “الحفيدة الأمريكية” و”طشّاري”، وشهلا العجيلي، التي وصلت إلى القائمة القصيرة عام 2016 عن رواية “سماء قريبة من بيتنا” وشاركت في ورشة الجائزة للإبداع عام 2014، وهي أصغر كتاب القائمة القصيرة سنا، بينما وصلت هدى بركات إلى القائمة الطويلة عام 2013 عن رواية “ملكوت هذه الأرض”.

وتتنافس الكاتبات على الفوز بالجائزة التي تبلغ قيمتها خمسون ألف دولار أمريكي، الكاتب المصري عادل عصمت، الحائز على جائزة نجيب محفوظ للأدب عام 2016 عن روايته السابقة “حكايات يوسف تادرس” والتي ترجمت إلى الإنجليزية، والكاتب المغربي محمد المعزوز المتخصص في الأنثربولوجيا السياسية، والروائية الأردنية كفى الزعبي التي تصل إلى القائمة القصيرة بروايتها الخامسة. من الجدير بالذكر، وصول أربعة كاتبات إلى القائمة القصيرة في هذه الدورة وللمرة الأولى في تاريخ الجائزة منذ إطلاقها عام 2008، وكانت قد وصلت كاتبتان إليها في الأعوام 2011 و2015 و2018.

وفيما يلي عناوين الروايات التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة للعام 2019، والمدرجة وفقاً للترتيب الأبجدي لأسماء الكتاب:
الناشر البلد الكاتب عنوان الرواية
دار الآداب لبنان هدى بركات بريد الليل
دار الآداب الأردن كفى الزعبي شمس بيضاء باردة
منشورات ضفاف سوريا شهلا العجيلي صيف مع العدو
الكتب خان مصر عادل عصمت الوصايا
دار الجديد العراق إنعام كجه جي النبيذة
المركز الثقافي للكتاب المغرب محمد المعزوز بأيّ ذنب رحلَت؟

وقال شرف الدين ماجدولين، رئيس لجنة التحكيم: “الروايات الست المختارة مختلفة بشكل كبير في موضوعاتها وفي أساليبها واختياراتها الجمالية، فهي تجمع ما بين الرواية العائلية، ورواية الذاكرة، وخيبة الأمل والمنفى والهجرة، كما تعكس فضاءات محلية متنوعة بالنظر إلى انتمائها لبلدان عربية شتى. إنها روايات تعكس واقعاً متبايناً ورؤى عميقة وناضجة ومؤثرة من الراهن العربي، و في الآن ذاته تقترح صيغا سردية بديعة تستجيب لطبقات مختلفة من المتلقين”.

من جانبه، قال ياسر سليمان، رئيس مجلس الأمناء: “تطلُّ علينا القائمة القصيرة لهذه الدورة بأصواتٍ أدبيةٍ تبدع في تناولها لموضوعات رواياتها، والتي يعود بعضها إلى الماضي فيستحضره بلغة تأسر الواقع وتتجاوزه؛ لترسم صورة للحنين إلى ماضي لن يعود. ويستلهم بعضها الآخر ثيماته من مآسي الحاضر المتنوعة؛ مآسي تَحطُّم الأوطان وانكسار إنسانية الإنسان أمام جبروت قوى تقضم ما يقف أمامها بلا شفقة. ويميز هذه الروايات غوايتها باللغة، وآليات سردها المتداخلة، ورواتها الذين يتداولون الأدوار في النص الواحد بأصوات متوازية متنافرة تتنازع القارئ وتجذبه إليها. ولا شكّ أن صدارة الأصوات النسائية في هذه القائمة لأول مرة في تاريخ الجائزة العربية يمنحها ريادة جديرة بالحفاوة. ومما يزيد من احتفائنا في هذه القائمة هي فرصة الإعلان عنها من القدس الشرقية، بتاريخها الثقافي العميق، والذي هيّأ لها فرصة الانخراط من موقع المنتج والمتلقي في أدبها العربي على مر العصور”.
وتعقد الجائزة العالمية للرواية العربية سلسلة من الفعاليات في فلسطين، احتفالاً بالقائمة القصيرة، بدعم من المجلس الثقافي البريطاني والمكتبة العالمية، منها حفل استقبال مساء (اليوم الثلاثاء) في مدينة القدس، وندوتان حول القائمة القصيرة والأدب الفلسطيني وترجمة الأدب العربي إلى لغات أخرى، يشارك فيهما تشانغ هونغ يي، عضو لجنة التحكيم، وياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة، وفلور مونتانارو، منسقة الجائزة، والكاتب الفلسطيني وليد الشرفا، وذلك في مركز خليل السكاكيني الثقافي في رام الله، يوم الأربعاء 6 فبراير، وفي جامعة بيت لحم، يوم الخميس 7 فبراير.

وجرى اختيار روايات القائمة القصيرة الست من بين قائمة طويلة مكونة من 16 رواية صادرة باللغة العربية بين حزيران/يونيو 2017 وتموز/يوليو 2018. ويحصل كل كاتب وصل إلى القائمة القصيرة على 10 آلاف دولار أمريكي.
الروايات المرشحة
“بريد الليل” رواية حول بشر هاربين من مصائرهم صار الصمت والعزلة والكآبة والاضطراب كونهم الجديد، وهي رواية إنسانية ذكية الحبكة توازن بين جدة التكنيك وجمال الأسلوب وراهنية الموضوع الذي تعالجه، بينما تسلط رواية “شمس بيضاء باردة” الضوء على مصادر أزمة الشباب، وتطرح مسألة الثقافة العقلية لدى النخبة في مجتمع جامد أبى أن يتغير.”الوصايا” رواية حول أجيال ذكورية، تصوّر حياة الريف المصري قبل الستينيات ثم تقدّم صورة عن التغييرات الاجتماعية الكبيرة التي طرأت عليه بتأثير الانفتاح على المدينة والسفر والتعليم. وترسم رواية “صيف مع العدو” مشاهد من حياة مدينة الرقة السورية على امتداد ثلاثة أجيال؛ فهي سيرة مدينة، ولكنها أيضا سيرة مواطنين يدفعهم سوء الواقع إلى الهجرة إلى أماكن بعيدة ولغات مختلفة، وإلى فقدان الهوية. أما رواية “بأي ذنب رحلت؟” فهي حكاية المثقفين، حكاية الخيبة التي عاشها ذلك الجيل على امتداد البلاد العربية، بل بلاد العالم الثالث، ولكنها حكاية الأمل أيضا في النهوض والبدء من جديد. وتصور رواية “النبيذة”، من خلال شخصيتين نسائيتين، أصداء حقبتين من تاريخ العراق الحديث، الملكية والجمهورية. ولا تغفل المسألة الفلسطينية التي تدخل إليها من خلال شخصية الحبيب الفلسطيني المهجر الذي يتنقل بين عواصم العالم حاملا معه ماضيه وهويته.
وفيما يلي أسماء لجنة التحكيم للعام 2019: شرف الدين ماجدولين (رئيس اللجنة)، أكاديمي وناقد مغربي مختص في الجماليات والسرديات اللفظية والبصرية والدراسات المقارنة؛ وفوزية أبو خالد، شاعرة وكاتبة وأكاديمية وباحثة سعودية في القضايا الاجتماعية والسياسية؛وزليخة أبوريشة، شاعرة وكاتبة عمود وباحثة وناشطة في قضايا المرأة وحقوق الإنسان من الأردن؛ ولطيف زيتوني، أكاديمي وناقد لبناني مختص بالسرديات؛ وتشانغ هونغ يي، أكاديمية ومترجمة وباحثة صينية.

وقد تحدّد يوم الثلاثاء 23 أبريل 2019 لإعلان اسم الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية في احتفال سيقام في أبوظبي عشيّة افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب. وكانت رواية “حرب الكلب الثانية” لإبراهيم نصرالله قد حصلت على الجائزة العالمية للرواية العربية العام الماضي.
وتضمن الجائزة تمويل ترجمات للروايات الفائزة، ومن بين الروايات الفائزة التي ترجمت السنة الماضية، رواية “مصائر، كونشرتو الهولوكوست والنكبة” لربعي المدهون الفائزة بجائزة عام 2016، والتي صدرت بالإنجليزية عن دار هوبو؛ ورواية “فرانكشتاين في بغداد” لأحمد سعداوي الفائزة بجائزة عام 2014 الصادرة بالإنجليزية عن دار وون ورلد في المملكة المتحدة ودار بنجوين في الولايات المتحدة؛ وقد ترشحت النسخة الإنجليزية للقائمة القصيرة لجائزة المان بوكر العالمية 2018. ومن بين الروايات الفائزة المتوفرة بالإنجليزية، رواية “واحة الغروب” لبهاء طاهر، و”عزازيل” ليوسف زيدان، و”ترمي بشرر” لعبده خال، و”القوس والفراشة” لمحمد الأشعري، و”ساق البامبو” لسعود السنعوسي، و”طوق الحمام” لرجاء عالم.
كما يشهد هذا العام صدور الترجمات الإنجليزية لعدد من الروايات التي وصلت إلى القائمتين الطويلة والقصيرة، منها “مديح لنساء العائلة” لمحمود شقير (القائمة القصيرة 2016) التي ترجمها بول ستاركي وتصدرها دار انترلينك وهي متوفرة الآن؛ و”الفهرست” لسنان أنطون (القائمة الطويلة 2017) التي ترجمها جوناثان رايت وتصدرها مطبعة جامعة يايل في أيار/مايو؛ و”حارس الموتى” لجورج يرق (القائمة القصيرة 2016) التي ترجمها رالف كوهن وتصدرها دار هوبو في أيار/مايو؛ و”الإسكندرية في غيمة” لإبراهيم عبد المجيد (القائمة الطويلة 2014) التي ترجمتها كي هيكينن وتصدرها دار هوبو في أيار/مايو؛ و”الخائفون” لديمة ونّوس (القائمة القصيرة 2018) التي ترجمتها أليزابث جاكيت وتصدرها دار هارفل ساكر في تموز/يوليو؛ و”السبيليات” لإسماعيل فهد إسماعيل (القائمة القصيرة 2017) التي ترجمتها سوفيا فاسيلو وتصدرها دار انترلينك في خريف 2019 تحت عنوان “العجوز والنهر”.
وتعتبر الجائزة العالمية للرواية العربية جائزة سنوية تختص بمجال الإبداع الروائي باللغة العربية، وترعى الجائزة “مؤسسة جائزة بوكر” في لندن، برعاية مالية من “دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي” في دولة الإمارات العربية المتحدة.

الرواية نت

“كهرمان”للروائي ريزان عيسى.. زمن القسوة والموت

$
0
0

صدرت حديثاً للروائي السوري الكردي ريزان عيسى رواية “كهرمان” عن دار فضاءات بالأردن.

تدور أحداث الرواية في أزمنة مختلفة، تتناول قصص الحرب، وما تتركه من ندوب عميقة في الروح والجسد، هذه الجراح لا تندمل بل تتوارثها الأجيال.
القصة المحورية هي لفتاة صغيرة تدعى مارغريت، تمّ العثور عليها وهي وحيدة قرب جثة والدتها على ضفة نهر في ديار بكر التركية، إبان المجزرة الأرمنية في العام 1915، مارغريت التي شهدت فصول المجزرة، فقدت ملكة الكلام، لتعيش سنوات صمتها في كنف عائلة كردية، لم تقوَ على تأمل ملامح البشر، أصيبت بفوبيا الوجوه، فما إن تنظر في وجهٍ آدمي حتى تعود أدراجها، حافية القدمين عارية تسير في قافلة الموت، تلفحها الشمس الحارقة، وتسوطها نظرات الناس اللذين خرجوا زرافات ليشاهدوا قوافل الموت تمر بديارهم، تنجب مارغريت طفلاً فتستعيد بعيد الولادة صوتها الذي غادرها أثناء المجزرة.

تروي لابنها تفاصيل الحكاية، فيكبر وهو يسمع القصة بلسان حال والدته ولغتها الأرمنية، فيصقلها الزمن ليطفي عليها سحر الترتيل ودهشة استحضار الماضي. تُنسى قصة مارغريت بعد أن طوت السنون صفحتها ومر عليها قرابة القرن.

نالين الكردية السورية حفيدة مارغريت، تسربت من منزلها، غادرت سوريا لتلتحق بحزب كردي ثوري يخوض حرب عصابات ضد الجيش التركي.

يقود القدر وجهتها صوب قرية جدتها، لتلتقي بالعجوز العرافة، تلك التي توحي لها بقصة جدتها مارغريت، لتنطبع الرؤية في مخيلتها كومضة حلم هجعت في ركن من الذاكرة.
في جبال كردستان الوعرة تلتقي نالين بفتاة ألمانية تدعى كلارا، تركت حياتها الهانئة في ألمانيا والتحقت بالثوار الأكراد.

مدينة كونينغسبيرغ /كالينينغراد/ الألمانية الروسية مسقط راس كلارا وأمها غابريلا، الأم التي اختبرت ألم الفقد أثناء الحرب العالمية الثانية، فصدرت قلقها الوجودي وحزنها لابنتها.

