Quantcast
Channel: الرواية نت
Viewing all 1074 articles
Browse latest View live

«قوارير شارع جميلة بوحيرد»… في مواجهة الاستبداد

$
0
0

مسعودة لعريط

تعالج رواية «قوارير» للكاتبة الجزائرية ربيعة جلطي الكثير من الموضوعات والقضايا الاجتماعية والدينية والسياسية والوجودية، المتعلقة بالمسألة النسائية، انطلاقا من وضع المرأة كمفهوم وتمثل وواقع معيش، يظهر من خلال العلاقة بالشبيه المختلف (الرجل) ضمن رؤية أنثوية صوفية، تحتفي بالأمومة كمنطلق للتحرر، حيث لم يحصر الإنجاب بطلة الرواية في العمل المنزلي، ولم يمنعها من المساهمة في التغيير، بل عكس ذلك تماما، نجد أن الأمومة دافعا قويا للاجتهاد والصرامة.
كما تقترح هذه الرواية أن يكون الحب منقذا لكوكب البشر، نساء ورجالا وخلاصا لمأساة نسج خيوطها التاريخ المزيف، الذي كتبه الرجل وشاركت في تكريسه المرأة.
تنسج خيوط الرواية حول حكاية امرأة مثقفة، ذات مستوى تعليمي عال، تنتمي إلى الطبقة المتوسطة الميسورة الحال، في مجتمع ذكوري تنتفي فيه الحقوق الأساسية للمرأة، هي»اصفية الصابرة» التي أحبت رجلا هجرها وسافر مع أخرى، يوم وضعت مولودتها منه، فتنهار وتخسر عملها، لكنها تنهض وتتخلص من وصاية الأب والأهل، وتستقل بحياتها في شقة صغيرة، وتتمكن من تنشئة طفلتها «ليناز» بطريقتها الخاصة، بل أكثر من ذلك تنخرط في تجربة من نوع خاص تمكنها من توحيد النساء، وتأنيث شوارع مدينة، فتصبح تحمل أسماء نساء ساهمنَ في صنع التاريخ، في حقول ومجالات متعددة: (شارع آسيا جبار، شارع بقار حدة، شارع الريميتي، شارع زبيدة حقاني، شارع رينيت لورنيز، شارع الكاهنة شارع تنهنان) ما يجعلنا نتحسس تحكم عنصر الفضاء المكاني بنسيج الرواية وبنيتها، إذ ينهض بوظائف متشابكة سردية ودلالية ومرجعية.
تقترن فكرة تأنيث المكان، في نص «قوارير» بنظرة صوفية تجسدها المقولة الشهيرة لابن عربي «كل مكان لا يؤنث لا يعول عليه»، ومن ثم جاء وسم شوارع المدينة بأسماء مؤنثة، رفضا للامتثالية والخضوع لهيمنة الذكورة على الفضاء العمومي، وعنفها في مجتمع يلغي كيان المرأة ووجودها، بحكم التأويلات الدينية المغلوطة والأعراف المجحفة. ولعله أيضا محاولة لإعادة الأمور إلى بدايتها وأصلها، حسب الفكرة التي اقتبستها سيمون دي بوفوار من أنجلز، الذي نقلها بدوره عن هيروديت، التي تقول بأن المجتمعات كانت في البدء كيانات غلبت عليها الأمومة، وكما جاء في كتاب «الأنثى هي الأصل» لنوال السعداوي.
إن اختيار اسم «جميلة بوحيرد» وإطلاقه على شارع قمبيطة، يبرز أهمية الدور الذي لعبته المرأة الجزائرية في تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، باعتبارها أيقونة الثورة التحريرية الجزائرية، والتاريخ الجزائري يحفل بالنساء الثوريات المناضلات، لكن المفارقة الكبرى هي أن النضال الوطني أفضى بعد الاستقلال إلى وضع المرأة الجزائرية في الهامش الاجتماعي والسياسي، رغم سياسة التعليم المجاني والإجباري للجنسين. يجدر بنا أن نشير في هذا السياق إلى أن سيمون دي بوفوار أكدت في الستينيات من القرن الماضي، على أن مسألة المرأة لا تحل ضمن مسائل التحرر الشاملة، وأن تغير الأوضاع السياسية والاجتماعية، لا يعني بالضرورة تغير وضع المرأة إلى الأفضل، وبالتالي على النساء التجند حول قضيتهن.

تؤكد هذه النهاية رمزية الذكورة المدمرة المرادفة للتسلط والحرب، وتبقى بذلك مسيرة النساء ونضالهن من أجل تحقيق العدل والمساواة والمحبة على كوكب الأرض قيد الحلم والإنجاز لا التحقق.

نشتم من «اصفية» الشخصية الرئيسة لرواية «قوارير»، رائحة النسويات الرائدات أمثال كاميل باجيلا أستاذة العلوم الإنسانية في جامعة الفنون في فيلادلفيا، التي انتقدت الموجة الثانية من الحركة النسائية بوصفها «حركة تأخذ دور الضحية»، وهي شخصية اشتهرت بنظرياتها الجدالية في الاغتصاب، الذي يحدث أثناء المواعيد الغرامية، قائلة بأن النساء يجب أن يتحملن المسؤولية في تجنب مثل هذه المواقف، حيث تتحمل «اصفية» المسؤولية كاملة على عاتقها، وتدرك أن قضيتها ليست فقط قضية النساء، إنما هي قضية كل البشر. ومن ثم تنخرط في قلعة «الكاملة بنت الصفا» كمدونة لكتاب «صحائف النساء»، لتتمكن من تحقيق شروط التحرر المتمثلة في الاستقلال المادي، وتحمل مسؤولية الوجود، الأمر الذي لا يتأتي إلا بتحرير الأنا والآخر.
تتكرر شخصية اصفية من خلال «ليناز»، التي التحقت أيضا بالقلعة، مواصلة طريق الاستقلالية والتحرر في عالم القلعة الصوفي، الذي يعج بالنساء من نوع خاص، وسيدته الأولى»الكاملة بنت الصفا»، بينما تشرف عليه «حلاجة»، ميدانيا، وتسيره بدقة واجتهاد وتفان، إلى أن يكتمل الكتاب الذي يريد إعادة صياغة العالم، وترتقي «ليناز» درجات التكشف والإشراق، لتعانق الحب في لحظات من الجلاء الصوفي.
ينتشر خبر الكتاب، ويقام عليه الحظر، وتفتش بيوت النساء المشبوهات بالمساهمة فيه، وبذلك تعتقل «اصفية» كبطلة تحت زغاريد نساء حي «جميلة بوحيرد»، وتنبري الماتر «فطوم» للدفاع عنها، ويفرج عنها في الأخير في مشهد يناقض مقولة تشتت النساء ويجسد التضامن بينهن في العمل. تجدر الإشارة إلى أن عملية التغيير والتحرر ارتبطت في هذا النص بالكتابة كمهنة ظلت إلى أمد طويل حكرا على الرجال، ومن ثم كانت معركة النساء الأولى والأهم على الإطلاق. إن الكتابة باعتبارها فعل تحرر، تمثل خطرا كبيرا بالنسبة للسلطة القائمة على الاستبداد، ولطالما تعرض الكتاب الثائرون إلى العقاب والسجن والقتل والحرق، مثلما تعرضت كتابة المرأة عبر التاريخ للطمس والمنع والإجحاف، نظرا لما ينتج عنها من إخلال بالقواعد الاجتماعية الذكورية، التي تنمط المرأة في أدوار معينة وتحيطها بمجموعة من المشروطيات المجحفة والخاطئة، التي يعارضها النص باشتغاله على شخصيات مؤنثة، تقدم نماذج مختلفة للتحدي والنجاح، كالخنساء التي لم يصلنا من شعرها إلا مرثيتها الخالدة لأخيها صخر، وهي بذلك استحقت الإهداء والتموقع في الصفحة الأولى لهذا المتن الروائي: «إلى بنت أبي… أختي الخنساء» ولعل ذلك إقرار واضح من الكاتبة بالانتماء إلى الثقافة العربية من جهة وتأكيد، من جهة أخرى، على الإجحاف الممارس في حق النساء العربيات الأديبات، في ظل النظام الأبوي الممتد منذ عصر الخنساء إلى عصر ربيعة جلطي.
يتأخر ظهور كتاب «صحائف النساء» الذي كان من الأجدر أن يرى النور قبل اندلاع الحرب، وتتعثر مسيرة النساء وتفشلن في إحداث التغيير. إن تأخر فعل الكتابة والتدوين عند المرأة العربية، واقع مؤكد نتج عنه تأخر الوضع العام لها، ما يجعلها اليوم تبدو أشبه ما يكون في سباق مع الزمن، وكتابتها لا تكاد تنفلت من النظام الرمزي القائم، طالما أن الرجل هو المعلم والقدوة والنموذج. لم ينجُ كتاب «نساء القلعة» من فخ اللغة، كإطار جاهز فجاء بصيغة متلبسة بصوت الرجل: «صحائف النساء» بينما كان بالإمكان أن يحدث الفرق، لو أنه وسم بعنوان «صحائفنا نحن النساء»، فالرجال كما تقول سيمون دي بوفوار في كتابها «الجنس الآخر»، يقولون: «النساء» والنساء يتخذن الكلمة نفسها للإشارة إلى أنفسهن. إنهن لا يتخذن موقفا فاعلا أصيلا. بالإضافة إلى النسائية الانتقائية الموجهة بعناية توظف رواية «قوارير» مقولات صوفية لمحيي الدين بن عربي» طوبى لمن حار»، وجلال الدين الرومي: «ومن المحبة تصبح كل الآلام شافية»، والصوفي عبد الرحمن المجذوب، والحلاج: « ما تحت الجبة الا الله»، لتشكل رؤية صوفية متكاملة ومجسدة في فضاء القلعة ورموزها الصوفية المختلفة. كما أنها تمنح هامشا للاحتفاء بنوع من الرجال من صنف»ابن رشد» القرطبي الأندلسي، الذي ربط «انهيار الحضارة في عصره بفعل إبعاد المرأة عن الشأن العام»، رغم فشل محاولة مصطفي حماية مدينة حبيبته، التي صارت رمادا، ولم يبق فيها سوى آدم، ذلك الرجل المتمرغ في الرماد، وهو يصرخ بهستيريا أمام تدفق سائل أسود (بين ساقيه) ملقيا بما تبقى من حطام وشذرات كتاب «صحائف النساء» داخل ذلك السائل الأسود، معلنا ثراءه وجبروته وسطوته على المكان، ما يحيل إلى لعنتي البترول والذكورة اللتين دمرتا المجتمع الجزائري.
تؤكد هذه النهاية رمزية الذكورة المدمرة المرادفة للتسلط والحرب، وتبقى بذلك مسيرة النساء ونضالهن من أجل تحقيق العدل والمساواة والمحبة على كوكب الأرض قيد الحلم والإنجاز لا التحقق.

٭ أكاديمية جزائرية

عن صحيفة القدس العربي

The post «قوارير شارع جميلة بوحيرد»… في مواجهة الاستبداد appeared first on الرواية نت.


روايات ليبية نسائية…بعيداً عن تحديد الهوية الجنسية

$
0
0

خيرية فتحي عبد الجليل

أهم ما يميز هذا الكتاب هو أن مؤلفه الأستاذ “يونس الفنادي” عند تناوله ودراسته للروايات المذكورة فيه لم يقر بخصوصية إبداع المرأة الليبية الروائي ولم يصنف الروايات على أساس أدب نسائي أو رجالي، هذا التصنيف الذي يقتل روح النص في كل عمل إبداعي، وهذا ما جعلني أستمر في قراءة الكتاب إلى نهايته دون أخذ نفس أو توقف، أنا أؤمن بأن الكتابة الإبداعية لا تعترف بجنس معين، فهي تجربة إنسانية بقلم نسائي يحمل خصائص معينة فجعلنا نشعر أن أهمية دراسته لم تأت من جنس الكاتبات موضوع الدراسة، الخصوصية لم تأت من كونها أنثى أو كونه رجل، بل من خصوصية ونضج تجاربهن، رصد الهم الإنساني والمعاناة عند كل كاتبة عبر جغرافية ليست بديلة بل راسخة في الانتماء والأصالة.

لقد شدني الكتاب بداية من العنوان فهي روايات ليبية أولاً قبل أن تكون نسائية وهذا الترتيب يوحي بأن الأولوية لهوية العمل الروائي من حيث نضجه، عمق مضامينه ولم يتناولها من حيث هوية جنس كاتباتها، كما مس شغاف قلبي سطر الإهداء الرقيق المرسل إلى مبدعة أول رواية ليبية المربية مرضية النعاس ولا أدري لماذا وقفت طويلاً إجلالاً لسطر الإهداء الأنيق المفعم بالنبل، هذا السطر الساحر الذي غمر مشاعري بكل الدفء اللذيذ، لقد سحبني وشدني عبق الوفاء الفريد فيه إلى مواصلة قراءة الكتاب إلى أخره.

هذا الكتاب اختارني، سعى إليّ ورتّب لحظات اللقاء معي.. فعندما تناول الأستاذ يونس روايات الكاتبات، تناولها بحنو ولطف دون تعصب أو تمييز أو الانحياز التام أو التهليل المبالغ فيه هذا التهليل الذي غالبا ما يسيء إلى النصوص موضوع الدراسة، ولامسها برقة الأب الحريص على مصلحتها، فككها وحللها ثم أحتضنها بنبل وسمو ونظر إليها نظرة إنسانية خاصة بعيدة عن التعقيد وعن تحديد الهوية وتحدث عن عوالم روائية مختلفة ورحيبة.

كما أن الكاتب جعلنا نشعر إن إبداع المرأة كإبداع الرجل تماما فهي تستخدم اللغة نفسها والمفردات نفسها، ولم يشعرنا أن لغة المرأة ومفرداتها وتراكيبها اللغوية أتت بها من عالم كوني مختلف وأعتقد أنه أختار روايات دراسته بذكاء.

بين لنا الكاتب أن لكل نص من النصوص الروائية التي تناولها في دراسته خصوصيته، ولكل كاتبة عبقريتها، حاول إبراز جماليات كل نص على حدا، وميز إبداع كل كاتبة عن الأخرى، لغته الرقيقة وأسلوبه الجميل المتفرد جعلنا نقترب من النصوص ونعشقها، نقرأ الكتاب بمتعة ونتسلل إلى النصوص لنقترب من روح كل كاتبة ونتمنى مصافحة كل رواية ومعانقة كل حرف فيها، جعلنا الكاتب نتمنى اقتناء كل الروايات المذكورة وحفز لدينا الرغبة في قراءتها بنهم وحب ولهفة.

أنا أعتبر أن هذا الكتاب مكسب كبير للرواية الليبية التي تفتقر إلى هذا النوع من الدراسات النقدية، ومرجع هام لكل دارس للأدب الليبي بقلم نسائي.

The post روايات ليبية نسائية… بعيداً عن تحديد الهوية الجنسية appeared first on الرواية نت.

شوقي برنوصي: عوالم الخيال والتخييل لا نهاية لها والرواية من أهمّ أعمدتها

$
0
0

الرواية نت – لندن

يعمل الروائي التونسي شوقي برنوصي على خرق المحظورات روائياً، ويحرص على أن يكون وفياً للعمل الروائي، منطلقاً من احترام سلطة القارئ وما تفرضه من جهد وحرص وتقدير.

في حواره مع الرواية نت، يعرب الروائي والمترجم شوقي برنوصي عن يقينه بأنّ الرواية بقيت الرواية صامدة إلى الآن رغم الثورات التي شهدها العالم من آلة الطباعة لغوتنبرغ وصولا إلى الثورة الرقميّة في الوقت الحالي. ويقول: أظنّ أنّ الرواية ستصمدُ، لأنّ الروائيّين استشرفوا كلّ هذا التحوّلات التكنلوجيّة وسيواصلون الاستشراف.

يصرّح مبدع «مأزق تشايكوفسكي» ببعض آرائه في قضايا أدبية وحياتية عديدة في هذا الحوار الثري..

  • كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟

يعتبر إصدار أوّل رواية تحدّيا كبيرا، وهذا ما حاولتُ أخذه بعين الاعتبار. أعتبرُ نفسي أنّني قد نجحت نسبيّا في الدخول إلى قلوب القرّاء والنقّاد. قبل صدورها، تحصّل مخطوط روايتي الأولى «مأزق تشايكوفسكي» على المرتبة الثانية في جائزة حورس الإسكندرية للرواية سنة 2015 ورغم ذلك أعدتُ كتابتها أربع مرّات لأنشرها أواخر سنة 2018. لاقت الرواية بعد صدورها نجاحا لافتا، كُتبت حولها عديد المقالات في صحف عربيّة وتونسيّة (رصيف22، العربي الجديد، العرب اللّندنيّة، التراصوت، الشرق الوسطـ، الأوان، الصحافة والشروق والصباح وهي من أعرق الصحف التونسيّة، وغيرها) وتحصّلت على اكتشاف جائزة الكومار الذهبي للرواية بتونس سنة 2019. هذا بالإضافة إلى لقاءات إذاعيّة وتقديمها مرّتين في بيت الرواية التونسيّ. لا تزال الرواية -إلى اليوم- تلاقي ترحيبا من قبل كثير من الأوساط، ويعتبرُ ذلك أمرا إيجابيّا نسبة لرواية أولى. أعتقدُ أنّ الروائيّ يجب عليه أن يحترم ذكاء القارئ ويفاجئه، وأن يتواضع ويشتغل بجدّ على عمله الإبداعيّ وألاّ يتسرّع في النشر. أهتمّ كثيرا بالقراء الأذكياء، لأنهم-هم وحدهم- من يصنعون الكاتب الجيّد.

  • ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟ هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

عديدةٌ تلك الروايات التي أثّرت في كتابة روايتي الأولى أو الثانية التي أعمل على استكمالها.  أوّلها «الملك ينحني ليقتل» لهرتا موللر و«هياج الأوزّ» لسليم بركات و«ربيع أسود» لهنري ميللر و«المشرط» لكمال الرياحي، مثّلت كلّ الأعمال التي ترجمت دروسا تطبيقيّة في كتابة الرواية. سأكون صريحا، دخلتُ مجال الترجمة لأفهم دواخل كتابة الرواية وعوالمها الخفيّة. تمنحكَ الترجمة فرصة لفهم الأساليب الروائيّة وتقنيات كتابة الشخصيّة وبناء الحوار الذي يسرّع الأحداث ويعمّق الحبكة. هنالك روايات أخرى تمنّيتُ كتابتها أوّلها تحفة «كلّ الحيوانات الصغيرة» للكاتب الاسكتلندي المنسي ووكر هاميلتون، وقد قمت بترجمتها وستنشر في دار «أثر» السعوديّة هذا العام. رواية أخرى تمنّيتُ لو كنتُ كاتبها وهي «امتداح الخالة» لماريو فارغاس يوسا، زادتها ترجمة العملاق –الفقيد- صالح علماني ألقًا. في الواقع، لم أندم على نشر أيّ من رواياتي سواء التي كتبتُ أو ترجمتُ. أدرسُ اختياراتي جيّدا، وأحاول أن أقدّم للقراء العرب ما يفيدهم ويمتعهم.

  •  كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

منذ ظهور كتاب «الحمار الذهبي» للوكيوس أبوليوس أوّل رواية في التاريخ، بقيت الرواية صامدة إلى الآن رغم الثورات التي شهدها العالم من آلة الطباعة لغوتنبرغ وصولا إلى الثورة الرقميّة في الوقت الحالي. أظنّ أنّ الرواية ستصمدُ، لأنّ الروائيّين استشرفوا كلّ هذا التحوّلات التكنلوجيّة وسيواصلون الاستشراف. رغم ذلك، لا يجب أن ننكر أنّ الكتابة الروائيّة تفاعلت مع ثقافة الصورة وتماهتْ معها. تعدُّ الرواية مساحةً للقارئ لصنع صور في خياله دون خوف من الرقابة، والخيال أهمّ من المعرفة كما قال ألبرت اينشتاين. تؤرّخ الصورة للواقع المحدود أصلا، لكن عوالم الخيال والتخييل لا نهاية لها والرواية من أهمّ أعمدتها.

  • كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟

النقد في العالم العربيّ محرّكٌ بخاريّ، وتملك طائرة الرواية العربيّة محرّكا نفّاثا. هكذا أجيبُ ببساطة على هذا السؤال. نقّاد الرواية العرب محافظون وعجزوا عن مواكبة حركة السرد العربي، بقوا قابعين عند جيل الستّينات على أقصى تقدير. تسيطرُ هذه المؤسّسة النقديّة للأسف-إن اعتبرنا أنّ لها وجودا- على الجوائز العربيّة وبالتالي على حركة الترجمة إلى اللّغات الأخرى. مَنعتْ هذه المؤسّسة إدراج جيل الروائيّين الجديد في المناهج الجامعيّة والمدرسيّة، وهذا ما أثّر على التسويق، إذ أنّ أغلب النقاد العرب من أساتذة الجامعات. «الأساتذة الجامعيّون يجعلونك تأكلُ التراب بدل الكسكسي. وهم، على كثرتهم يركنون إلى التكرار ويعجزون عن الخلق والابتكار. الجامعة ليستْ فضاءً ملائما للتأمل والتفكير، وإنّما هي مُنتجٌ للتفاهة والابتذال. بِئْسَ المكان هي! يُغتَصبُ فيها المكتوب من غير أن يُفهمَ» هذا ما قاله عن الجامعة وأساتذتها الكاتب المغربي الكبير-باللّغة الفرنسيّة- محمّد خير الدين في يوميّات كتبها قبل موته سنة 1995.

  • إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

أعتبر تجربتي فتيّة مقارنة بالروائيّين الآخرين في العالم العربي، لكن رغم ذلك حظيتْ باهتمام. يجبُ أن أعملَ أكثر لأترك بصمة في الساحة التونسيّة والعربيّة. أتعلّم أشياء جديدة من خلال قراءاتي سواء بالعربيّة أو عن اللّغة الفرنسيّة أو الانجليزيّة، سوف يلفت العمل الجدّي والمدروس أنظار النقاد والمترجمين أجانب إليَّ حتما.   

  • كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

من وجهة نظري، تبلورت سوق عربيّة للرواية ويعود الفضل إلى الثورة الرقميّة. سمحت لنا هذه السوق بالاطّلاع على تجارب محليّة عربيّة، تعرّفنا مثلا على الرواية السعوديّة والكويتيّة واليمنيّة والعمانيّة. انفتحت أفق النشر عند الكتّاب وصاروا أقرب للقارئ العربي بفضل سوق الرواية العربيّة. تكمن المشكلة في عدم حرفيّة بعض دور النشر-حتّى المعروفة منها- وغياب حقوق التأليف والقرصنة. عموما هنالك سوق مفتوحة للروائي، وعلى الكاتب أن يستغلّ الفرصة وأن تتطوّر المؤسّسة النقديّة لمواكبتها.

  • هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

تطرّقتُ في رواية «مأزق تشايكوفسكي» لقضيّة المثليّة الجنسيّة، حاولتُ أن أقدّم شخصيّة تعاني مأزق هويّة بين ما يرغب فيه وما يقبله المجتمع. في الواقع، أتت فكرة كتابة الرواية من مسيرة بعد الثورة في تونس قام بها المثليّون بالعاصمة. طرحتُ الاستفهام التالي، «من أين تستمدّ هذه الفئة من الناس تلك الجرأة، لمجابهة عقليّة المجتمع المحافظ؟». شرعتُ في قراءة روايات لكتّاب أعلنوا مثليّتهم مثل أندري جيد ويوكيو ميشيما خاصّة روايته «حبّ محرّم»، كما اطّلعتُ على رواية «المدينة والعامود» للكاتب الأمريكيّ غور فيدال. كذلك اطّلعتُ على المدوّنة العربيّة مثل «عودة الألمانيّ إلى رشده» للكاتب اللّبناني الكبير رشيد الضعيف وغيرها، خلال ذلك قرأتُ سيرة الموسيقار المثلي بيوتر تشايكوفسكي واستلهمتُ منها ملامح الشخصيّة الرئيسيّة للرواية، التي توافق ما أتصوره وما أريد هدمه ممّا قدّمته المدوّنة العربيّة حول الموضوع. حاولتُ تقديم شخصيّة فريدة مثقّفة راقية ويعي ما يفعله، وليس شخصا مغلوبا على أمره وخانعا.

أمّا الرواية الجديدة التي شارفتُ على إنهائها والتي لا زلتُ لم استقرّ على عنوان لها، فتهتمُّ بفئة ذوي الإعاقة أو فئة «ذوي الهمم» في تونس، خاصّة المبتورين منهم. انطلقت الفكرة من كوني درّبتُ قرابة تسعمائة شخص من ذوي الإعاقة، حول التنظّم الجمعيّاتي والمناصرة والعمل ضمن فريق. عرفتُ أشخاصا أثّروا فيَّ كثيرا وألهموني لكتابة رواية حول هذا الموضوع قليل التطرّق إليه في العالم العربي. أردتُ أن أرسّخ معاناة أصحاب الإعاقة. ركّزتُ على المبتورين، لأّن فعل البتر يعني لي الكثير من الأشياء:  بتر الماضي والمستقبل، بتر القيم والمبادئ، بتر ثقافة الاختلاف والتوق إلى الحريّة وإلى مستقبل أفضل. وككلّ عمل سرديّ أشرعُ فيه، قرأتُ بعض الأعمال الإبداعية حول الإعاقة مثل الكرّاس الأسود للكاتب الفرنسي«جو بوسكيه» وقدمي اليسرى لكريس براون وخاصّة  «رسالة عن العميان في خدمة المبصرين» للكاتب الفرنسيّ الكبير دنيس ديدرو، ولن أنسى طبعا التحفة التي ترجمتُ إلى العربيّة «بذلة الغوص والفراشة» لكاتبها جون دومينيك بوبي.  

  • إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

ترتبط الجوائز بالنقد الروائي الذي تحدّثت عنه في السابق. أعضاء لجان التحكيم ينتمون إلى مدرسة كلاسيكيّة في الرواية العالميّة. يمكن أن أشبّه الوضع بطرح سؤال على أرستقراطيّ يملك عبيدا من العصور الوسطى حول الحريّة والمساواة، النقّاد العرب هم الأرستقراطيّون وتمثّل الرواية العربيّة الحديثة الحريّة والمساواة. لهذا السبب تغضّ الجوائز النظر عن أعمال متميّزة، وتكرّس أخرى بتعلّة المحافظة على التقاليد والأعراف والأخلاق. أكثر مثال معبّر عن ذلك رواية «سيّدات القمر» للروائيّة العمانيّة جوخة الحارثي التي تحصّلت بفضل ترجمتها إلى الانجليزيّة على جائزة مان بوكر العالميّة، ولم تتوّج بجوائز عربيّة كبرى. تعملُ جوائز الرواية عربيّا مثل بيت العنكبوت، إذ يلتقط الطرائد الصغيرة وتُفلتُ منه الكبيرة.

  • كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

ترتبط ترجمات الأعمال العربيّة إلى لغات أخرى بالجوائز، شخصيّا لا أعتبر تمويل كاتب لترجمة أعماله إلى لغات أجنبيّة ترجمات. استمعتُ إلى أراء بعض المترجمين الأجانب من العربيّة، استنتجتُ أنّ عدم بروز الأعمال العربيّة في الخارج يعود إلى تواضعها الفنّي والأسلوبيّ وعدم انسجامها مع ثقافة الآخر.  الأعمال التي تترجم غالبا هي المتحصّلة على جوائز مثل البوكر وكتارا وغيرها، أو تلك الخاصّة بكتّاب مكرّسين منذ سنوات. هنالك روايات رائعة مثل تلك الخاصّة بسعود السنعوسي أو ربيع جابر أو علاء الأسواني وآخرين. أطمحُ إلى أن يتألّق العربي مثل الأدب اللاتيني أو الروسي أو الهندي، لكن أغلال النقد والجوائز العربيّة تمنع تحليقه عاليا.  

  • يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ أو الحد من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

سأنطلق من تجربة عشتها. قدّمتُ رواية «مأزق تشايكوفسكي» إلى إحدى دون النشر العربيّة المحترمة والكبيرة خارج تونس، ووافقت عليها لجنة القراءة الخاصّة بها. لكن بعد أسبوعين تمّ رفضها من طرف المسؤولين عن الدار بسبب موضوع المثليّة الذي تتطرّق إليه، وهذا حقّها لأنّ لها جمهورا في بعض البلدان المحافظة. لا نعاني في بلدي تونس من موضوع الرقابة منذ 2011 وهذه حقيقة واقعة، تكمن المشكلة في الجوائز التي تستبعد الأعمال على بعض الكلمات النابية دون النظر إلى فنّيتها. يريدون منّا أن نُنْطِقَ قاطع طريق بكلمات أستاذ جامعيّ، أو نُنْطِقَ عاهرةً بلسان راهبة. لم أعد أهتمّ بهذه الرقابة، بل أجنح إلى الامتثال الدقيق لتقنيات كتابة جنس الرواية. أعتقدُ أنّ العُهر الحقيقي يكمن في عدم احترام نواميس العمل الأدبيّ.   

  • ما هي رسالتك لقرّائك؟

أنا قارئ أيضا. صَنَعَ قرّائي حضوري ككاتب، ومن خلال هذا المنبر أودّ أن أشكرهم واحدا واحدا وأهديهم باقات الورود جميعها. هناك سؤال طرحه دنيس ديدرو «لكن من سيكون السيّد؟ الكاتب أم القارئ؟» وحاول ألبرتو مانغويل الإجابة عليه في كتبه مثل «تاريخ القراءة» و«فنّ القراءة». أرى أنّ سلطة القارئ يجب أن نُجلّها ونحترمها مثلما نحترم قيمنا، فعل القراءة قيمة أصيلة ومتأصّلة منذ ظهور الكتاب. الرواية مرآة للمجتمع، يحاول الكاتب تعديل وجهتها ويبتغي القارئ إيجاد صورة له فيها.

The post شوقي برنوصي: عوالم الخيال والتخييل لا نهاية لها والرواية من أهمّ أعمدتها appeared first on الرواية نت.

النحال الحلبي: رواية للكاتبة البريطانية “كريستي لفتيري” عن سوريا بين الخراب والأمل

$
0
0

نزار الحمود

تسلط جائزة أسبن الأدبية الضوء على مواضيع نعيشها الآن واليوم. تهتم هذه الجائزة بالأدب الذي يجسد الواقع وينقله من نقطة موضعية إلى العالم أجمع. الجائزة لا تزال حديثة العهد، فقد أكملت دورتها الثالثة في عام 2020، لتعلن عن فوز رواية “The Beekeeper of Aleppo – النحال الحلبي” للكتابة البريطانية “Christy Lefteri – كريستي لفتيري”، والتي تدور حول الحرب في سوريا.

نالت الرواية جائزة أسبن الأدبية على حساب أربع روايات أخرى، وبالتالي أربع راوئيين آخرين: (برايان كار، نيكول دينيس، فاليرا لويزلي، براين واشنطن)، حيث تناولت الراويات جميعها بما فيها الرواية الحائزة على اللقب، مواضيع مهمة وذات صلة بالواقع الحالي، إذ صورت الروايات مواضيع الفقر والتمييز العنصري والإدمان والمخدرات وهجرة اللاجئين، وهي ثيمة العمل الفائز.

رواية النحال الحلبي الأدب مرآة الواقع

رواية - النحال الحلبي - كريستي لفتيري - جائزة أسبن الأدبية - التغريبة السورية
سوريا في رواية “النحال الحلبي” للكاتبة “كريستي لفتيري” الحاصلة على جائزة أسبن الأدبية.

عظيمة دائمًا مقولة الكاتب الفذ “ماريو بارغاس يوسا” حين تكلم عن الأدب فقال:

“الأدب هو تمثيل مخادع للحياة، ومع ذلك يساعدنا بشكل أفضل على فهمها، على قيادتنا في المتاهة التي ولدنا فيها، التي نجتازها والتي نموت فيها. إنه يعوضنا عن الخيبات والكبت التي تصفعنا بهما الحياة الحقيقية”.

لم تولد شخصيات رواية “النحال الحلبي” الرئيسية (نوري وزوجته الفنانة عفراء) من العدم. ذاق والدا الكاتبة البريطانية “كريستي لفتيري” من قبل طعم الهجرة والتهجير، وعرفوا بحق معنى اللجوء. كان ذلك أثناء الصراع التركي القبرصي، فهاجرا قسرًا إلى المملكة المتحدة، حيث ولدت الكاتبة ونشأت هناك. حمل والدها هذا الهم، وعلق تمامًا في ذاكرتها. لا تزال تذكر مؤلفة روايتنا تلك كلام جدتها:

“عندما وصل أبي أخيرًا إلى أراضي المملكة المتحدة، لم تتعرف عليه والدتي بسهولة، كانت عيناه كما لو أنها امتلأت بالدم. لا أعلم إن كانت فعلًا عيناه قد امتلأتا بالدم، أم أن أنها رأت شيئًا فيهما لا يفسر ولا يفهم”.

لم تكتف “كريستي لفتيري” بذلك، لكنها أردات أن تكون جزءًا أكبر في حياة اللاجئين، وأن تحدث فارقًا في مسيرة حياتهم. لذا عملت كمتطوعة في مركز لدعم اللاجئين السوريين والأفغان في اليونان.

“أعلم يقينًا أنه بإمكاني الرجوع إلى لندن في أي وقت أشاء، لكن من قابلتهم من اللاجئين، سيبقون هنا، عالقين في أثينا، لا بعلمون إلى أين سينتهي بهم المطاف”.

هناك، سمعت العديد من القصص عن معاناة اللاجئين، عن أسلوب حياة مختلف تمامًا عما عاشوه، فآثرت أن تخلد أصواتهم وتنقلها من حارات وقرى ومدن مهدمة، متعبة من القصف والكبت، إلى العالم أجمع. استمعت إلى مقولة “يوسا”، وأيقنت بأن الأدب يعوضنا -أو قد يعوضنا- عن الخيبات والكبت التي تصفعنا بهما الحياة الحقيقة، فكانت روية “النحال الحلبي” هي زبدة تلك القصص. وهكذا قالت الكاتبة البريطانية:

“يتمثل دوري بصفتي كاتبة، أن يحاكي القارئ الحدث الروائي بأن يحل مكان الشخصيات الروائية، أن يصبح هو البطل، أن يحس بما تحس به تلك الشخصيات، أملًا في أن تصل معاناتهم بشكل أوضح”.

لم تكن هذه المرة الأولى التى تكتب بها الكاتبة “كريستي لفتيري” المتوجة بالجائزة الأدبية عن موضوع إنساني، وتحديدًا عن الحرب والتهجير واللجوء. فقد صدر لها من قبل رواية “بطيخة وسمكة وإنجيل” والتي تتحدث عن الصراع التركي القبرصي. ربما تسعى “لفتيري” إلى أن تكون صوت الإنسان المتعب من فقدان الوطن والباحث عما يشبه البديل؟

عن رواية النحال الحلبي

النحال الحلبي
الأدب مرآة الواقع: رواية “النحال الحلبي” تدور حول الحرب في سوريا ومعاناة اللاجئين فتحصل على جائزة أسبن الأدبية.

تبدأ رواية “النحال الحلبي” بشكل هادئ في سوريا، حيث تعيش عائلة النحال الحبي نوري في تناغم واضح. تناغم داخلي بين أفراد الأسرة المكونة من نوري النحال وزوجته عفراء وسامي ابنهم العزيز.

في هذا الهدوء وهذه السكينة، لن يعكر صفو هذه الأجواء حالة عادية، هي بحاجة إلى حالة استثنائية، إلى قنبلة تفجر هذه الأجواء، فتجعل أكبر قطعة فيها أصغر من حلم إنسان بسيط. وهكذا حصل! تسقط قنبلة لتفتت كل هذه الروابط وكل هذا السكون، فيموت الابن سامي، وتفقد عفراء بصرها، ويفقد نوري السكينة.

نرشح لك قراءة: شباب رواد الأعمال في سوريا يعيدون بناء ما دمرته الحرب (تقـريـر)

الرواية تسير بخطين زمنين: الأول في 2015 حيث تقرر العائلة المحطمة ترك حلب والتوجه إلى المملكة المتحدة، قاصدين بذلك الذهاب إلى مصطفى ابن العم، من خلال العبور بتركيا ثم اليونان. أما الخط الزمني الآخر، فيروي لنا الأحداث بعد سنة، من مدينة في المملكة المتحدة.

وفي خطابها عقب حصولها على جائزة أسبن الأدبية، والذي تم بثه عبر الإنترنت؛ نظرًا للظروف الحالية التي يعشها العالم جراء فايروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، قالت الكاتبة “كريستي لفتيري”:

“تبدأ الرواية بهذه الكلمات: “أخاف من عيني زوجتي” اخترت هذا الكلمات لتكون افتتاحية الرواية لأن هذه الكلمات تحمل في طياتها الكثير من الحقيقة”.

الحكايات تنقل المعاناة بشكلها الفعلي، كما لا تفعل الإحصائيات ولا الأرقام ذلك. فالأرقام هي أشياء مجردة من الشعور. يثبت الأدب مرة أخرى أنه قادر على أن يقرب المسافات بين البشر، أن يعزز شعور المواجدة بينهم.

الجوائز الأدبية والفائدة العظيمة للقارئ العربي

Christy Lefteri - الأدب - سوريا
الكاتبة البريطانية “كريستي لفتيري” مؤلفة رواية “النحال الحلبي” عن الحرب في سوريا.

الجوائز الأدبية كجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، ونوبل للآداب وغيرها، هي دائمًا مادة ساخنة جدًا تثير الجدل والنقاش في الوسط الأدبي وأحيانًا كثيرة خارجه. ففوز رواية معينة بجائزة معينة يعمل على تسليط الضوء على الكاتب بشكل كبير، يضعه تحت المجهر، فيصبح لزامًا عليه تحمل العبء الكبير من النقاد والقراء والصحفيين.

إلا أنني ولو كنت سأختار ميزة واحدة لتلك الجوائز، فهي أن تعرفنا على كتاب جدد، وبالتالي ستعمل دور النشر العربية بشكل أكبر على ترجمة الجديد والمعاصر. فمثلًا تعرف القارئ العربي على الكاتبة “أولغا توكارتشوك” الفائزة بجائزة نوبل للآداب عن روايتها “رحالة” والتي قامت دار التنوير بترجمتها مع المترجم إيهاب عبد الحميد.

هنا تحقق ذلك أيضًا، إذ قررت دار الخان، ومقرها الكويت، أن تترجم رواية “النحال الحلبي” للكاتبة البريطانية “كريستي لفتيري” إلى اللغة العربية، عقب حصولها على جائزة أسبن الأدبية، وبذلك ستفتح المكتبة العربية أبوابها مرة أخرى إلى الأدب العالمي المترجم.

نجحت هذه الكتابة بأن تحاكي الواقع، نجحت بأن خطّت تفاصيل قد تكون مهملة للناظر في حياة أي لاجئ (الفقدان والخسارة،) كيف لشخص أن يقتلع عنوة من موطنه، وأن يتألقم ليعيش ببساطة في مكان غير مكانه، وثقافة غير ثقافته، وأن يحكي بلغة غير لغته، لغة لا تشبهه.

لم تستطع “كريستي لفتيري” إلا أن تحتفظ في ذاكرتها بحكاية عفراء، تلك المرأة التي كانت تعمل في الفن إلى جانب زوجها نوري مُربي النحل في حلب إلى أن حدث ذلك الإنفجار الذي قلب حياتهم تمامًا، بعد أن أفقدها بصرها وابنهم؛ ليبدؤوا فصلاً جديدًا من المعاناة في رحلة اللجوء إلى بريطانيا.

كتبت “كريستي لفتيري” رواية “النحال الحلبي” عن الحب والأمل، لا يخفى من خلال كل سطر فيها ما حملته الكاتبة من تجربة حقيقية عاشتها. كما تمكنت من إظهار قدرة العقل على تبديل الواقع وتمكين الإنسان من التعايش مع كل الظروف القاهرة والمستجدة في واقعه.

عن موقع أراجيك

The post النحال الحلبي: رواية للكاتبة البريطانية “كريستي لفتيري” عن سوريا بين الخراب والأمل appeared first on الرواية نت.

البعضُ يحبّها نوفيلّا! خصائص تتفوق بها على المطولات الروائية

$
0
0

لطفية الدليمي

هل يمكنُ لأيّ منّا توصيف عصرنا هذا بأنه عصر الرواية القصيرة (النوفيلّا)؟ وهل يستبطنُ هذا القول إشارة مضمرة إلى خفوت عصر الروايات الطويلة، بل وحتى موتها المزعوم؟ أظنّ أنّ النجاح التجاري الذي أصاب الرواية الثالثة المرآة والضوء The Mirror & The Light في سلسلة روايات (أوليفر كرومويل)، الثلاثية للروائية البريطانية هيلاري مانتل Hilary Mantel لكفيل بدحض هذا الرأي الذي قد يعبّرُ عن تفكير رغائبي يدفع صاحبه إلى الإيمان بفكرة موت الأنساق الفكرية – ومنها الأجناس الأدبية المعهودة – بدفعٍ من ترسيمة سيكولوجية تنساق لمثل هذه الأفكار. سيسارعُ البعض للقول بأنّ النجاح التجاري والمبيعات الكبرى ليست دليل صحة وعافية، وهذا أمرٌ صحيحٌ؛ لكن لا ينبغي نسيان أنّ مانتل ليست كاتبة دخيلة على الفن الروائي أو تعتمدُ مخاطبة أطياف عمرية خاصة تؤثر فيها الفذلكات البوليسية أو المبالغات الفنتازية؛ بل هي كاتبة مقتدرة، فازت بجائزة المان بوكر مرتين (سنة 2009 وكذلك سنة 2012) باستحقاق كامل. لا بدّ من الإشارة هنا أنّ روايات (مانتل) بدينة في العموم؛ بل إنّ بعضها مفرط البدانة، ويكفي أن أشير إلى أنّ روايتها الأخيرة (المرآة والضوء) تكاد تقارب الثمانمائة صفحة، وأنّ ثلاثية (أوليفر كرومويل) تبلغ قرابة الألف وسبعمائة صفحة.

كلّ من خبرَ الكتابة الروائية وتمرّس في متاهاتها اللانهائية يعرفُ منذ لحظة الشروع الأولى في الكتابة بأن ثمة أسئلة لا مناص من إجابتها قبل المضي في الكتابة، وثمة أسئلة أخرى يمكن استقصاؤها مع نمو العملية الكتابية وبلوغها إلى آفاق أوسع. أحسبُ من جانبي أن حجم العمل المطلوب كتابته هو أحد الأسئلة الجوهرية التي تنتمي للصنف الأوّل من الأسئلة؛ إذ لا يمكن الشروع في الكتابة قبل أن يحدّد الكاتب بدقّة هل يبتغي كتابة عمل روائي بدين أو نحيف، وهذه ليست مسألة تقنية أو كيفية محضة بقدر ما هي مسألة مفصلية؛ إذ إنّه من خلال تحديد حجم البدانة أو النحافة (بالمعنى الروائي) سيحدّدُ بالتالي طريقة الكتابة المطلوبة ومدى الحرية المتاحة للكاتب في تمرير أفكاره الروائية، فضلاً عن تحديد عدد الثيمات الرئيسية في العمل وجملة من الموضوعات التقنية الأخرى. ثمة سرعةٌ يمضي بها العمل الروائي ويتحسّسها كلّ كاتب بمقتضى خبرته الروائية، وحجمُ العمل الروائي هو وحده من يضع الشرط الأوّلي في تحديد هذه السرعة الروائية.

لطالما اقترنت الكلاسيكيات الأدبية بالمطوّلات الروائية التي تقتضي البدانة بالضرورة؛ ولمّا كنّا عشاقاً للكلاسيكيات فقد صار بمثابة القانون الروائي أن نميل لجانب المطوّلات الروائية البدينة، وتلك خصيصة نلمحها في معظم الأعمال الروائية التي سادت في عصر الحداثة وبعض أعمال ما بعد الحداثة الروائية، والتسويغ لهذا الفعل جاهز ومعلنٌ: الرواية الكلاسيكية مرآة تعكس الحياة التي نعيشها بعد إعمال مبضعنا السردي فيها وتطييبها ببعض المنكّهات التي تدفع المرء المتعجل للاستمرار في القراءة وكأنه يرى حلماً لذيذاً (سمّه حلم يقظة لو شئت)؛ ولما كانت الحياة ممتدّة امتداداً لا نهائياً فسيكون من الطبيعي أن يتضخّم جسم العمل الروائي. هذه هي المقايسة التي سادت حتى بواكير عصر الحداثة الروائية.

تسبّبت الثورات العلمية والتقنية في حدوث انعطافات كبرى في الفكر الروائي؛ فلم يعُد الفن الروائي مادة يلهو بها الأرستقراطيون المتبطّلون – كما كان الحال قبل حقبة الحرب العالمية الأولى – بل صار مادة شعبية يُرادُ منها إعادة تشكيل تضاريس الخارطة الفكرية وتوجيه العقول والقلوب نحو المتغيرات التي باتت تحفر عميقاً في صياغة الوجود البشري، ثمّ جاءت الحرب العالمية الثانية فعزّزت هذا المسار، ثمّ تتالت الثورات العلمية والتقنية التي ضغطت الزمن البشري وجعلته زمناً سائلاً (على حدّ تعبير السوسيولوجي الأشهر زيغمونت باومان)، وما عاد الزمن سائباً وذا نهايات مفتوحة؛ بل صار يُحسَبُ له حسابه الدقيق على مستوى الأفراد والأمم. هنا ينشأ السؤال الجوهري التالي: هل يمتلك الروائي المعاصر الحرية ذاتها التي امتلكها تولستوي أو دوستويفسكي أو بروست أو ديكنز أو ميلفل أو فلوبير… إلخ في كتابة المطوّلات الروائية؟ وحتى لو أتيحت له تلك الحرية؛ فمن ذا الذي سيمتلك الوقت لقراءتها في عصر صار فيه الزمن هاجساً أقرب للمعضلة الاكتئابية التي يشعر معها المرء دوماً بأنه مسبوقٌ حتى لو عمل عشرين ساعة متصلة في اليوم الواحد؟

عندما شرعتُ في كتابة روايتي الأخيرة (عشّاقٌ وفونوغراف وأزمنة) كنتُ أعرفُ منذ البدء أنني سأكتبُ رواية بدينة لكونها رواية جيلية تنتمي لجنس التخييل التأريخي، ولستُ أجانبُ الصدق لو قلتُ إنّ أفكاراً كثيرة متباينة تناهبتني آنذاك وجعلتني ميداناً مفتوحاً لعناصر صراعية قاسية؛ فأنا من جانب أعرفُ أنّ رواية قصيرة (في حدود أربعين ألف كلمة) هي الأكثر مقبولية بحسب الأعراف السائدة من حيث اعتبارات التسويق والقراءة؛ لكنّ هاجساً كان يلحُّ عليّ بضرورة الإصغاء لصوتي الداخلي فحسب وعدم الخضوع للاعتبارات السائدة.

ثمة عبارةٌ سادت في العقدين الأخيرين تقول: الصغير هو الجميل Small is Beautiful وهي عبارة تضمنتها أدبيات التنمية الاقتصادية للبلدان النامية، وتُعلي هذه الرؤية شأن المساهمات الاقتصادية التي تقوم بها وحدات صغيرة (فرد، عائلة، مجموعة بشرية تتكون من عدّة أفراد…) عوضاً عن المشاريع العملاقة التي شكّلت النظام الرأسمالي. أتساءل أحياناً: هل ستجد الرواية منقذاً لها في الفكر الاقتصادي الخاص بتنمية البلدان الفقيرة؟ هل الصغير هو الأجمل دوماً؟ ماذا عن الكلاسيكيات التي أحببناها وقضينا معها أسعد أوقاتنا؟

أرى أنّ الكلاسيكيات ستبقى في مكانتها الاعتبارية المهيمنة باعتبارها مسعى تأسيسياً ريادياً؛ لكن ما عاد الحديث اليوم يتناول شكل الرواية في الحاضر والمستقبل في خضمّ الثورة المعلوماتية وإسقاطاتها الضخمة على الكائن البشري، وليس الذكاء الصناعي العام AGI الذي سيكون الخصيصة المميزة لعصر الثورة الرابعة القادمة سوى وجه واحد من أوجه التغييرات الثورية التي ستشهدها حياتنا، والرواية ليست بمعزل عنها في كلّ الأحوال.

تناول الروائي البريطاني ذائع الشهرة إيان ماكيوان Ian McEwan موضوع الرواية القصيرة (النوفيلا) في مقالة رائعة له نشرها في مجلة «النيويوركر»، وأرى أنّ مقالته هذه هي نوعٌ من رسالة تبشيرية بسيادة هذا النوع الروائي في المستقبل القريب، ولعلّ مصداق هذا القول يتجسّدُ في نشر الكاتب (وهو المعروف بمطوّلاته الروائية) لنوفيلّا بعنوان الصرصار The Cockroach بعد بضعة أشهر من نشر رواية طويلة له بعنوان Machines Like Me آلات تحبني عام 2019.

يرى (ماكيوان) أنّ ممّا يثيرُ الغرابة هو كون القصة القصيرة، وعلى عكس الحال مع الرواية القصيرة (النوفيلّا)، لم تنشأ حولها التساؤلات التشكيكية بشأن هيكليتها القصيرة وما يترتّبُ عليها من مترتبات تابعة، وربما يعود السبب في هذا إلى كون القصة القصيرة مختلفة عن الرواية اختلافاً جوهرياً وليست فرعاً مشتقاً منه بشكلٍ ما. يضيف ماكيوان إلى ما سبق رؤيته بأنّ (النوفيلّا) هي الشكل الكامل للنثر الروائي، وهي بمثابة الابنة الجميلة لذلك العملاق الجوّال، السكران، المترهّل، سيئ الحلاقة (الإشارة إلى الرواية الكلاسيكية)؛ لكنّ هذا لا ينفي أنّ ذلك الكائن المتعملق عبقريٌّ يعيشُ أزهى أيامه، وأنّ هذه الابنة الجميلة هي الوسيلة التي بها – ومن خلالها – عرفنا العديد من أوائل عظماء الكتّاب الروائيين: عرف معظم القرّاء (توماس مان) عن طريق (موتٌ في البندقية)، وعرفوا (هنري جيمس) عن طريق (منعطف اللولب)، وعرفوا (كافكا) عن طريق (التحوّل)، وعرفوا (جوزيف كونراد) عن طريق (قلبُ الظلام)، وعرفوا (ألبير كامو) عن طريق (الغريب)، ويمكن للمرء المضيّ في تعداد أسماء روائية كبيرة أخرى كتبت النوفيلّا: فولتير، تولستوي، جويس، سولجنتسين، أورويل، شتاينبك، بينكون، ميلفل، لورنس، مونرو… يضيفُ ماكيوان أنّ هذا التقليد الكتابي في كتابة (لنوفيلا) لهوَ تقليد طويلٌ حافلٌ بضروب المجد، ولا تنفكُّ متطلبات الاقتصاد في الكتابة الروائية تدفعُ الكُتّاب إلى إعادة ترشيق كتابتهم ابتغاءً للمزيد من الدقة والوضوح، ولتمرير المؤثرات التي يبتغونها بقدرة غير متوقّعة، وللإبقاء على بؤرتهم الروائية مصوّبة على صنيعتهم الروائية المميزة ودفعها إلى الأمام بالطاقة الخلاقة التي تتأتّى من العقل الوظيفي العامل في اتجاهية واحدة، ومن ثمّ بلوغ النهايات المأمولة والقارئ قد حافظ على وحدة عقله ولم يبعثر طاقته في بؤرٍ سردية متشظية عديدة كما تفعل الرواية. الروايات القصيرة (النوفيلات) لا تهيم في الفضاء أو تعتمد اللغة التبشيرية؛ وهي إذ تفعل هذا فهي تجنّبُنا الحبكات الثانوية المتكاثرة والنصوص البينية المنتفخة.

النوفيلا – بشكل عام – مادة روائية تقعُ في حدود عشرين إلى أربعين ألفاً من الكلمات، وهي مادة طويلة بما يكفي للقارئ لكي يستوطن عالماً روائياً بتضاريسه الكاملة الخليقة بالبقاء في عقل القارئ لأجل ليس بالقصير، وفي الوقت ذاته فإنّ تلك المادة الروائية قصيرة بما يكفي لكي تُقرَأ في جلسة متصلة واحدة أو جلستيْن وبما يتيحُ لهيكليتها الكاملة أن تبقى مترسّخة في عقل القارئ منذ لحظة القراءة الأولى، وهذه خصائص تتفوّق بها النوفيلا على المطوّلات الروائية؛ لكن ليس من مقايسة معيارية في هذا الشأن: القارئ الشغوف بعمل ما سيتحمّل عبء قراءة آلاف الصفحات وهو مستمتع وكأنه في حلم يقظة فائق المتعة؛ أما القارئ غير الشغوف فلن يتحمّل عبء قراءة حتى عشرة آلاف من الكلمات تضمّها نوفيلا بالغة القصر.

هل ستسود النوفيلّا في العقود القادمة لتكون مصداقاً لرؤية ماكيوان في أنّ (الصغير هو الجميل) أم سنشهد تعايشاً بين النوفيلا والروايات الطويلة؟

ليس لنا إلّا أن ننتظر ونرى.

– كاتبة وروائية ومترجمة عراقية تقيم في عمّان

عن صحيفة الشرق الأوسط

The post البعضُ يحبّها نوفيلّا! خصائص تتفوق بها على المطولات الروائية appeared first on الرواية نت.

صونيا خضر: النقد في العالم العربي مأجور كالنشر والتسويق

$
0
0

الرواية نت – لندن

تعلن الروائية الفلسطينية صونيا خضر أن فكرة تأليف رواية تراودها كلما انتهت من قراءة رواية، وحاولت محاولات لم تكتمل، وتعتبر نفسها قارئة جيدة لا تتوانى عن التجريب.

تشير صونيا خضر في حوارها مع الرواية نت أن واقع الترجمة في العالم العربي انتقائي وعلاقاتيّ وماديّ، وأنّ الكتّاب يعتمدون على علاقاتهم الشخصية للوصول إلى المترجمين ومنهم إلى دور النشر.

تبوح مبدعة “كلب الحراسة الحزين” للرواية نت بجانب من آرائها في قضايا أدبية وحياتية متعددة..

  • كيف تقيّمين تجربتك مع القراء؟

أعتبر نفسي قارئة جيدة، ورغم أنني أنتقي لا أتوانى عن التجريب، ثمة كتّاب جديرون بالقراءة رغم عدم نجوميتهم، لذلك أحاول أن أتفادى هيمنة التسويق على ذائقتي، أتبع حدسي ومزاجي في القراءة، وأرى فيها محفزا ومنشطاً جيداً للكتابة، القراءة هي الحصى التي تلقى في بحيرة اللغة الساكنة وتبعث فيها الموج والحياة.

  • ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنين لو كنت مؤلفها؟ هل من رواية تندمين على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

ما أن أقرأ عملاً أدبياً لكاتب ما، الى أن أبداً بتعقّب أعماله، ومحاولة قراءتها جميعها، على هذا النحو أستطيع أن أقول أنني قرأت غالبية أعمال أدباء عالميين، مثل الياباني هاروكي موراكامي، الفرنسي غيوم ميسو، التركية أليف شفق، والتشيكي ميلان كونديرا، والبرتغالي خوسيه ساراماغو وماركيز والليندي وغيرهم من رواد الأدب العالمي، الذين أثروا في تجربتي بطبيعة الحال، ولا أستثني منهم بعض الروائيين العرب مثل عبده الحال وواسيني الأعرج وهدى بركات ومحمد شكري وكثر لن تسعفني هذه المساحة لذكرهم، لكنني وبعد الانتهاء من نشر روايتي الأولى “باب الأبد”. قرأت للروائية الفرنسية سوزانا تامارو رواية بعنوان “اذهب حيث يقودك قلبك”، ورواية بعنوان “إني أتعافى” للفرنسي ديفيد فونكينوس، هاتان الروايتان ولو قرأتهما قبل عام 2016 وقت إصدار روايتي الأولى لقلت أنني تأثرت بأسلوب الراويين اللذين منحاني الثقة بشرعية التجريب وتعدد أساليب السرد، وتمنيت لو كنت مؤلفة رواية “إني أتعافى” لشدة إعجابي بها من جهة ولتشابه هواجسي بقدر كبير مع هواجس الكاتب.

لم أندم على نشر أي من الروايتين وأحاول أن أتعلم من أخطائي وتجربتي.

  • كيف ترين مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

الوقت الذي أصبح فيه اقتناء الروايات ورقياً وإلكترونياً، سهلاً هو ذات الوقت الذي خفت فيه بريق الرواية بشكل عام، وظلم كتاباً، هذا الوقت جعل القارئ مستهلكاً ومسرفاً، لا يمنح الرواية حقها من الوقت والتقييم، لذلك أرى أن التسارع الذي يمضي نحو ثقافة الصورة التي ليست بحاجة إلى كبت العقل وتشغيل الذاكرة، يمضي بالرواية نحو الانفجار السريع والخفوت السريع، لن تعلق الروايات كثيراً بالذاكرة ولن تخلد أسماء رواة كما حدث في القرن الماضي، وكل ما سيتبقى من الكاتب والرواية سيكون رهناً لصدفة إلكترونية قد تومض عفواً على محرك غوغل.

  • كيف تنظرين إلى واقع النقد في العالم العربي؟

بكل أسف أصبح النقد في العالم العربي مأجوراً حاله حال النشر والتسويق، حتى النقاد المحترفون أصبحوا يقومون به وفق محسوبيات وحسابات وأسماء دارجة يواصلون تلميعها، لكثرة الأعمال المطروحة في السوق ربما أو للافتقار الى القراء المهتمين بهذا النوع الأدبي، يفتقر النقد بالعالم العربي للمختصين بهذا المجال، وإن وحد هؤلاء المختصون فهم يكررون دراسات نقدية لذات الأسماء التي تجرّ أسماؤهم الى الشهرة.

  • إلى أيّ حدّ تعتبرين أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

بداية الأمر وكاسم جديد على عالم الرواية، شعرت ببعض الإحباط، لكن الأمر احتاج مني للصبر، فبعد أكثر من سنتين على إصدار عملي الأول، بدأ يأخذ هذا العمل حقه من خلال أكثر من دراسة نقدية له من قبل أساتذة مختصين بالنقد، ونشرت تلك الدراسات في مواقع هامة مثل الحوار المتمدن وغيرها، عدا عن إشارات نقدية محفزة من قراء متمرسين وكتّاب حائزين على جوائز أدبية، فتحوا حولها أبواب التحليل والنقاش، وهذا ما فتح الباب امام عملي الروائي الثاني الصادر منذ أقل من عام، وجعل الإقبال عليه أكثر، وكتبت فيه عدة قراءات نقدية ودراسات لمختصين أعتز بشهادتهم.

  • كيف تجدين فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟

فيما مضى كان تسويق العمل الروائي يعتمد بالدرجة الأولى على دار النشر، التي اقتصرت مهمتها الآن على الطباعة والبيع في معارض الكتب، وفي هذا المقام أصبح لزوماً على الكاتب السعي لتسويق عمله عن طريق توزيع النسخ على الصحفيين والكتّاب والنقاد، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما يعيق تبلور سوق عربية حقيقية للرواية، لكي يتبلور سوق للرواية العربية، ينبغي أولاً تحقيق شروط هذه السوق، ومنها، الصحافة الثقافية الموثوقة التي يقوم عليها صحفيون متخصصون بالشأن الثقافي، ودور نشر غير تجارية، تراعي جودة الأعمال التي تصدرها، ونقاد محترفون يقيمون العمل حسب جودته لا حسب ما سيعود عليهم به من قراءات.

  • هل تحدّثيننا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

كانت فكرة تأليف رواية تراودني كلما انتهيت من قراءة رواية، وحاولت محاولات لم تكتمل، اعتقدت وقتها أن ليس لي نفس روائي طويل، فتوقفت عن المحاولة، ليأتي عملي الأول ارتجالياً ودون تأثر بأي من الروايات التي قرأت، ودون نية لكتابة رواية اصلاً، وجدت نفسي أكتب رسائل بين شخصية افتراضية وأخرى متخيلة وأحتفظ بهذه الرسائل في ملف، ولكي تكتمل الرواية كان على الصدفة المتخيلة أن تتحقق وألتقي بواحدة من شخصياتها وهذا ما حدث، ودفعني لمواصلة العمل وإنجازه.

  • إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

بمجرد أن ينال العمل الأدبي جائزة أدبية، تزداد مبيعاته وهذا شيء منطقي، لقد قرأت غالبية الأعمال التي حازت على جوائز أدبية ووجدت منها ما يستحق، كرواية هدى بركات “بريد الليل” التي حازت على جائزة البوكر، العام الماضي، مثلاً والتي فاجأت الوسط الأدبي بهذا الفوز لخروجها عن السياق التقليدي لروايات الجوائز، وبالمقابل أجد أن الجوائز الأدبية غير منصفة تماماً بحق بعض الأعمال التي تترك أثراً كبيراً في ذات القارئ ويتم إهمالها، الجوائز الأدبية هي سيف ذو حدين إن أخذنا بعين الاعتبار أن تلك الجوائز تعتمد في المقام الأول على لجان قراءة ليس بين أعضائها قرّاء عاديون، وحدهم من ينصفون الروايات ويقرؤونها بشغف ولأجل القراءة.

  • كيف تجدين واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

انتقائي وعلاقاتي وماديّ، مؤسسات الترجمة تنتقي من سيعود عليها بالمبيعات من الأسماء المكرسة، والكتّاب يعتمدون على علاقاتهم الشخصية للوصول إلى المترجمين ومنهم إلى دور النشر.

  • يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعرين بهيمنتها على أعمالك؟ أو هل تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

الرقابة الذاتية هي ما تهيمن على أعمالي، لا أتردد بطرق أي موضوع طالما شعرت بالرضا عن الكتابة عنه، فقدت فرصة ترشيح روايتي الأولى لأي جائزة، لمجرد مقطع صغير يتحدث عن النظام الملكي في أحد الدول العربية، لا أتردد بطرح أي موضوع اجتماعي سياسي أو ديني طالما أنا مقتنعة بما أريد أن أقول.

  • ما هي رسالتك لقرّائك؟

لا تؤجّروا ذائقتكم لسماسرة الثقافة والبائعين المتجولين، لا تتردّدوا بقراءة الجديد والحكم عليه تبعاً لتأثيره عليكم لا لما قيل لكم عنه، فضاء الرواية لا حدود له، أخرجوا من عوالمكم نحو العالم كله من خلال هذا الفضاء.

The post صونيا خضر: النقد في العالم العربي مأجور كالنشر والتسويق appeared first on الرواية نت.

كوفاديس.. من الحدث الدنيوي إلى البنية الدينية للتاريخ

$
0
0

مظاهر اللاجامي

عن دار المدى صدرت في العام 2016م رواية كو فاديس للروائي البولندي هنريك شنكوفيتش بترجمة نافع معلا. الرواية التي صدرت في لغتها المصدر عام 1898م تقع ترجمتها في 680 صفحة من القطع المتوسط، وقد كانت سببًا في حصول الروائي على جائزة نوبل حسب ما يشير محمود قاسم في كتابه موسوعة جائزة نوبل، وهو أول من حاز عليها من الروائيين عام 1905م بعد خمس سنين من إنشاء الجائزة التي تمنحها الأكاديمية السويدية في استكهولم.

ومن أكثر السلبيَّات شيوعًا في الترجمة من اللغات كافّة إلى اللغة العربية ما يقع فيه عدد ليس قليلًا من المترجمين العرب. وهو أن يترجم كتاب ما دون أي إشارة لظروف تأليفه وحيثيات كتابته ونبذة عن حياة مؤلفه. تتزايد أهيمة تلك الإشارات حين نواجه عملًا إشكاليًّا، أو نصًّا مفارقًا لا بدّ من معرفة محايثاته وبعض ما اختبره الكاتب في حياته، فبالرغم من موقف البنيويين خاصَّة، والمدارس الشكلانية عمومًا في استبعاد المؤلف من عملية القراءة، والمرجعيَّة الخارجية للنص، إلا إن كثيرًا من النصوص لا يمكن أن يتمثّلها القارئ دون معرفة وافية بكل ما يحيطها. يمكن أن نمثّل على ذلك رواية جوستين، أو مائة وعشرون يومًا في سدوم للمركيز دي ساد التي سنقرأها في سياقها الزمني والثقافي بطريقة مختلفة تمامًا عن قراءتنا لكتاب لا يقل جراءة عنه وهو حياة كاترين مميه الجنسية. وبالتأكيد سنتعامل مع رواية أوريليا لجيرار دي نيرفال التي استبقت السريالية في التركيز على العوالم اللاوعية والكابوسية والرموز التي تتضمّنها الأحلام كما تحدّث عنها سيغموند فرويد بطريقة تختلف تمامًا لو أنها كتبت بعد البيان السريالي.

لذلك كان لا بدّ لنافع معلا أن يصدّر الرواية بمقدّمة تعرّف القارئ العربي بكاتب لم تترجم أيّ من رواياته للعربيَّة من قبل.

وبالاعتماد على ما ذكره محمود قاسم فقد ولد الروائي هنريك عام 1846م في أسرة بولندية متوسطة. درس الطب بناء على رغبة أمّه لكنه سرعان ما تخلّى عنه ليتجه لدراسة الأدب. عمل صحفيًّا ممّا انعكس بشكل لافت في رواياته وقصصه القصيرة التي اهتمت بالمشاكل المرتبطة بوطنه بولندا.

عندما نفّذ شنكوفيتش رغبته في الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث الديمقراطية الحقيقيّة والحريّة كما ظنّ سابقًا وجد أن الولايات المتحدة لم تتفق وتصوراته عن الأرض المنشودة. تلك البلاد التي تزداد فيها حدة التناقض بين الطّبقات. كما صدم من موقف الرجل الأبيض من أصحاب البشرة السوداء، ومن السكان الأصليين الذين عرفوا بالهنود الحمر. ومن خلال تجربته التي لم تكتمل عن الهجرة للولايات المتّحدة كتب عن ذلك مجموعة من الأعمال منها ” ذكريات من ماري بونا” و “حارس الفنار”، كتب أيضًا عن النزعة الشوفينية الإيطالية حين زارها رواية بعنوان “ذكريات بروفة” والتي رفضت الرقابة نشرها في بولندا.

عام 1880م اتجه للتاريخ ليستلهم من أحداثه ما يقارب به مسائل ومشكلات الحاضر. بدأ ذلك برواية “في بيت التتار”. وقد استخدم التاريخ كتقنيع للحاضر وذلك من أجل أن يتفادى سطوة الرقيب كما حدث في روايته المرفوضة سابقًا. بعد ذلك كتب ثلاثية روائية تناول فيها ثلاثة حروب لبولندا في القرن السابع عشر*1. وأثناء اهتمامه بالتّاريخ لم يبتعد عن الكتابة عن الحياة المعاشة في زمنه فهو كاتب غزير الإنتاج تراوحت كتاباته بين الاهتمام بالتّاريخ والاهتمام بالواقع المعاصر.

يشير محمود قاسم أن رواية كو  فاديس من أجمل ما كتب من روايات حول سقوط الأمبراطورية الرومانية. وبالرغم من التحفظ على أفعل التفضيل الذي ذكره محمود قاسم، كونه يشترط استقراءً كاملًا لما كتب من روايات حول سقوط الأمبراطورية أولا، وكونه ثانيًا، يتضمّن حكمًا بالقيمة على مجموعة من الأعمال الروائية التي لا تتّفق إلا على مستوى المتن الحكائي ( القصة )، أما المبنى الحكائي ( الرواية ) فيختلف بالضرورة. وهذه الأفضلية التي يشير إليها قاسم هو ما سأحاول أن أتناوله في ما سيأتي من محاولة لمقاربة الرواية نقديًّا.

وأسمي ذلك محاولة لمجموعة من الأسباب مجتمعة. فمنذ أن بدأ الشكلانيون الروس محاولاتهم المتميزة في تكوين معرفة موضوعية بالسرد باكتشاف أنماطه وحوافزه وتقنياته ومكوناته وكل ما يتعلّق به لم تستطع الدراسات النقدية للنص الروائي أن تتفوّق على الدراسات النقدية التي تتناول بقية الأجناس الأدبية كالملحمة والشعر والمسرحيَّة، كمًّا وكيفًا. وأسباب ذلك:

1 / القصر الزمني للدراسات النقدية حول الرواية مقارنة بالشعر والملحمة والمسرحية التي تعود الدراسات حولها لما قبل الميلاد عند أرسطو وهوارس.

2 / ما أشار إليه بيير شارتيه في كتابه مدخل إلى نظريات الرواية من أن الرواية هي الجنس الأدبي الأكثر امتناعًا على التحديد مقارنة ببقية الأجناس الأدبية.*2

3 / ما أشار إليه تودوروف حيث قسّم القراءة لثلاثة أنواع* 3. تلك الأنواع هي:

  • قراءة الشرح. وهي قراءة ذات طابع تعليمي تستهدف إيضاح النص وهي لا تتجاوز المتن الحكائي أي القصة.
  • قراءة الإسقاط. وهي قراءة يأتي القارئ من خلالها للنّص بأحكام جاهزة ومناهج مسبقة.
  • القراءة الشاعرية. وهي القراءة التي تبحث في المبنى الحكائي ( الخطاب الروائي ) وكيف كتب الروائي قصته من خلال التقنيات الروائية التي استطاع الروائي استخدامها، أو ابتكارها من أجل كتابة الرواية.

ينحاز تودوروف طبعًا للنوع الثالث باعتباره أحد نقاد المدرسة البنيوية والتي اعتبرها مع بقية المدارس الشكلانية خطرًا على الأدب بعد أن لاحظ ممارساتها في اختزال الأدب لمجموعة من الممارسات التقنية واستبعادها للبعد الإنساني من الأدب* 4. أمام هذه الأنواع الثلاثة أعتقد أن قراءة الشرح لا يمكن أن تنفصل عن القراءة الشاعرية، فحتى يتمكّن القارئ من القراءة الشاعرية لا بد أن يبدأ بقراءة الشرح أولّا. ومع تراكم عدد قراءات الشرح للنص تنمو الكفاءة النقديَّة والتي تمكّن القارئ من الوصول للقراءة الشاعرية، بعد أن يستكشف إمكاناته الجماليَّة واستخداماته التقنية، إلا أمام النصوص التي ابتدعت رؤية جديدة للأدب وأحدثت شكلًا تقنيًا مغايرًا للسائد الأدبي. فالنصوص المفارقة تتطلب وعيًا مفارقًا في التعامل معها، ولعل تاريخ الأدب يحفل بنصوص رفضت من خلال معايير النقد في البداية ومن ثم أعيدت صياغة معايير النقد كي تستوعب الابتكارات الجمالية الحديثة.

هذا ما يجعل من القراءة النقدية للشعر أوفر حظًا، وذلك لأن العبور من الشرح للقراءة الشاعرية يستغرق وقتًا قصيرًا، مقارنة بالأعمال الروائية الضخمة التي تتطلب عدة قراءات من أجل اسكتشاف جمالياتها، فلذة النص تتحقّق كلما كان النّص ممتنعًا عن أن يتيح أسراره وممكناته للقارئ من أول قراءة كما يعبّر رولان بارت.

يميز باختين بين الملحمة والرواية على أساس ثلاث خصائص يمكن الولوج من خلالها لرواية كو فاديس* 5.

1 / إنها شكل هجين، أي أن أسلوبها متعدد، وهي ملتقى لجميع الخطابات الاجتماعية. وهذا ما نجده من خلال ثلاثة خطابات في الرواية.

  • الخطاب الوثني.
  • الخطاب الفلسفي.
  • الخطاب المسيحي.

حاول الروائي أن يصور التجاذب بين هذه الخطابات من خلال مجموعة من الشخصيات، وأهمها ليفيا المسيحية، والقائد العسكري فينيكوس الذي اشتبك وعيه الوثني مع وعي ليفيا المسيحي من خلال علاقة حب جارفة، ركزت فيها ليفيا على الجوانب الروحانية من العلاقة، بينما ركز  فينيكوس على الجوانب المادية. ومن خلال شخصيات أخرى مثل على الخطاب الفلسفي عند سينيكا الخطيب الرواقي المشهور في العصر الروماني، وبترونيوس أحد أهم شخصيَّات البلاط الروماني والذي احتل مكانًا بارزًا من المتن الحكائي. ومن خلال الأسلوب المتعدّد الذي أشار له باختين نجد المفارقة في الوصف المبدع بين العوالم الباذخة لمآدب القصر الروماني، والوحشية المفرطة في ساحة الألعاب الدمويَّة كالمجالدة ومصارعة الحيوانات المفترسة، والتي ابتكر نيرون في ساحتها طرقًا لاضطهاد وإيقاف التمدّد المسيحي في عالم روما الوثني، واقترحت زوجة الأمبراطور الشكل الأشدّ وحشيّة وإثارةّ، انتقامًا من ليفيا. أجمل نساء روما.

2 / إحداثياتها المكانية والزمانية. في رواية كو  فاديس نجد أسماء عدد هائل من الأمكنة التي لا أجد مبرّرًا لها سوى الرغبة في توثيق أسماء تلك الأمكنة. لكنها أمكنة فرعية تدور في المنطقة الرئيسة من حكم الأمبراطورية وهي روما. أما بالنسبة للإحداثيات الزمانية فغيّبت التواريخ الدقيقة للحدث مثل حرق روما 64م، وفاة سينيكا 65م، ووفاة بترونيوس 66م، ووفاة بطرس مؤسس كنيسة روما عام ،67 ووفاة بولس الطرسوسي مؤسس المسيحية الحقيقي الذي رسخ الأسس اللاهوتية لفكرة التثليث، والذي اختلف في تاريخ وفاته، لكن جل الآراء تحصر ذلك بين حريق روما وبين صلب بطرس أحد حواريي السيد المسيح. مما يجعلنا نخلص أن الأحداث تقع بين 64م و67م دون أن يشار لذلك في الرواية لا على نحو مباشر ولا من خلال التتابع الزمني للحدث.

3 / الفردية المجددة والتي تعطي الأولوية لاتصال أقصى مع الحاضر، وفي رواية كو فاديس نجد تاريخ الأمبراطوريات والقمع والاضطهاد الذي تتعرض له كل الأقليات، وتحميلها كل فشل السلطة وجنونها وممارساتها القمعية، مجسّدًا من خلال أحداث الرواية، من خلال شخصية نيرون أولا: الشخصية لم تجد وسيلة لإلهاب مخيالها الشعري سوى أن تحرق روما من أجل أن تختبر الحدث بالتجربة الفريدة، وتستمد إلهامها من خلال منظر الحرائق التي التهمت غالبية أحياء روما. فبما أن موضوع القصيدة موضوعًا فريدًا فلا بد أن يكون ما يلهم المخيال حدثًا فريدًا كذلك. هذا ما أدركه نيرون في حواره مع بترونيوس, وبعد أن نّفذ ما يلهب تلك المخيلة قال في خطاب ذي طبيعة احتفالية ” أيتها الآلهة. سأشاهد المدينة المحترقة، وأنهي قصيدتي الطروادية”. ومن خلال إلقاء تهمة الحريق على الأقلية المسيحية ثانيًا، واضطهادها وصلبها وحرقها ومطاردة رموزها. وهو بالضبط ما سيقع تمامّا مع تبنّي الأمبراطورية الرومانية للمسيحية في عهد الأمبراطور قسطنطين، وتحديدًا في بداية القرن الرابع الميلادي. حيث مارست السلطة الرومانية المسيحية آليات السلطة ذاتها في القمع من خلال مطاردة الوثنيين، ومقتل الفيلسوفة هيباتيا، وإحراق مكتبة الإسكندرية، ومن ثم فرض عقيدة الطبيعة الثنائية للمسيح من خلال قوانين الإيمان في مواجهة الطبيعة الواحدة للمسيح لأتباع آريوس ونسطور وذلك من خلال المجامع المسكونية في نيقية وخلقدونيا.

ومن هنا أعود مرّة أخرى لكلمة محمود قاسم حول أهمية عمل كو فاديس وتميزه في مقاربة تلك الحقبة الزمنية من تاريخ الأمبراطورية الرومانية.

تقول جين لوك نانسي ” إن هدف التاريخ الحديث هو تقديم سرد لمصير عظيم وجماعي تنتظره البشرية “، ويكمل سيمون مالباس في كتابه ما بعد الحداثة تأكيدًا على ذلك: ” إن النموذج الأساسي لكثير من هذه السرديات التاريخية الحديثة الكبرى هو الكتاب المقدس الذي يحكي قصة تاريخ العالم كلّه، بدءًا من خلق الجنة إلى يوم القيامة والأيام الأخيرة وإنشاء مملكة السماء على الأرض. وكلّ الأحداث والقصص التي وصفت في الأساطير المسيحية مرتبطة مع بعضها كجوانب من قصة الخلاص الشاملة “، ويؤكد عبر فرانسيس فوكوياما أن أول التواريخ البشرية كانت تواريخ مسيحية* 6. بالتأكيد يغفل فوكوياما أننا باعتبارنا أن بداية التأريخ البشري كان تأريخًا مسيحيًا، لن نتمكّن من تجاهل أن أول التواريخ بهذا التحديد يهودية، ونموذجه الكتاب الذي تقبله المسيحيون فيما بعد وهو العهد القديم، إلا إن يتجاوز ذلك باعتبار أن العهد القديم كتابًا فاعلًا في إطار المجتمعات اليهو ـ مسيحية.

هذه الرؤية للتاريخ البشري تنطبق تمامًا على رواية كوفا ديس، فالرواية التي تبدأ باستيقاظ بترونيوس وعودة فونيكوس كقائد عسكري من الحرب منتصرًا تبدأ بالوثنية، ومن خلال التقدّم في الأحداث تتّجه حثيثًا نحو الخلاص المسيحي، وإقامة كنيسة الرب من خلال مؤسس الكنيسة الذي صلب في الموقع الذي يقع فيه الفاتيكان حاليّا.

في العهد القديم والعهد الجديد وأعمال الرسل والقرآن الكريم كتنويعات ثلاثة للحقيقة الإلهية نجد مركز الأحداث تتمحور حول الشخصيات المقدسة. فتلك الشخصيات تمثّل مركز التاريخ البشري منذ التكوين حتى الحياة الأبدية في المسيحية، والقيامة في القرآن، ورسالتها الإلهية تمثّل جوهر الديانات الإبراهيمية.

رواية كو فاديس تسرد قصة الخلاص باستخدام بنية سرد التاريخ في الكتب المقدسة. لكنها تعكس العلاقة بين المركز والهامش، ففي حين نجد شخصية المسيح، وبولس، وبطرس في العهد الجديد، أو في بعض الروايات التي تناولت تلك الحقبة التأسيسية من المسيحية، هم مركز الحدث، والبؤرة التي تحرك التاريخ البشري، نجد شنكوفيتش يقلب العلاقة بين المركز والهامش فيجعل الوثنية مركزًا والمسيحية هامشًا. وكأن التاريخ البشري تاريخ وثني على امتداده، ولن يتم الخلاص إلا من خلال المسيحية، فحتى فكرة الفضيلة عند أتباع الفلسفة الرواقية في روما ليست خلاصًا، لأنها لا تنتمي لكنيسة الرب. نجد إشارات عديدة لتلك الفكرة في الرواية، ومنها ما ورد عن فينيكوس: ” كان من المستحيل أن لا يدرك الشاب أن هناك فرقًا جوهريًا بين تعاليم الحواري وبين ما يقوله السينكيون والرواقيون والفلاسفة الآخرون. ففي حين دعا هؤلاء إلى ذات الأفكار من الصلاح والفضيلة، باعتبارها القيم الوحيدة الناجعة لممارسة الحياة على الأرض، فقد راح الكاهن يبشر الناس بجني ثمار الفضيلة بالخلود بعد الممات في دار الأبدية “. أو ” أعتقد أن المسيحين لا يجدون ذلك كافيًا. لا يكفي بالنسبة إليهم تبجيل المسيح”.

ما يتَّفق أيضًا في الرواية مع بنية السّرد في الكتابات الدينية، وبالأخص في العهد القديم، هو أن ” كل الأحداث والقصص التي وصفت في الأساطير المسيحية مرتبطة مع بعضها كجوانب من قصة الخلاص الشاملة ” كما أشارت نانسي. قصة الخلاص الشاملة تلك تتّفق مع التّقدم المستمر للتّاريخ البشري، حيث كل حكاية، وكل شخصية، تجد موضعها في قصة الخلاص. وفق منحى تصاعدي للتاريخ يبدأ من الماضي مع بداية التكوين والخليقة وينتهي بالحياة الأبدية، وفق زمن يتقدّم للأمام دائمًا، فليس في الرؤية الدينية المسيحية فكرة العود الأبدي التي اقترحها فريدريك نيتشه، ولا وجود فيها أيضًا للتناسخ التي تدور الروح فيها عبر الكارما التي تنتهي بانعتاق الروح والتحاقها بالروح الكليَّة، كما وجدت في الديانات الهندية والحضارات الشرقيَّة.

فالتاريخ حسب الرؤية المسيحيّة يبدأ بهذه الطريقة.

ج ( الخلاص / المستقبل ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ب ( التاريخ / الحاضر المستمر ) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ ( التكوين / الماضي )

أما عبر فكرة التناسخ والعود الأبدي فالتاريخ لا يتقدم للأمام بل يسير وفق مسار دائري مستمر دون وعد بالخلاص، وحتى انعتاق الروح من دورة الكارما لا يمثل خلاصًا على الطريقة المسيحية. الخلاص بحياة أبدية أخرى ليست من نوع الحياة على الأرض.

نجد فكرة التقدم المستمر للتاريخ في الرواية من خلال تصوير المسيحيين كأقلية هامشية جدًا، ومن ثم الاضطهاد الذي وقع عليهم من قبل سلطة روما، وبعد ذلك الصلب والحرق واستخدامهم كأدوات في ساحة الألعاب. أي أن الموت والتضحية والشهادة كان حدثًا أيضًا في سياق التقدم للأمام باتجاه الخلاص الأبدي. حتى علاقة الحب بين فينيكوس وليفيا اعتبرها أحد أهم رموز كنيسة روما حدثًا في سياق تحقيق الوعد الإلهي بالخلاص الأبدي، الخلاص الذي يتجسّد في رواية كو فاديس في إقامة مملكة الرب وكنيسته وإسقاط روما التي وصفت بأنها الأمبراطورية التي لن يصدق أحد أنها ستسقط في يوم ما.

