Quantcast
Channel: الرواية نت
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1074

سهام بدوي: جاءت كتبي كلها لتأخذني أبعد عن سجوني

$
0
0

عن ذلك المشتهى المطلوب في غيبته، أو ربما المطلوب لغيبته!

“هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر؛ فإنك ترى به ترك الذكر، أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة، أزيد للإفادة. وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانًا، إذا لم تُبِن”. هكذا بدأتُ روايتي. بتلك الجملة التي تلخص مفهومي لفن الرواية، من كتاب عبد القاهر الجرجاني “دلائل الإعجاز”.

أما متى بدأت الكتابة، فلستُ أدري. لكنني نشرت أول أعمالي بعد مقابلة مع كاتبي المفضل يوسف إدريس، والذي نهرني عندما سألته أأنشر أم لا؟ قائلًا: – عايزة رأيي: ” طظ فيّ” انشري.

وجاءت روايتي الأولى “مشتهيات”، ولابد هنا أن أعترف بأنها كانت رواية محظوظة حقًا؛ وأن فضل نشرها يعود للكاتب والصديق ابراهيم أصلان، والذي تحمّس لها، ونشرها بعد أشهر قليلة عام 1997. مع غلاف غاية في الروعة للفنان عمر جيهان. وقد كان التوزيع مذهلًا وقتها. فقد وصل عدد النسخ إلى 10 آلاف نسخة. وبدأت المقالات، الروائي حسن داوود والشاعر محمد الشهاوي والناقدان: ابراهيم فتحي ووائل فاروق وغيرهم.

أما عن سبب اختيار الشكل الروائي، فهو نفسه سبب اختيار فعل الكتابة؛ الكتابة ذلك الفعل الشجاع، الذي يستحق المغامرة والعناء، كونه يمنحنا تلك المعرفة الجديدة للذات والكون. لكنها أيضًا الخبرة الجمالية، هي ما يحدد الشكل الأدبي. فقد كنت أبحث وقتها عما يخلخل صور اليقين. ويجمع الشعر بالنثر. أقصد عما يمنحني تلك القوة والانسيابية والحرية. ولأنني أؤمن بأن على الرواية أن تتمرد على كل تأطير، وهذا هو قدر الكتابة عمومًا؛ فقد تحرر عملي من “السمات” وانتمى لتقنيات اللعب والتجريب وقتل كل تصوراتي عن الرواية التقليدية. فرحت أستبدل الأحداث بالإيقاع. وأفتّت بنية السرد، عبر اللقطات المبعثرة المتشظية. ومن خلال تنافر العناصر، والقفزات المتكررة، اختزال الأزمنة، وتوقيف الزمن وكل تقنيات السينما الأخرى. حيث يشير الزمن المفتت (في تصوري) إلى مصير الإنسان. ورحت أدعم المضمر والمسكوت عنه والمكبوت والملتبس، في مقابل الواضح، هناك حيث النداءات غير المسموعة: نداء الحلم واللعب والقتل. وأعود إلى : خلخلة صور اليقين. في المشتهيات، كان ومازال المشتهى مشروعًا وهميًا، ما إن تصل إليه، حتى يتغير الوجه ثم يتفتت. أو تكتشف أنها كانت أقنعة، وأنك كنت تبحث عن مفتقد، حينما يحضر، يصير آخر! فكانت شخصيات “المشتهيات”، ما بين الموقف والفعل، شخصيات في موقع” البين بين”، لا يقينية هادمة وذات طابع شبحي، ولا تفرق بين ما هو حلمي و ما هو ابن يقظة، فتتقاطع الأحلام بالواقع.
ما الواقع؟
لا أدري! .
كانت كلها عوالم موازية، ونداءات غير مسموعة وفخاخ. أناس مجهولون.. لكن ألمهم ومعاناتهم تخصنا. فما نحن سوى… محض حكايات، يأتي من يرويها عنا لغيرنا! وقد تعددت المشتهيات، ليسقط واحدها تلو الآخر، ولتبقى الحرية هي المشتهى!

تقول فريدة/ الراوية:

“وفي ليلة من ليال أخر، ليلة طويلة، قال أبي أول ما قال إن صائد الحيات (المخاوي)، قد أتى إلى الدار. وطلب من أمه أن تخرج من المكان كله؛ حتى يمكنه السيطرة عليها. فلما خرجت تلك التي كوت الحية بسيخ الحديد في رقبتها، وهي تخبز، عزّم المخاوي وأعطاها الأمان فتكومت أمامه، لاتُعَد دوائرها. فتح جواله، وخرج بها.
وفي حضن الجبل قال لها اسعي فانسابت وتعددتْ! كنت وما زلت أرى كل هذه المشتهيات ظلالًا.. مجرد ظلال، تنحسر إن نحن حرمناها النور. وها هي النهاية مفتوحة كما أردتها دومًا في كل أعمالي:

تقول الراوية:

“خذوا أيديكم معكم. أود أن أرى يدي أنا. الشَعر المقيَّد والخطوة الرجالية. أستذنب يحيى، أبرّئ يوسف أو أقتل فريدة. من يقع عليه اللوم ‍! ألقي بأسلحتي كلها، أخلع أقنعتي. أعجن الحناء، وأحني شعر أنهار. أقبل وجهها كله، ونحكي لا ننتهي. أذهب لأمينة. أمينة التي لم تعرف الذهب أبدًا، وتوحمَّت على الطين. أعبر الشوارع، أرى يدين تلتفان حول الخصر، ترفعان الجسد. فوق ذلك السور الذي يحيط بالنيل، ولا يحمي من الغرق أبدًا. ليبقى الفم المفتوح مفتوحًا “. وكما كتابي الأول، جاءت كتبي كلها ؛ لتأخذني أبعد عن سجوني، ولتقدمني قربانًا لسجون أخرى، أدخلها وأعرفها، وأخرج مهزومة أو منتصرة. أما النصر أو الهزيمة فلا أهمية لهما، في قانون المعرفة. فكلاهما معرفة جديدة بالذات وبالكون.

ــــــــــــــــــ

* كاتبة وروائية مصرية صدرت لها رواية “هلاوس” 2006 رواية “مقام التخلي” 2015 هذا إضافة إلى رواية “مشتهيات” 1997 كما نشرت مجموعتها القصصية بعنوان “عزف منفرد” تدرسُ بدوي الأدب العربي بالجامعة الأمريكية والمدرسة الفرنسية في القاهرة.


الرواية نت – خاصّ

The post سهام بدوي: جاءت كتبي كلها لتأخذني أبعد عن سجوني appeared first on الرواية نت.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 1074

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>