كلارا التي درست الدراما وعشقت مسرح العبث، فسلبت المنصة منها ملامحها الحقيقية وأعطتها ملامح أدائية، فقادها الهيام بالأدوار المسرحية صوب وجهة عبثية، لتعيش مغامرة خطرة في تلك الجبال النائية في تركيا.

رواية “كهرمان” قصة أناس اختبروا زمن الحرب، زمن القسوة والموت، فكانوا أشبه بحجر الكهرمان، احتفظوا بأحجية الزمن الوحشي داخلهم، فصعب عليهم الخروج من إساره.

نبذة عن المؤلف:

يشار إلى أن الكاتب ريزان عيسى من مواليد الدرباسية التابعة لمحافظة الحسكة السورية في العام 1973، عاش في مدينة دمشق، درس فيها المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية. التحق بجامعة دمشق، كلية الحقوق، حصل على الإجازة في القانون العام 2000 . عمل في القطاع المصرفي لعشر سنوات كمصرفي وقانوني. غادر دمشق العام 2012 ، مقيم الآن مع أسرته في ألمانيا منذ سنوات.

رواية “كهرمان” هي تجربته الأولى في حقل الكتابة، كتب سابقا بعض القصص القصيرة لكنه لم ينشرها في كتاب.

الرواية نت


رواية “الشاعر”لسهام العريشي.. تتغلغل في النفس البشرية

$
0
0

صدر حديثًا عن نادي جازان الأدبي والدار العربية للعلوم ناشرون الرواية الأولى للأديبة السعودية سهام العريشي، والتي تحمل عنوان “الشاعر”، وتقع الرواية في ١٧٦ صفحة من القطع المتوسط. وتؤشر إسقاطات العنوان على الفضاءات المحتملة التي يفتحها السرد ولا بد من تأويلها وإكمالها في إطار زمني ومكاني متعدد ومنفتح على أكثر من جهة.

وتنشغل رواية “الشاعر” بالطبيعة الإنسانية وتتعمق داخل النفس البشرية المعرّضة لسطوة الوهم والتطرّف في الارتدادات النفسية والعاطفية للمرأة حيث تمثّل “عهد” الرمز الذي تعالج خلاله فكرة الغيرة والغضب والتعاطف والخذلان والهوس، بالتناظر مع الشاعر الذي يمثّل الكفة المتزنة والمتصالحة والمؤمنة بالحبّ في أعلى درجاته الروحية.

عبر هذا الفضاء المتداخل يتم تظهير الأحداث في مجرى سردي لا ينتهي بل يتجدد ويستأنف لاستكمال باقي حلقات الحكاية ومن خلاله يتم وصف المطبّات النفسية والتطرفات العاطفية التي تمرّ بها البطلة في حركة دائبة بين الحاضر والماضي والمستقبل المتوقع.

وقد وصف الدكتور والناقد حسن حجاب الحازمي هذه الرواية بأنها “رواية كُتبت بهاجس تجريبي مُلّح, وبعمق فلسفي لا يفتأ يطرح الأسئلة, وبإحساس واضح بهاجس الزمن وسيولته المحيّرة, وبلغة فاتنة لا تسمح للمتلقي بالاسترخاء.”

من الرواية:

“عزيزتي الفتاة .. الأمر ببساطة أنني أريد معرفة الكثير عنكِ. قد تظنين أنني ألحّ في أن أعرف أنك أقل جمالاً وجاذبية وأقل حبا له. كلا. ليس هذا ما يهمنّي الآن. يهمني فقط أن أعرف كيف يتشكّل حضورك الذهني في ذاكرته. لا يؤلمني حضورك في ذاكرته، يمكنني أن أتصالح مع المصادفات الذهنية التي تحدث في ذاكرة رجل في الأربعين من عمره. ما يؤلمني حقاً هو كيفية هذا الحضور الآني لسنواتٍ كثيرة تتجمع على هيئة لحظة واحدة عابرة. لحظة واحدة تحمل سطوة زمنٍ كامل. تستطيعين تشبيهه بشعور خافalت لكنه يتمتع بنوع من الغلبة. هكذا هو حضورك الذي لا أحبه. لا أعرف أيها أقسى عليك, لكني سأفترض أن الموتى لا ينزعجون من شيء ولا يشعرون بشيء. ولذلك ستسمحين لي بالتمادي في الحديث عن أمرٍ يخصك.. في منحك إياه بكلمة, وفي سلبك إياه بكلمة أخرى. لا أدري ما إن كنتُ أستطيع حقاً أن أحرمكِ من حقيقةٍ كنتِ عليها يوما ما. حتى الموت لا يمكنه فعل ذلك. الموت يغيّبنا عن الحضور الفيزيائي المحض, لكنه لا يستطيع أن يلغي الأثر الكوني الذي فعلناه. فعلناه لغيرنا أو فعلوه لنا. لا يمكن للموتِ مثلاً أن يلغي حقيقة أنكِ أحببته مثلي, أو أنه أحبكِ مثلما يحبني الآن. لو كانت تلك هي الحقيقة, ولو كان الموتُ عاجزاً حقاً عن محوها, فما فائدة أن أحيلكِ إلى جثة هامدة في عقلي وحيّة في قلبه؟

سهام العريشي:

أديبة ومترجمة سعودية. حاصلة على ماجستير أدب إنجليزي، تخصص أدب أمريكي حديث من جامعة إنديانا بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام ٢٠١٤. وتشغل وظيفة محاضرة ورئيسة قسم اللغة الإنجليزية بجامعة جازان. أصدرت “تشبه رائحة أمي .. تشبه شجر الجنة” عن الدار العربية للعلوم ونادي جازان الأدبي وهي مجموعة قصصية حازت بها على جائزة جازان للتفوق والإبداع ٢٠١٥ في فرع الإبداع الأدبي. كما صدر لها “إلا الثواني الخالدة” وهي مجموعة شعرية عن الدار العربية للعلوم ناشرون. حصلت على جائزة راشد بن حميد للثقافة والعلوم في فرع الإبداع الأدبي ، الشعر الحديث ٢٠١٧. لها العديد من المقالات والنصوص المترجمة في الصحف السعودية مثل جريدة الحياة، عكاظ، الوطن، والجزيرة الثقافية.

محمود الورداني يستدعي التاريخ في “باب الخيمة”

$
0
0

الاتكاء على السيرة الذاتية في بناء عالم روائي متماسك ليس غريبا علي الروائي محمود الورداني فمنذ روايته الأولى/ السير في الحديقة ليلاً / والنجوم عالية/ ورائحة البرتقال وغيرها، وهي جوهر أساس وعمود فقري، ولكن يظل التخييل والحرفة عاملاً مهما، فكل الأحداث ليست ملتصقة بالكاتب، فهو يقدم خلطة خاصة به، مع استدعاء التاريخ بشكل مباشر كما في أوان القطان/ أو في شكل حلم كما ظهر أخير في روايته ” باب الخيمة ” الصادرة حديثاً عن دار العين للنشر والتوزيع.

كشف الورداني في روايته عن الملف الأسود لمهنة الصحافة، في ظل دكتاتورية عسكرية فاشية، استطاعت بالعصا والجزرة أن تسيطر علي الصحافة وتجعل الصحف مجرد منشورات يحررها صحافيون أقرب لموظفي الشؤون المعنوية، يقتحم الورداني هذا العالم، من خلال عالم المكاتب الصحافية والوكالات وصحف الحكومة، وركز بشكل خاص علي التحرير الثقافي من خلال مجلة المستقبل الذي عمل فيها جل عمره المهني، وقد وزع الأحداث من خلال ثلاث شخوص رئيسية لم يهتم فيها لا باستبطان مشاعرهم، أو دوافعهم، أو الأسباب التي أوصلتهم لهذا التحلل والفساد الأخلاقي، كان همه بالأساس برأيي هو التعبير عن فضاء عام أسود وقامع من خلال وقائع وأحداث مباشرة، وهم/ بالترتيب/ الراوي/ جمال الصاوي/ ويوسف مطاوع رئيس تحرير المستقبل الثقافية والمقرب من الأجهزة الأمنية والشاعر عبدالرحمن سبعاوي الشاعر الثوري، ورغم أن ملامح الشخوص الثلاثة تشير لشخوص محددة ومعروفة في الواقع لمن يتابع المشهد الثقافي، إلا أنهم مجرد تمثيل لفضاء أسود لمهنة كان من المفروض أن تكون مهنة الدفاع عن الحريات، وحقوق الانسان العدالة وسيادة القانون إلي اداة تزييف، وتلاعب بوعي الجماهير، وسوط في قبضة وزارة الداخلية، وكل الوقائع وأكثر الذي أشار إليها الورداني معروفة بين المثقفين، ولكن عندما تأتي من صحافي وروائي يعمل داخل مطبخ جريدة ثقافية تساهم بقوة في تشكيل المشهد الأسود والذي استبيحت فيه الثقافة والصحافة معاً من خلال يوسف مطاوع، الكاتب والمخبر والسلطوي والموظف التعس الذي وظف المكان لصالح صناعة اسطورته الشخصية علي كل القيم والمبادئ، والأخلاق وتحول كل سطر لمادة يستفيد منها بداية من الأميرة الكويتية وعلاقته السرية الغامضة معها، وكيف كان يفرد لها الصفحات لنشر شعرها الأجوف، والتي بدأت مع احتلال العراق للكويت والتي كشف مؤخرا عن علاقتها بالمخابرات الأمريكية، أو تكوين لوبي ومافيا وشبكة بغاء لتبادل المنافع والهبات والمنح والعطايا والجوائز التي تقدم في العالم العربي، ولم يترك واحدة منها سواء مع النظم القومية الفاشية/ العراق/ سوريا/ اليمن/ليبيا/ جمهوريات الدم.. أو النظام البوليسي في الداخل، ويغازل إسرائيل، فكل شيء مبرر، وكل شيء قابل للامتصاص، والغريب رغم كل ذلك يبدل أقنعته بسهولة ويسر، وهذه النفسيات هي بيئة صالحة للاستخدام من أجهزة الأمن، وقد نجح بالفعل في السيطرة علي المشهد، فلم يمر كاتب أو شاعر إلا من خلال رضاه السامي، ويجب في كل الأحوال أن يحقق جزءا ما أو ضريبة لصالح شياطينه، أما الفتات فيتركها للثعالب الصغيرة المجرمة، التي رباها بمعرفته وحولهم إلي مسوخ بشرية، وكبرهم في المكان في حدود المسموح به، وتم تسكينهم أو تأمين حياتهم المادية من خلال أبواب سرية، مشاعة بين المثقفين، جائزة من الأمارات، سفرية لألمانيا، مستشار صحافي في سفارة، مراسل صحافي لجريدة عربية، كتاب في مهرجان القراءة للجميع، علاقات مع دوائر لصناعة نجم بائس، وكم من هؤلاء النجوم خرج من جريدة المستقبل، ولم يعد أحد يعرف عنه شيء رغم أنه كان ملأ السمع والبصر، ومن خرج عليه أو كبر أكثر من المسموح يفرمه.

يصف الراوي الوضع في المجلة “مجلة بنت قحبة والمؤسسة بكاملها بنت قحبة والأجر علي الله يا رجل. ثم يتردد قائلا لنفسه: الحقيقة أن الأجر ليس علي الله في هذه الأيام، ومطاوع وأمثاله” كومبينه كبيرة، ليس من السهل الإفلات منها، شبكة تمتد وتمتد خيوطها الخفية والعلنية في الصحف الحكومية، والمكاتب الصحافية والوكالات والدكاكين الصغيرة والكبيرة ومبني ماسبيرو بمشتملاته ومراسلي الإذاعات وقنوات التليفزيون ومندوبي الصحافة الأجنبية.”