الرواية وبعد أن قعدت من خلال الممارسة الكتابية في القرن التاسع عشر على يد الواقعيين استطاعت ابتكار أشكال عديدة للمفارقة بين زمن الحكاية ( المتن الحكائي ) و زمن السرد ( المبنى الحكائي ) فعبثت في العلاقة المنطقية التتابعية التي تبدأ من الماضي حتى الحاضر المستمر انتهاء بالمستقبل. ولأن الرواية أصبحت فنا دنيويًا، فالمستقبل لم يمثل في وعيها خلاصًا ذا طبيعة دينية. وهي باعتبارها منتجًا استلهم أشكال السرد القديمة كالملحمة والقصص الشعبي والقصص الديني بدأت بالعلاقة المنطقية التتابعية بين الأزمنة الثلاثة رغم أنها لم تبدأ بذلك في التجارب الروائية الأولى على يد بوكاشيو ورابليه وثرفانتس إلا إن القواعد الكبرى للرواية تجاهلت ما تمتعت به الرواية من الحرية في الكتابة كما يشير ميلان كونديرا* 7، ومع تطورها تمّ العبث بمكون الزمن كأي مكون من مكوناتها السّرديّة.

رواية كو فاديس تلتزم بالمنحى المنطقي التتابعي للزمن، لكنه الزمن الذي يعود لما قبل بدايات الرواية كشكل دنيوي تمت محاربته في البداية، باعتبارها انحطاطًا وفعلًا يفسد الأخلاق. أقول لما قبل بداياتها لأن العبث بمكون الزمن لم يتمّ إلا مع بدايات القرن العشرين, إنه الزمن المشبع بالفكرة الإلهية، والخلاص، والأبدية، والتقدم المطرد للتاريخ، والذي يختلف في جوهره عن رواية القرن العشرين التي لا تلتزم باعتبار فكرة التقدم في التاريخ تقدمًا نحو الخلاص دائمًا، فربما يكون  التقدم تقدمًا نحو الانحطاط والتدهور والنكوص. 

الرواية بتنويعها بين أساليب السرد، والمزاوجة بين أسلوب الرسائل بين شخصيات الرواية، وبين استخدام ضمير المتكلم أحيانًا، وضمير الغائب غالبًا، تقدّم التاريخ من خلال وجهة النظر الوثنية لتاريخ روما في تلك الحقبة. وكيفية التلقي للفكرة المسيحية من خلال مجموعة من الشخصيات، الفيلسوف الرواقي شيلون، الانتهازي في ذات الوقت. وسينيكا الرواقي الفاضل. والقائد العسكري فينيكوس الذي يمجد القوة العسكرية، وتعامل مع ليفيا في البدء كإحدى نساء روما الخليعات، وبداية التوتر بينهما من خلال رفضها أن تكون كمحضيَّة عند قائد روماني نشأت علاقة الحب بينهما. كذلك المثقف اللاديني بترونيوس الذي شكك في إله المسيحية الكلي القدرة بقوله: ” إن كان إلهها كلي القدرة، هو إذن سيد الحياة والموت، وإن كان حقًّا، فإلحاقه الموت بنا حق كذلك، ولكن ما السبب الذي يدعو بومبونيا تقيم الحداد على يوليا؟”.

في سياق آخر يوجه خطابه لفينيكوس قائلًا ” فليبتلع هادس مسيحييك هؤلاء. لقد عبأوك بالقلق، وأفسدوا حسك في الحياة. فليبتلعهم هادس! تخطئ إذا ما اعتقدت أن هذا دين فالح. الفالح والصالح ما يحقق السعادة للبشر، مثل الجمال والحب والقوة وهم يسمون كل ذلك خطيئة “، ثم يطرح إشكالا فلسفيًا متابعًا حديثه ” فإذا ما كنا سنرد على الإساءة بالحسن، فبماذا نرد على الحسن؟ وإن كان الرد على الوجهين هو نفسه، فلم يضطر البشر أن يكونوا خيرين؟”.

أثناء سرد الأحداث تتنوع الأساليب، وتقوم على المزاوجة بين السرد والوصف. وهو ما يحقق تنويعًا في إيقاع الرواية بين التسارع والتباطؤ في إيقاع السّرد، وذلك عندما يغرق الروائي في الوصف، وهو ما حقق مجموعة من الغايات بين التزيينية والتفسيرية، لكن جلها تقوم على المفارقة بين المسيحية والوثنية الرومانية.

من خلال البساطة في الأولى والمبالغة في البذخ في قصر نيرون في الثانية. ومن خلال الرحمة المسيحية في التعامل مع الوثنيين والوحشية والهمجية في التعامل مع المسيحيين من قبل روما، وأيضًا من خلال الروحانية المسيحية والمادية الوثنية. وذلك ما أبدع فيه الكاتب خصوصًا فيما حدث بعد أن ألقيت تهمة حرق روما على كاهل المسيحيين، خصوصًا أن إيمانهم يصل للنتيجة القائلة: “أعرف بالمقابل أنه حيث يبدأ دينهم تكون نهاية السيادة الرومانية وروما “، ” حيث يبدأ دينهم تكون نهاية القيصر…. ليحل محلها المسيح”.

ومن الأبعاد المهمة في رواية كو فاديس اللوحات الوصفية. تلك اللوحات التي تتخلل السرد بين حين وآخر ، والتي أبطأت من الإيقاع السرديّ، وذلك لأن التاريخ ليس تقدمًا متصلًا بإيقاع واحد من وجهة نظر المسيحية بل إنه تقدم متقطع يمر بمراحل انتكاس وتباطؤ وقفزات تاريخية باتجاه الخلاص المسيحي. فلحظة صلب المسيح مثلًا تمثل القفزة التاريخية الكبرى كحالة افتداء قام بها ابن الرب ليحمل خطايا العالم، وتأسيس كنيسة روما، تبنّي المسيحية من قبل الأمبراطورية الرومانية، وكثير من الأحداث التي يعتبرها المسيحيون لحظة مهمة في تحقيق فكرة الخلاص. وإذا استعرنا عبارة هيغل من إن ” الرواية شأن الملحمة تفترض رؤية كلية للعالم والحياة”*8، فرواية كو فاديس تفترض رؤية دينية خالصة في مقابل وثنية التاريخ. فالرواية نص دنيوي طويل في تمجيد المسيحية وأخلاقياتها وإدانة وثنية التاريخ وفلاسفته ووحشيته من خلال بنية التاريخ في النصوص الدينية المؤسّسة.

في الختام أود أن أشير لما كتبه الروائي أيمن العتوم حول رواية كو فاديس، حيث لم يقم سوى بإعادة سرد الرواية باختصار مع بعض الإشارات حول الوصف وطبيعة الشخصيات السيكولوجية، ولكنه ختم ما كتب بقوله:” لي بعض المُلاحَظات على الرّواية، منها مثلاً أنّه قال إنّ بولس كان يؤمن بإله واحدٍ أحدٍ، لكنّ الحقيقةَ أنّ بولس هو أوّل من رسّخ عقيدةَ التّثليث عندَ المسحيّين، وأوّل مَنْ قال بفكرة التّجسيد، فأظهره بغيرِ صورته الّتي ترويها كتب التّاريخ المسيحيّ “.

ما كتب أعلاه ليس نقدًا أدبيًا بل تصورًا دينيًا أرثوذوكسيًّا حول فكرة التثليث المسيحي، والتي اعتبرها خطأ تنقض فكرة التوحيد. لو جاءت تلك العبارة في سياق السّجال اللاهوتي بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية لكانت متّسقة تمامًا، لكن أن تأتي بقلم روائي، أفترض فيه ابتعاده عن التقوقع في خانة الطائفة والدين في تناوله لنص أدبيّ، تكمن حقيقته في أدبيَّته، وليس في ما يتضمَّنه من رسائل دينية، فهذا ما جعلني أشير لما كتبه حول الرواية.

أخيرًا. وبما إنه استشهد بكتب التاريخ المسيحي، وبأن الروائيّ أظهر بولس الرسول بخلاف ما كتب في كتب اللاهوت المسيحي، فأودّ أن أؤكّد أن فكرة التثليث لا تتضمّن فكرة تعدّد الآلهة قط، بل هي فكرة توحيديّة خالصة، لكنها تتضمّن تصوّرًا مختلفًا لفكرة الإله عن فكرة التوحيد الإسلامي غير المتفق عليها أساسًا بين تلوينات الاتجاهات الإسلامية، فهذه القضية من القضايا التي اختلف فيها في علم الكلام بين المعتزلة والمتصوفة والأشاعرة والشيعة. وبالتَّأكيد لا بدّ من الكثير من الإيمان لتقبّل كثير من الأفكار الدينيَّة التي ليست حكرًا على المسيحية كي تتّهم بما تتّفق عليه جميع الأديان.

المصادر:

1 / موسوعة جائزة نوبل ــ محمود قاسم. مكتبة مدبولي. 2010

2 / مدخل إلى نظريات الرواية. بيير شارتيه. ترجمة عبد الكبير الشرقاوي. دار توبقال للنشر. 2001

3 / قراءة الخطاب الشعري المعاصر. د خليل موسى. عالم الفكر . العدد 3. المجلد 29  يناير ـ مارس 2001

4 / الأدب في خطر. تزفيطان طودوروف. ترجمة عبد الكبير الشرقاوي. دار توبقال للنشر 2002

5 / مدخل إلى نظريات الرواية. بيير شارتيه. ترجمة عبد الكبير الشرقاوي. دار توبقال للنشر. 2001

6 / ما بعد الحداثة. سيمون مالباس. ترجمة د باسل المسالمة. دار التكوين 2012

7 / خيانة الوصايا، ميلان كونديرا، ترجمة لؤي عبد الإله. نينوى للدراسات والنشر  2000

8 / مدخل إلى نظريات الرواية. بيير شارتيه. ترجمة عبد الكبير الشرقاوي. دار توبقال للنشر. 2001

مظاهر اللاجامي

روائي من السعودية

The post كوفاديس.. من الحدث الدنيوي إلى البنية الدينية للتاريخ appeared first on الرواية نت.

التاريخ ومتاهة الروايات البديلة

$
0
0

فوّاز حدّاد


ليس هناك ما يشجّع على الثقة في التاريخ، ما دام من الممكن التلاعب به، خاصة في عصرنا الحاضر، بعدما أصبحت وسائل الإعلام من أدوات التضليل، بقيادة أنظمة، لا رادع يردعها عن دفن الحقائق.

قال ماركس: صحيح أن البشر هم الذين يصنعون التاريخ، لكنهم لا يعرفون كنه هذا التاريخ الذي يصنعونه. أوردنا هذه الإشارة لماركس لأننا نسعى إلى دحضها، نحن لسنا في زمن ماركس. فمن يصنعون التاريخ اليوم، يعرفون ما يصنعونه، إنه التاريخ البديل.

من حسن حظ التاريخ الحقيقي، أنه مؤجل، هذا إن لم يتبخر قبل مصادفته الحقيقة، الأفضل أن نعمل حساباً للأسوأ، فالحظ مع الزمن لا يساعد كثيراً. ما يُصنع من تواريخ على الهامش، قد يأتي وقت، إن لم تُفضح، فسوف تُعتمد على أنها المتن، إن لم يُبادر إلى كشف زيفها، لكن متى؟ السلطات تهيمن على هذه الصناعة.

في العصور الاستعمارية، كان الاستعمار احتلال أراض واستنزاف ثروات إلى حد بلغ المتاجرة بالأهالي، باعتبارهم ثروات بلا أرواح، فتحوّلوا إلى عبيد يباعون ويشترون. اعترفت الدول بهذه الحقيقة، وإن ظهرت بشكل مبكر روايات بديلة، فأصبح الاستعمار “تمديناً” لـ “الشعوب المتخلفة”، وتخليصاً لها من وثنيتها، وإرشادها إلى الدين الصحيح. نجحت بعض الجهود في الكشف عن زيفها، وكانت محدودة، بفصل الاستعمار عن التنصير، لا سيما وأن الهداية كانت تقوم بها كنائس تنشد العمل الصالح.

تهدف الرواية البديلة إلى الحلول محل الرواية الأصلية، وهي رواية واقعية نسجتها الوقائع والشهود والوثائق. إذا لم تفلح محاولات تسويق الرواية البديلة، فقد تنجح بالتشكيك بالأصلية، بحيث تبقى كلتاهما معلقة، عرضة للأخذ والرد من المؤرخين.

اختلاق رواية مزوَّرة، يحيلنا أيضاً إلى ما يبدو بحثاً تاريخياً، بالاعتماد على وثائق عثر عليها، أو نفض الغبار عنها، أو شهود ظهروا مؤخراً. إنها منهج دعائي يجمع بين زرع الشك، وخلخلة اليقين، وتحريض الرغبة لدى البشر في طي صفحة الحقائق المزعجة، ونسيانها إن اقتضى الأمر.

اليوم في أميركا وأوروبا، هناك من يحذّر من أن الصينين بصدد محاولة إعادة كتابة تاريخ نشأة فيروس كورونا، وفرض رواية بديلة تبعد الشبهة عنهم. بينما في أميركا يفكرون برواية بديلة تنقض الرواية الصينية. كلاهما إذا كانا يبحثان عن الحقائق، فبهدف إخفائها، لمساسها بالأمن القومي، فالبيولوجيا والكيماوي من الأسلحة السرية المعدة لقتل البشر.

تنشر روايات الحكومات مناخ الحرب في الإعلام، هذه الخدعة قد تخلق حرباً حقيقية من جراء تراشق الاتهامات. في حال كانت العداوات جاهزة، فالحرب قادمة، ينبغي الاستعداد لها.

ليست هناك دول ووسائل إعلام تروّج فقط، بل جهات متديّنة أيضاً يستهويها “تطبيق” المؤامرة على كل شيء، وما يخطر لها لا يقف عند حدوده، فيتخيلون سيناريوات تستغل الدين، يختلط فيها الجحيم بالعذاب، والنيران بالآلام، تستثمر غضب الله وعقابه ومخاوف البشر، ما يدفعهم إلى المساجد والكنائس، بعد طول غياب، يشجّعهم على ترويجها افتراض أنها عمل يؤجرون عليه، الفائدة المرجوة منها لا تخيب، طالما هناك أناس قانطون لديهم الاستعداد لتستبد بهم أفكار لاعقلانية ناتجة عن الهلع المرضي، وقد يموتون من الخوف لا من الوباء؛ عندئذ الرواية البديلة كابوسية.

لا نعدم في المثال السوري دليلاً فاضحاً على عمل النظام منذ بدء الربيع العربي، وطوال الحرب، على تسويق روايات مخالفة للحقيقة سواء عن المظاهرات السلمية التي تعرّضت لرصاص القناصة، وقمع المعارضين وقتل الآلاف في مراكز الاعتقال، والإعدامات الميدانية، والقصف الكيماوي، والتخطيط للمجازر… إنكارها لم يكن كافياً، رافقتها روايات بديلة شكّكت في وقوعها، على الرغم من لجوء الملايين إلى البلدان المجاورة والدول الغربية هرباً من الموت.

تعتبر الروايات البديلة التي تنحو إليها الحكومات وتعمل على تشجيع كتّابها الموالين لها على الدفاع عنها، ليست مجرّد إعدام للتاريخ فحسب، إنها تمثل في زمننا قضية أخلاقية عالمية، بمنع مناقشة ما تلجأ إليه الدول من وسائل لتحقيق مطامع إقليمية وطموحات إمبراطورية، والتذرّع بروايات تدعم أحلامها التوسعية أو تميزها عن غيرها، وربما كان في إصلاح أخلاق الحكومات، ما قد يفلح مع الدول الديمقراطية، أما الدكتاتورية التي بلا ضمير، فلا جدوى من أي جدل أخلاقي معها.


* روائي من سورية

عن العربي الجديد

The post التاريخ ومتاهة الروايات البديلة appeared first on الرواية نت.


محمود درويش وأنا

$
0
0

سليم بركات

البياضُ رائقٌ، راضٍ عن حظوظه؛ بل راضٍ عن مقاديره موزَّعةً بعَدْلِ الميزانِ اللونِ، متقدِّمٌ، بلا إفراطٍ، في الصورة: بياضٌ هدنةٌ، أو صُلحٌ.

سوادٌ راضٍ عن نفْسِه؛ عن حكمةِ الأصلِ في عِظةِ اللون؛ مُدرَّبٌ على نَحْتِ الشكل نافراً بآلاتهِ الرماديةِ، في الصورة: سوادٌ هدنةُ، أو صُلحٌ.

لونان هما تاريخ البرهة جمعتنا معاً، محمود درويش وأنا، في ميثاقٍ سوادٍ وبياضٍ من مُبْتكَرِ العام 1973: صورة كبيرة قليلاً لهيئتين نحيلتين، يدُ الأطول منهما على كتف الأقصر، في بيت الشاعر السوري أدونيس.

بضع مساءات التقيت الشاعر الفلسطيني في بيت الشاعر السوري. آثرتُ، أنا الخجول، ابتعاداً لا أُقحِمُ نفْسي في ما يتكلَّفُه المعجبون بشاعر ولد بملعقةٍ في فمه نِصْفٍ من ذهب الشعر قضيَّةً آسِرَةً، ونصفٍ شهرةٍ مجتاحة. أدونيس، الذي طلب مني، وأنا في الثانية والعشرين، جَمْعَ شِعري في كتابٍ طبعَه على نفقته، أهدى نسخة من كتابي الشعري الأول، بنفْسه، إلى محمود، في بيته. تلك النسخةُ أطلقت عَتباً من فم محمود: “أأنتَ تتجنَّبني؟”. أحسَّ ابتعادي، في ردهة الجلوس، إلى طاولة كتابةِ المضيف البعيدة قليلاً، نُفُوراً.

“هَيَا إلى صورة”، قال صديقٌ صحافي. عبرنا، محمود وأنا، بخطواتٍ لونٍ من الحياةِ حركةً إلى الثباتِ المُذهل بياضاً وسواداً، في صورة لم تجمعنا سواها إلاَّ بعد أكثر من خمس وثلاثين سنة، على أرض السويد، بآلاتِ السِّحْرِ الحديثة استخرجها الجالسون من جيوبهم، في قاعةٍ جمعتْنا بالحاضريْنَ لقاءً شِعراً، ولقاءً حديثاً بَوْحَاً، عن علاقة شاعر بشاعر، أدْمَعَ عينيَّ اعترافاً منه بوجودي في وجوده شاعراً وصديقاً.

الصورةُ البياضُ الصُّلحُ أو الهدنةُ، والسوادُ الصلحُ أو الهدنةُ، لن تطلقني من أسْرِ الرماديِّ في اعتناقِ أحدِ اللونين دِيْنَ اللون الآخر رمادياً. تلك الصورة استعارها أخي الأصغر مني فحملها من بيروت إلى دمشق. اعتُقِلتِ الصورةُ، واختفت حتى يومنا هذا، بلا أثرٍ لبياضٍ صُلْحٍ فيها، أو سوادٍ هدنةٍ.

منذ تلك الصورة أكملتِ المصادفةُ الحياةَ نَحْتاً صداقةً بين محمود وبيني؛ قُرْباً نَحْتاً نافراً من قلبٍ على قلبٍ، حتى اليوم الذي سمعتُ فيه صوته، قبل مغادرة الأردن إلى أمريكا بيومين، أملاً في وضْعِ الحياةِ على سكَّةِ شرايين أخرى، أكثر رأفةً بتوزيع الدم عادلاً على كيانه. كان صوتُه مستسلماً قليلاً، لكن ليس في داعيْهِ ما يستوجب حَمْل حقيبةٍ إضافيةٍ لامتاعٌ فيها؛ لا ثيابٌ أو آلةُ حلاقة، أو عطر، أو حذاء، بل روحُهُ في الرحلة إلى الأبدية.

عوَّدنا قلبُه، باكراً، استبدادَ عضوٍ من الجسد بمجتمع الجسد كاستبداد الشعر بالمعاني في توطيدهِ الحياةَ، ثانيةً، على حافَّة غَمْرِها الأصلِ نظاماً فوضى. محمود ألقى بنفسه، قَبْلاً، على الحافة في الشعر قلبيْنِ ينتقلان من اللوعة فَقْداً للأرض إلى لوعة الوجود احتفالاً، في نشيدٍ من جَمْعِ السماءِ زيتوناً على عباءة حريته. ظلَّ حتى آخر نَفَسٍ للشعر فيه بقدمٍ في مَعْقِل الحرية، وأخرى في مَعْقِلِ اللوعةِ مذ كان سليلَها كتاريخِ بلده. وقد أقمتُ معه في معقل النازع الملوِّعِ من جرحِ بلدٍ سليبٍ مرَّةً، ومرَّةً في معقِلِ تأكيد الحرية للمعاني شعراً حِذْقاً بلا مساومةٍ؛ شعراً يَجْبَهُ نازعَ الفَقْدِ المُبكي. كتبتُ “رباعياته” الأولى على ظهور أغلفة كتبي المدرسية، من غير أن يخطر لي أن هذا الشاعرَ البَذْخَ في اجتماع المصادفةِ على انتخابه قضيَّةً، سيوسِّع لي إقامةً في شعر لن أدوِّنه، بالحروف المجلوَّةِ من لباقةِ الخطِّ، على ظهر أيِّ كتابٍ، بل على ظهر الحياة، وخَثَلَتِها الملتمعة بزيت القُبَلِ أيضاً. حَمَل قصيدتَه “ليس للكرديِّ إلاَّ الريح”، التي بَرَاها بَرْياً بصداقة السنين، من أرضٍ إلى أرضٍ. في سوريا، حيث ألقاها على مسامع الحاضريْنَ، أبلغه وزيرٌ، ومستشارةٌ، أنني “على الرَّحب” إن عدتُ إلى بلدٍ خرجتُ منه منذ نهاية العام 1971 ولم أعُد إليه إلاَّ بقدمَيْ حنيني الحافيتين.

أَجمَعني بمحمود إحساسُ الفَقْدِ من غير ربطٍ؟ لا. كان الشعرُ الجذْرُ، أولاً وأخيراً، بمراتبه حَرْثاً في المفقودِ الخالد.

قصيدته عني “ليس للكردي إلاَّ الريح”، التي حملها من أرضٍ إلى أرض، القاها على مسمعي أيضاً، في السويد ـ اللقاءِ الجديد، الأخير، سنة 2007، بعد آخر لقاء في باريس، مطلع العقد العاشر من القرن الماضي. لم تره عيناي بعد ذا، بل تتبَّعه بصرُ قلبي إلى طُرقات الأبدية مُنعَطفاً بعد مُنعطف، ومحطة بعد محطة، يلقي أشعار المفقوديْنَ في مجاهل السواد الخالد، على مسمع البياض الخالد، كاللونيْنِ في صورتنا الأولى.

كنتُ معه، أبداً، في القصيدة كتبَها عني مختلِساً من ظلال المكان القبرصيِّ ما يفصِّله لخياله بَوْحاً. أثَّث بيتي، في القصيدة، ثانيةً، بالمتشابهات الكبرى بين الإسمنت والغناء، والمتفارِقاتِ الحِيَلِ الجوهرية بين الحروف والغُرَف. وقد أراد في زيارة اللقاء الأخير إلى بيتي في السويد، أن يؤثِّث، ثانيةً، منزلَ البوح، لا في شِعرٍ هذه المرة، بل في يومياتٍ كحديثٍ ممتدٍّ من أول العمر إلى آخره.

“في سكوغوس”، كانت خاطِرةُ كتابه الأخير حيًّا “أثر الفراشة”. لم يصعد بي، من سطورها، إلى سطوةِ الاستعارات في إيقاف الخيال على قدمين مجرَّحتين قرب قدميِّ الشعر، أو إلى نِسَبِ المعقولِ المُنْجَزِ معقولاً في أوزان الأشعار، ونِسَبِ المعقولاتِ المُفترَضة، الأكثرِ شَغَباً في الوجدانِ الصِّورِ، بل استلهمني، في خاطرته من موقع بيتي ـ سكوغوس الجبليِّ، بعد عشائين طويلين، طاهياً أيضاً: “سكوغوس، من ضواحي ستوكهولم. غابة من أشجار البتولا والصنوبر، والحور، والكرز، والسرو. وسليم بركات في عزلته المنتقاة بمهارة المصادفة التي تهبُّ بها الريح على المصائر، لا يخرج منها مذ صار جزءاً من المشهد، محاطاً بطيور الشمال… وقريباً من أُلْفة السناجب، والأرانب، والغزلان، والثعالب، تلقي عليه التحية عبر النافذة، وتهرب، وتلعب خلف تمارينه اللغوية… وهو إذ يهجس الآن فلا يهجس إلاَّ بالطهو: قصيدة نهاره المرئية”. وأنا أعترف أنني أطهو على نحو لا يُقلقُ الطهوَ، أو يَغيظُه، أو يَهينُه. أُبقي الطهوَ كريماً، معافىً بين يديَّ، مُذْ أدركتُ أن لا فرقَ بين مَرَقِ اللحم ورباعيَّةٍ؛ ولا فرقَ بين نشيدٍ ودجاجة محشوَّة أرُزًّا وصنوبراً؛ ولا فرق بين ملحمة وشواءٍ لحمٍ مُنكَّهاً بخيالِ الأفاويْهِ إحدى عشرة ساعة: الحياة قِدْرٌ، أو فحمٌ؛ على أجسادنا توابلُ العَدَم القويَّة.

سيرتُه “ذاكرة للنسيان”، عن حصار بيروت العام 1982، لم تَخْلُ مني أيضاً. دحرجني في السطورِ السوادِ الغاضب عشرين صفحةً، ودحرجني في البياض الغاضب بين السطور عشرين صفحة، بالحرف الأول من أسمي “س”. وواكبتُه بالحروف كاملةً في اسمه أربعَ عشرة صفحة من قصيدتي فيه، قبل ثلاث وعشرين سنة:

“فلا تتأفَّفنَّ أيها الصباحُ إنْ زجَّكَ في الملهاة، لأنَّ البطولةَ، التي تتأبَّطُ برسيمَها، وخُوْصَها، ستحيِّيْكَ من المجازات الأسيرةِ في رئتيه، ومن الشفقِ النازفِ لوعةً لوعةً في الأكيدِ العالي، الذي يدحرجُ الشهداءَ فوقَ حريرهِ خُوَذَ الموتِ المكسورةِ”.

لم يَحملْني خيالُ الشاعر الناقدِ فيَّ إلى مساءلةٍ في إنشائِهِ بيانَ قلبهِ شعراً. هو يعود بالشعر مرةً إلى مَأهُوله من الشعريِّ، ويُبقي الشعرَ مرةً في ثقةِ الآخرين بالقضية وضوحاً صِرْفاً. لربَّما وزَّع نفْسَه، بالحيرة من خطف الواقع إلى موافَقَاتهِ في المعاني، ومطابَقَاتِ وصْفِهِ واقعاً، على قلقِ الرغبةِ ذاتها بولائه للبسيط المُحْكم من وجهٍ، وامتداحه للمتراكِبِ المُحْكَم من وجهٍ، ببعض التردُّدِ، مُذْ رأى في المتراكبِ “دَلاَلاً” تُغْدِقهُ اللغةُ على مجاهلِ مقاصِدها. كان على حَذَرٍ من أن يجعل اللغةَ “حلاًّ” لـ “الجرحِ” المُعْضِلِ ـ الوجودِ؛ بل يريدها توصيفاً للجرحِ كقضيَّةٍ ـ هو الفلسطينيُّ ابنُ الفَقْدِ المُنْهِكِ لا يحتمل “رفاهةَ” اللغويِّ في “طيش” مقاصِد اللغويِّ.

“لقد أوجدتَ حلاًّ لمشكل الحياةِ كلِّه”، قال لي مرةً بإطراءٍ. “حلولُك لغوية”.

“وطنُكَ لغويٌّ”، قلتُ له.

كان علينا، بتواطؤٍ لا يُرَدُّ، أن نضحك. حلولٌ لغوية ـ نعم. حلولٌ لا تعويضَ فيها؛ لا نجاةَ؛ لا حكمةً، لا نصرَ؛ لا مفقودَ مُسْتَعاداً، بل تأسيسٌ آخر للخساراتِ أقوى، وللتيْهِ أقوى، وللَّوعةِ كما لن تعرفها لوعةٌ من “هِبَةِ” المفقودات. نحن كَتَبَةٌ ـ ممكناتٌ لغويةٌ بأصواتٍ في الحروف، وأقدامٍ في الكلمات. نعم. عَسْفاً سمَّينا “الحلولَ” حلولاً. هي فَرَضٌ من تصنيفِ التَّسميةِ. حلولٌ بلا حلولٍ. لغةٌ تعديلٌ في نِسَبِ الوجودِ مقاديرَ تليقُ بالذهولِ ـ أبِ النشأةِ.