ملف أسود لذلك مع آخرين وتم حذف وإقصاء كل الموهوبين والمعارضين للسلطة بشكل جوهري، وطفي كل الخرتية والسماسرة والخدامين، والمرتزقة”

الراوي وهو شخصية إنسانية ودراميه بامتياز ممزق بين عالمين عالم المبادئ والقيم وعالم السبوبة وأكل العيش، هذه المراوحة جعلته يعيش في المنطقة الرمادية، لا هو فاسد حتى النخاع، ولا هو نزيه، إنّه حالة مأساوية مرعبة لذلك تنتهي حياته بسيل من التنازلات حيث قبل الذهاب للعراق جمهورية الدم لحضور مهرجان المربد، وهو يعرف كيف يحكم صدام العراق بالحديد والدم/ ثم بعد ذلك يقبل بالسفر لليبيا في عهد القذافي اللعين وجمهورية الخزعبلات، وانهيار علاقته الزوجية والاستغراق في غيبوبة الحشيش، وهو الداعم الكبير ليوسف مطاوع في تزييف الوعي واستهلالك المثقفين في قضايا وحيل وألاعيب حواة، أما القضايا المهمة بالفعل وهو دور المثقف في التصدي للإرهاب وهذا الدور مهم ومنوط بالمثقف الحقيقي ولكن الدولة استعملت المثقف بطريقة غاية في الخسة، فدوره وظيفي في مقابل رشي من أبواب محددة ومعروفه هندستها وزارة الثقافة ،حتى تحول لخادم ومرتزق بأجر، يعرف بالضبط ما يريده النظام ، هل هو فاسد بالفطرة، بالتأكيد لا ولكن أفسد ماذا يفعل شاب في بواكير حياته وهو يري سقوط الأب/ واستسلامه وتخليه عن أفكاره لصالح الفاشية العسكري من أجل بناء وهمي اشتراكي، ورغم تبريرات الشاعر الثوري عبدالرحمن سبعاوي لقرار الأب لكن في النهاية/ عندما يسقط الرمز يحصل خلل ما في الروح، فماذا وهو أينما يول وجهه يجد سقوط اقنعة كان يراها في السماء، ثم وجدها تعوم في مستنقع خراء، ماذا يفعل وقد انخرط في منظمة شيوعية سرية ويحلم بالتغير الشامل والثوري ثم يجد نفسه في العراء، وقد تم حل المنظمة دون أن يعرف لماذا؟ ولكنه كان يشتم في الفضاء رائحه كريهة تخرج من الدائرة الصغيرة للجنة المركزية، الموكلة باتخاذ القرارات تحت حجج وهمية وصراع دينكشوتي. ماذا يفعل ولم يجد عملاً مناسباً، وتم استهلاكه في المكاتب الصحافية لجرائد لبنانية وعراقية والوكالات من خلال أعمل سطحية جوفاء، وفبركات وكذب وتشوية، حتى وصفها توفيق الشيخ بخدمة البيوت حتى عندما لقد سقطت الأقنعة وتعري المثقفون في رقصة استربتيز أمام من يدفع وهذا لا يعني أنه بري أبدا، ولكن في النهاية هناك حد ما منطقة ما لم يستطع أن يتجاوزها

الشخصية الثالثة في منظومة الخراب وهو الشاعر والثوري والمناضل الأكثر راديكالية والذي كتب للثورة والعدل والحرية والعمال والفلاحين، والنكرات في أهلنا المحروسة، والسجين السياسي في عهد عبد الناصر والسادات والذي هرب إلي العراق ليظل هناك ثلاث سنوات في الدولة الكثر عنف وطغيان تجاه شعبه، والمعادي بعنف للحرية وحق الأنسان في التنفس والعدل، كيف تواتيه الجرأة على البيع، ويصمت وهو يرى بعينه أصدقاءه يختفون في أقبية السجون، ويتم قتلهم بعد ذلك، ثلاث سنوات صمت وهو الرمز والقدوة ثم ينتقل بعد ذلك لجمهورية الموز، جمهورية القذافي ليظل هناك ثم يعود ليكون في كنف رجل أعمال فاسد واقتصادي بني إمبراطورتيه المليارية من علاقة فساد مع السلطة المستبدة، حتى بعد أن تورط هذا المليونير في قضية تجسس، تصرف وكانه لم يحدث شيء، المشكلة ليست هنا المشكلة الأكبر أنه ظل وكأن شيئا لم يحدث، وكأنه لم يخن الجماهير العريضة التي تحبه، وظل يخرج في الأعلام يلقي قصائده الثورية ويتصرف كثائر جموح، ثم يضيف إلى جرائمه تسويغ الفساد وإغراء الراوي كنموذج دال علي الذهاب لمقابلة القذافي في خيمته الشهيرة وإجراء حوار معه لجريدة المستقبل.

“طيب ما دام راضي ياعم سبعاوي ومبسوط مني ..إيه رأيك بلاش مقابلة القذافي الله يخليك”

“تاني.. يا ابني إنت صحافي.. يعني مهمتك تعمل شغلك مع الجن الأزرق.. إنت ما تعلمتش صحافة؟.. لمّا تعمل مقابلة مع واحد مش معناه إنك موافق على كلامه؟..

ثم عندما يقرر الراوي الهرب دون علم الشاعر يفاجئ به يقابله ويقول له:

“أنا عرفت.. وسليمان صالح قال لي الصبح. أنا راجل عميل للمخابرات الليبية زيّ ما انت عارف! إزاي حاجة زي دي تفوت عليّ.. العموم انت حر.. مفيش مشكلة وانا مش حقول لأي حد.. ولا حتى المخابرات الليبية.

والحقيقة عنوان الرواية ” باب الخيمة” وان كان يشير بشكل مباشر لخيمة القذافي لكنها واسعة الدلالة وهي تشير إلى مظلة متسعة بطول وعرض الوطن العربي من القاهرة إلى العراق إلي ليبيا، خيمة سوداء أصبحت رمزا للتخلف والجهل والعنف والاجرام وسرقة أموال و أحلام الشعوب وإهدار كل قيمة أو رغبة في الحرية والانعتاق.

المكان في الرواية يراوح، ما بين تجاهل مكان العمل أو وصفة بشكل محايد، أو حميمي ودافئ وملطوش بالنستولوجيا، مثل شوارع شبرا و الشقة التي يسكنها رغم الخلافات الجوهرة مع زوجته، أو طارد وقاتم للروح كما في الفندق في ليبيا ومتاهة..

وكما هى عادة الورداني باستدعاء التاريخ في معظم أعماله، هنا أيضاً عاد ليقتطع مشهدا عن تجارة الرقيق في القاهرة قبل 100 عام مستندا على كتاب دكتور عبدالوهاب بكر، وكأنها عملية موازية بين البغاء الصحفي والبغاء الجنسي وفيه يسرد حياة كبير القوادين إبراهيم الغربي، وهو مخنث نوبي من قرية “كرسكو” بأسوان، ووالده كان يشتغل بتجارة الرقيق. جاء إبراهيم الغربي للقاهرة سنة 1890 وافتتح بيتاً للبغاء الرسمي بشارع وابور المياه ببولاق، ثم استأجر بيتاً في الازبكيه لتشغيل المومسات وألحقه بمقهى خصصه للرقصات الخليعة مثل النحلة وغيرها، وما هي إلا سنوات حتى صار الغربي ملكاً متوجاً على عالم البغاء في القاهرة، وملك أكثر من عشرين بيتاً في الازبكية وغيرها، وتمتع بسلطات واسعة وعلاقات وطيدة بكبار المسؤولين، وكان مسؤولو أمن القاهرة يرتعبون منه، وكان بعضهم يعمل في خدمته. والغربي كان أسمراً وطويلاً وملياناً، ومن عاداته ارتداء ملابس نسائية، وقد وصفه رسل باشا نائب حكمدار القاهرة وألد اعدائه قائلاً “نوبي ضخم الجثة، كان يشاهد كل مساء جالساً على مقعد خارج أحد منازله بشارع عبد الخلق واضعاً ساقاً على أخرى مرتدياً ملابس النساء ومنقب بنقاب أبيض، كان هذا الفاسد الكريه يجلس كالصنم الأبنوس الصامت، وعادة يخرج يداً مرصعة بالمجوهرات ليقبّلها أحد المارة من المعجبين، وكان له سلطة مذهلة في البلاد، إذ أن نفوذه امتد من الدعارة الى محيط السياسة والمجتمع الراقي، وكان شراء وبيع النساء في طول البلاد وعرضها في يده”.

مزج محمود الورداني بين اللهجة العامية المصرية و الفصيحة و التقريرية، في سبيكة لينة ثرية، تعبر عن المطلوب بالضبط بعيدا عن الترهل أو التقشف المبتسر، لغة الورداني مثالية منذ عمله الروائي الأول الفاتن” السير في الحديقة ليلاً” لغة مسكونة بالشعر، غلالة شفافة ونقية، تساهم بقوة في الاستمرار بالقراءة.

“لعلها مزحة”للإماراتية صالحة عبيد.. تنويعات على مفردات الجرح والتلاشي

$
0
0

عن دار المتوسط صدرت للكاتبة الإماراتية صالحة عبيد روايتها الأولى «لعلّها مزحة»، بعد ثلاثة مجموعات قصصية قصيرة.

استهلت الكاتبة روايتها بتنويه بأن هذه الرواية وشخوصها من المخيلة، وأي تقاطع مع الأحداث الواقعية متأتٍ من رغبة الكاتبة لخلق ذاكرة موازية.

هكذا ندخل عوالم الرواية بفضول زودنا به هذا التنويه، سوف يكتشف القارئ بعد حين أن التنويه ليس إلا توكيداً لأحداث وشخوص تنتمي تماماً إلى الواقع، بل إن هذه الرواية بلا إفراطات خيالية من أي نوع، وإن كان فإنها تنتسب إلى الشخوص وترويها بأسلوبهم الخاص، وهي تدمج كل طرائق القول والفعل لتعبر بصدق عن كلية الواقع.

تتميز الرواية بتعدد الأبطال والأزمنة السردية والأماكن. وهي تستقصي الزمن، ماضي الشخوص الذي لا يمكن القبض عليه وتغيره، لكن استذكاره محاولة لحل اللغز، وهو تيمة الرواية الأساسية، لغز العين الواحدة لمسلّم، ولغز عيني خاطر الرائيتين واللتان لا يُعرف لهما لون، ولغز لوحة «العمى» للفنان النمساوي إيغون شيله. لكن هناك ألغازاً استطرادية جانبية لعلّها تكثف حضور لغز العين المفقودة، مثل لغز الجفاف والدمع والعطش والتواري.

قُسمت الرواية إلى 15 باباً وعُنونَ كل باب منها بعنوان هو تنويع حاذق لمفردة الجرح والتلاشي، وهكذا جاءت عناوين الأبواب: «الخدش، الشق، التمزق، النزف، التهشم، التهاوي، التلف…».

في باب «الخدش»، تطالعنا مفردة «موت» في السطر الأول، موت الجدة تحديداً، الجدات اللواتي كنّ يفترشن أبواب البيوت للتطلع نحو البحر، ينقرضن تباعاً تمهيداً لأجيال وحياة جديدة، زمن الروي وهو منتصف عقد تسعينات القرن الماضي، والراوية «ميرة» تستذكر طفولتها وسؤالها الذي سيكون عقدة الرواية. إن ماضي ميرة وكل الأحداث والشخوص الذين عايشتهم ما زال كامناً فيها، وإن استحضاره بسرده بالتفصيل وكأنها تعيد أحداثه، وتعيد التأمل في الماضي القريب ببصيرة واعية. البحر سيكون المكان المهيمن على أجواء هذه الرواية، وكأن اليابسة خرجت منه كخطيئة: «البحر الذي مزق القلوب وزرع الانتظارات مراراً دون أن يحصدها» ص24. فصول هذا الباب الثلاثة، تشعرنا بأنها كُتبتْ بتقنية القصة القصيرة التي تجيدها الكاتبة، ويمكن أنّ تُقرأ فصولاً منفصلة.

وفي باب «الشق»، تنقلنا الكاتبة إلى عام 1967 تحديداً، فنعود مع «مسلّم» الشخصية المحورية في الرواية، إلى طفولته وذكريات عالم الغوص وما يراكمه البحر من انتظارات وفواجع وطقوس، مسلّم يستعيد ذكرياته في نهاية زمن البحث عن اللؤلؤ الأبيض وبداية زمن البحث عن اللؤلؤ الأسود، كأن نهاية الحقبة تضفي على الماضي كلّية وإشراقاً، بينما يقف في يومه الأول شرطياً محترفاً في شرطة الشارقة.

في باب «التهتك» نعود إلى أحد أحياء الشارقة في نهاية القرن العشرين، مع الطفلين ميرة ومطرفي استعادة لطفولتهما المشتركة وطقوس رمضان وانتظارهما معاً باص المدرسة، الكاتبة تبرع في تكثيف أسئلة الطفلة «ميرة» ومحاولة حلّها لغز العين المشقوقة للعم «مسلّم»، هي ما تنفك تسأل نفسها والآخرين في محاولة للفهم، التي ستستمر حتى آخر صفحة. إن الطابع المعقد للفعل الإنساني هو أحد اكتشافات الرواية الحديثة، وفي هذه الرواية يكون السؤال هو الفعل المهيمن: «هل هناك من ماء آخر، غير الذي يعرفونه، قد يروي عطش الروح» ص44. تفهم ميرة عالمها المحيط بوصفه ألغازاً متراكمة، وهي تكبر وتعيد اكتشاف ذاتها وبيئتها عبر السؤال: «لماذا هذا الرجل بهذه الدمامة؟ ولماذا ذهب مطر إلى بيت آخر؟ وأين والدة مطر؟ وما يعني بقاء رائحة الجدة في غرفتها بعد موتها؟»، ونبدأ بالكشف التدريجي النسبي لهذه الألغاز مع ميرة، بدل من مواجهة الحقيقة مرة واحدة، كأن الكاتبة تسقط علينا براءة ميرة وأسئلتها، وهذا الكشف النسبي سيتم بعد ذلك عبر شخصيات الرواية مثل «هلال» الذي سنتعرف على جزء من ذاكرته في باب «الرماد»، حيث الشارقة بين عام «1920 – 1969». هلال عم مسلّم ومن خلاله نتعرف على طقوس الغوص وأدواته وضعف البصر والعمى الذي يصيب الغواصين، و«السيّب»، وهو الشخص المسؤول عن رفع الغواص بسرعة كبيرة بواسطة حبل يربط في عنقه، ومن الطرف الآخر يُلف في خصر الغواص وهو في البحر. هلال المسجون بضآلة جسده وبعقدة الذنب؛ لأن غفلته سببتْ موت أخيه الغواص «إبراهيم»، وسبب جمر سيجارته في موت عائلته حرقاً، لكنه بعد مواجهة الموت، أدرك جيداً صلته بالحياة وتشبث بها.