لربما لم يوزِّع محمود نفْسَه، بخطفه الواقعَ إلى المطابقات في لغته، على قَلَقٍ، بقَدَمٍ في اللغويِّ البسيط وأخرى في الرغبةِ المتراكبةِ وشهواتها؛ أو بكلِّه على قَلَقٍ في الشعر “بلا وفاءٍ” لمقاصد الوجدانِ المنكوبِ بالواقعيِّ المنكوبِ ـ إرثِ الأرض سليبةً. ابتعد أحياناً عن ذائقةِ “المطلوب”، واقترب منها مراراً، كأنما يوازنُ هِبَاتِ الشكِّ في جدوى القطيعة مع “الجرح المعهود”. ظلَّ على ولاءِ البسيطِ باقتدارٍ في استنطاق الأبعدِ فيهِ رحلةً بعد أخرى من رحلات المعاني، وهجرةً بعد أخرى من هجرات “الواقع”، ونزوحاً بعد نزوحٍ للحنين الأولِ عن أناقةِ الحنينِ وفِتنته.

على أية حال، ليس في اقتدار خيالي عرْضُ محمودٍ على خيالٍ نَقْدٍ فيَّ، مُذْ كان التاريخَ الآخر لي ـ تاريخ الحماسة الأولى إلى قهر الخسارة، وقهر العجز في بلداننا المهزومة. وكان تاريخَ صداقةٍ لم أجد فيها أقرب إليه مني. كان من حولي في هاتفه، بلا انقطاع. كانت عروضُه مبذولةً لي بلا انقطاع، حتى ظننتُ، أحياناً، أنني ابنُه.

في اللقاء الأخير على بوابة الشمال الأخير من أطلس العالم، جَمَعَنا عشاءٌ من حَبَّارٍ ـ صَبِّيدجٍ مقليٍّ دوائرَ كالأفلاك لُتَّتْ ببَيْضٍ وطحينٍ، همس وهو ينظر إلى ابني ـ ابن السابعة عشرة: “كسبتُ صداقةً جديدة ـ صداقةَ Rhan”.  ابتسمتُ. كان أجدى لو قال: “ها التقيتُ حفيدي”.

لقاءان بالجمهور جَمَعانا، معاً، في معرض الكتاب بغوتنبرغ. قرأنا شعراً في الأول، فيما ذهبَ اللقاءُ الثاني مُرْسَلاً في بوحِ صديقين على أسئلةٍ في صداقتنا إنسانيْنِ، وصداقتنا شاعريْنِ. كان محمود مذهِلاً في تلقائيةِ “اعترافه”، بلا تحفُّظ من شاعرٍ كبير مثله، أنه جاهدَ كي لا يتأثر بي، وفي اعترافه أنه لم يعد يعرف أين الحدُّ بين أن يراني صديقاً، أو يراني ابناً له. تزوج مرتين ولم يُنجبْ، بقرارٍ قَصْدٍ في أنْ لا يُنجب. كلُّ شاعر أنجب طفلاً أنجب قصيدةً مُضافة إلى ديوانه. وكل شاعر لم يُنجب طفلاً، أنجب الكونَ معموراً بأطفالِ اللامرئيِّ. أبوَّةٌ تكفي الشاعرَ هنا، وأبوَّةٌ تكفيه هناك. لكنْ، بالقَدْرِ ذاتهِ، المذهلِ في عفويته بلا تحفظ، وهو يُحدِّثُ عني في اللقاء بجمهورٍ يتلقَّف كلماته على سويَّةِ المذهلِ اعترافاً، ألقى عليَّ، في العام 1990، في بيتي بنيقوسيا ـ قبرص، سِرًّا لا يعنيه. كلُّ سِرٍّ يعني صاحبَه، لكن ذلك السرَّ لم يكن يعني محموداً. باح به بتساهُلٍ لا تساهلَ بعده، أمْ كان لا يتكلَّف معي قطُّ “أنا الذي أعرف الكثير عنه مما لا يعرفه سوايَ” حجْبَ شيءٍ يخصُّه؟

“لي طفلة. أنا أبٌ. لكن لا شيء فيَّ يشدُّني إلى أبوَّةٍ”، قال. كنا نتبادل كشتباناتٍ من تدريب اللسان على الأبوَّةِ (مُذْ صارت زوجتي حاملاً) قبل تدريب الوجدان على الأبوَّةِ. ليس الأمر أن يكون المرءُ أباً لسليلٍ من لحمه، بل أن تكون الأبوَّةُ، ذاتُها، على قُرْبٍ لَمْساً من السَّليل. أبوَّةٌ لم تَلْمَسْ بيديِّ الجسدِ سليلَها؛ لم ترَ بعينيِّ الجسدِ سليلَها، أبوَّةٌ فكرةٌ. الغريزةُ قُرْباً، والغريزةُ لَمْساً، والغريزةُ علاقةً، هي أمُّ الأبوَّةِ، وأبوها. محمود، حين كلمني عن أبوَّتهِ المتحقِّقة إنجاباً محسوساً، كلمني عن فكرةٍ في عموم منطقها بلا تخصيصٍ. أنا لم أسأله مَنْ تكون أمُّ طفلته. امرأة متزوجةٌ، اختصاراً، أخذت منه برهة اللحم لذَّةً من لذائذ المفقود المذهل، فاحتوتها كياناً لحماً. هل ستفاتح تلك المرأة ابنتَها، في برهة من برهات نَقْرِ السرِّ بمِنْسَرهِ على اللحم، تحت الجلد، بالدم “الآخر”، فيها؟ لا أعرف إن كان محمود يتفكر في الأمر، الآن، جالساً في استراحة الرحلة إلى الأبدية، على مقعد من برهان الكلمات أنَّ الأبديةَ قصيدتُهُ الأخرى ـ الهدنةُ بلا نهايةٍ.

صارحتْه المرأةُ مرتين، ثلاثاً، في الهاتف بابنته، ثم آثرتْ إبقاءَ ابنتها أملَ زوجها، حيث الحياةُ أكثر احتمالاً بلا فجاءاتٍ؛ أكثر تجانساً بلا فجاءاتٍ. بل الحياةُ، نفْسُها، مفاجأةُ الضرورةِ الصاعقة أسقطتْنا، جميعاً، في الصَّدمة: نحن نسْلُ اليقين الصَّدمات، و”مَصَالح” البلاغة في الترويج للمُحْكم، وتبعيةُ المُطلق للخيال المحدود، وقصاصُ المعاني من نفْسِها بجريرةِ انحراف الكلماتِ عن تسديد الدَّيْنِ للُّغةِ كاملاً، والجرحُ راضياً عن نَفْسِه. نحنُ إِخفاقٌ لونيٌّ.

محمود لم يسأل المرأةَ، حين انحسر اعترافُها، وانحسرتْ مبتعدةً في العلاقة العابرةِ، عن ابنته. أبوَّتُه ظلَّتْ تبليغاً موجَزاً من صوتٍ في الهاتف عن ابنةٍ لم تستطع العبورَ من صوتِ أمها إلى سمع أبيها. لذا محمود بلا أبوَّةٍ، كأنَّ الأمرَ كلَّه اعترافٌ صغيرٌ لصديقِ سنينَ طويلةٍ من عمره، بلا متْنٍ من توضيح في اللغة، أو هوامشَ إضافاتٍ، أو حواشي متجانسةٍ. أنا، نفْسِي، تلقَّفتُ اعترافَه بلا فضولٍ: لكانَ أنبَأَني من تكون المرأةُ لو كنتُ أعرفها. وها الفضولُ، خاملاً، يعبر خاطري بعد اثنتين وعشرين سنة. لابأس. أنا أُلفِّقُ لتلك الأبوَّةِ إقامةً في الكلمات، الآن، مُذْ كُنا إقامةً في الكلماتِ مُلفَّقةً بسطوةِ الشعر وبطشِهِ. لكنه التلفيقُ الأنقى مُذْ كانت الأمكنةُ ناكثةً بوعودِها ـ وعودِ الأمكنة.

بياضٌ هدنةٌ، وسوادٌ صُلحٌ نَحَتا ذاكرةَ العمر صورةً لمحمود ولي. صورةٌ أخرى وصلتني، على الإنترنت، من مشهد لقائنا معاً بجمهورٍ في السويد. صورةٌ ملونةٌ هي الثانيةُ أرانا فيها جنباً إلى جنبٍ. صورةٌ بألوانٍ ليست صُلْحاً أو هدنةً، بل لوعةٌ كالرياضيات، وحنينٌ كالهندسة.

تموز (يوليو) 2012

عن القدس العربي

The post محمود درويش وأنا appeared first on الرواية نت.

سليم بركات: لوعة كالرياضيات…وحنين كالهندسة

$
0
0

صدر حديثًا عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” كتاب بعنوان: “سليم بركات: لوعة كالرياضيات، وحنين كالهندسة”، وهو حوار طويل (182 صفحة) أجراه الشاعر والروائي العراقي وليد هرمز مع سليم بركات.
الحوار شيِّقٌ واسعٌ عميقٌ وعفوي عن تجربة سليم بركات الشاعر والروائي في الكتابة، وعن علاقته بالحياة من تفاصيلها الصغيرة في عزلته كعزلة رهبان الجبال في غابة “سكوغوس” في السويد.
يحتوي الكتاب، أيضًا، 3 مقالات.
قدَّم للكتاب الناقد السوري سامي داوود، الذي نقتطف من مقدمته: “ما هي الأسئلة التي يمكنها أن تتشكل عبر التجربة الأدبية الأكثر فرادة لكاتب بمكانة سليم بركات؟ تستدعي المتانة الإبداعية للأدب الذي قدمه بركات شعريًا وروائيًا، الإلحاف بالأبعاد التي ساهمت في بنينة كيانه الثقافي. وكيف أمكنه أن يأخذ من التراث والثقافة المعاصرة ما شاء، من دون أن يكون مشابهًا لكليهما. وما هي الأنساق التي تجاذبت لتتقاطع في النقطة التي هي أدبه الفريد والمفارق. هذا الكشف مشروط بأمرين: المعرفة العميقة بالأدب، والصحبة التي بها يمكن لسليم أن يحاور محاوره. وهو ما يتوفر في هذه الحالة لدى الشاعر العراقي وليد هرمز.. وتضيء هذه المحاورة النقاط الأساسية التي اشتغلت كإشارات لوجهة النص الذي قدمه بركات إلى الأدب الإنساني. وكذلك على شخصية سليم الحياتية والإبداعية”.

من أجواء الكتاب:
(*) سؤال: وُلِدتَ وترعرعتَ، في الشِّمال السوري، “مدينة القامشلي”، وكتبتَ كثيرًا عن الشمال السوري المُضيَّع، لكنكَ واسيتهُ بشمال آخر: “الشمال القبرصي” برواية “الريش”، والثلاثية الرائعة: “عبور البشروش”، و”الكون”، و”كبد ميلاؤس”. مع ذلك، لم يهدأ لك بال لفقدك “شمالك الأول”، فأتيت إلى الشمال الأسوجي بأعمال روائية أخرى: “السلالم الرملية”، و”هياج الأوز”، و”موتى مبتدئون”. أخطَرَ على بالك، يومًا، أن مستقرك النهائي في هذا العالم سيكون في آخر شمالات العالم ـ الشمال الإسكندنافي؟ هل تشعر أنك أنْصفْتَ الشمال الأول ـ شمال الألم ـ أم استعدته، بنجوى اليأس، مُقايضةً، بإقامتك الأخيرة في الشمال السويدي الفاحش؟
إن أغمضتُ عينيَّ، أو فتحتهما، يكُنِ الشمالُ ـ الجهةُ صورتين: السهول من حول مدينتي قامشلو في الشمال السوري، والبياض المترامي في شمال العالم بآثارٍ من قدَميْ إنسان الجليد عليه.
ظننتُ أنني “أروِّض” الشمالَ استحواذًا عليه في مكان واحد حيث ولدتُ. خصَّصتُه بالكثير من العودة إليه بشبحي: شمالٌ فوضى أرتِّبه. شمالٌ منتظم أبعثره. لا قانونَ إلاَّ الخيال حاصدًا ما يقْدِر على حصاده. لكنني فوجئتُ بما يجاوز تقديري: أنا متَّجه إلى الشمال كإبرة البوصلة في الفخر الفيزيائيِّ بالجاذبية.
قبرص الجزيرة لم تكن شمالًا على التحديد، بل خابيةً ملأتُها بنبيذٍ من شمال قلبي السوريِّ، قبل الهجرة من جزيرة النحاس، منذ إحدى وعشرين سنة، إلى شمالٍ آخر على قُرْبِ أشبارٍ من نهاية الأرض، التي إن ظلَّلتُ عينيَّ بيديَّ من الشمس المتقشِّفةِ ضياءً، أو الركيكةِ ضياءً، لاستطعت رؤيةَ الدِّببة البِيْض متزلجةً تلهو على الجليد، بعد شبعٍ من التهامها فراخَ حيوان الفقمة.
الإيمانُ بالأمكنة معضلةٌ. الحنينُ معضلةٌ. نحن بَشَرُ المُعضلات.

The post سليم بركات: لوعة كالرياضيات… وحنين كالهندسة appeared first on الرواية نت.

الشعلة الخفية للملكة لوانا لأمبرتو إيكو.. سيرة ذاتيَّة متخفِّية بلباسِ السَّردِ الروائيّ

$
0
0

معاوية عبد المجيد

«إنّ “وفاء” التَّرجمةِ المُصرَّحَ به ليسَ معيارًا يضمنُ التَّرجمةَ الوحيدةَ المقبولةَ (وبالتّالي يجبُ أن نُعيدَ النَّظرَ حتّى في الغطرسةِ أو العجرفةِ […] التي يُنظَرُ بها أحيانًا إلى التَّرجماتِ على أنَّها “جميلةٌ ولكنَّها خائنة”). الوفاءُ هو بالأحرى أن نعتقدَ أنَّ التَّرجمةَ هي دائمًا ممكنةٌ إذا أوَّلنا النَّصَّ المصدر بتواطؤٍ متحمِّسٍ، هي التعهُّد بتحديدِ ما يبدو لنا المعنى العميق للنَّصّ، والقدرة على التَّفاوض في كلِّ لحظةٍ بشأن الحلِّ الذي يبدو لنا أسلم»1.

بهذه العبارةِ يُوشكُ أُمبرتو إيكو أَن يَختمَ كتابَهُ المشهورَ عن التَّرجمةِ «أن نَقولَ الشَّيءَ نفسَهُ تَقريبًا»، الذي باتَ مرجعًا أساسيًّا لمُعظَمِ المترجمين. وقد دأبتُ على أن تكونَ هذه العبارةُ بوصلةً موجِّهةً لعملي في التَّرجمة الأدبيَّة، إلاّ أنَّ صعوباتِ تطبيقِها تتضاعفُ في حالِ كونِ الكتابِ الذي تُرادُ ترجمتُهُ هو لِصاحبِ تلك العبارة.

استغرقَ عملي على هذه الرِّوايةِ نحوَ عامَينِ، أَمضَيْتُهُما بينَ قراءتِها وإعادةِ قراءتها مرارًا والاطِّلاعِ على القَدْرِ الهائلِ من المصادرِ والمراجعِ التي اختَزَنَها إيكو بين دفّتَي الرِّوايَة. وقَد عَجَزْتُ عن ترجمتِها دفعةً واحدةً، لأنَّها كانَت تُصيبني بِتُخمةٍ معرفيَّةٍ في كلِّ صفحةٍ من صَفَحاتِها، إذ إنَّ «التَّفاوض» المُشارَ إليه آنِفًا يمتدُّ فيها ليشملَ أُدباءَ لا حَصرَ لهم ونُصوصًا مُعقَّدةً. فقرَّرْتُ أن أعُدّ الرواية بِمَنزلَةِ مرضٍ مُزمِنٍ، وأن أُعايِشَها على مدى الأيّام، وأن أَحيا حياتي بِكلِّ تلقائيَّةٍ وأن أُنجزَ التَّرجماتِ الأُخرى التي كُنْتُ قد قطَعْتُ وَعدًا بإنجازِها. وهذا بالتَّحديد ما يُمكنُنا تسميتُهُ «الحياة المُوازية». إذ لا يُمكنُك أن تَرفُضَ عرضًا يقدِّمُهُ إليكَ السَّيِّد أُمبرتو لاصطحابِكَ معه في رحلةٍ لا تنتهي، تبدأُ بالتّاريخ وتنتقلُ إلى الجُغرافيا وتمرُّ بِعلمِ الأعصابِ ثمّ تُعَرِّجُ على الفلسفةِ والدِّينِ وأزياءِ الشُّعوبِ والفاشيّةِ والطفولةِ والرِّواياتِ الدَّفينةِ والرَّسمِ والسِّينما وأرشيفِ الوَرَقِ والإغواءِ والشَّهوةِ والحُبِّ، وما إلى ذلك. لكنّي كُنْتُ في كلِّ خطوَةٍ أخطوها أشعرُ بالنُّضجِ، النُّضج «المُوازي»، وكلَّما التقطتُّ معلومةً سجَّلْتُها، وبحثْتُ عنها في مَجاهلِ الإنترنت، ووثَّقْتُها من عِدَّةِ مصادرَ، ثمّ كُنْتُ أضعُها في قسم الشُّروح، كي أُوفِّرَ على القارئِ مشقَّةَ مُطاردةِ المعاني والمفاهيم وكي أحتفظَ بمُتعةِ المشقَّةِ لِنَفسي. وآثَرْتُ أن تكونَ الشُّروحُ في قسمٍ خاصٍّ بها، تجنُّبًا لإثقالِ النَّصِّ الجميلِ بالهوامشِ، ومنعًا لقطعِ سلاسةِ القراءةِ، والتَّشويشِ على القارئ وإيقاظِهِ من سَكرتِهِ. وكذلكَ تجنَّبتُ وضعَ العلاماتِ، واكتفَيْتُ بإمالةِ الكلماتِ وتغليظِها في مُعظم الحالات. فمن أَرادَ مزيدَ معرفةٍ عَرَفَ أينَ يَجِدُها، ومَن لم يرتوِ فهنيئًا له الإبحار!

وقد سخَّرْتُ لهذا العمل تقنيَّةَ «المقارَنَة بينَ التَّرجماتِ المتعدِّدَة»، وهيَ التّقنيَّةُ التي درستُها وطبَّقْتُها في ترجماتٍ سابقة. فاعتمدتُّ على شُروحِ المترجمِ الأمريكيّ جوفري بروك، وعلى بعضِ التراكيبِ في ترجمةِ الفرنسيِّ جان نويل سكيفانو، وعلى نِقاطٍ مُعيَّنةٍ في التَّرجمةِ الإسبانيَّة. فأَن «تُفاوِضَ» عملاقًا مَهيبًا بحجمِ أُمبرتو إيكو، مُستدرِجًا إلى صفِّك عِدَّةَ مُترجمِينَ لهم باعٌ في ترجمةِ رواياتِهِ ولا سيَّما هذهِ، خيرٌ لكَ من أن تُفاوِضَه وَحيدًا. وبِهذا وَحدَهُ، يُمكِنُ إدراكُ ما قصدَهُ المُترجمُ القَديرُ حسن عثمان بـ«الاستئناس»، حينَ قرَّرَ أن يُترجِمَ «الكوميديا الإلهيَّة» لدانتي أليجييري، عن الإيطاليَّةِ مباشرةً، لكنَّهُ رَجَعَ «إلى بعضِ التَّرجماتِ الإنجليزيَّةِ (والأمريكيَّةِ) والفرنسيَّةِ شِعرًا ونَثرًا، لِلاستئناسِ بطريقتِها في التَّغلُّبِ على صُعوباتِ التَّرجمة»2. على أَنّي لَم أَخطُ خطوَةً في مُواجَهَةِ أَيَّةِ صُعوبَةٍ إلاّ أَشَرْتُ إلى ذلك في قسم الشُّروح.

ولا يَنبَغي أَن يَغيبَ عنّا أنَّ هذه الرِّوايةَ قد خَصَّها أُمبرتو إيكو بالصُّوَرِ والرُّسومِ، وكانَ أكثُرها من مكتبتِهِ الشَّخصيَّةِ، حتّى إنَّ بعضَ النُّقّادِ عدَّها سيرةً ذاتيَّةً متخفِّيةً بلباسِ السَّردِ الروائيّ. غير أنَّ هدَفَها أَكثرُ تَعقيدًا من ذلك. فالرِّوايةُ إذ تتناول موضوعِ الذّاكرةِ وفقدانِها واستعادتِها، تُتيحُ مجالاً واسعًا للصُّورةِ البصريَّةِ، ليَمتَحِنَ القارئُ قدرتَهُ على تمييزها مِن الصُّورةِ الذِّهنيَّةِ، وقياسِها بالكلمةِ التي تُعبِّرُ عنها. ثمّ إنَّ هذه الصُّورَ والرُّسومَ بمنزلةِ الجداولِ البيانيَّةِ والخرائطِ التَّوضيحيَّةِ والأشكالِ الدَّلاليَّةِ التي نجدُها بوفرةٍ في كِتاباتِهِ الأُخرى، الفكريَّةِ والأَدبيَّةِ على حدٍّ سواءٍ. وقَد دعا ذلكَ القائمينَ على إدارة النَّشرِ في دار الكتاب الجديد المتَّحدة – مَشكورينَ – إلى الاعتِناءِ بها وتقديمِها مُلَوَّنةً وكاملةً للقارئِ العربيّ، إيمانًا منهم بأنَّ الجُهودَ الجادَّةَ والمسؤولةَ هي وحدَها المثمرةُ، وحِرصًا منهم على تنفيذِ وصيَّةِ إيكو التي نَصَّتْ بوضوحٍ على عدمِ إعطاءِ المُوافقةِ على حُقوقِ ترجمةِ أيِّ كتابٍ مُلَوَّنٍ لأيّ دارِ نشرٍ أجنبيَّةٍ إذا أصرَّتْ على طباعتِهِ طباعةً اعتياديَّةً، من أَجلِ أَن يَظهَرَ الكتابُ بالمُواصفاتِ أَنفُسِها وأَن يُماثِلَ الطَّبعةَ الأصليَّة. ولعلِّي أَغْتَنِم الفُرصة هُنا لأُحيّي العاملين في هذه الدّار على صَبرهم وتفانيهم في العملِ على التَّرجمات الصّادرة بما يليقُ بها، كما نُحيّي معًا الدَّكتور أحمد الصُّمعي الّذي كان أَوَّل من عرَّفنا على هذا الكاتب الكبير وتَرْجَمَ لنا أهمَّ أعمالِهِ الفكريَّة والروائيَّة.

أمّا الرِّوايةُ في حدِّ ذاتِها، فالحديثُ عنها يَطولُ، وقد يكون غيرَ مشروعٍ ما دامَ صاحِبُها هو نَفسهُ الذي اقترحَ التَّعاملَ مع العملِ الأدبيِّ بوصفِهِ «عَمَلاً مَفتوحًا». لكنّي أودُّ أن أَلفِتَ نظرَ القُرّاءِ والنُّقّادِ إلى نقطةٍ مهمَّة: إذا كانَ «احتراقُ المكتبة» هو الثِّيمةَ الأساسيَّةَ لروايةِ اسم الوَردَة، فإنّ رِوايَةَ الشُّعلَة الخَفِيَّة لِلمَلِكَةِ لُوانا تَدورُ حولَ «انفِجار الموسوعة»، وتبعاتِهِ في زمنِ ما بعدَ الحَداثةِ، وخشيةِ عدمِ القدرةِ على استردادِها بموسوعةٍ مِثلِها. «فَهِم غوليالمو أنَّه لن يُمكنَنا أن نُطفئَ الحريقَ بيَدَيْنا وقرَّرَ أن يُنقِذَ الكتبَ بالكتب»3. وكذلكَ يَعرِضُ أُمبرتو إيكو ها هنا كاملَ قُدراتِهِ وبلاغتِهِ في الوصفِ داخل كينونةِ الرّاوي، لا خارجه كما اعتادَ قُرّاؤُهُ. سنرى هنا كيف تتشكَّلُ الذِّكرياتُ في أذهانِنا وتختفي فتتبدَّدُ ثُمَّ نستعيدُها بوساطةِ دلالةٍ ما، مُستعينِينَ بالعقلِ والتفكُّرِ والاستنتاج. وسنرى كيف يندمجُ ما قرأناهُ وسَمِعْناهُ ورأيناهُ بما عِشناهُ وحَلمنا بِهِ وتذكَّرْناهُ. سنرى أثَرَ الصوتِ والرَّائحةِ والنَّكهات على الذَّاكِرة. وسنرى أخيرًا كيف يتولّى الحبُّ مُهمَّةَ خَلْقِنا وتكوينِنا ليُرْجِعَنا إليهِ. أليسَ أُمبرتو إيكو هو مَن قالَ: «الذّاكِرَةُ هيَ الرُّوح»؟

بيزنسون، فرنسا 19/02/2019ـ

ـ           1 أُمبرتو إيكو، أن نقول الشَّيء نفسه تقريبًا، ترجمة د.أحمد الصُّمعي، المنظَّمة العربيَّة للتَّرجمة، بيروت 2012، ص 453. السواد للدَّاعي.

ـ            2 حسن عثمان، مقدّمة الكوميديا الإلهيّة، لدانتي أليجييري وترجمة حسن عثمان، دار المعارف، القاهرة 1955، ص 68. السواد للدَّاعي.

ـ            3 أُمبرتو إيكو، اسم الوَردَة، ترجمة د. أحمد الصُّمعي، دار الكتاب الجديد المتّحدة، بيروت 2016، ص 555. السواد للدَّاعي.

The post الشعلة الخفية للملكة لوانا لأمبرتو إيكو.. سيرة ذاتيَّة متخفِّية بلباسِ السَّردِ الروائيّ appeared first on الرواية نت.

محمود درويش: العاشق الدائم والزوج…المستحيل

$
0
0

شربل داغر

كان ذلك، ذات غروب، في “فندق الرشيد” في بغداد، عندما سمعتُ درويش يقول، بعد أن تناول سماعة الهاتف: “… أهلا بكِ”. قمتً طالبًا مغادرة جناحه، فكان أن قال لي: “لا، أرجوكَ. ابقَ معي… لن يطول الحديث معها”.

بعد قليل، فتحَ درويش الباب من جهة الصالون، حيث كنا نجلس، وإذا بصبية ذات ضفيرة ممتدة على ظهرها، وعينَين تبرقان بأكثر من الكلمات المتعثرة فوق شفتَيها، تقف مقابلنا. ارتبكتْ بمجرد دخولها إلى الغرفة، بمجرد السلام بالأيدي بينها وبين… شاعرها الحبيب. دعاها إلى الجلوس. ترددتْ. تعثرتْ في مشيتها، ثم جلستْ، بعد أن سوَّتْ قعدتَها، وشدَّتْ بفستانها على ركبتَيها. كان درويش شديد البرودة، بينما كنت أراقب من دون كلام ما يجري أمام ناظري. راحت الصبية الفلسطينية، التي كانت تدرس الهندسة الكهربائية في بغداد، تتقاذف جملًا من بين شفتَيها، بعد أن حفظتْها وكررتْها في صدرها، إلا أنها ما أن طلبت استعادتها حتى تعثرت فيها، فكانت تأتي الجملة مقطوعة من طرفها، أو تأتي هذه قبل تلك…

قالت الصبية ما في صدرها، إلا أن التماع عينيها، وارتباك أصابعها، وارتجاف ساعدَيها فوق حضنها، كانت تشي بأكثر مِما تقوله الكلمات والحركات.