يأخذنا الزمن السردي في باب «الاضمحلال» إلى الشارقة في بداية القرن الواحد والعشرين والتحول الذي يطرأ على عادات الناس بفعل الحداثة الرقمية. المواعيد الإلكترونية بدل الرفقة الإنسانية، التغيّرات في البنية العمرانية والاجتماعية في المجتمع الإماراتي، وأيضاً تفجيرات نيويورك خلفيةً للأحداث ومحفزاً آخر لزيادة وتيرة أسئلة الفتاة المراهقة «ميرة» وشعورها بالوحدة بعد أن انتقلت من الحي القديم المحاذي للبحر إلى الحي الحديث، ومعرفتها الافتراضية بـ«مسلّم» الآخر وتفتح وعيّها على الثقافة. كل فصول هذا الباب تنتهي بسؤال، وهو فعل الرواية الأساسي كما أسلفت.

اختيار الكاتبة سنة 2003، وهو عام الاحتلال الأميركي للعراق والنيران التي أشعلت ليل بغداد، وهو التاريخ الذي يتم اغتصاب مطر فيه، من قبل عامل آسيوي مجهول، لم يكن من باب المصادفة طبعاً. الكاتبة امتلكتْ ناصية الأمور في مجمل أحداث الرواية، وكان لها رؤية دقيقة حول ما تريد تضمينه في النسيج السردي الذي غلب عليه طابع الديناميكية واستخدام الأفعال بدل الوصف السردي، والجمل القصيرة واللغة الحركية التي تقترب من الرمز والشعرية، لكنها تحافظ على سلاسة الوضوح والانسياب. كقراء، شهدنا بداية علاقة ميرة العاطفية بـ«مسلّم» الآخر، الشاب الذي تعرّفتْ عليه في زمن سيولة العلاقات الافتراضية، وشهدنا نهاية العلاقة التي ظلتْ من دون تفاصيل كثيرة؛ لأن التفاصيل ستكون مكررة كما في كل العلاقات، أبحرت البطلة بعيداً عن واقعها واختارت رجلاً فرنسياً شريكاً لحياتها.تنسل كل شخصية من عقل الكاتبة لتؤدي دورها بدقة في الرواية؛ فهي تراقب وتفرح وتحزن وتموت كما في شخصيات «خديّة، نجلاء، جواهر». والكاتبة تنجح في خلق تواطؤ بينها وبين القارئ بعيداً عن شخصيات الرواية، فحينما تعجز ميرة عن حلّ لغز العين المطفأة لمسلّم، يتعرف القارئ مبكراً على الحلّ، مثلما يموت هلال ولغز اختفاء زوجته وابنه بلا حلّ. هذه رواية تمنح القارئ إحساس بأنه عايش تلك الأحداث فعلاً وهي لا تنفك عن تذكير الفن الروائي بمسؤوليته أمام متغيرات الواقع.

عن صحيفة الشرق الأوسط

ثلاث عراقيّين ضمن المتوّجين بجائزة الطيّب صالح

$
0
0

أعلنت في الخرطوم نتائج جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها التاسعة؛ حيث تُوِّجَ الأديب العراقي حسن النواب في المركز الأول عن روايته “ضحكة الكوكوبارا” بين 306 رواية من 26 دولة اشتركت في المسابقة؛ وهي المرة الأولى التي تفوز رواية عراقية في جائزة الطيب؛ على مدى تسع دورات؛ وحصد الأديب العراقي علي حسين عبيد على المركز الأول أيضا؛ في مجال القصص القصيرة عن مجموعته القصصية “لغة الأرض”؛ بين 266 مجموعة قصصية؛ وفاز الناقد العراقي الدكتور محمد صابر عبيد في المركز الثالث في مجال النقد؛ وسيتم دعوة الفائزين الثلاثة إلى الخرطوم عند استقرار الأوضاع.

وأعلنت لجنة أمناء جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي أسماء الفائزين بالجائزة في دورتها التاسعة التي شاركت فيها 26 دولة بما يقدر بــ 568 عملاً في محاورها الثلاثة. وعلى غير العادة تم الإعلان عن الفائزين عبر مؤتمر صحفي حضره عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الأدبي بينما تغيب عن حضوره الفائزين من خارج السودان لأول مرة منذ بداية الجائزة. وفي محور الرواية فاز بالجائزة الأولى الكاتب العراقي حسن النواب عن روايته “ضحكة الكوكوبارا”؛ فيما فازت بالجائزة الثانية الكاتبة المصرية دعاء جمال فهيم عن روايتها “زهرة الأندلس”؛ أما الجائزة الثالثة فقد فاز بها الكاتب السوداني مهند الدابي عن روايته “وقائع جبل موية”. أما في محور القصة القصيرة فقد فاز بالجائزة الأولى القاص العراقي علي حسين عبيد عن مجموعته القصصية “لغة الأرض” فيما فاز بالجائزة الثانية الكاتب المغربي عبد الرحيم سليلي عن مجموعته القصصية “أضغاث أحلام” أما الجائزة الثالثة فقد فاز بها القاص السوداني نادر جني عن مجموعته القصصية “وجوه خارج الصورة”. وفي مجال الدراسات النقدية فاز بالمركز الأول الكاتب المصري محمد محمود حسين عن دراسته (المجتمعات الافتراضية وتحولات الأنا الأنثوية) أما الجائزة الثانية فقد فاز بها الكاتب السوري مازن أكثم عن دراسته (انزياح أساليب الوجود في الكتابة الإبداعية بين مطابقات العولمة واختلافاتها) أما الجائزة الثالثة فقد فاز بها الكاتب العراقي محمد صابر عبيد عن دراسته (استراتيجية العولمة الثقافية – بعثرة المعنى وانكسار النسق الأدبي).

وقال بروفيسور علي شمو رئيس مجلس أمناء الجائزة لـ (للزمان): “إنَّ إعلان الفائزين جاء بهذه الطريقة (مؤتمر صحفي) نتيجة للظروف التي تمر بها البلاد، وهذا ليس بديلاً للاحتفال المتعارف عليه، وسيحدد موعد الاحتفال فيما بعد وتصاحبه الأعمال المشاركة. وأوضح شمو أنَّ غياب الفائزين من بقية الدول كان بسبب الظروف التي تمر بها البلاد، ونتيجة للظروف التي لا تخفى على أحد منكم تمَّ تأجيل الندوة العلمية لوقت لاحق؛ مضيفاً أنَّ مجلس أمناء الجائزة وشركة زين راعي الجائزة اتفقا على قيام مؤسسة ثابتة لها مقر ترعى الجائزة بدلاً عن مجلس الأمناء المؤقت. وتم خلال المؤتمر تكريم شخصية العام للجائزة، البروفيسور قاسم عثمان نور، عميد المكتبات في جامعة جوبا، وذلك لإسهامه في الحركة الأدبية والثقافية في السودان. الجدير بالذكر أنَّ الجائزة خلال مسيرتها شاركت فيها خمس قارات بـ 4024 عملاً.

الرواية نت

“باص أخضر يغادر حلب”لجان دوست

$
0
0

صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، رواية جديدة للقاص والروائي السوري جان دوست، وجاءت بعنوان “باص أخضر يغادر حلب”. وفي هذا الباص، ومن مقعده يتمعن عبود العجيلي (أبو ليلى) بالمدنيين نساء ورجالاً وأطفالاً، وهم يتقاطرون من الأحياء الشرقية ليستقلوا باصات الإخلاء حسب اتفاق النظام والمعارضة. وخلال تأمله حركة النازحين تلك، يتذكَّر كيف مزّقت الحرب عائلته، من مقتل حفيدته تحت القصف، إلى مقتل زوجته في المستشفى، ثمَّ التحاق أحد أبنائه بالمعارضة، الذي أعاده لتذكّر ابنه الآخر، الجندي في جيش النظام السوري، الذي قتل أثناء حرب المخيّمات في بيروت منتصف الثمانينيات، وثمّ لجوء ابن آخر له إلى أوروبا، ومحنة ابنته الوحيدة ليلى زوجة الطبيب الجراح فرهاد الذي يخطفه عناصر داعش.

مع انطلاق الباص تحدث أمور غريبة، غير أن العجوز لا يأبه بشيء، يظلُّ يمتعّن في مجموعة من الصور جلبها من بيته الذي نهبه اللصوص وخلال هذه الصور نتعرّف أكثر على الأحداث التي مرَّت على حلب وعلى أصحاب الصور.

الرواية هذه انتصار للإنسان المدني وانحياز لأوجاعه الشخصية الخاصة، وهي من جانب آخر إدانة للحروب ورثاء للأبرياء الذين يموتون في حرب لا يملكون خيار الخلاص منها.

من الكتاب:

كان الباص يسير من دون سائق، شكّ في أمر عينَيْه، فركهما من جديد، أطبق جفنَيْه لبضع ثوانٍ، ثمّ فتحهما، فلم يجد أثراً للسائق.

التفت إلى يمينه، ليتأكد من أنَّ الباص يسير، فازداد رعباً حين رأى أن نافذة الباص تحوّلت إلى مرآة كبيرة. دقّق في وجهه، فلم يجد ملامحه. كان وجهه خالياً من الأنف والفم والعينَيْن. فقد (أبو ليلى) وجهه. مدَّ يده بخوف إلى أنفه وفمه، ثمّ عينَيْه، فوجد كلَّ شيء في مكانه. عاد للتحديق في النافذة، فتكرَّر الأمر: وجهه سطحٌ مستوٍ بلا ملامح، كأنه نصف بطّيخة. خفق قلبه بعنف حتّى سمع دقّاته، وكاد ينخلع من صدره. نظر مرّة أخرى إلى جهة السائق، فلم يجد أحداً.

شعر بجسمه ثقيلاً متخشّباً ملتصقاً بالمقعد، لا يستطيع أن يبارحه. لم يُصدِّق ما رأتْه عيناه. حتّى نظر إلى جهة السائق.

غير معقول ما يحدث هنا. خلِّصني يا ربّ.

جان دوست:

قاص وروائي ومترجم سوري، ولد في مدينة عين العرب (كوباني) سنة 1965، أول أعماله الأدبية كتاب “شعر وشعراء: قصائد مترجمة من الشعر الكردي القديم والمعاصر” صدر عام 1991، ثم تتابعت الكتب، والدراسات، والترجمات، والروايات، إلى جانب الانشغال بالكتابة الأدبية والبحث، من رواياته: “ميرنامه”، 2011. “دم على المئذنة”، 2014. “ثلاث خطوات إلى المشنقة”، 2017. “كوباني ــ الفاجعة والربع”، (الصادرة عن دار ميسكيلياني 2018). هاجر إلى أوروبا ليستقر في ألمانيا كلاجئ سياسي. يعمل منذ سنوات في ألمانيا في مجال الترجمة لدى دائرة الهجرة وفي معسكرات اللجوء. حاز على جوائز عدَّة في مجال الكتابة الروائية والأدبية.

الرواية نت

هل تمكنت الرواية العربية من هدم “جدار”العالمية؟

$
0
0

قد يكون الروائي المصري علاء الأسواني من أوفر الروائيين العرب حظاً فيما يخص “العالمية”، فهو بات من أشدهم رواجاً في ميدان الترجمة والشهرة خارج تخوم اللغة العربية، وهو غالباً ما يدعى إلى أبرز المهرجانات الأدبية والمؤتمرات في العالم بصفته ممثلاً للرواية العربية الجديدة أو الراهنة، عطفاً على الترحاب الذي تناله رواياته في الصحافة والإعلام الغربيين، وهذا ما لم يحظَ به نجيب محفوظ قبل نوبل.

ويتنعم الأسواني الآن برعاية شركة “ويلي” البريطانية التي تعد من أهم الشركات التي تروّج الأدب في سوق الترجمة العالمية والنشر العالمي، وتضم لائحتها أسماء كبيرة جداً مثل كواباتا وميشيما اليابانيين.

هذه الشركة تتولى أمور الأسواني ترجمة ونشراً وترويجاً وتملك حتى حقوق نشر كتبه عربياً. وبعد منع روايته الأخيرة “جمهورية كأنّ” في مصر لأسباب سياسية وتخلي دار الشروق ناشرته الأولى عنها، لم تجرؤ على نشرها أي دار ولو قرصنةً جراء قوة القبضة الرقابية، وعندما قررت دار الآداب نشرها عربياً وليس مصرياً، كان عليها أن تنال الموافقة من شركة “ويلي” وليس من المؤلف.

وقد لا يكون مستهجناً أن “يحسد” روائيون عرب كثيرون علاء الأسواني على هذه الصفة “العالمية” التي حازها بسرعة وخلال سنوات قليلة. لكن “الذنب” لا يقع على صاحب “عمارة يعقوبيان” بل هو “الحظ” الذي ابتسم له ابتسامة عريضة.