قالتْ ما عندها، ما في جعبتها، و… انتظرت. شكرَها درويش على كلامها، من دون أي إضافة مزيدة. ارتبكتْ الصبية، بعدما ران الصمت بينها وبينه. وقفتْ، واستأذنتْ بالخروج. رافقَها درويش في اتجاه باب الصالون. قلتُ في نفسي: المشهد ناقص! قبل أن تخرج الصبية، وتغلق الباب وراءها، عادت على أعقابها، بل استدارت، فيما كان درويش يستعد للاستدارة لكي يعود إلى جلسته السابقة، وبادرتْه بجملة لم تُعدّْ لها قبل الموعد، لكنها أدارتها في صدرها قبل شهور وسنوات، وحدها مع نجمِها: لو كان لي أن أختار زوجًا لي، لاخترتُكَ.

قلتُ في نفسي: اكتملَ المشهد.

كان ذلك في باريس. التقتْ عيناها بعينَيه في بيتي، في عشاء نظمتُه زوجتي وأنا، إثر خروج درويش سالمًا من بيروت غداة الاحتلال الإسرائيلي لها. كانت مدعوة إلى العشاء بحكم كونها جارتنا في بناية مقابلة لبنايتنا في الدائرة الثالثة عشرة في باريس، وبحكم كونها تكتب الشعر بدورها، ولكن بالفرنسية. علمتْ بحديث العيون بعد شهور، عندما طالبتْني جارتنا (بدل ذكر اسمها) باللقاء معًا خارج بيتي أو بيتها، وهو ما كان، في مطعم: اختارت – وهي من عائلة تونسية بورجوازية – مِما لها أن ترويه من قصة غرامهما. كانت مرتبكة، ووميض عينَيها لا يتوقف عن اللمعان، وإن يتخله أحيانًا خفوت مريب. تحادثني، فيبدو عليها أحيانًا كما لو أنها تحادث نفسها، كما لو أنها تريد إقناعي بما تقوله، إذ تقوله لي من دون غيري، وللمرة الأولى. كانت أكيدة ومترددة في آن. تسعى إلى التقدم، لكنها تطلب التأكد من خطواتها.

كانت رقيقة مثل بطلة رومنسية ملتاعة في رواية لتولستوي.

كنتُ أستمع إلى ما تقوله متقطعًا من دون أن أعلم المقصود من سردها هذه الأخبار المتطايرة على مسامعي عَما جرى لها معه منذ العشاء في بيتنا. لم أعلق. لم أوقفْها. نركتُها تحكي، مدركًا صعوبة ما تقوله إذ تقوله. وإذا بالجملة الصاعقة تُنهي كلامها المتعثر والمتمادي: هل تعتقد أن درويش سيتزوجني؟

راعني ذلك الموقف، وحرتُ جوابًا على ما تطلبُه مني. سألتُها: ما الذي دعاكِ إلى التوجه صوبي؟ فأجابتْ بتصميم مثبتةً نظرها في وجهي – لأول مرة في تلك الجلسة: لأنني عرفتُ، في أحاديثي مع محمود، أنك أعدتُه إلى رشده، عند تأزم علاقته بزوجته رنا، وتسارعِها صوب الطلاق. كنتُ بين المستمع والمتشكك مِما كانت ترويه. كانت جملتها الأخيرة أقرب إلى إفشاء سر، وهو ما لا يتحدث به درويش لهذا أو لتلك من العابرين والعابرات في حياته.

لم يتكرر هذا الحديث مرة ثانية. لم أستعدْه، أو تستعدْه معي، في جلسة تالية، على الرغم من لقاءاتنا معًا، أو مع درويش. فقد دعاني إلى عشاء معهما، في غمرت، في ضاحية تونس ذات الألق المتوسطي. تنبهتُ، في عشاء المطعم البحري – وكنت أجلس قبالتهما -، أن يده اليسرى كانت تختفي من على الطاولة، في الوقت الذي تختفي فيه يدُها اليمنى بدورها، في حوار لطيف ما كان يخفيه البريق في عيونهما الثابتة في وجهي.

لم يكن الوقت كافيًّا بعد العشاء، وبعد الانتقال إلى الدارة التي استأجرَها درويش في سيدي بو سعيد، لتأمل جمالاتها، إذ وجدتني مضطرًا لمغادرة المكان لأكثر من سبب: بات وجودي عائقًا أمام ما له أن يمتدَّ بينهما في امتداد أصابعهما، عدا أنني كنت أقيم في فندق “أنترناسيونال”، وسط شارع الحبيب بورقيبة، في مدينة تونس، على مسافة تزيد على عشرين كيلومترًا.

وجدتُني في المكان الغلط، ولكن كيف الخروج من الدارة، ولا سيارة أجرة في المدينة الصغيرة، في ذلك الشتاء القارس! ضحكتُ، عندما دعاني درويش للنوم في غرفة الأصدقاء. لم يكن أمام جارتي سوى نقلي بسيارتها الفرنسية الخفيفة إلى المدينة. لم ندرك ليلتَها، هي أو أنا، هول العاصفة الناشبة في طبيعة تونس، ولا في ذلك اللسان البحري الممتد بين الضاحية ووسط العاصمة. هذا ما تحققتُ منه في اليوم التالي، عندما استعدتُ الطريق نفسها، فتنبهتُ إلى الأشجار العالية المنتَزعة من جذورها، والمرمية على أطراف الطريق البحري. لم أكن أدرك ليلتها هولَ العاصفة، لأن نظري الكليل حال دون ذلك، فيما كان المطر يحجب النظر من زجاج السيارة. وهي لم تكن تدرك بدورها لأن عاصفة أخرى كانت تنشب في أطرافها، ولا سيما في كلامها المشبوب عن حبهما.

جارتي لم تتزوج من محمود، لكنها سارعت إلى فيينا للاطمئنان عليه بعد عملية القلب الأولى التي أجراها. هذا ما أبلغتْني به بعد وقت… ذلك أنني لم أكمل حديثي معها عن زواجها المحتمل منه، إذ قلتُ لها بأنه لا ينوي الزواج من أحد، على ما أظن، بعد فشل زواجه من رنا قباني، زوجته الأولى. لم يكن هذا جواب درويش لي، إذ تناولتُ أمامه بشكل غير مباشر الحديث عنها (بعد عشائها معي، وطلب الاستفسار)، فكان أن أجاب جوابًا أظهرً لي بأنه لا يبادلها الغرام عينه.

لم يكن يصلح درويش للزواج، على ما تحققتُ أكثر من مرة معه: في المرة الأولى مع رنا قباني، ابنة السفير السوري صباح قباني، أخ الشاعر نزار قباني. وهي قصة معروفة بتفاصيلها، ولا سيما زواجه منها بعد أمسية شعرية، في النهار عينه، وانتقالها معه إلى بيروت، ثم إلى باريس. التقيتهما معًا أكثر من مرة، في مكاتب مجلة “الوطن العربي”، أو في مقهى أو في مطعم بباريس، من دون أن أعلم مكان سكنهما في تلك الشهور القليلة من سنة 1979 في باريس. كان يبدو عليهما التوتر غالبًا، ولا سيما الصمت من قبلها.

أسرَّ إليَّ درويش، مرة، أنه طلَّقَها ثم تزوجها مرة ثانية، مضيفًا أنني من أعدتُه إلى الزواج منها من جديد. لم أعلم، يومها، سبب كلامه هذا، بعد سنوات على طلاقه القاطع معها؛ وعندما طلبتُ الاستيضاح منه عن ذلك، قال لي: إنها مزحة.

كان درويش شديد التكتم، قليل الإفصاح، في نوع من “الحماية” الأمنية، المستدامة له، فكيف في حياته الزوجية أو الغرامية! كان يروي أحيانًا الحكاية وعكسَها لي، أو يرويها لغيري في حضوري بصيغة أخرى. أهذه من عادات “النجم”؟

غير أن درويش يبدد، في أحوال أخرى، ما كان قد شاع عنه، فكيف إن شارك في تبديد الحكاية نفسها اثنان: درويش نفسه وصديقه سميح القاسم. كان ذلك في جلسة، في أحد المطاعم اللبنانية، في باريس، في دعوة غداء أردتُها لي معهما لإنهاء الخصومة بينهما: “على صحن كبة”، كما كتبتُ الخبر (مرفقًا بالصور) في مجلة “كل العرب”. سألتُ درويش – في لحظة تباسط الأخبار بين صديقين تباعدت المسافات والأخبار بينهما – عن حقيقة غرامه بالمطربة نجاة الصغيرة، فكان أن تعاونا معًا على روايتها.

قال درويش إن الخبر ذاع بعد أن دبَّجَه أحد الصحفيين المصريين، مِمن كانوا يعملون في نشر أخبار مدفوعة الثمن عن نجمات ونجوم مصريين، ومن بينهم: نجاة الصغيرة. نشر الصحفي خبرًا، بعد عشاء نظمَه أحمد بهاء الدين (“الراعي” الأول لوجود درويش في القاهرة بعد حلوله فيها قادمًا من موسكو)، أفاد فيه أن “أطراف قصة إعجاب متبادَل نشأت في ذلك العشاء بين الشاعر (الذي فاز بنجوم الشهرة الأولى) والمطربة الشهيرة، التي حلَّتْ إلى جانبه في العشاء. أما تتمة الحكاية فقد استكملَها القاسم: كان درويش، قبل رحيله من إسرائيل، قد طلب من القاسم أن يَبقى على صلة بأمه للعناية بها. فكان أن تبلغَ القاسمَ، في مكاتب الجريدة في حيفا، أن حورية، أم درويش، تطلب منه المجيء على عجل إلى بيتها: انتقلتُ، يومها، على وجه السرعة، فإذا بالوالدة غاضبة، حانقة من تصرفات ابنها محمود الرعناء… بلغ الأمَّ، من إحدى صاحباتها، أن محمودًا مقبلٌ على زواج قريب من… نجاة الصغيرة، السيئة السمعة… لم يكن أمامي (يتابع القاسم)، وأنا ما كنتُ على علم بهذا الخبر أساسًا، سوى التخفيف من صدمتها، فكان أن قلتُ لها: لا، يا عمتي. نجاة الصغيرة ليست سيئة السمعة، وهي ليست مطربة في كباريه… إنها مُنْشِدَة. ارتاحت عمتي حورية لكلامي، وعرفتُ بعد وقت أنها كانت تترك الإذاعة المصرية “شغّالة”، وعندما كانت تستمع إلى أغنية لنجاة، في حضور غيرها، كانت تُنهيهم عن التكلم، صارخة: اسكتوا… اسكتوا.. هادي كنتنا (الكُنَّة) المُنشِدة بتنشد.

يومها، لم نتوقف عن الضحك والتعليق بين خبر وآخر، إلا أن الضحكة الأقوى انطلقت بعد أن

سأل درويش القاسم: أقالت أمي فعلًا أن تصرفاتي… رعناء؟

“غراميات” درويش معروفة في بعض أخبارها، ولا سيما غرامه ممن جعل لها اسم: ريتا، التي باتت على كل شفة ولسان مع غناء مارسيل خليفة القصيدة التي حملتْ اسمها. تعرَّف إليها في ريعان شبابها، وهي راقصة في فرقة، في احتفال نظمه حزب “راكاح”، والتي ما لبثنا أن عرفنا اسمها الحقيقي، وصورتها، بعد سنوات وسنوات، وقد باتت تقيم في ألمانيا، في فيلم وثائقي عن درويش.

غراميات عابرة، ،سريعة، أو استدامت لشهور وربما أكثر، وقد عرفتُ بعضها ما لا حاجة لذكره، ومِما يدخل تمامًا في النطاق الحميمي والخاص (حتى بعد وفاته).

لم يكن درويش يحب الكلام عن الزواج، ولا عن الأطفال، على الرغم من أنه ما كان يتأخر، في غير زيارة أو لقاء، عن سؤالي عن ابنتي: هالة، التي عرفَها طفلة تحبو…

سعيتُ، في غير مرة، إلى مفاتحته بالأمر، فكان يتهرب أو يُرفق جوابه بنكتة. لكنه بدَّلَ موقفه، ذات يوم، عندما طَلبَ مني المجيء معه إلى المطبخ، في الجهة الخافية عليَّ في شقته الباريسية (في ساحة “الأمم المتحدة”). هذا لم يحصل في مرة سابقة، كما لو أنه يريد أن يتباسط معي في أمر مفاجئ، ربما في ما يؤلمه أو يزعجه…

بعد أن أعدَّ القهوة، انتقلَ معي إلى الشرفة جنب المطبخ، التي تقع في الجهة المقابلة للشرفة التي كنا نجلس فيها تحت أنظار برج إيفل. كان في تصرفه ما هو غير مألوف… ركنتُ إلى الصمت. كنتُ قد انتبهتُ، يومها، إلى غياب زوجته الجديدة. كان حزنٌ شفيف يرشح من عينَيه، ومن كيفية ارتشافه فنجان القهوة. الصمت ثقيل. بادرتُه: أليس من مفاجأة جديدة، اليوم؟ سألني: عمًّ تتحدث؟ فأجبتُه من دون تردد: ألا تذكر أنك، في زيارة سابقة، فاجأتني بزواجك؟

هذا ما حصل فعلًا في تلك الزيارة، إذ انتبهتُ، بمجرد دخولي إلى صالونه المترع بلونه الأبيض، إلى قيام سيدة فارعة الطول، وجميلة للغاية، لاستقبالي. لم أنقطع عن النظر إليها بعد جلوسي: مَن تكون؟ فكان أن بادَرَني: توقف، شربل… إنها زوجتي. لم أصدقْه. أهي مزحة جديدة؟ ثم راح، أمام ابتسامتي غير المبالية بكلامه الأخير، يعرِّفني بها: إنها حياة الهيني… تعمل في اليونسكو، في “الترجمة الفورية”، وهي صديقة صديقك المترجم مصطفى مرجان، المصري…

راح درويش يحادثني من دون أن ينظر إلى وجهي… كانت الجلسة مناسبة لذلك الغروب، الذي كان يتباطأ في النزول علينا. لعله اختار الجلوس في هذه الشرفة غير المشرفة (بعكس الأخرى) إلا على عمارات كالحة اللون، لكي يقوى على البقاء مع نفسه، في جلوسه معي. كان حديثًا متفرقًا، يسألني فيه عن زواجي، عن “غرامياتي”، ليجد في الحديث مناسبة للكلام، فلا يكون اعترافًا أو بوحًا. إلا أن كلامه كان أقل من الإيحاء بالشيء. كما لو أنه يبدي رأيًا في أمر، ولا يعترف بمرارة أو بخيبة، أو بشأن حميمي يخصه ويوجعه في تلك الأيام.

لم يتزوج درويش بعد ذلك، لكنه لم ينقطع عن الغرام.

قلما وجدتُه من دون بدلة – قاتمة اللون، بين رمادية وزرقاء معتمة. وإن ارتدى قميصًا، فهي طويلة الكمين. رسمي، محتشم، من دون ربطة عنق، في غالب الأحوال.

قلما تبينت شعرة بيضاء في شَعره، إذ كان يصبغه من دون توقف…

مع ذلك كانت الفراشات لا تتوانى عن الدوران حول هالته…

كان لحديثه الفَكِه والعذب، ولالتفاتاته اللطيفة إلى المرأة، لهداياه (على ما عرفتُ من حديث رنا قباني عنه)، ما يجذب أكثر من معجبة، أكثر من عشيقة: استقبلتُه في المطار ببيروت، عند حلوله في لبنان بدعوة من جامعتي، وما أن وصلتُ معه، ومع مدير العلاقات العامة في الجامعة إلى فندق “روتانا جوفينور” في الحمراء، حتى وجدتُ معجبة (لم تفارقه عندما كنت ألتقيه في تلك الأيام، بين بيروت والجامعة) تنتظره في بهو الفندق، بينما كانت تستقبلنا باقات زهر حمراء أمام الجناح الذي كان له أن يحلًّ فيه من نجمة غناء مشهورة…

(من كتابي: “محمود درويش يتذكر في أوراقي: أكتب لأنني سأعيش”، مؤسسة العويس، دبي، 2019).

عن صفحة الشاعر والروائي شربل داغر على الفيسبوك

The post محمود درويش: العاشق الدائم والزوج… المستحيل appeared first on الرواية نت.

مظاهر اللاجامي: لا أجيد التسويق لأعمالي بالطريقة التي أثقلت كاهل الكاتب

$
0
0

الرواية نت – لندن

يؤكّد الروائيّ السعودي مظاهر اللاجامي أنّه اتّخذ منذ البداية موقفًا مضادًّا من كل أشكال المنع والرقابة واعتبرها قيدًا وجوديًّا يقيّد الكاتب، وأنّه بمقدار ما تحضر الرقابة تغيب الكتابة والعكس كذلك.

ويشدّد مبدع (موت أبيض) في حواره مع الرواية نت على أنّه ما زال جزء من المثقفين يتوسّلون اعتراف الآخر بأن هناك ما يستحق أن ينشر عربيًّا. ويوضح أنّ القصد من التدهور والنكوص يشمل مناحي الحياة كافة لكن هذا لا يمنع من وجود المبدعين على مستوى الأفراد، لا على مستوى المؤسسات والمجتمعات.

  • كيف تقيّم تجربتك مع القراء؟.

مفهوم القرّاء بالجمع، والقارئ بالإفراد، ملتبس ومخاتل جدًّا. ولعلّ جزءًا من مخاتلته أن اللفظ تم استخدامه كمصطلح وكمرادف لمفهوم الناقد في التيارات النقدية الحديثة. كمفهوم القارئ النموذجي والقارئ الضمني والقارئ الافتراضي. لكن ومن خلال السياق يبدو أن الدلالة المعنية من ذلك هو القارئ غير المتسلّح بمنهجيَّة للممارسة النقديّة. أي القارئ غير المنهجي بعبارة أخرى. وهنا تنشطر تجربتي مع هذا النوع من القراء لاتجاهين. الاتجاه الأول يرفض النّص من منطلقات أخلاقيَّة والاتجاه الثاني يعجب به لاعتبارات شخصيّة. ولا يمنع أن يتداخل الاتجاهان عند نفس القارئ.

في كلا الاتجاهين لا يمتلك القارئ معرفة منهجيَّة بالنّص ولا بجماليات الرواية وتحولاتها منذ بداياتها حتى الآن، ولا يمكنه أن يصيغ رأيه صياغة موضوعية ضمن أطر منهجيَّة واضحة. فمثلا، هناك من يرفض نصًّا لتناوله لموضوع الجنس، ويعتبره مساسًا بالجانب الأخلاقي والاجتماعي، لكن حينما نوغل في الحديث مع هذا القارئ نكتشف عدم قدرته على تبرير رفضه لمقاربة ما يتعلق بالجسد. كذلك نجد من يعجب بالنّص من منطلقات شخصيَّة كونه وجد فيه ما يلامس جانبًا شخصيًّا من حياته. أتذكر مثلًا اتصالًا من أحد القراء وردني بعد فترة وجيزة من إصدار رواية بين علامتي تنصيص. وأبدى إعجابه بالرواية كونه وجد فيها ما يلامس تلك الجوانب الشخصيَّة وأن أمجد، الشخصيَّة الأساسية، عاش تجربة مريرة بعد الفراق عن حبيبته سماء، وكاد أن يخسر كل شيء بناء على تلك التجربة.

باختصار: هناك جانبان. الجانب الأول تجربتي ككاتب يسعد بالطبع حين يواجه مواقف إيجابيَّة من القراء. أما الجانب الثاني فهو الذي أعوّل عليه وهو المعرفة الموضوعيّة بالنّص في مقابل المعرفة الذاتية القائمة على الذوق. فكما يقول حميد لحمداني في كتابه “الفكر النقدي الأدبي المعاصر ” بأن العملية النقدية هي تغليب هيمنة الموضوع على هيمنة الذات. وأمام هذا أسعد بهيمنة الذات لكن أعوّل على هيمنة الموضوع.

  • ما أهم الأعمال الروائية التي أثرت في تجربتك الإبداعية؟ ما الرواية التي تتمنى لو كنت مؤلفها؟ هل من رواية تندم على كتابتها أو تشعر أنك تسرعت في نشرها؟ ولماذا؟

لا وجود لكاتب محدّد أو أعمال معيّنة يمكن أن أعتبرها أثّرت في تجربتي الإبداعيَّة وقد يكون للناقد رأي آخر في هذا. فكل رواية متميّزة، وكل كاتب مبدع أكتشفه وأنشغل بقراءته في فترة ما أعتبره رافدًا مهمًّا يرفد التجربة الإبداعيَّة، بل يمكن أن أعتبر القراءة حتى في المجالات غير الأدبيّة رافدًا، ربّما يكون أحيانًا أكثر أهميَّة من قراءة النصوص الإبداعيَّة. ذلك لأن بؤرة الأعمال الروائية تتعالق فيها الجوانب الاجتماعية بالتاريخية بالسياسية بالثقافية بالنفسيَّة، وكلّما كان الروائي قادرًا على الإلمام بهذه الجوانب بات قادرًا على امتلاك اشتراطات كتابة الرواية. المعرفة بالنفس البشرية ومجتمع الإنسان وسياقاته. بالطبع هناك كتاب لديهم القدرة على مراقبة المجتمع وسلوك الإنسان دون أن يرفد ذلك بمعرفة منهجيَّة شاملة.

بخصوص الرواية التي تمنّيت كتابتها فقد أجبت عن ذلك في حوار آخر، وقد أشرت أنها رواية البحث عن وليد مسعود لجبرا إبراهيم جبرا، وقد أضيف الآن رواية أخرى وهي رواية حياتي لليوناردو بادورا وأخرى هي قطار الليل إلى لشبونة لباسكال مرسييه. بالتأكيد تظل هذه مواقف ذاتية لا يمكن أن أبرّرها موضوعيًّا.

وأما إذا ما كان هناك رواية أندم على كتابتها، فلم أندم على ما كتبته قط، وبرغم أنني لا أعتبر رواية بين علامتي تنصيص والدكة تمثّلانني الآن لكونهما تدريبات على الكتابة، لكنّ تلك التدريبات كان لا بدّ منها. فالكاتب يظل محكومًا بشعورين مختلفين. أن يكتب ما يعتقد أنه جدير بالكتابة وأن يتخلّص منه على المستوى النفسي بعد ذلك كي يطور مهاراته الكتابية، ولعلّ غالبيَّة الكتّاب لا ينظرون بعين الرضا للأعمال الأولى من التجربة الإبداعيَّة لكنها شرط لا بد منه في مسيرة الكتابة.

  • كيف ترى مستقبل الرواية في عالم متسارع يمضي نحو ثقافة الصورة؟

لا يمكن أن أعزل واقع ومستقبل الرواية عن بقية مناحي الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعيّة والمعرفيَّة في العالم العربي. فالمراقبة الدقيقة لواقعنا يجعلنا ندرك أننا نعيش مرحلة نكوص وتدهور في شتّى المجالات. فالجامعات ما عادت تشجّع على البحث الأكاديمي. والحالة السياسية مشلولة بشكل كامل بسبب غياب التعدديَّة السياسيَّة، وفي ظل غياب التنازع الإيديولوجي بين التيارات السياسية وسيطرة الفكرة الواحدة. ومع صعود العسكر للسلطة في عديد من الدول العربية واستشراء أحزاب الإسلام السياسي ما عاد يمكن الحديث عن حياة ثقافيّة مستقلّة. أتذكّر حوارًا أجراه جهاد فاضل مع المسرحي توفيق الحكيم وآخر أجراه مع نجيب محفوظ، وفي كلا الحوارين اتفق الكاتبان في تحليلهما لتدهور الثقافة في مصر بأن الفترة الملكية الليبرالية في مصر تركت الثقافة للمثقفين لكنها تدهورت بعد سيطرة الضباط الأحرار واستدماج الثقافة ضمن إيديولوجيا ومؤسّسات السلطة، ولعلّ الاتحاد السوفييتي خير مثال على دور السلطة في تدهور الحياة الثقافيّة. ذلك لأنها تطبّق تطبيقًا أمينًا ما قاله وزير الدعاية النازية غوبلز ” كلما سمعت كلمة مثقف، تحسّست مسدسي”.

hdrpl
  • كيف تنظر إلى واقع النقد في العالم العربي؟.

إن كان لنا أن نتحدّث عن تدهور شامل في مناحي الحياة العربيَّة ككل فربّما كان النقد هو الأشد كشفًا لواقع التدهور والنكوص. ذلك لأن النقد ممارسة منهجيّة، لا بدّ أن تؤسّس على أسس معرفيّة تستند على الفلسفة وعلوم اللغة وتاريخ الجنس الأدبي المستهدف من الممارسة النقديّة، وهو ما يفتقده الآن نقاد الصحافة الانطباعيين. فالمنهج النفسي يتطلب معرفة بمدرسة التحليل النفسي، والمنهج التاريخي بفلسفة التاريخ عند هيغل، والاجتماعي بمعرفة وافية بالماركسيّة وقوانين التطور الاجتماعي، أما المناهج النصيَّة فتتطلب معرفة بعلوم اللغة ودي سوسير. بالتأكيد لست ضد القراءات الانطباعيَّة إذا كانت تنمّ عن معرفة وافية وحصيفة بالأدب، كما يتضح ذلك في كتابات ميلان كونديرا حول الرواية أو رسائل ماريو بارغاس يوسا في رسائله إلى روائي شاب أو كتابات إيتالو كالفينو التي طبعت تحت عنوان آلة الأدب. ولعلّنا ندرك ذلك من خلال تجربة ذهنيّة افتراضيَّة تحاول أن تحصر أهم الأسماء النقديَّة والتي سنكتشف أن الأسماء كلّها تقريبًا تعود لفترات سابقة ازدهرت فيها الممارسة النقديَّة ولم تعد كذلك.

  • إلى أيّ حدّ تعتبر أنّ تجربتك أخذت حقها من النقد؟

علاقتي بالنقد شبه منعدمة. قد يكون ذلك بسبب ما ذكرته حول تدهور الحياة الثقافيّة والنقدية بالأخص، وربّما أضيف أن طبيعة ما أتناوله من موضوعات يجعل من كتاب الصحافة والنقد الصحفي يحجمون عن الكتابة عما أكتب. ومن المتوقع أن يحجم الصحفي أو الناقد عن الكتابة عن أعمال تثير غضب السلطة السياسية أو الدينية. فالثقافة الليبرالية السائدة تجعل وجود المثقف مرهونًا بعطايا السلطة ورضاها، فالمثقف الذي وظيفته إزعاج السلطات كما يحدّد سارتر ما عاد موجودًا، أو على الأقل ما عاد مطلوبًا في الساحة الإعلاميَّة. إضافة لذلك فأنا أحتمل جزءًا من المسؤوليَّة لأنني لا أجيد التسويق لأعمالي بالطريقة المتعارف عليها والتي أثقلت كاهل الكاتب، فليس ضمن وظائف الكاتب أن يسوّق لأعماله بل إن دور النشر والصحافة من يجب أن تتكفّل بعمليَّة التسويق تلك.

  • كيف تجد فكرة تسويق الأعمال الروائية، وهل تبلورت سوق عربية للرواية؟.