وبعيداً عن علاء الأسواني وحظه السعيد الذي لا يمكن اعتباره حافزاً على العالمية الأدبية، لا بد من طرح سؤال حول المفهوم العالمي للأدب وحول معايير هذا المفهوم وأسراره. وهذا السؤال قد يحملنا إلى طرح سؤال آخر حول موقع الأدب العربي حيال العالمية أو المرتبة التي يحتلها في هذه الخانة. ولئن بدت الرواية العربية الراهنة تشهد حالاً من الرواج اللافت في حقل الترجمة العالمية على خلاف العقود الماضية، فهل يعني هذا الرواج أن الرواية العربية أضحت عالمية وهل تركت حقاً أثراً في الروائيين والقراء العالميين؟ هل يكفي انتقال الرواية العربية إلى لغات عالمية لتصبح هذه الرواية عالمية؟

يرى بعض النقاد أن نجيب محفوظ لم يصبح عالمياً إلا بعدما حاز جائزة نوبل التي أدرجت اسمه بين أبرز أدباء العالم. تُرى ألم يكن أدب محفوظ عالمياً قبل الجائزة؟ هل الجائزة هي التي نقلت أدبه، بين ليلة وضحاها كما يقال، إلى مرتبة العالمية؟ معروف أن معظم كتب محفوظ لم تنقل إلى اللغات الأجنبية إلا بعد نيله الجائزة، فما ترجم له من قبل كان قليلاً وقليلاً جداً، لكنّ الجائزة ليست هي التي صنعت عالميته بل جاءت لتعلنها وتحتفي بها. هل كان صاحب “أولاد حارتنا” ليحرم من صفة العالمية لو لم يفز بجائزة نوبل؟ هل يمكن القول إن علاء الأسواني حقّق عالميته من دون جائزة نوبل، وأنه استطاع أن “يسابق” محفوظ إعلامياً بل أن يسبقه بعدما حظي بما لم يحظ به سيد “الحرافيش” من احتفاء؟ ولكن أين الأسواني من محفوظ؟ هل أدب الأسواني عالمي وفق المعايير التي يُقاس بها رواد الرواية العالمية؟ ألم يأتِ رواج روايات الأسواني استجابة لما يسمى حاجة سوق النشر العالمي وحاجة القراء الغربيين إلى ما يدغدغ مخيلتهم الجماعية في زمن تقاطع “سكك” التاريخ والحاضر؟ وإن كان أدب محفوظ ينتمي وفق التقييم الغربي -لا العربي – إلى مدارس القرن التاسع عشر، فلا شك في أن روايات الأسواني تنتمي إلى مرحلة الحداثة الزمنية وليس إلى الحداثة التجديدية والإبداعية.

لا يكفي إذاً أن يترجم بعض أدبنا الحديث إلى اللغات الأجنبية حتى يصبح أدباً عالمياً. فالترجمة أولاً فعل خيانة كما يقول المثل، وهي غالباً ما تخضع لشروط أو غايات غير بريئة تماماً، والدليل هو المقياس الذي يعتمده المترجمون ومَن وراءهم، للحكم على الأعمال الصالحة للترجمة وتلك غير الصالحة.

وبينما يتمتع بعض الكتاب العرب بـ “نعمة” الترجمة يرتع بعض الكتاب الكبار في ظلال لغتهم الأم وأقصد العربية، وهم يستحقون أن يترجموا مثل سواهم وربما أكثر. وقد دفعت “شهوة” العالمية أو النزعة العالمية – هذا ما يجب تكراره – الكثيرين من الكتاب إلى التخلي عن بعض قناعاتهم وأساليبهم وقضاياهم بحثاً عن قناعات وأساليب وقضايا تغري القارئ الغربي، وتمهد لهم الطريق للوصول إلى اللغات الأجنبية. بل إن بعض الكتاب باتوا يركزون على قارئ غربي يجهلونه تماماً، قبل أن يشرعوا في الكتابة وخلال الكتابة نفسها. وفي حال من الاغتراب المماثل تستحيل “نعمة” العالمية إلى لعنة توقع أولئك الحالمين والمتنطحين إلى الشهرة العالمية في شرك الضلال والافتعال والمجانية. ولعل رواج الأدب العربي “الأكزوتيكي” أو الاستغرابي المكتوب بالفرنسية أو بالعربية خير دليل على الرغبة الشديدة في التحرر من ربقة الأدب العربي وكسر “جدار” المحلية والإقليمية.

كم من روائيين عرب، تجدهم عالميين من غير أن يترجموا إلى أي لغة أجنبية، لأسباب عدة، في مقدمها أصالة تجربتهم وبعدهم عن “البروباغاندا” على اختلاف أنواعها، وعدم خوضهم مجال العلاقات العامة التي باتت تتحكم في شروط الترجمة… وكم من روائيين عرب، تترجم أعمالهم بوفرة وإلى أكثر من لغة، لا تجد في قراءتهم أثرا للأدب العالمي.

أما أسباب رواج روايات هؤلاء (هم وهنّ) فمعروفة ومكشوفة، وعلى رغم كل ما يثار من فضائح ويكشف من “خزعبلات” و”تلفيقات”، يظل هاجس العالمية شبه طاغ على الكتّاب، حتى الأصفياء منهم. والطريق إلى العالمية يجب أن تمر في حقل الترجمة، وقد يكون الإقبال على الترشح إلى بعض الجوائز العربية، في وجه من وجوهه، بحثا عن سبيل الترجمة. وهذا حق ولو بدا مريراً في أحيان، لاسيما في المرحلة الراهنة، مرحلة التواصل “العولمي” التي شّرعت أبواب الأدب على العالم.

عن إندبندنت عربي
https://www.independentarabia.com/articles-author/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D9%87-%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%86

الحاجة إلى الكذب أو الخيال حلّاً لمواجهة الموت

$
0
0

يحتاج الأدب إلى الخيال ليبني خطاباته ويشكّل نفسه، فعمليّة القصّ ذات النسيج اللغوي والشكل السيميائي تقوم أساسا على التخييل، وذلك عبر اعتماد مرجعيّات واقعيّة لها وجود حقيقي، أو اختلاق مرجعيّات محتملة، ولا تتعارض مع الواقع على مستوى استيعابها منطقيّا وعقليّا. ولكنّ المبدع يلجأ أحيانا إلى تخيّل عوالم متناقضة كلّيا مع الواقع الماثل أو الممكن، فتكون متعارضة مع أحكام العقل، ولا يمكن تفسيرها تفسيرا يحتكم إلى المنطق والمعقول والمألوف في حدود الطبيعة وإدراكات العقل. وهنا يكون الخيال الوسيلة الأمثل للأدب ليتجاوز الواقع والمعقول فينشدّ إلى عوالم عجائبيّة لا حقيقة لها خارج حقيقة اللغة والخطاب الأدبي المنجز بواسطة العلامات والشيفرات.

ولقد نجح الخيال منذ القديم في اقتياد الأدب إلى مجاهل غامضة ومغرية ومدهشة وباعثة على الغرابة، حيث حفلت الآداب العالميّة بارتياد آفاق واسعة للخيال وهو ما يظهر لدى رائدها الأبرز هوميروس الذي ألّف رائعته “الإلياذة” متأثّرا بالأساطير الإغريقيّة القديمة المغرقة في الخيال ومجاوزة أحكام العقل والمنطق، وكذلك لدى نيكوس أبوليوس الذي ألّف “تحوّلات الحمار الذهبي”، ودانتي مؤلّف “الجحيم”، ثمّ مرورا بكتاب “ألف ليلة وليلة” الذي أنتجته الثقافة العربيّة الإسلاميّة، وانتهاء بأبرز الأعمال القصصيّة والروائيّة العالميّة الحديثة منها والمعاصرة، حيث أثبتت جميعها دور الخيال في ابتداع أدب راق يجذب إليه القرّاء ويحثّهم على الاهتمام به واكتشاف عوالمه.

ويميل النقد ما بعد الحداثي إلى الربط بين تعقّد الحياة المعاصرة واحتوائها على قدر كبير من اللامعقول واللامنطق والكتابة الأدبيّة، حيث إنّ هذه الكتابة أضحت مطالبة بمعالجة “عجائبيّة” الواقع في حدّ ذاته، فهي إذا كتبت عن عوالم خياليّة لا يجب أن يكون ذلك من باب “الترف الإبداعي” أو البحث عن جماليّات يبحث عنها نوع محدّد من القرّاء، بل إنّ ذلك يتنزّل في صميم تفكيك الواقع والبحث عن سبل معالجته إبداعيّا وثقافيّا. فهل هناك عجائبيّة يمكن أن يوظّفها المبدع في أدبه القصصي أكثر من عجائبيّة الواقع ذاته الذي نحياه ونعيشه؟ ذلك أنّ مظاهر اللامعقول واللامنطق أضحت ماثلة أمامنا وما على المبدع إلاّ التقاط الأسرار المبهمة والغامضة وتحويلها إلى مجال الأدب عبر استخدام اللغة والتخييل.

نحن نعيش اليوم في عالم مفكّك لا منطق فيه ولا عقل من خلال الحروب والتهجير والإرهاب والتجويع والاقتتال الطائفي والعرقي، وجميعها فاقت الخيال حدّة وغرابة، كما أنّ العالم المعاصر أضحى عالم جنون وتوحّش مرئيّين بالعين المجرّدة، ولقد أضحى الإنسان مغتربا وغريبا وفاقدا للألفة والانسجام مع ذاته ومع الآخرين.. ومن هنا ازدادت علامات “الغرابة المقلقة” التي عالجها سيقموند فرويد في كتابه الحامل للعنوان نفسه. والأكيد أنّ هذه “المظاهر الواقعيّة” ذات البعد العجائبي قادرة على مدّ الأدب بوسائل جديدة لارتياد الآفاق الواسعة للخيال خاصّة إذا أضاف المبدعون إلى كلّ ذلك عناصر أخرى ذات وقع على نفوس القرّاء مثل الحلم والأسطورة..

ولقد نجح روائيّون عرب معاصرون في نسج علاقة تقاطع ذات فائدة كبرى بين الخيال والأدب، ومن هؤلاء سليم بركات وإبراهيم الكوني وفاضل العزاوي والطاهر وطّار وعز الدين جلاوجي وعبد الجبّار العش وإبراهيم الدرغوثي ورشيد بوجدرة وموسى ولد ابنو وغيرهم كثير، ولقد كتب هؤلاء بعض أعمالهم الروائيّة وفق أشكال تلتقط من الواقع ماهو سرّي وغامض منه، وما هو غريب وغير خاضع لأحكام العقل بسهولة. والواضح أنّه على الأدب خاصّة الرواية أن تقتحم مجاهل الخيال أكثر فأكثر وأن تبحث عن آفاق جديدة لها بعيدا عن القوالب المستهلكة كي تستمرّ، وتحافظ على وهجها، وتحقّق مقروئيّة أكبر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باحث من تونس

The post الحاجة إلى الكذب أو الخيال حلّاً لمواجهة الموت appeared first on الرواية.


في تفكيك المركزيّات الثقافيّة: كيف قاومت الرواية الأمريكيّة اللاتينيّة الهيمنة الأوروبيّة؟

$
0
0

يعود الاستعمال الأوّل لمصطلح “الواقعية السحرية” في الأدب للروائي الكوبي أليخو كاربنتييه Alejo Carpentier (ت. 1980) الذي استخدمه في تقديمه لروايته “مملكة هذا العالم” Le Royaume de ce monde التي نشرها سنة 1949. وهو يسعى من خلال ذلك التقديم إلى تعريف القراء بمصطلح جديد أضحى يُطلق على تيّار جديد لم تعرفه الآداب العالمية من قبلُ. وهو تيار حامل لخصوصيّة البيئة التي ظهر فيها، وهي أمريكا اللاتينية التي ما تزال، آنذاك، فضاء مجهولا وغامضا، ناهيك عن كونه لا يؤسس عادة لطابع أدبي أو ثقافي خاص به. وهو مثل غيره من فضاءات العالم الثالث أو عالم الأطراف يستهلك ما تنتجه ثقافة المركز أي أوروبا أو الغرب عموما. ويرى كاربنتييه أنّ عالم السحر يتولّد نتيجة للاضطراب المفاجئ للواقع، ويكون ذلك على شكل معجزة، وتفترض رؤية السحر ضرورة الإيمان به (1).

ويعتبر كاربنتييه أنّ الواقعية السحرية تُمثّل التراث الثقافي والفني لأمريكا اللاتينية. فهي تصوّر بكارة المناظر الطبيعية والغابات العذراء، وصياغة الإنسان فيها من الناحية الكونية، وحضور العنصر الهندي الرهيب والعنصر الأسود الرهيب، وهي عناصر جعلت من تلك القارة المكتشفة حديثا منبعا يتدفق بالسحر والأساطير. وتُعدّ رواية كاربنتييه “مملكة هذا العالم” استجابة مباشرة لشواغل تيّار الواقعية السحرية.

ويُعرّف الناقد لويس ليل Louis Leal في كتابه “تاريخ الرواية الإسبانية- الأمريكية”، الواقعيةَ السحريةَ بأنها “تتفادى عالم ما وراء الطبيعة ولا تبرّر سلوك الإنسان بالتحليلات الاجتماعية، بل يتمثل هدفها الأساسي في التقاط الأسرار التي تختفي تحت مظاهر الواقع.. كما أن منطق الحكاية في الروايات التي تعتمد هذا النوع من الواقعية لا يخضع إلى الشّروح والتبريرات. ولا يحاول مؤلّفو هذه الروايات محاكاة الواقع أو نسجه بواسطتها كما يفعل عادة كُتّاب الأدب الواقعي، ولا أن يجرحوه كما يفعل السرياليون، ولكنّهم يلتقطون السرّ المبهم الكامن في أحشائه دون أن يجتهدوا في تبريره أو شرحه كما يفعل كُتّاب القصص الخيالية التي تحدث فيها العجائب طِبقا لتصور معقول مسبق (2). والحقّ أنّ هذا التعريف يضع الواقعية السحرية في سياقها الثقافي الذي ظهرت فيه، وهو يحدّد خصوصيتها والفروق بينها وبين بقية تيارات الواقعية أو تيارات العجائبي. ومعنى ذلك أنه علينا أن نتعامل مع الواقعية السحرية باعتبارها تيارا واقعيّا، فهي رؤية جديدة للواقعية في الأدب ومنظار يعكس الواقع. وهنا تحديدا تكمن المفارقة وخطورة التعامل مع الواقعية السحرية في دراسة الأدب العجائبي، فهل الواقعية السحرية تندرج فعلا ضمن الأدب الواقعي أم أنها تندرج ضمن الأدب العجائبي؟

للإجابة عن هذا السؤال يتعيّن علينا فهم الواقع في البيئة الأمريكية اللاتينية. وهو واقع قلنا إنه ذو خصوصية كبيرة، حيث يحتوي على كل ما هو عجيب وغريب وغير مألوف، وهو مليء بالسحر والشعوذة، وينبني على معتقدات غريبة ومخيال شعبي ذي بنية أسطورية دائرية ومغلقة، أيْ أنّه إذا وصف أحد الكُتّاب الواقعَ أو عبّر عنه في الأدب، فإنّه سيصفه ببعده العجيب والغريب، وسيتحدث عن السحر والمعتقدات والأساطير المكونة لجزء هام منه، فهو، إذن، سوف “يلتقط السرّ المبهم الكامن في أحشاء الواقع” مثلما قال لويس ليل. وهذا، تحديدا، ما فعله أدباء أمريكا اللاتينية منذ منتصف القرن العشرين إلى اليوم. فهؤلاء لم يقدّموا واقعا مخالفا لواقعهم، ولم يختلقوا واقعا جديدا كي يظهروه في أدبهم.

وبناء على ذلك، فإنّ العجائبي الذي يطغى على نصوص الأدباء الأمريكيين اللاتينيّين لم يختلقه هؤلاء ولم يبتدعوه من فراغ. ولذلك، هم لا يفسّرونه للقارئ، ولا يحاولون تبريره مثلما يفعل عادة كًتّاب العجائبي، لأنّه “عجائبي واقعي” (3)، موجود في الواقع وفي ثناياه الأشدّ غموضا، ولكنّه يستدعي فهما كبيرا للواقع حتى يصبح من الممكن التقاطه. ومن هذا المنطلق، فإنّ تسمية هذا التيار بالواقعية السحرية لم يكن اعتباطا، فالواقع والسحر متجاوران وكلاهما يتلبّس الآخر، إنهما يتعايشان جنبا إلى جنب، فلا الواقع يلغي السحر، ولا السحر ينسف الواقع. وتلك هي طبيعة البيئة الأمريكية اللاتينية، حيث المألوف يجاور اللامألوف وحيث المعقول يتداخل مع اللامعقول، فظواهر مثل عودة الموتى أو العيش مع أطياف دون أن تثير الرعب في قلوب الأحياء أو الاختفاء الفجئي للأشخاص أو الأشجار وغيرها هي ظواهر من صميم الواقع في أمريكا اللاتينية (4). وهي ظواهر نجح روائيو هذه القارة في توظيفها في أعمالهم ورسموا بها مسارا جديدا للواقعية في الأدب ومسلكا جديدا للعجائبي أيضا.

ويبدو أنّه حين اختار أدباء أمريكا اللاتينية التعبير عن واقعهم (لا واقع غيرهم)، وطرح مشكلاتهم الثقافية والحضارية لم يجدوا في كل القوالب الفنية والأدبية التي ابتدعها الغرب الذي يمثل حينها الهيمنة الإمبريالية الثقافية (أو المركزية الثقافية العالمية)، وعاء فنّيا قادرا على التعبير عن همومهم ومشكلاتهم المحلّية. ومن هذا المنطلق، رفضوا أسلوب الواقعية في الأدب والفن، وهو الأسلوب الذي كان رائجا آنذاك في أوروبا. ولقد “كفّ أدباء أمريكا اللاتينية، منذ البداية، عن مشاركة الواقعيين افتراضاتهم اليقينية بقدرة الإنسان على فهم العالم وتوصيفه” (5). كما أنهم رفضوا أسلوب تيارات اللامعقول وتحديدا السريالية التي اتخذوا تجاهها موقفا معاديا رغم قبولهم لها في البداية، لأنهم كانوا يدركون أنّ لهم “لامعقولهم” الخاص بهم والذي يتجاور جنبا إلى جنب مع المعقول والواقع. وهو ما يعني أنهم لم يكونوا بحاجة إلى اختلاق اللامعقول أو العجائبي وإجرائه مجرى الأدب للتعبير عن فساد الواقع وعبثيته مثلما فعل ذلك أدباء المركز (أي أوروبا والغرب عموما).

وبناء على ذلك يمكن اعتبار الواقعية السحرية نوعا من المقاومة (Resistance)، وهي مقاومة ذات بعد ثقافي، انتهجتها أمريكا اللاتينية لمواجهة سطوة الإمبريالية الثقافية التي كانت تمارسها أوروبا ضدّ ثقافات العالم الثالث لتهميشها وطمسها، ولتعويضها بثقافة المركز في إطار ما يعرف في الدراسات الثقافيّة بالاستعمار الجديد.

ولقد استطاع أدباء أمريكا اللاتينية احتواء تأثيرات ثقافة المركز كي ينهضوا بثقافتهم الخاصة وصوتهم الأدبي الأصيل، وأسهموا إسهاما أصيلا في الأدب العالمي رغم أنهم كانوا “محاصرين” بالتيّارات الأدبية والفنّية الوافدة عليهم من أوروبا مثل السريالية والواقعية الاشتراكية والتعبيرية والوجودية والرواية الجديدة التي ظهرت بفرنسا انطلاقا من الستينات. وقد تحقق لهم ذلك بفضل نضجهم الثقافي والسياسي ووعيهم وأصالتهم الثقافية وإيمانهم بالقدرة على مقارعة ثقافة المركز (أوروبا) وقلب الخارطة الثقافية العالمية من أجل تحرير ثقافات العالم الثالث المهمّشة. ولا غرابة في ذلك فالرواية الأمريكية اللاتينية “تعارِض السيطرة، أو المركزية الأوروبية، بالتعبير عن تجربة العالم الثالث، وتصوير تقاليده الثقافية الخاصة المحلية” (6). كما أن الواقعية السحرية باعتبارها إنجازا ثقافيا لاتينيّا خاصا وأصيلا تقدّم رؤية جديدة للواقع، وهي تسعى إلى معالجة واقعها الخاص وثقافتها الخاصة التي ما تزال منشدّة إلى فكر أسطوري ذي بنية مخصوصة، وهي ثقافة لم تشهد بعدُ الاختراعات العلمية والتقدم الصناعي، بل إنها لا تقوم، إلى حدود تلك الفترة، على فكرة “التقدم” التي يؤمن بها الغرب، وترسّخت عنده.

ويعني ذلك أنّ الواقعية السحرية كانت في بدايتها تنتقد التقليد الثقافي الغربي، وتصوّر اغتراب الإنسان في المجتمعات الصناعية، وهي تسخر من فكرة التقدم وروح التفاؤل التي سادت العصر الصناعي. ويعدّ الأرجنتيني خوليو كورتاثار الكاتب الأكثر وضوحا في انتقاده للتقليد الثقافي الغربي المبني على المادية وعلى فكرة التقدم وعلى أخلاق البرجوازية وهو ما جسّده في روايته “لعبة الحجلة”. وقد كان كورتاثار من أكثر مثقفي العالم الثالث دفاعا عن الثقافات المهمشة، وأشدّهم مقاومة لثقافة المركز وفضحا لها، و”لا يكْمن وراء هذا التحيّز للثقافة الشعبية انتماء للجموع المقهورة فحسب، بل هناك كذلك شعور بأنّ واقع أمريكا اللاتينية مختلف تمام الاختلاف عن واقع الغرب الصناعي المتقدم، وكذلك شعور بضرورة البحث عن هوية خاصة جذورها مغروسة في أرض تلك القارة” (7). وكان كورتاثار يعمل وفق أشكال نضالية ثقافية وسياسية متعددة من أجل توحيد أصوات مثقفي العالم الثالث ضدّ الوصاية الثقافية التي فرضتها الإمبريالية الغربية وبالتالي تحرير الثقافات الوطنية لشعوب دول الأطراف والنهوض بأعبائها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد ألقى كورتاثار محاضرة شهيرة عام 1968 بالعاصمة الكوبية هافانا بعنوان “المثقف ونضالات تحرير شعوب العالم الثالث”، دعا فيها إلى الوقوف ضدّ الهيمنة الثقافية الغربية وطالب بضرورة الاعتراف بالتنوع الثقافي وتحرير ثقافات الشعوب الضعيفة وآدابها وفنونها (8).

وتميل الواقعية السحرية، باعتبارها خطابا ما بعد كولونيالي يحمل خصوصية ثقافية لشعوب أمريكا اللاتينية، إلى إدراج الواقعي جنبا إلى جنب مع الخيالي والأسطوري والتاريخي والتسجيلي والسياسي والثقافي، وهي بذلك تدمج الواقع مع العجائبي للحصول على خطاب متحرّر من قيود الأعراف الفنية والأدبية التي رسمتها الإمبريالية الثقافية الغربية خلال فترة سيطرتها الطويلة على الثقافة العالمية. ومن هذا المنطلق، يستدعي التعامل مع العجائبي في رواية الواقعية السحرية “لونا جديدا من القراءة وضربا جديدا من القرّاء الذين يتحولون إلى منتجين فعّالين لدلالة السرد ذاته، ومشاركين إيجابيين (غير سلبيين أو استهلاكيين) للفعل القصصي والإنساني” (9). كما أنّ تأسيس تيّار الواقعيّة السحريّة في الفنّ والأدب هو تحدّ لأعراف تيار الواقعية في الأدب الذي رسمت ملامحه الثقافة الغربية بناء على تصوّرها للواقع وتشييدها الثقافي له. وبناء على ذلك، يحقّ القول إنّ تيار الواقعية السحرية هو خطاب ما بعد كولونيالي ظهر في البداية في أمريكا اللاتينية ثم انتشر في كل أنحاء العالم الثالث (أو دول الأطراف)، وقد نجح في اختراق الإمبريالية الثقافية داخل فضائها ومجالها، ونقل إليها ثقافات الأطراف معلنا عن رسم جديد للخارطة الثقافية العالمية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والإحالات:
1- صلاح فضل، منهج الواقعية في الإبداع الأدبي، دار عالم المعرفة، القاهرة،ط1، 1992، ص. 302
2- ورد ضمن كتاب صلاح فضل، منهج الواقعية في الإبداع الأدبي، ص. 300
3- هذه العبارة الاصطلاحيّة التي اعتمدناها لوصف العجائبي في أدب أمريكا اللاتينيّة هي من اقتراحنا ووضعنا، حيث لم نعثر على مصطلح نقدي دقيق يعبّر عن خصوصيّة العجائبي في تيار الواقعية السحريّة.
4- ما نقصده بقولنا “هي من صميم الواقع” هو أن تلك الظواهر يؤمن بها الفكر الأسطوري الذي يسم مجتمعات أمريكا اللاتينيّة خاصّة في القديم. فالذاكرة الأمريكية اللاتينيّة تحفظ جيّدا العادات والتقاليد والإيمان بالظواهر الخارقة والخرافات والمعتقدات والمعجزات. وفضلا عن ذلك فإنّ الأجيال تتناقل كمّا هائلا من الخرافات والحكايات الشعبية التي نجح أدباء أمريكا اللاتينيّة في الاستفادة منها وتوظيفها.
5- إدموند سميث، الاتجاهات الجديدة في رواية أمريكا اللاتينية، ترجمة: سيد عبد الخالق، مجلة فصول، م12، ع2، صيف1993، ص. 116
6- المرجع نفسه، ص. 123
7- المرجع نفسه، ص. 124
8- أرمان ماتلار، التنوع الثقافي والعولمة، ترجمة: خليل أحمد خليل، دار الفارابي، ط1، 2008، ص. 107
9- فاضل ثامر، المقموع والمسكوت عنه في السرد العربي، دار المدى، سوريا، ط1، 2004، ص. 99

باحث من تونس

الرواية نت

The post في تفكيك المركزيّات الثقافيّة: كيف قاومت الرواية الأمريكيّة اللاتينيّة الهيمنة الأوروبيّة؟ appeared first on الرواية.