مما يؤسف له حاليًا إن عملية التسويق ارتبطت بالأعمال الروائيَّة التي ترشح لجائزة البوكر العربية فقط، رغم أنها ليست أفضل الأعمال، لكن مزاج الناشر، واللجنة المحكمة، والمعرفة الدقيقة باتجاه الجهة المانحة يلعب دورًا رئيسًا في ترشيح عمل من عدمه. وبعيدًا عن التسويق للروايات المرشحة للجائزة، فأجد أن التسويق حاليًا عبر الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي يتمّ للروايات المترجمة في مقابل التجاهل التام للمنتج العربي عمومًا، وبالخصوص للرواية كونها الشكل الأكثر انتشارًا في مجال الإنتاج الثقافي. وبالتأكيد لن أستثني نفسي كقارئ من عملية الاستبعاد غير المتعمّد للمنتج العربي لكنّني على الأقل أحاول أن أقاوم هذا التجاهل بإرادة واعية.

hdrpl
  • هل تحدّثنا عن خيط البداية الذي شكّل شرارة لأحد أعمالك الروائية؟

في البدايات الأولى من محاولات الكتابة لم أجد شكلًا محدّدًا أوقن أنني سأستطيع أن أقدّم فيه شيئًا متمايزًا. كتبت كمحاولات أوّليَّة في جميع الأجناس. الشعر والقصة القصيرة والمسرحية، وكلّها محاولات متواضعة بالطبع، ولم أنشر منها شيئًا. بعد تراكم الخبرة في القراءة وجدت أن الرواية هي الشكل الأنسب الذي يمكن أن أتميّز من خلاله ويكون قادرًا أيضًا على أن يحتمل الانشغالات الثقافية والأسئلة الوجوديّة والفلسفيَّة التي تشغلني. خصوصًا أنني عندما عدت بذاكرتي لمرحلة الطفولة وجدت أنني شغوف بالقص. فقد كانت إحدى القريبات العجائز من أسرتي تجمع من حولها أطفال العائلة وتسرد لهم قصصًا عجائبيَّة لم تبتعد في سحرها وغرائبيّتها عن أجواء ومناخات ألف ليلة وليلة. وما زالت والدتي تذكرني ببعض القصص المختلقة التي استطعت من خلالها أن أبني قصة متخيّلة سبّبت رعبًا إليها، وبحسب قولها إنها طلبت مني عدّة مرّات أن أعيد القصّة لعلّ اختلافًا يمكن أن يوصلها لحقيقة ما حدث. بالطبع لم تتوصّل لذلك لكني اعترفت إليها فيما بعد بأن القصة كلها مختلقة.

  • إلى أيّ حدّ تلعب الجوائز دوراً في تصدير الأعمال الروائية أو التعتيم على روايات أخرى؟

قد تكون إجابة هذا السؤال متضمّنة في الإجابة عن السؤال حول تسويق الأعمال الروائية ولعلّني أضيف مثالًا ذكرته سابقًا في أحد الحوارات وهو استبعاد رواية نجم والي بغداد مالبورو من الترشيح بشكل تام رغم أنها تتفوق على ما رشح في تلك الدورة من أعمال روائية، وللتأكيد فقد حازت رواية بغداد مالبورو على جائزة برونو كرايسكي العالمية للكتاب في النمسا عام 2014 وقد وصلت للقائمة النهائية لجائزة يان ميشالسكي لكنها شبه متجاهلة من قبل الإعلام والنقد في اللغة العربيَّة. وقد أشرت لذلك حينذاك قبل أن تحوز على الجائزة العالميّة. في السنوات السابقة وأثناء ما كنت راصدًا جيدًا لاتجاه جائزة البوكر استطعت خلال ثلاث دورات أن أخمّن فوز أحد الأعمال في القائمة النهائية وذلك من خلال مراقبة ورصد ما ينشر عبر الصحافة مما يعني أن قرار الفوز ليس إبداعيًّا محضًا بل تتضافر عدّة عوامل في وصول رواية ما للجائزة، واستبعاد كل ما لم يرشح من دائرة الإعلام، وخصوصًا في ظل عدم التسويق الذي تحدّثت عنه سابقًا.

rptnb

كيف تجد واقع ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى؟

لعل ذلك من المسائل التي انطوت على استخفاف هائل بالذات العربيَّة والشعور بالجرح النرجسي في مواجهة الغرب كما يشير جورج طرابيشي، فما زال جزء من المثقفين يتوسّلون اعتراف الآخر بأن هناك ما يستحق أن ينشر عربيًّا. ولوهلة قد يبدو هذا متناقضًا مع ما أشرت إليه سابقًا، لكن للتوضيح فالقصد من التدهور والنكوص يشمل مناحي الحياة كافة لكن هذا لا يمنع من وجود المبدعين على مستوى الأفراد، لا على مستوى المؤسسات والمجتمعات. في رواية سيّدات القمر لجوخة الحارثي التي فازت بجائزة مان بوكر العالمية مثال على ذلك. المفارقة بالتأكيد أن كثيرًا من المثقفين وبدلًا من الاحتفاء بالعمل راحوا ينتقدون قيمته الأدبيَّة، وهذا من حقهم طبعًا، لكن المضحك في المسألة أن هناك من لم يجد شيئًا صالحًا للنقد سوى أنه اعتبرها مفارقة أن تكتب امرأة محجّبة عملًا إبداعيًّا جديرًا بالقراءة ويستحق جائزة بأهميَّة المان بوكر.

  • يعاني المبدع من سلطة الرقابة خاصة (الاجتماعية والسياسية والدينية) إلى أي درجة تشعر بهيمنتها على أعمالك؟ وهل تحدّ من إيصال رسالتك الإبداعية وهل أنت مع نسف جميع السلطات الرقابية؟

منذ البداية اتخذت موقفًا مضادًّا من كل أشكال المنع والرقابة واعتبرتها قيدًا وجوديًّا يقيّد الكاتب فبمقدار ما تحضر الرقابة تغيب الكتابة والعكس كذلك. ولهذا اعتبرت التخلّص من الرقابة الموجودة ذهنيًّا أول أشكال المقاومة للرقيب السياسي والاجتماعي والديني. بالتأكيد ينبغي أن أؤكّد أن مسألة مقاومة الرقابة ونسف سلطتها يحمل جانبين مهمين يعتمدان على السياق.

السياق الأول. هو السياق الثقافي عامّة. فبعض الأعمال تحمل أهميّتها الثقافية المرتبطة بسياق ثقافي معيّن كونها استطاعت أن توسع مساحة المفكر فيه والمسموح وضيّقت دائرة اللا مفكر فيه. يحضرني مثالًا في السياق الفرنسي رواية مئة وعشرون يومًا في سدوم للماركيز دي ساد. وشعريًّا في السياق العربي سنجد تمثيلًا على ذلك ما كتبه نزار قباني في ديوانه الأول قالت لي السمراء، وبشكل أشدّ جرأة في ديوانه الثاني طفولة نهد. أما روائيًا فلعل مجموعة من الأعمال أسهمت في زيادة المفكر فيه، والمسموح بالمقاربة، مثل رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح في تناوله للعلاقة الجنسية في سياق المستعمِر والمستعمَر، وتلك الرائحة لصنع الله إبراهيم في تناوله للسجن السياسي. بالتأكيد تظل العلاقة بين الرقابة والكتابة في حال تضاد دائم، وستظل الرقابة تدافع عن وجودها وقدرتها باعتبارها آليَّة من آليَّات الإكراه التي تمارسه السلطة السياسية كالسجن والعقاب والتهميش والاستبعاد أو الاغتيال الرمزي الذي تمارسه السلطة الدينية من خلال فتاوى التكفير، دون أن نتجاهل ونستخفّ بدورها في تغييب كثير من الأعمال الرائعة واستبعادها من التاريخ الرسمي للثقافة. ولعل التراث العربي وكثير من النصوص التي أعيد إحياؤها تندرج ضمن هذا الإطار مثل ديوان أبي حكيمة راشد بن إسحاق أو ما جمعه جمال جمعة من قصائد متفرّقة تحت عنوان ديوان الزنادقة. أو حتى في المجالات الفكرية الأخرى التي لم يصلنا منها سوى ما كتب في كتب الردود مثل كتاب مخاريق الأنبياء لأبي بكر الرازي أو الزمرد والدامغ لابن الراوندي. باختصار وكما يرى جيل دولوز كل كتابة ليست إلا مقاومة.

السياق الثاني. السياق الخاص بالعمل ذاته. فانتهاك التابوهات لا يجب أن يكون هدفًا بمعزل عن مدى ملائمة الانتهاك لطبيعة النص والشخصيَّات فذلك ما يجعل عمليَّة الانتهاك لا تعدو كونها مجانيّة وتسويقًا فجًّا. وبالتأكيد ستحقّق كثير من الأعمال انتشارًا واسعًا للعمل بعد أن يمنع أو يكتب عنه باعتباره نصًّا يركّز على الممنوع والمحرّم لكن المراهنة على بقاء مثل هذا النص من خلال ما يتم تناوله مراهنة ليست دائمًا في صالح العمل.

  • ما هي رسالتك لقرّائك؟.

قد لا أكون شخصًا ملائمًا لأن أتوجّه بالنصيحة للقراء بشكل عام، ولكن بما إننا في سياق الحديث عن الرقابة وإكراهات السلطة ومستقبل الثقافة. فربما أؤكّد أن الشعوب تقاس بمدى ما تنتجه في شتى المجالات الإبداعية والعلميّة والمعرفيّة، فإذا كانت إرادة التجهيل قائمة، فلا ينبغي أن نستجيب لتلك الإرادة، رغم إدراكنا لمدى ما تتمتّع به تلك الإرادة من قدرة فائقة على تعميم إرادتها. وثانيًا يمكن من خلال ما سبق أن أقدّم قاعدة، ولا أحبّذ استخدام لفظة رسالة، وهي ألا نجعل أحدًا أو اتجاهًا يحدّد لنا أفكارنا، ويعد قائمة بما ينبغي التفكير فيه، وما ينبغي استبعاده من دائرة التفكير نهائيًا، فتاريخنا العربي مليء بالشواهد التي تخبرنا أن مساحة التفكير والنقد امتازت بالرحابة والاتساع الشديدين باستثناء بعض الفترات التاريخية مثل فترة الحاكم بأمر الله الفاطمي أو فترة الخليفة المتوكّل العباسي، وبأن كل الاتجاهات الفكرية كانت تتمتّع بحريَّة الكتابة والتأليف وهو ما أشار إليه أدونيس بمنحى التحوّل في دراسته الثابت والمتحوّل بحث في الإبداع والاتباع عند العرب.

The post مظاهر اللاجامي: لا أجيد التسويق لأعمالي بالطريقة التي أثقلت كاهل الكاتب appeared first on الرواية نت.

غاسل صحون يقرأ شوبنهاور.. الشهرة عبر الترويج للجنس

$
0
0

عمر الخالدي

صدرت رواية “غاسل صحون يقرأ شوبنهاور” للكاتب الفلسطيني محمد جبعيتي عن دار الآداب في بيروت. وقد مارست الرواية ألاعيب لغوية، وخدعًا لإثارة الجدل والترويج للكتاب، ابتداء من العنوان المثير الذي لا علاقة له بالمحتوى، فلا وجود للفيلسوف الألماني شوبنهاور طوال الرواية، انتهاءً باللعب على الثالوث المحرم (الدين، الجنس، السياسة).

العنوان ليس الحيلة الوحيدة، إنما تعددت الحيل والمكائد في الرواية، كلها بغرض الترويج والشهرة، فلم يترك الكاتب أي قضية مثيرة للجدل، إلا وتناولها، من الإساءة للدين ورجاله وطقوسه، إلى التغزل بالنساء، وسرد بطولات جنسية، لا يقوم بها شاب في مجتمع محافظ، فلم يترك فتاة إلا وعاشرها، ولا مكانًا للفسق إلا دخله. إضافة إلى مدح المشروبات الكحولية، والسكارى، وحياة اللهو والمجون في الليالي الحمراء، كل ذلك في أسلوب فظ ومتكلّف.

الرواية أحدثت ضجة كبيرة، فقد كتب عنها النقّاد في الصحف، وحظيت على مقروئية واسعة، وهذا ما سعى إليه الكاتب منذ البداية. ولكن، هل هذه هي معايير “الرواية الناجحة”؟ بالسقوط في وحل الجنس والكحول ومهاجمة الدين، بحجة مواجهة التابوهات في مجتمعاتنا الشرقية ونقاشها؟ هل بحشد الألفاظ السوقية والشتائم الخادشة للحياء من أجل التعبير عن سوداوية الواقع وقبحه؟

لا بد لي أن أعترف بذكاء الروائي في اختيار الموضوعات المثيرة للجدل، وأن أبدي إعجابي بجرأته على طرحها، ولكن هل هذا يكفي؟

لا أفهم ما سبب الضجة الإعلامية التي رافقت صدور الرواية، والتهليل لها من النقاد والصحافيين. هل نحن أمام نجم أدبي جديد يطبخ في الخفاء؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام.

The post غاسل صحون يقرأ شوبنهاور.. الشهرة عبر الترويج للجنس appeared first on الرواية نت.

إيزابيل الليندي: سينتهي النظام الأبوي الذكوري

$
0
0

سان فرانسيسكو (أميركا) – أكدت الكاتبة التشيلية الشهيرة إيزابيل الليندي أن جائحة فايروس كورونا الحالية أظهرت انعدام مساواة فاضحا، بات يغذي الآن التظاهرات اليومية في الولايات المتحدة والعالم.

ورأت الكاتبة الشهيرة صاحبة رواية “منزل الأرواح” أن على الأجيال الجديدة بناء عالم ما بعد كورونا على أسس المساواة العرقية وبين الأنواع الاجتماعية.

وفي تصريحات إعلامية لها، قالت سابقا الكاتبة المقيمة في سان فرانسيسكو إنه “ستنجم عن الجائحة موجة عارمة وتفسيرات جديدة لواقعنا ليس فقط في مجال الفنون بل الفلسفة والتاريح وكل شيء. أما على صعيدي الشخصي أحتاج إلى المزيد من الوقت لتتضح الصورة”.

وتضيف “كان بإمكاني أن أكتب ‘منزل الأرواح‘ مباشرة بعد الانقلاب العسكري التشيلي في العام 1973. لكني احتجت إلى ثماني سنوات لأفعل ذلك لأني كنت بحاجة إلى استيعاب ما حصل. وأظن أنني سأفعل الشيء نفسه مع ما يحصل راهنا”.

وتؤكد الليندي أن الجائحة الحالية تعلمنا أن ندرس أولوياتنا وتضعنا في مواجهة واقعنا. انعدام المساواة هو الواقع. متسائلة “كيف يمضي البعض مرحلة العزل على يخت في منطقة الكاريبي فيما البعض الآخر خاوي البطن”.

وتتابع “تعلمنا الجائحة كذلك أننا عائلة كبيرة واحدة. فما يحصل لشخص في ووهان يعم الأرض قاطبة ونحن جميعا. لا وجود للجدران ولا جدار يفصل بين الناس”.

وترى الكاتبة أن المبدعين الفنانين والعلماء والشباب ونساء كثيرات يفكرون بما سيكون عليه العالم بعد كورونا. لا يريدون العودة إلى العالم القديم هذا هو الرهان الأهم في زمننا هذا، أي الحلم بعالم مختلف ينبغي علينا الوصول إليه.

وتضيف “سينتهي النظام الأبوي الذكوري. فالوحوش الذين يحكمون العالم سينهكون. ويحل عالم يتقاسم فيه الرجال والنساء حكم العالم بمساواة. ينبغي ألا ندع العنف والجشع يوجهان العالم بل التضامن والتعاطف والأمل. هذا هو العالم الذي نصبو إليه”.

وتلفت الليندي إلى أن الأجيال الشابة سترث عالما دمرناه وحطمناه. وعليهم إنقاذه في حال كان ذلك ممكنا. آملة أن يكون لديهم حل إيجابي، بينما تقر بأن التظاهرات تطالب بالعدالة العرقية المرتبطة مباشرة بمعضلة الفقر.

تقول “من هم أفقر الأشخاص في هذا البلد؟ من هم الأشخاص الذين يحصلون على أسوأ ضمان صحي وأقل فرص عمل والذين يعانون أكثر من غيرهم من عنف الشرطة ويدخلون أكثر من غيرهم إلى السجون؟ إنهم السود”.

وتظن الليندي أن هذه التظاهرات بدأت بالانتشار في أماكن عديدة. حيث ثمة أزمة اقتصادية عالمية كبيرة ستؤدي إلى خسارة وظائف، إلى الفقر والمزيد من العنف. ولذا ستحصل تظاهرات جديدة، تظاهرات ضخمة.

وتقول الكاتبة التشيلية “لا يمكن حل هذه المشاكل بالرصاص والغاز المسيل للدموع بل من خلال معالجة جذور المشاكل. هي مشاكل عميقة تعود إلى مرحلة الاستعباد”.

The post إيزابيل الليندي: سينتهي النظام الأبوي الذكوري appeared first on الرواية نت.


أسامة غانم: حانت اللحظة ليعترف الروائيّ أنّ النقد صناعةٌ إبداعية وشكلٌ أدبيّ

$
0
0

الرواية نت – لندن

يشدّد الناقد أسامة غانم على أنّ الناقد هو همزة الوصل بين الروائي والقارئ، وأنّ جمالية النصّ لا تكتمل عند المؤلف ولا متعة القراءة عند القارئ إلّا بالناقد الذي يستعرض جسد النصّ، ويكشف عن مكامن جمالياته، ونبضه، ومنابع تدفقه..

ويشير مبدع “سرديات الجسد والإيروتيكا” في حواره مع الرواية نت، في سياق تسليطه الأضواء على دور الناقد في عملية القراءة والكتابة والتفاعل، إلى أنّ الناقد هو المدخل الفعلي للنص، والإضاءة الكاشفة لكل الأماكن المعتمة، وإضفاء الجمالية الحقة عليها..

– ما رأيك بما يسود من اعتقاد لدي عدد كبير من الروائيين أنّ النقد في العالم العربيّ معدوم، أو شبه معدوم، أو أنّه ليس هناك نقّاد، أو أنّ النقّاد يكتبون بناء على محسوبيات، وهم مستقطبون في شلل ادبية يروّجون لأعمال أصدقائهم أو من تربطهم بهم مصالح، سواء دور نشر أو مؤسّسات صحافية؟

إنه سؤال يتمثل في عدة أسئلة، جوهره الأساسي عن مدى عمق العلاقة بين الروائي العربي بالناقد العربي، ورغم أن الطرح كان استفزازياً، إلّا أنّي أعتبره يقع ضمن خانة الفكاهة، عليه أقول، مادام هنالك يوجد نص في مختلف اشتغالاته الأدبية، يوجد هناك نقد، فالنقد بالأساس عملية إبداعية، حيث وفقا للواقع الوجودي العملي، فالنقد ما هو إلا عملية كتابة على الكتابة كما يقول رولان بارت، أو أنّ  “النقد ضرب آخر من الإبداع ” كما يقول الناقد المغربي نجيب العوفي، أي لا وجود لناقد إذا لم يكن يمتلك الموهبة “حاسة نقدية – ذائقة أدبية ” مع ثقافة رصينة عميقة مختلفة متشعبة ومعرفة شمولية متراكمة، وما النقد الحديث إلّا امتداد للنقد الماضي العربي، وإلّا أين ذهب، سلام الجمحي صاحب كتاب “طبقات فحول الشعراء”، وابن قتيبة صاحب كتاب “الشعر والشعراء”، والجاحظ في كتابيه “البيان والتبين، والحيوان”، والآمدي صاحب كتاب “الموازنة بين أبي تمام والبحتري”، وعبد القاهر الجرجاني الذي إلى يومنا هذا تُدرسّ نظرياته النقدية في معنى المعنى التي مفهومها المعاصر عند غادامير وبول ريكور “فهم الفهم” وهو أحد اساسيات “التأويلية”، وجماليات البلاغة في كتابي: “دلائل الإعجاز” و “أسرار البلاغة”.

  وقد تأثر محمد مندور بعدد من النقاد العرب والأجانب، حيث يقول: “من العرب القدماء أُعجبت بابن سلام الجمحي، والآمدي صاحب الموازنة بين الطائيين، وعلي بن عبدالعزيز الجرجاني في “الوساطة بين المتنبي وخصومه”. وهؤلاء النقاد الثلاثة أعتبرهم أعمدة النقد الجمالي السليم في تراثنا النقدي كله”. (محمد مندور 1907 – 1965 ” شيخ النقاد في الأدب الحديث).

واللافت للنظر أنّ كل تلك الكتب قامت بدراسة، وتحليل، ومقاربة، ومقارنة، النصوص الشعرية فقط، وذلك لعدم وجود جنس ادبي وقتذاك اسمه “الرواية”، التي ظهرت في القرن التاسع عشر، في رواية “دون كيشوت” لــ سرفانتس الإسباني، باعتبار الرواية ملحمة برجوازية حسب رأي جورج لوكاش.

نعم هنالك يوجد نقاد يكتبون بناء على محسوبيات، ومصالح، ولكن كم عددهم؟! أنا متأكد أنهم قلة قليلة معروفة في الوسط الأدبي، مدانة، ومشخصة، ولو تعمق القارئ في البحث عنهم، لعثر على سطحية كتاباتهم، وضآلة ثقافتهم، وعدم امتلاكهم لأية موهبة، إنهم يقعون في خانة الادعاء والتزييف والتطبيل، وهم متواجدون في كل عصر.. وكذلك توجد دور نشر تعمل على نشر أعمال هذا الروائي أو ذاك نتيجة امتلاكه لهذه الدار أو نتيجة ارتباطه معها بمصالح، وكذلك بعض المؤسسات الصحافية تعمل على تضخيم بعض الكتّاب والعمل على ترويج أعمالهم الروائية.

– هل ساهم غياب النقد الأكاديمي في الصحافة، واقتصاره على أروقة الجامعات بنسبة كبيرة، في ترويج نوع من التسطيح والتمييع لمفهوم النقد الأدبي والروائي عربياً؟

إن النقد الأكاديمي، وبالذات بعد المتغيرات التي حدثت في الوطن العربي، ثورات الموت المجاني العربي أو كما سميت “ثورات الربيع العربي”، ومن صعود الأحزاب الدينية – السياسية الإسلامية، التي عملت على الذي لم يستطع أن يعمله المحتل الأجنبي منذ العصور الوسطى في بعض البلاد العربية: من دمار شامل للبنى التحتية، وتهميش وإقصاء المواطن العربي، وترسيخ البدع والخرافة والأمية والجهل، وتمزيق الأوطان، وتحول الشهادة/ الدكتوراة إلى مقاولة للكسب المادي، مع عدم امتلاك أغلبهم للموهبة النقدية والثقافة العميقة وتدجينه إيديولوجياً، متغطياً بأطروحته الجامعية فقط، كل ذلك جعل النقد متقوقعاً داخل الجامعات، مهمشاً، وبعيداً عن هموم ومشاكل المواطن العربي، هذا دفع بالبعض ممن يحسبون على الصحافة اليومية غير المتخصصين بالنقد إلى كتابة النقد البائس في تلك الصحف، مما اتسم بالتسطيح والتشتت والافتقار إلى المعلومة وخاصة في حقل النقد الروائي العربي، أي استعراض العمل الروائي فقط.

ولكن على ضوء هذه المتغيرات انبثق نقد حقيقي، رصين، ذو رؤية ثاقبة شمولية، زاوج بين النظريات النقدية الحديثة الغربية المختلفة وبين واقع الفكر العربي المتسم با لأصالة الشرقية، يشتغل على اليات وتقنية بعد ما بعد الحداثة الذي يسمى بالنقد الثقافي، أمثال: جلال صادق العظم – جورج طرابيشي – أدونيس – منذر عياشي – جابر عصفور – صلاح فضل – فيصل دراج – عبد الله الغذامي – محمد مفتاح – حميد لحمداني – زهير الخويلدي، وآخرين كثيرين. ولو قيض “لهذا التيار أن يتطور فإنه سيثمر خلال السنوات المقبلة نقداً عملياً مُرَكّزاً لا يسعى فيه المتخصصون إلى التنظير فقط حول الخصوصية بل إلى تقديم البعد الجمالي للأعمال الأدبية المفردة التي تتمتع بالخصوصية أيضاً”. – موت الناقد، رونان ماكدونالد، ترجمة فخري صالح، ص 156.

– ما أسباب تحامل أغلب الروائّيين على النقاد، واعتبار إبداعهم النقدي قاصراً أو تابعاً للإبداع الروائي؟

لقد قمت بالإجابة على هذا السؤال في إجابتي على السؤال الأول تقريباً، بل وأضيف لقد حانت اللحظة ليعترف الروائي “هو” قبل غيره أن النقد صناعةُ إبداعية وشكلُ أدبي، وأن الذي يقول إنه تابع أو ثانوي لغيره، يقلل من قيمته ويضعف مقولته. نعم لقد انتشرت المقالات الاستعراضية للروايات في الصفحات الثقافية في الصحف، مقالات هزيلة لا تتمتع بالبلاغة الكتابية، ولا تمتلك ناصية اللغة، ولا الدقة في التعبير، مما جعل البعض ينظر له على أنه قاصر وهزيل ولا يحتاج إلى تخصص. أما من أسباب التحامل الجوهرية فهي: أن أغلب الروائيين وبالذات العرب يريد حالما ينشر روايته، أن تكتب الدراسات النقدية بالعشرات عن روايته من قبل النقاد الحقيقين مع الإسهاب في مدحها و”يجب” وضعها مع أمهات الروايات العالمية، وهذا شان آخر له حديث آخر يتعلق بــ الأنا الروائية المتضخمة.  

– هل حلّ العرض الصحافي السريع، أو القراءات الانطباعية الصحافية، محلّ النقد الروائيّ في العالم العربي؟

نعم. وخلال إجاباتي الأنفة قمت بالإجابة مفصلاً على هكذا سؤال. ولكنه لم يحل محلّ النقد الروائي ولا يمكن أن يتجرأ على ذلك.

– هنالك كمّ كبير من الأعمال الروائية تصدر كلّ سنة، هل بات الكم سمة طاغية على حساب النوع؟

نعم، فهنالك عشرات الروايات التي تصدر كلّ سنة، وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال جداً مهم، هل كلّ الروايات المنشورة هي بنفس المستوى من حيث: الأسلوب، والشكل، التعبير، التقنية، اليات اشتغالها، واللغة. بالطبع لا، فهناك الغث والسمين، وهناك الروائي الذي يمتلك أدواته والذي لا يمتلك أدواته، لذا كم رواية تتوفر فيها الشروط التي ذكرتها؟ أترك ذلك للقراء.

– إلى أيّ حدّ لعبت الجوائز المخصّصة للرواية دوراً في تشجيع الكُتّاب للتوجّه إلى حقل الرواية؟

أعتقد أنّ دورها ضئيل، وبالذات للذين على هامش كتابة الرواية لأنهم مسبقاً يعرفون أن هنالك من هو أفضل منهم، أما بالنسبة للمتمكنين في كتابة جنس الرواية فهم – أتصور- قلة أيضاً، لأن المبدع الحقيقي لا يراهن على الجوائز المادية والشهرة السريعة، وخاصة أن هذه الجوائز لا تخضع فقط للإبداع، بل هناك عوامل أخرى كثيرة: سياسية – جغرافية – فكرية – خارجية، بالإضافة إلى أمور أخرى محكومة بها هذه الجوائز العربية.

– لاحظنا في سلسلة حوارات الرواية نت مع عدد من الروائيين والروائيات العرب تقاطع معظم الإجابات عن غياب النقد الروائي، أو تهميشه لأعمالهم أو قصوره عن متابعتهم، أو بقاء النقد أسير شلل ومجاملات ومحسوبيات، وأنّ أعمالهم لم تنل ما تستحقّ من نقد.. ما رأيك بهذه الآراء؟

رغم أن هذا السؤال يتكون من شطرين، والشطر الثاني تقريباً متشابه مع ما جاء في الشطر الثاني من السؤال الأول، وقد أسهبت في إجابته آنفاً، النقد الجاد والحقيقي ليس من الممكن أن يتجاهل النص الجيد أو يهمشه، ولا ممكن أن يغيب الناقد عنه، ولكن المعضلة الرئيسة والجوهرية هي: فانتازيا المساوة، لنفرض جدلاً أن هنالك مائة كاتب رواية، يقابلهم عشرة نقاد، لأنه ليس من الممكن أن يتواجد نقاد بعدد الروائيين، وهذا مستحيل، فدائما يكون عدد النقاد قليل جدا بالنسبة إلى عدد الروائيين، وهذا حاصل في جميع أنحاء العالم، بمعنى آخر، ليس من الممكن أن يستوفي النقد كل الاعمال الروائية “حتى ولو كانت جميعها جيدة ورائعة” وخاصة النقد يخضع للذائقة الذاتية للناقد/ القارئ، والانسجام مع النص.