الغرابة التي قادتني لقراءة إيكو والتأثر به

$
0
0

أذكر تمامًا حين دخلت معرض الكتاب تائهًا سنة ٢٠١٤. لم أكن أعرف ماذا أريد من الحياة في تلك المرحلة من عمري، وبناء عليه لم أكن أعرف ماذا أقرأ. كنت برفقة الصديق محمد ماجد العتابي حين مررنا بجانب جناح “دار الكتاب الجديد” فلمحت في أقصى اليسار من الرف العلوي رواية “مقبرة براغ” لأمبرتو إيكو. لا أدري ما الذي شدني في الرواية؛ لا أعرف من هو أمبرتو إيكو، ولا أعرف ما هي براغ وأين تقع على الخريطة، ولم يكن حينها هاجس الموت والمقابر يسيطر علي بعد. لكني أخذتها وكانت الكتاب الوحيد الذي اقتنيته تلك السنة من المعرض. بعدها بأيام شرعت بقراءة الرواية، جالسًا في كافتيريا كلية الآداب حين شاهدني الصديق عبدالله الشمري وقال مندهشًا: تقرأ لإيكو!؟ قلت:نعم، ومن يكون إيكو؟ حدثني عن كم الإبداع الفلسفي في روايته “جزيرة اليوم السابق” وحدثني عن كتابه “اعترافات روائي ناشئ” وعن مدى انعجابه بفكره في تناول الشخصيات المتخيلة وعلاقتها في العالم الواقعي.

أذكر في نفس ذلك اليوم كنت على موعد مع أستاذ الفلسفة الدكتور الزواوي بغورة ـ بعد أن تجادلت معه قبل أسبوع مدعيًا أن المثيولوجيا المصرية ذكرت في بعض أساطيرها أن الماء هو أصل الكون، فطالبني بإحضار المصادر والمراجع ـ دخلت مكتبه حاملًا كتب المثيولوجيا الشرقية وتقبع فوقها رواية مقبرة براغ. فأعاد علي نفس السؤال الذي سألنيه صديقي قبل لحظات بنفس النبرة المندهشة: تقرأ لإيكو!؟ هنا – وبفضل التجربة – تصنعت الفهامية وقلت: نعم فهو واحد من أهم الروائيين المعاصرين وهو مؤلف رواية جزيرة اليوم السابق، هل قرأتها دكتور؟ قال: لا قرأت روايتيه “إسم الوردة” و “بندول فوكو” وأنوي قراءة باقي أعماله. إلى ذلك الحين لم أعرف من هو إيكو لكن عرفت أن الذي بين يدي ليس أمرًا بسيطًا.

بعد شهور من هذه المواقف، اتخذت قرارًا بأني سأركز بحوثي بعد تخرجي من الجامعة في قضايا النقد. اتجهت إلى أساتذة الأدب والنقد في الكلية أستجدي النصح والإرشاد آملًا أن يوجهني أحدهم في بداياتي في البحث أو على الأقل يرشح لي كتبًا أنطلق منها، فلم أحصل منهم على شيء يذكر باستثناء نصيحة واحدة من دكتور سليمان الشطي: عليك بقراءة كتب النقد التطبيقي. أخذت بنصيحته، أو لأكون دقيقًا أخذت بنصف نصيحته.. فلم أكن أعتقد أنه من السليم أن أعرف التطبيق دون أن أُلم بالنظرية. عموماً، بدأت رحلة التخبط وحيدًا في البحث ووجدت ضالتي أول الأمر لدى عراب الكتب في الكويت فارس المعقدين، اشتريت منه كتابين “مدخل إلى النقد الأدبي الحديث” تأليف دكتور شلتاغ عبود، و “جماليات المكان في شعر السياب” تأليف دكتور ياسين النصير. في قراءتي لكتاب دكتور شلتاغ استوقفتني المدرسة السيميائية، قررت البحث والتبحر فيها أكثر، وما لبثت أن وجدت أمبرتو إيكو يطل علي مرة أخرى في حالة تعزز فكرة القدر لدى المؤمن وتشبه الصدفة لدى غيره. وأيًا كان البعد الميتافيزيقي لهذا التكرار الملفت، أولته أنا كإشارة متكررة لا يجب تجاهلها، فدخلت لموقع “جملون” وطلبت كمية من كتب وروايات إيكو. بدأت باسم الوردة ثم تأملات في اسم الوردة فاعترافات روائي ناشئ.. إلخ. قضيت ما يقارب السنة في علاقة تلمذة خاصة مع كتب أمبرتو إيكو إلى جاء ذلك اليوم الحزين، جالسًا مع الأصدقاء علي العريان ومحمد العتابي في مقهى ديوان الطيبين أحدثهم لساعات مملة عن إيكو وأنني قررت أن أكتب فيه بحثًا أقدمه كرسالة ماجستير. كانت الساعة الثالثة فجرًا حين تركتهم، كانت الساعة السادسة فجرًا حين اتصل محمد العتابي يخبرني بأن إيكو مات، كانت الساعة السادسة والنصف حين بكيت، صارت الساعة السابعة والنصف حين أدركت أنني أبكي جزعًا على شخص لم ألتق فيه من قبل. لا أريد أن أجر الموضوع إلى نوائح درامية، لكن اليوم بعد مرور ثلاث سنوات على تلك اللحظة لا زلت كلما أتذكر أمبرتو إيكو أستحضر تلك الغرابة التي قادتني لقراءته والتأثر به. وهي ليست مسألة خاصة في أمبرتو إيكو، لدي العديد من الحالات والأمثلة مع كتب كثيرة أشتريها دون سبب واضح وتركتها لشهور أو سنوات، وحين قرأتها وجدت فيها إجابات لمعضلة آنية كنت أواجهها ذلك الوقت بالتحديد، فأتساءل هل كان مقدرًا أن أقرأها في هذا الوقت بالذات؟ وفي حالات أخرى أقرأ كتابًا فأكتشف أنني ما كنت سأفهمه لو لم أقرأ قبله ذلك الكتاب صدفة، وأتساءل نفس التساؤلات: هل هناك يد خفية ترتب الأمور؟

في الحقيقة أستطيع بسهولة أن أسطر مجموعة هائلة من الحالات لتصنع ما يشبه التدخل الميتافيزيقي في القراءة. وأستطيع أيضًا بطريقة أخرى أن أسقط كل هذه الأفكار في حجة منطقية واحدة أستعيرها من كارل بوبر.
لا أعرف، وأظن أنني سأموت ولن أعرف، هي كلها إسقاطات تأويلية نرتب من خلالها الأحداث ونحبكها بطريقة تجعلها في الأخير صالحة لإنتاج معنى يعطي الحياة لمسة رومانسية. أو ربما العكس، لا أدري..

ـــــــــــــــــــ
روائي من الكويت

من صفحة الكاتب حسين المطوع على الفيسبوك

The post الغرابة التي قادتني لقراءة إيكو والتأثر به appeared first on الرواية.

صدور “طريق مولى مطر”للروائيّ عمار باطويل

$
0
0

صدرت حديثًا عن الدار العربية للعلوم ناشرون رواية تحت عنوان “طريق مولى مطر” للكاتب والروائي اليمني عمار باطويل، وهي الرواية الثالثة بعد رواية “سالمين” ورواية “عقرون94”.

تسلط رواية “طريق مولى” الضوء على ضرب طيران الجو البريطاني لبدو حضرموت في ستينيات القرن الماضي، وتسرد أحداث الرواية حياة أربع نساء بركة، وفاطمة الطيارة، والجدة سلومة، وسعيدة، وهن نساء وحيدات ضحايا الحاكم المستبد، والغازي الأجنبي “طيارة بريطانيا”، وأيضاً ضحايا المجتمع ورجال الدين. تحمل صفحات الرواية مسحة صوفية، أما مولى مطر، فهو الطريق والمكان الذي تلتقي فيه “بركة” بطلة الرواية، ويمتد بها الطريق بالحاضر، والتاريخ، وحكاية الإنسان الذي مر بطريق مولى مطر.

وجاء على غلاف الرواية:

هل تشاهدين ذلك الجبل يا فاطمة؟ عندما تصلين إلى ذلك الجبل اتجهي لجهة اليسار، وعندها سوف، تجدين قبر مولى مطر مبني عليه بناء صغير وبجنبه قبر آخر لصديقه بدوي دُفن بالقرب منه، وعلى قمة ذلك الجبل توجد أشجار اللبان: سوف آخذك يوماً ما معي لنحصد اللبان ونبيع بخوره للبدو. فالوادي ليس مسكناً، فطريقنا وقوافلنا تمر بالجبال البعيدة وتعبر طريق مولى مطر. ووجودنا في الوادي لأوقات معروفة نحن نحددها فيكون بعضها أثناء قطع خريف النخيل من أموالنا في هذا الوادي وفي بعض الأوقات عندما يجف المرعى في الجول فنأوي إلى الأودية أو عندما تحل كارثة أو عندما يترقبنا العدو بين جبالنا كما تترقبنا طيارة بريطانيا التي قتلت أمك رحمة. أبوك سوف يعود يا فاطمة من الأرض البعيدة، سيعود كهذه السحب التي ترعد وتمطر على رؤوسنا، وبعودته سوف تنبت الأرض وينبت قلبك بالحياة.

الرواية نت

The post صدور “طريق مولى مطر” للروائيّ عمار باطويل appeared first on الرواية نت.

“ضوء برتقالي”لنادية الأبرو.. ثنائية الحب والألم

$
0
0

ماذا يعنى أن تبقى حين يهاجر الجميع؟ أن تخلص حتى النهاية في حبّ من لم يأبه بك؟ هي حكاية الأزمنة حتى تتوقف الإرادة وتخبو الخيالات، وتتحول معها الأيام والسنون لأعقاب خاوية لا يجدر بإنسانها إلا الاتكاء بالموت للاطمئنان على نفسه.

ربما يبدو في البدء كتداخل سوداوي بين الحب والألم، أو ارتدادا حميما لآلام الإنسان صوب الاعماق الدكناء، لكنها تؤول لاختزال قصة عذاب الروح وخلاصها بإنصاتها الجواني لأوجاع كل الكائنات مهما تبدلت الأجساد وتشوهت ملامحها البريئة وإن غدت كحوض نشادر تتجمع فيه كل الخطايا والأوبئة.

هكذا يبدو تفسخ الأزمنة عند نادية الأبرو مدخلا للثبات في خضم التدافع الهائل، وإن بدا لنا للوهلة الأولى كضرب من الجنون، لكنه الحكاية حين بدأت كجرح عاطفي في قلب أضرمه الحب لدرجة اللامعقول وسط البصرة جنوبي العراق هيّأت كل الأوهام لدينا بإيغالها مبكرا في أغوار الانتقام، بيد أن صاحبته ظلت رمزا لمضي الخيبات حتى النهاية وبمفارقات نشوء رغبة العيش من غياهب روح متقدة بالحب عند هناء الخصيب، في تعايش محفوف بمغبات النفور الجماعي من المكان، مفعم بكل الإيحاءات القاطعة لتلخيص مايجري من تداع ضمن تمزق دوائر اجتماعية أوسع ،حالة خاصة للانتماء للمكان (أي مكان) دون الاكتراث للوحدة الموحشة حين يغادره الجميع، دكتور رياض، هند
، نور، دكتور حيدر، صالح، كاستدعاءات مكلومة لأسباب جديدة للعيش والإنتماء للوجود مجددا من حبيب ترجل منذ عقود.

رواية ضوء برتقالي، أشتات قلوب اجهدها الجموح وقنوط عقول مافتأت تختزل الانحدار الشامل كمرايا مهمشمة تبرر الخطايا لتذليل السبل لأشباح ليليلة تتحرك بين خذلانات الحرب و الحب على السواء،كأنها ترسم حدودا للأمل بطمسها للأمل المريض المتاح بالإنصات لفيض من الإحساس الصادق لدبيب ساحر، تحدثه نقرات انامل رفيعة بداخل شخصيات خاطفة تمرق للتو بلاملامح وذات ارواح متداخلة ببعضها ،كأنها تكتنز في طياتها فصام الخطيئة حين تتبرعم على اغصان ندية نظرة أشبه بشتلة قد صالحة لمنحهم كل العطاءات الحميدة، توق جامح لرباطة جأش غائرة منوط بها إمتصاص بثورالمآلات قسرية حين تتقيح على محيا مشرق متعافٍ، وتفضي بإنسانه كنزعة وحشية منفلتة تسكن جسد ذاو وتسوقه لمعترك مصيري هوالأقسى والأشد إنحرافا.

رواية تحمل كل المسميات وكل السمات ،اللاحكاية،اللازمن واللامكان اللابطولة ،الحداثة ومابعد الحداثة، السرد وتيار السرد، لكن إيقاعها فريد، لايشبه الميتا سرد الإ من باب إيراد السارد العليم بمواضع لا تذكر لإفراغه من الحاجة الفنية، ولا تشبه تيار الوعي إلّا من سياقها الشكلي الخادع، ومن سكون حاضر الشخصيات وإعتمادها كليا على فلاش باك للعودة للماضي لعقود من الزمن، لكنها من الوهلة الأولى تنحو إبداعا دون الاكتراث لكل تلك التوصيفات،كتابة لاترتئي الإ لإفراغ دفق تيار إحساس حبيس على الورق ،وليس غريبا حين تتشكل بنية الرواية من أشتات لاوزن لها من الوقائع والأحداث،في سرد سلس ذكي لا يحسسك برتم صناعة المشهد بل يباغتك ويحلق بك فوق تيار ساحر خفيف، إنه تيار الإحساس بالأشياء وتيار يغمرنا ثانية كسريان لذيذ لانستفيق منه حتى ينتهي ،سرد غير مباشر وغير متصنع ،لايمكن ان نقتفي أثره كفعل متسلسل او كإرتدادات عكسية مرتبة لذبذات الذاكرة ،بل نقرأ ونسمع شذرات مما تسوقه مخيلة هناء وكأنها تجمع زهرات شتى من اشجار مختلفة تقف يانعة على مسافات متفاوتة بين عشب كثيف مخضر ،وكل ماتقع عليه عيناها تلتقطه وماتلبث حتى تذهب بعيدا لتقطف زهرة متوارية بين الأوراق الكثة، لتعود مجددا لتظهر لنا وردة مكتملة البهاء من ذات الموضع الأول ومن نفس الشجرة التي بدت لنا خالية تماما،بدون ان يداهمها التعب بقدر ماتتاعظم قدرتها على الحركة ،والمضي في التنقل كفراشة تزيد من ملامح الأشياء وتكسبها سحرا فياضا كلما تحط على غصن او زهرة ،هنا اوهناك ، هكذا تأخذنا هناء او بالأحرى تلتقط لنا الاغصان اليابسة من حياتها وحياة العراق وبالأحرى حياة إنسانية مجردة ، بحسب مايبرق للتو بمخيلتها ،تمضي بقص مابعد زواجها بصالح ،ثم تعود بنا بغتة لفقرة بسيطة لماقبله ،ضرب من الحرية واللإلتزام الصادق حينما يبثان في الكتابة شيئا من الألفة تفضيان في تشكيل منظور بللوري مباغت الوقع والتأثير، وحين نتمعن فيه أكثر نجد أن الجمال لم يكن من مباغتات المجسم البراق بل من الأجزاء الصغيرة التي شكلته ،وكأن الوجود يبنى من العدم والحياة من الموت والحب من الألم ،الظاهر من الباطن وهكذا …

لكن حب الدكتور رياض بقى عامرا بقلب هناء وظل محصنا من طغيان اللامعقول حين ظل يفتك بحيوية الضمائر ،ثبوتا لايشي بجذور الحب كغريزة لبقاء الذات اولا حين تفيض النفوس بعفونة تآكلها اللانهائي ،بل يبدو لنا كحب لاشعوري مركب ،بل هو أقرب لتحول العاطفة وتفسخها بسادية متماهية تتمدد ضمن إبقاء صورة الحب بالذهن بنفس كيفية المنشأ ،لتعيش هناء اطوارا مركبة من الحب وإرتداداته وكأنها تعيش حالة حب لاينته ،ويفضي بها ذلك الوهم الأثير في الإنتقال بسلاسة من أقاصي الإنسانية إلى غياهب السادية المتوحشة في إستيهامات مفرطة لصورة الحب الأول، فارتباطها بصالح تلك الشخصية البسيطة الزاهدة ،يفسر جوهر الحب وتحوله اللامرئي عند هناء وصموده الصوري وسط الطوفان الهائل ،وكأنه ميلا غريزا للنأي بالذات بعيدا عن اطواق نجاة متاحة هيّأتها لها إرادة خفية، لاتزيدها الإ إمعانا في قياس تشظى واقعها وإلتئامه ضمن حنين قوي يتصاعد من الأعماق وليس من خارجها ،أشبه بعودة حميمة لتفسير الخليقة وفق نفور الإنسان من الإرتهان للممكن واللإعتراف بمحدودية الإدراك ،وضربا من محاججة غير معقولة بين الحرية المطلقة والإستبداد المطلق فكليهما يفضي إلى عذابات لاتحتمل ،وكأن حب هناء هو ذات الطاقة البليغة التي تحتاجها للتوغل للألم لمقاومته من ذروة العنفوان ،نكاية بالذات اولا وبالآخر ثانيا ،لمقاومة الآلام الأفظع .

هكذا سعت نادية الأبرو لرسم بطلتها هناء كوجود إنساني مطلق لايندثر، بحيث ظلت شخصيتها تكبر وتتعالى وسط تهافت بقية الشخصيات وإندحارها، بحيث بدت كل الشخصيات كألوان باهتة بات وجودها ضربا من سطوع معالم هناء وملامحها من الداخل، كإصرار لانهائي لبعث الأمل من حطام الخيبات،وإيغال في تفسير الإنسانية مجددا كتعرجات شوهاء للإيمان بمعان ميتافيزيقة عبر التنكر لها بعيش مرارة القسوة والتشبث بها كالأمل الكامل ،وكإنفلاتات حتمية للخطيئة الأولى كجوهر نفيس يشكل كل العصور و الأزمنة، وغدت الرواية بمثابة تجسيد عميق للوحة إدوارد مونخ كتلاق جامح بين توق الأرواح الخلاقة وتفسخ الأجساد المعطوبة بالشهوات وكل النزعات المتوحشة ،إنها لوحة حب وألم أتت كصرخة من الداخل ،أنين مخبوء وسط ارواح وشخصيات متداخلة ،تنصهر وتتحلل بداخل الشخصية الأم هناء الخصيب.

إنها لوحة إنسانية خالصة وقصة ترسم ملامح رجعة الإنسان للداخل ولو اوردت الكاتبة وقائع إجتماعية وسياسية ضمنها ،لكنها كانت سياقات جانبية تظل كبقع لونية باهتة في خضم تلازم رحلة عودة حميمة للأعماق تعكس وبجلاء فريد مدى حاجتنا لها كملاذ غير متخيل او بالأحرى غير متاح للكثيرين لإستبصاره وإستجلاء معانيه البراقه الذائبة في نقطة ما وفي مكان ما بداخلنا او في أية بقعة بعيدة بهذا الكون الفسيح الممتد.

الرواية نت

The post “ضوء برتقالي” لنادية الأبرو.. ثنائية الحب والألم appeared first on الرواية نت.

هل يقرأ العرب الرواية فعلاً؟

$
0
0

ماذا لو جاءك كتابٌ كما تأتيك وجبة “كنتاكي” أو “ماكدونالد”؟ هل سيجعلك ذلك تقرأه بشهيّة تشبه شهيّة التهام وجبة سريعة وساخنة، تصلك من دون أن تتحرّك من مكانك؟

لا شكّ في أن النمط المتسارع للحياة أوجد أنماط سلوك سريعة، منها إقبال القارئ على الكتب الإلكترونية، الأقلّ كلفةً من الكتب الورقية، فبات وجود شركات لتوصيل الكتب حاجةً ملحّة، فإلامَ يؤشّر وجود مثل هذا النوع من التسويق؟ وما هي الكتب التي تُطلَب؟

تحتلّ الرواية موقعاً بارزاً بين الأجناس الأدبية الأخرى، ربما لكونها قادرة على استيعاب أجناس أخرى كالقصة القصيرة والمسرحية والشعر، كما أنها قادرة على منح مساحة من الحرية تُمكّن الكاتب من التعبير عن مواقفه الفكرية ومعالجتها بتفصيل، وهي لصيقة بإفرازات العصر وقادرة على هضم صراعاته.

ومن أسباب تفوّقها، أيضاً، حقيقة تضاؤل الاهتمام بالشعر، ربّما لأن الذائقة العربية لم تستطع إلى اليوم حسم موقفها منه، فتاهت بين قديمه وحديثه، كما لا تخفى إمكانية ارتباط رواج الرواية بالجوائز الأدبية المستحدثة. وساعتئذٍ، يمكن أن نفهم أنّ القارئ العربي ضحية، لأنه يسعى إلى ما هو أكثر حضوراً كمّياً على حساب النوع، بسبب تزايد الاهتمام بالمسابقات المخصّصة للرواية، فهل يشتري العربي الروايات كما يطلب الوجبات السريعة لأن السرعة حاجةٌ من طبيعة هذا العصر؟ أم لأنه يسعى إلى الهروب بسرعة عبر الرواية من واقعٍ أفرزه هذا العصر؟

ولكن ماذا يقرأ الآخرون في العالم؟ يقول بريندان براون في تقرير نشره موقع “غلوبال إنغليش إديتينغ” (Global English Editing): “بالنسبة إلى الكتب الأكثر مبيعاً، تُعدّ “دون كيشوت” الأولى عالمياً مع رقم مبيعات يُقدَّر بخمسمئة مليون نسخة، كما حجزت سلسلة “هاري بوتر” مكانةً لها بين الكتب الأكثر مبيعاً؛ حيث باعت، هي و”الطفل الملعون”، مليونَي نسخة، وكانت “البست سيلر” في الولايات المتّحدة لعام 2016″.

يبدو أنّ ذائقة العرب لا تبتعد كثيراً عن ذائقة القرّاء من جهة الاهتمام بالرواية، ولكن مقارنة معدّلات البيع في البلاد العربية بمعدّلاته في بلدانٍ أُخرى تُظهِر الهوّة في حجم المبيعات؛ إذ لم يسبق أن عرفنا، إلى اليوم، أنّ كتاباً عربيّاً من أيّ نوع كان حقّق مبيعات بالملايين، حتّى تلك الإصدارات التي تُعدّ ضمن “الأكثر مبيعاً”، ولا حتّى تلك التي كان لأصحابها شأنٌ في عالم الرواية العربية؛ ككتب نجيب محفوظ صاحب “نوبل للآداب”، والتي صدرت في بلدٍ يزيد عدد سكّانه عن ثمانين ميلون نسمة، في حين أنّ قرّاء دان براون يحجزون أكثر من مليون نسخة من رواياته حتى قبل أن تصدُر. أمّا هاروكي موراكامي، فيكفي أن يُعلَن عن صدور روايةٍ له، حتى يقف الآلاف في انتظارها، فهل واقع الرواية عند العرب مشابه لموقعها في العالم فعلاً؟

لو سلّمنا جدلًا بأنّ الرواية هي الأكثر طلباً ومبيعاً، فإنّ ميل الذائقة العربية إليها له دلالات ترتبط بواقع العربي؛ فالقارئ ربّما يُعوّض نقص أوكسيجين البطولة في الواقع المعيش، أو لعلّه يحاول أن يُفسّر الحياة الآخذة في التغيُّر بنمط متسارع، إذ كما يقول بول ريكور: “لا تُفهَم الحياة إلّا من خلال القصص التي تُروى عنها”، وفي كلا الاحتمالين ما ينبّئ عن عطش إلى البطولة، سواء كان البطل الروائي مجرماً أم صالحاً، فالقتل أحياناً قد يُحقّق انتصاراً على الشر، وهو ما أسماه هيغل بقانون السلب.

إذا كانت الروايةُ “ملحمةَ البرجوازية” كما يقول جورج لوكاتش، فهي تحاكي طبيعة عصرنا ما بعد الحداثي، لجهة بروز ثروات متضخّمة لدى بعض الشعوب العربية، دون شعوب أخرى، ممّا أفرز ذاتين متناقضتين، لكنّهما في الحقيقة وجهان لعرَض واحد هو المال: إحداهما متخمة والأخرى تبحث عن تلك التخمة بإشباع المظاهر. كما يجري البحث عن الذات والإيغال في تفاصيل اليومي والشخصي، كمعبرٍ إلى الشعور بالحرية، بعيداً عن الخطاب الرسمي، في عالم عربي يضجّ بالقمع والحروب التي تُشنّ ضدّ الشعوب من قبل الأنظمة الدكتاتورية، لذلك فليس بعيداً أن يكون الميل إلى الرواية يشبه العصر كذلك، باعتبار رغبة القارئ في الالتصاق بعوالم بدائية حلمية أثيرة، تكاد حياته تُلقي عليها تحية الوداع.

لعلّ في التقاء الذائقة العربية مع غيرها في بلدان العالم الأخرى، ليس فقط من ناحية المظهر والمأكل وبعض العادات التي انتشرت في البلاد العربية، إشارة إلى ما يمكن تسميته عولمة الطبائع، فالإنسان العربي الذي عرف الكثير من الحروب وما يزال يعرفها ويحياها باختلاف أشكالها، ينحو كما الصيني إلى قراءة الروايات، ولا يكتفي بالتلذّذ بالأطباق الصينية التي غزت العالم العربيّ… فهل يمكن القول إنّ ظاهرة العولمة جعلت الذوق الأدبي عالميّاً متشابهاً إلى درجة كبيرة؟ وهل هذا صحي؟ وهل يؤهّل ذلك الإنسان العربيّ أن يأكل وجبة سريعة وهو يشعر بالمساواة الحقيقية مع نموذج يُسعى له أن يكون الأسمى والأكثر تفوُّقاً؟

عن العربي الجديد

The post هل يقرأ العرب الرواية فعلاً؟ appeared first on الرواية نت.

Viewing all 1074 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>