– ما الذي تودّ توجيهه للروائيين والقراء؟

تذكر بأنّ همزة الوصل بين الروائي والقارئ، هو الناقد، فلا تكتمل جمالية النصّ عند المؤلف ولا متعة القراءة عند القارئ إلّا بالناقد الذي يستعرض جسد النصّ، ويكشف عن مكامن جمالياته، ونبضه، ومنابع تدفقه، فالناقد هو: المدخل الفعلي للنص، والإضاءة الكاشفة لكل الأماكن المعتمة، وإضفاء الجمالية الحقة عليها.

The post أسامة غانم: حانت اللحظة ليعترف الروائيّ أنّ النقد صناعةٌ إبداعية وشكلٌ أدبيّ appeared first on الرواية نت.

هل حقا فضح سليم بركات صديقه محمود درويش

$
0
0

هيثم حسين

ما الذي فعله سليم بركات كي يتعرّض لكلّ هذا التعنيف اللفظي بحقّه والتسعير الكلامي ضدّه؟ هل كشف جديدا بإفشائه سرّ صديقه الراحل محمود درويش بأنّ له ابنة من امرأة متزّوجة؟ ما الذي يحتاج الانتفاض ضدّه، الإفشاء بالسرّ أم السرّ وما يضمره، وخبايا صاحبه التي تثير الفضائح بحقّه؟

هل اندرج ما كتبه سليم بركات في إطار الفعل الفضائحي أو في سياق الكتابة – الصحافة الصفراء كما حلا لبعضهم توصيفه؟ وهل جاء ذلك من باب الترويج لكتابه الجديد “لوعة كالرياضيات.. وحنين كالهندسة”؟

هل يعكس هذا الانتصار لاسم محمود درويش نوعا من الاحتفاء بعظمته الشعريّة وتنزيهه كشخص عن أيّ فعل ينال من سمعته الشخصية أو من شعريته..؟ هل هنالك خلط بين الخاص والعام بعد الموت؟ هل أقلق سليم بركات راحة الراحل أم راحة الأحياء؟ هل ضاق صدر سليم بركات بسر صديقه فأفشاه مخرجا إيّاه من عتمة الصدر إلى ميدان مفتوح على التأويلات؟

اتهامات لسليم بركات

هل يعكس الانتصار لاسم محمود درويش احتفاء بعظمته الشعريّة أو هو تنزيه له كشخص تحيطه هالة قداسة
هل يعكس الانتصار لاسم محمود درويش احتفاء بعظمته الشعريّة أو هو تنزيه له كشخص تحيطه هالة قداسة

وصف بعضهم ما أقدم عليه سليم بركات بأنّه جناية تحتاج إلى محاكمة، وكأنّ إذاعة سرّ مدفون من ثلاثة عقود جريمة لا يمكن أن تغتفر لصاحبها، أو أنّه اعتدى على صديقه محمود درويش بفعله هذا، وأقلق راحته الأبدية ونزع عنه القداسة التي أضفاها عليه موته.

ذهب بعضهم إلى اختلاق اتّهامات بعيدة عن المنطق بحقّ بركات، وتجريمه لأنّه تجرّأ على قداسة الموت، وأيقظ الفتنة الراقدة التي كان يفترض به نقلها معه إلى القبر، من دون أن يغامر بكتابتها في سيرته أو مذكّراته.

نشر سليم في كتابه الجديد بعض ذكرياته، أو مذكراته، عن محمود درويش، وفجّر قنبلة ربّما لم يتوقّع أن تتوسّع تأثيرات شظاياها بهذا الشكل الذي وصلت إليه.

هنا معلوم واحد هو محمود درويش، ومجاهيل عديدون هم: الابنة المفترضة، المرأة المتزوّجة التي غامرت بالحمل من درويش، والزوج الذي على الأرجح سيكون آخر مَن يعلم بخبر أنّ ابنته التي رباها طيلة سنوات هي ابنة محمود درويش الذي لم يكترث لها.

أثار سليم بركات أسئلة كثيرة بمكاشفته وإفشائه السرّ الذي ائتمنه محمود درويش عليه ذات يوم، وفتح بابا للتحقيقات القادمة حول الابنة المفترضة التي يمكن أن تتغيّر حياتها بالمطلق بعد معرفتها أنّها ابنة الشاعر الراحل.

لا أعتقد أنّ سليم بركات رام إثارة أي زوبعة من حوله، ولا بحث عن أيّ شهرة من خلال ما كتب، وهو الذي لا يحتاج إلى أي زوابع، ولا تنقصه الشهرة ليبحث عنها، بل جاء كشفه من باب تبيان عمق العلاقة بينه وبين محمود درويش، من دون أن يقصد أي إساءة.

ولا أعتقد كذلك أنّ سليما أراد استعراض عضلاته اللغوية، أو سعى إلى التقعير، وهو الذي سبق أن أثبت لكثير من الكتّاب العرب في العقود الأخيرة أنّه كاتب لا يضاهى في ملاعب اللغة، وأنّه يكتب أعماله الأدبية كأنّه يقيم مهرجانات لغوية بعيدا عمّا يمكن إلصاقه به من اتّهامات في هذا السياق.

بعيدا عن القداسة

سليم بركات متهم بلا مبرر
سليم بركات متهم بلا مبرر

ربّما كتب سليم بركات ببراءة المعتكف، ربّما أراد الاحتفاء بأبّوة درويش التي أنكرها هو نفسه، ربّما أخرج السرّ إلى فضاء العلن ليزيح عبئه عن كاهله، ربّما يمكن وصف الأمر بأنّه كبوة، أو صحوة، أو ما حلا للواصف عرضه وتوصيفه، وربّما يمكن القول إن بركات فتح بابا لدراسة حياة الشاعر، وتفكيك بعض ألغازها، أو فهم شعره بناء على بعض ما كان يضمره ويخفيه من أسرار.. وربّما وربّما.. يمكن استعراض عدد من الاحتمالات في هذا الإطار، لكنّ يبقى السؤال عن سلوك درويش موضع تشكيك وعن تنزيهه وتأليهه موضع تساؤل أيضا.

يعلم المحيطون بمحمود درويش أنّه كان مكثارا في علاقاته مع النساء، وأنّه انتقل بين أحضان عدد من النساء اللاتي كنّ محطّات في سيرته الحياتية، وملهمات في قصائده الشعريّة. ومن ذلك مثلا الشهادة التي كتبها الشاعر اللبناني شربل داغر في كتابه “محمود درويش يتذكر في أوراقي: أكتب لأنني سأعيش”، والتي نشر قسما منها في صفحته على فيسبوك بعد الزوبعة التي أثارها سليم بركات.

كتب شربل داغر في شهادته “غراميات عابرة، سريعة، أو استدامت لشهور وربما أكثر، وقد عرفت بعضها ما لا حاجة لذكره، ومما يدخل تماما في النطاق الحميمي والخاص (حتى بعد وفاته). لم يكن درويش يحب الكلام عن الزواج، ولا عن الأطفال، على الرغم من أنه ما كان يتأخر، في غير زيارة أو لقاء، عن سؤالي عن ابنتي: هالة، التي عرفها طفلة تحبو”.

سليم بركات أثار أسئلة كثيرة بمكاشفته وإفشائه السرّ الذي ائتمنه عليه صديقه محمود درويش ذات يوم

اللافت أنّ الوسط الأدبي والثقافي والصحافي العربي انتفض وسارع للانتصار لذكرى محمود درويش، واعتبر إفشاء بركات بالسرّ اعتداء على قداسة محمود درويش، في حين لم يسألوا أنفسهم عن سلوك محمود درويش الحياتي والجنسي، بل وحاول بعضهم اختلاق المبرّرات والذرائع له في علاقاته النسائية والجنسيّة المتعدّدة.

ولا يخفى هنا أنّ علاقة الذات بالآخر، ومن يمشي أو يهرول أو يكبر في ظلال الآخر، علاقة الشعر بالشعر، والتاريخ بصانعيه ومدوّنيه، تظلّ مثار التساؤل والمقاربة والتفكيك.. ولا يمكن تأثيم مفشي السرّ وإهمال مقترفه أو المصرّح له به، وكأنّ القضية محصورة في السرّ، لا في ما قاد إليه، وما يمكن أن ينتج عنه من تخريب لحيوات آخرين ما زالوا أحياء.

عن صحيفة العرب اللندنية

The post هل حقا فضح سليم بركات صديقه محمود درويش appeared first on الرواية نت.

الروائيّ الروسي يفغيني فودولازكين يثير أسئلة عن انتشار الوباء في روسيا

$
0
0

هيثم حسين

في مزيج روائي محبوك بدقة، تمزج رواية “لاوروس”، بين ما هو علمي في الطب وبين الخرافات والظواهر الخارقة، حيث ترسم تفاصيل عالم مليء بمرض الطاعون، ومع ذلك يولد فيه الحب، لذا فهي تعيد إلى أذهاننا بطريقة أو بأخرى ما يحدث في العالم اليوم مع انتشار فايروس كورونا المستجد.

 يصور الكاتب الروسي يفغيني فودولازكين في أحداث روايته “لاوروس” فترة اكتشاف كولومبوس لأميركا عام 1492، وهي في الوقت نفسه قصة شاب أضاع حبيبته وحاول أن يرتحل بعيداً عن مكانه ليحاول أن يعيش هاربا من ذكرياته معها، باحثاً عن نوع من الطمأنينة التي فقدها بفقدانها.

يقسم فودولازكين، المولود في العاصمة الأوكرانية في 21 فبراير 1964، روايته، الصادرة عن منشورات دار المدى، ترجمة تحسين رزاق عزيز في بغداد، إلى أربعة أقسام، يسميها كتبا، وهي: كتاب المعرفة، كتاب الجحود، كتاب الدرب، كتاب الطمأنينة، ويحكي فيها رحلة الطبيب أرسيني من قريته الصغيرة في الريف الروسي إلى أوروبا، وتعرفه إلى جغرافيات عديدة، وثقافات مختلفة أثرت شخصيته وخبرته وحياته.

عالم جديد

يصف فودولازكين في روايته -التي فازت بجائزة الكتاب الكبير الروسية عام 2013، وهي أكبر جائزة أدبية في روسيا- كيف كان انتشار الوباء مرعباً، وكان الانتقال من نقطة لأخرى معقداً للغاية، وكان الناس يفتقرون إلى الطرق، ولم يمنع عدم وجود الطرق انتشار وباء الطاعون الذي كان يستولي على القرى، مثل جيش العدو، الواحدة تلو الأخرى، ويفتك بالناس من دون رحمة في المناطق التي يحتلها، ويشير إلى أن الجميع بقوا في أماكنهم، لأنه لم يكن ثمة مكان للهروب إليه من الوباء.

رحلة اكتشاف تاريخية
تفاصيل عالم مليء بمرض الطاعون

يثير الروائيّ أسئلة يسقطها على التاريخ القريب والراهن سواء بسواء، عن انتشار الوباء في روسيا، في الوقت الذي كان يتم فيه اكتشاف قارة جديدة، حيث نهاية العالم المتوقعة حينها في روسيا، وبداية جديدة في مكان بعيد. ويسأل على لسان أحد شخوصه الذي يصل إلى فلورنسا في الوقت الذي كان فيه كريستوف كولومبوس يكتشف أميركا، إلى أي مدى كانت الحادثتان مرتبطتين معاً، وإذا كانتا مرتبطتين فكيف؟ وألا يمكن التخمين بأن اكتشاف القارة الجديدة بداية لنهاية للعالم ممدودة في الوقت؟

يتحدث فودولازكين أن لاوروس هو المخلص، ويتحدث عن لقبي أرسيني شخصيته الرئيسة، أحد اللقبين هو الروكيني، نسبة إلى بلدة روكينا محل ولادته، والآخر الطبيب. ويحكي عن العلاقة الوثيقة بين كلمة حكيم، وما تشتمل عليه من حكمة وطب معاً، وكلمة حكى بما تشتمل عليه من حكايات، وواقع أن الكلمات تكون أدوية وعلاجات بالنسبة إلى الحكماء والأطباء.

يلفت إلى أنه معروف بأن كلمة حكيم استعملت وما تزال تستعمل مرادفاً للمفردة طبيب، ولكلمة حكيم قرابة بالفعل حكى.. ويورد أن مثل هذه القرابة تعني أن الكلمة أدت دوراً مهماً في عملية المعالجة. ويقول بأن الكلمة، كما هي وبمعانيها كلها، وبسبب قلة الأدوية ومحدوديتها، كان لها دور في العصور الوسطى أكثر أهمية مما هو عليه الآن، وكان ينبغي التحدث آنذاك كثيراً.

ويشير إلى أن الأطباء كانوا يحكون، ومع معرفتهم لبعض العقاقير التي تعالج العلل، لكنهم لم يفوتوا فرصة اللجوء إلى مخاطبة المرض مباشرة، وجعلوا يتحدثون مع المرض قائلين عبارات إيقاعية لا معنى لها على ما يبدو، يحاولون بها إقناع المرض بمغادرة جسد المريض المعالَج. وينوه إلى أن الخيط الفاصل بين الطبيب والمشعوذ في ذلك الوقت كان نسبياً.

وينبه إلى أهمية الحكي ودوره في المعالجة، وأن المرضى كانوا يحكون، وأنه بسبب نقص معدات التشخيص، كان على المرضى أن يصفوا بالتفصيل كل ما حدث في أجسادهم العليلة، وحتى في بعض الأحيان بدا لهم أنه مع الكلمات المغمورة بالألم التي تخرج من أفواههم، يخرج منهم المرض شيئاً فشيئاً. ويروي أن إتاحة الفرصة للمرضى وذويهم للحديث بالتفصيل عن الأمراض للأطباء، كانت تجعلهم يشعرون بتحسن حالتهم الصحية، وكانت الشكوى من صعوبة التعامل مع المرض والمرضى مدعاة للراحة، ذلك لأن العصور الوسطى لم تكن زمناً عاطفياً.

ويحكي أن الطبيب الروكيني الذي ولد سنة 1440، كان مختلفاً عن معاصريه، فقد كان قليل الكلام، يلجأ إلى الصمت والإصغاء غالباً، ويكتفي بالتلفظ بكلمات دقيقة قصيرة دالة، ووصف بأن يده سحرية تعالج المرضى بمجرد لمسهم، ما جعله شهيراً في تلك المرحلة. ينقل أساطير تتحدث عن الطبيب الذي قيل عنه بأنه ما يزال حياً وحاضراً في زمننا، كما في أزمنة سابقة أيضاً، وإنه يملك إكسير الحياة، وحتى من حين لآخر يقال عنه إن مَن وهب الشفاء لا يمكن أن يموت، وغيرها من الأقاويل، ويلفت إلى أن هذا الرأي استند على أن جسده بعد الموت لم يتعفن ولم تظهر عليه آثار التحلل، وظلت جثته تحتفظ بمظهرها السابق لعدة أيام وهي مطروحة في العراء.

طب وحب

{لاوروس} للروسي يفغيني فودولازكين.. رحلة اكتشاف تاريخية
“لاوروس” للروسي يفغيني فودولازكين.. رحلة اكتشاف تاريخية

 يعود للحديث عن كريسوفر، وهو جد أرسيني، الذي كان معالجاً وطبيباً، ولم تقتصر مساعدته للناس على الطب، فقد كان مقتنعاً بأن التأثير الخفي للأعشاب يمتد إلى جميع مجالات الحياة البشرية، وكان يحذر الناس من ألا يفخروا أكثر من اللازم، وأن الفخر ليس أصل كل خطيئة.

يصف كيف أن كريستوفر بدأ يعلم الصبي في سن مبكرة أمور الأعشاب، وكانا يجولان معاً في الغابات ويجمعان الأعشاب المختلفة، ويطلع أرسيني على خصائصها السحرية، وكيف يمكن أن تساهم في معالجة المرضى. ويحكي كذلك عن مصادقة أرسيني لذئب في الغابة، وقدرته على ترويضه بطريقة غريبة ومن دون أي جهد.

يكتب كريستوفر عن الصبي أرسيني أنه موهوب بلا شك، ويدرك كل شيء بسهولة وعلى الفور، وأنه علمه شغلة الأعشاب، وسوف تطعمه في الحياة، وسيقدم له العديد من المعارف الأخرى لتوسيع آفاقه، وسيعرف كيف خلق العالم، وكان يخبره بأن الإنسان مخلوق من التراب وسوف يتحول إلى تراب، لكن الجسد الممنوح له مدى الحياة جميل، ويجب أن يعرفه بأفضل ما يستطيع.

يكون كريستوفر المعلم الذي لا يبخل على تلميذه أرسيني بالحكمة والمعرفة والعلم، يخبره أن حكمة الله التي لا حد لها تنعكس في جسم الإنسان الصغير، كما تنعكس الشمس في قطرة ماء. ويستطرد بالقول إن كل عضو فيه مقصود ومدروس بالتفصيل الدقيق، ويحدثه عن مهام الأعضاء وخواصها المتفردة، وحين يسأله أرسني عن الروح، يجيبه بأنها ما ينفخه الله في الجسم، وإنها تجعلنا أحياء، ويشبهها له باللهب المنبعث من الشمعة، لكن ليس لها طبيعة دنيوية، وتسعى إلى الارتقاء لتلائم العناصر الطبيعية.

يطلب كريستوفر من أرسيني أن يبكي ويصلي، وألا يخاف من الموت، لأن الموت ليس مجرد فراق مرير، إنه كذلك فرحة التحرر والعتق، ويذكر له أن كل واحد منا يكرر طريق آدم وعندما يفقد البراءة يدرك أنه فان.

يشدد فودولازكين على دور الكلمة المكتوبة، من خلال تركيز بطله على الكتابة، وأنه كان يكتب ليس لأنه يخشى أن ينسى شيئاً ما، لكنه كان يرى أن الكلمة المكتوبة ترتّب العالم وتنظمه، وتوقف عدم استقراره، ولا تسمح للمفاهيم بأن تنطمس، لهذا كان نطاق اهتماماته واسعاً جداً، يتوافق نسبياً مع اتساع العالم.

رحيل كريستوفر أثر على أرسيني بشكل كبير، ويصف أن ما حدث له لم يكن غياب شخص ذاهب إلى المجهول، بل غياب شخص يرقد في مكان قريب، وكان أرسيني يدرك أن كريستوفر قريب منه، والشيء الوحيد الذي ساعده على تجاوز الليالي الموحشة هو قراءة رسائل كريستوفر التي كانت تحتوي الحكمة والمعرفة والعلم. أوستينا التي تهتدي إلى كوخ أرسيني، تطلب منه مساعدتها ببعض الطعام، تخبره عن أنها قادمة من مكان موبوء بالطاعون، لكنه يستحثها على الدخول، لأن البرد قارس، ويتعرف إليها أكثر لاحقاً، بحيث تسد بعضاً من الفراغ الذي أحدثه رحيل جده عنه.

يسرد فودولازكين كيف أن أرسيني بدأ حياة أخرى مليئة بالحب والخوف، الحب لأوستينا والخوف من أنها قد تختفي فجأة كما جاءت فجأة، ويحكي أنه لم يكن يعرف بالضبط ما الذي كان يخاف منه، إعصار أم برق أم نار، أم نظرة حسد شريرة، وحاول إخفاءها عن عيون الفضوليين كي لا ينكشف سرهما، ثم يصف كيف أن موت أوستينا خلّف تأثيره الكبير على أرسيني الذي لم يستوعب الصدمة، ورحل بعيداً عن الديار.

عن صحيفة العرب

The post الروائيّ الروسي يفغيني فودولازكين يثير أسئلة عن انتشار الوباء في روسيا appeared first on الرواية نت.

مديح الهرب: تمرّد ليس إلا!

$
0
0

أحمد صلال -الرواية نت- باريس


لا يتجاوز الروائي السوري خليل النعيمي في روايته ‘مديح الهرب’ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت 2005، الشكل والمضمون الذي ساد الرواية العربية في جيل كتابها الوسط حسب تصنيف النقد الروائي العربي.ولكنه بذات الوقت لم يركن لكل شروطها الفنية بل حاول تجاوز تسجيل الواقع نحو تجاوزه وكتابته بشكل إيجابي، التغيير والتحرير الفني فعل إيجابي للعمل يرتقي به لمصافي الكتابة المتمردة على أسر كل الاشتراطات القسرية المنتجة منها وغير المنتجة، وخاصةً على الصعيد السياسي في هذه الرواية، ويلحظ قارئ النص رغبة الهدم في السرد في جو أقل ما يقال عنه أنه كافاكي يقوم على الحفر النفسي وجلد الذات في أجواء عربية تسودها الهزيمة، حيث الخيبات تتراكم على الصعيد الداخلي منه والخارجي على حد سواء، ويعمل السرد الروائي على الهدم من أجل بناء المثال الذي يطمح إليه الراوي من خلال السرد.

أسطرة الذات الفردية القادمة من منطقة الجزيرة السورية حيث التهميش والفقر وبنفس الوقت القيمة القبلية المعتدة بالنفس هي أجواء عاشها البطل في السرد الروائي المنفلت من عقال التقيد بزمن تاريخي نحو زمن روائي يتداخل فيه الشخصي بالهم الجمعي، ويشتغل السرد الروائي على حفر نفسي عميق لشخصية فصامية تعيش عقدة الذنب على الصعيد النفسي/الذاتي، وتعيش الحالة الطبيعة على صعيد الشأن العام/الموضوعي، حيث الطبيب المتطوع على الجبهة يتنقل بين قطعته العسكرية وعيادته ويعالج كل من يحتاج يد العون الطبية، ويمارس طقوس جلد الذات بين حقول الشعير والقمح والقطن، ويخوض الحروب النفسية بين الواقع المخضب بكل تلونات الموت والفراق والألم والانكسار والهزيمة، والمثال المخضب بتلونات تحرير فلسطين ونيل الحرية والعدالة.

أجواء السرد الروائي لا تختلف كثيراً عن أجواء عقد الذنب وجلد الذات التي سادت الرواية العربية بعد هزيمة الـ67 وخاصةً في اشتغالات عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا وعبد السلام العجيلي وحليم قنديل وسحر خليفةôوآخرين يطول سرد أسمائهم، ولكن السرد عند النعيمي أتخذ آفاقا ليست بالجديدة كلياً ولكن يمكن تسميتها بمحاولة التجديد، حيث الثيمات هي بكل زمان ومكان ولكن التكنيك يختلف من اشتغال لآخر، وبالانتقال من العام نحو التفصيل، محاولة التجديد عند النعيمي تتجلى في الاتكاء على لغة تراثية وحداثية بذات الوقت حيث تغرف من الأصالة والمعاصرة، لغة لم تلق على كهل القارئ مهمة البحث عن حل للرموز والإشارات الغامضة وفض الاشتباك بينها، ولم تحل النص للنقد ليعمل به مبضعه التشريحي، حيث لغة التوابيت سهلة الفض والطرح من تسجيلات الحياة اليومية ولكن باقتراف روائي ينيط اللثام عن مكنونات أدبية لا ترضى عن الفن الراقي بديلاً.

الطبيب الذي يتعرف على الذات المجلودة سياسياً واجتماعياً وحضارياً في ظل أجواء الحفر النفسي العميق وعلى إيقاع الفاسد السياسي والعسكري المتمترس على مقربة منه في الثكنات العسكرية التي يصورها ترتع في أشكال من الفساد، يتعرف على جسده حيث تقوده الفتيات القرويات في مغامرات غرامية يخفف فيها من ثقل وعبء ما يرزح تحته من هم وعبر تتداخل الذات الفردية بالذات المجتمعية ويصبح امتداد الهم متوحداً يفتح فضاءات جديدة للسرد، حيث لا أهمية للتسميات والتأريخ ويحل المجاز بديلاً لكل شيء في تداخل زمني ومكاني مخضب بالرموز والإشارات التي لا تحتاج كبير العناء لفهمها في ظل سرد يقيم صلة حميمة مع القارئ ويمتعه.

حاول الروائي خليل النعيمي في روايته ‘مديح الهرب’ جلد الذات النازفة حزنا وألما وخيبة وهزيمة، إنه اعتراف بالهزيمة لكي يحل النصر بديلاً عنها، حيث مديح الهرب يتخذ لبوسا فرويديا يمسي فيه الهرب إحالة على حياة جديدة لا ذنب فيها للفرد العربي السوري المسلوب، ولكنه بنفس الوقت لا يشتهي أن يعيش مغترباً عن واقعه.
قصارى القول: مديح الهرب ذم للواقع والذات الفردية والجمعية ومديح للتغيير من أجل التمرد على أسر كل الاشتراطات.


صحفي وكاتب وناقد سوري

The post مديح الهرب: تمرّد ليس إلا! appeared first on الرواية نت.

غيوم ميسو يعطي أجنحة للأحلام

$
0
0

بشرى أبو قاسم

قيل إن غيوم ميسو: يعطي أجنحة للأحلام…

كاتب فرنسي غزير الأدب تقلد نيشان الفن والأدب عام 2012 برتبة فارس، يحتل الصدارة بين الكتاب الفرنسيين الأكثر مبيعاً حيث حطمت روايته ” الفتاة الصغيرة والليل” رقماً قياسياً بمبيع 555000 نسخة ما بين شهر نيسان وآب من عام 2018.

عقد أواصر الصداقة مع قرائه بروايةٍ تلو الرواية.

ولد في منطقة الأنتيب في فرنسا عام 1974، عشق الأدب منذ نعومة أظافره حيث كان يلتهم كتب المكتبة العامة حيث كانت تعمل والدته، اكتشف عشقه للكتابة مع المسابقة القصصية التي اقترحها أستاذ اللغة الفرنسية و منذ ذلك الحين، ما انفك حبر قلمه ينسج أحلى العوالم الروائية.

استهوته الولايات المتحدة حتى زارها و بقي في نيويورك عدة أشهر عمل خلالها كبائع أيس كريم ولدى عودته إلى موطنه، التحق بجامعة العلوم السياسية في نيس وتابع دراسته ليصبح أستاذاً في شرق فرنسا ثم في جنوبها.

تضافرت رحلاته ودراساته ولقاءاته لتغني خياله الروائي وتخصب مشاريعه الأدبية فيتحرر أول كتاب عام 2001 والذي لم يلق نصيبه من النجاح لكن الرواية التالية “وبعد..” عرفته للجمهور بقصة الحب والتشويق هذه مع طيف من الفوق طبيعية هبتها نجاحاً مرموقاً.

ترجمت أعماله لأربعين لغة ومثلت أفلاماً بالسينما وعرفت نجاحاً منقطع النظير في فرنسا وفي العالم. ينتظر جمهوره صدور رواياته كحدث مهم و موعد منتظر. احتفى جمهوره بروايته الجديدة التي صدرت مؤخراً “الحياة رواية” مطلعها:

“في أحد الأيام من شهر نيسان،  اختفت كاري؛ ابنتي ذات الثلاثة ربيعاً بينما كنا نلعب معاً لعبة الغميضة في شقتنا في بروكلين”.

قيل إنه: ” كاتب ساحر، يجعل المستحيل ينبثق في حياة الشخصيات في لحظة لا نتوقعها. لا يخيب ظن القارئ به إذ يهبه اللحن المنمق والمشاعر الفياضة والحبكة الشيقة.”

من أعماله:

نداء الملاك.

بعد سبع سنوات.

غداً.

The post غيوم ميسو يعطي أجنحة للأحلام appeared first on الرواية نت.

Viewing all 1074 articles
Browse latest View live


<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>