Quantcast
Channel: الرواية نت
Viewing all articles
Browse latest Browse all 1074

الزمن بطل روائي صيني وعدو روائية أميركية

$
0
0

هيثم حسين

تبقى علاقة الروائيين بالزمن علاقة وثيقة ومتحركة بين شد وجذب، ونتساءل هنا هل يستطيع الروائيّون ردم الشقوق التي يخلفها الزمن من خلال السرد والتخييل؟ كما نتساءل إلى أيّ حدّ تفلح محاولات استحضار الذكريات، واقتفاء خيوطها في تقديم مقترحات روائيّة لتأبيد اللحظة المنفلتة من أي عقال؟

 يخلّف الزمن تأثيراته التي لا تمحى، ويعمل الروائيّ من خلال محاولة القبض على الزمن الهارب على توصيف الشك الذي يدفع المرء للاغتراب عن واقعه وعن نفسه، وكيف أن ذاك الشك يلعب دورا محوريا في رسم المسار الشخصي، ويدفع إلى المصير الإنساني المفترض، بناء على تغير الأمزجة وتطور الحياة النفسية، والمشاعر والأحاسيس والدوافع التي تقود الناس في مساراتهم الحياتية ودروبهم الزمانية والمكانية.

يستعين الروائي بطريقة الاسترجاع والتداعي، يسترجع الذكريات المشتتة ويحاول تجميعها وترتيبها في إطار الحكاية الماضية نحو جهات مختلفة، وأزمنة متباعدة، حيث نهر الزمن يسير باتجاه الماضي تارة، وباتجاه الحاضر والمستقبل تارة أخرى، ولا يكون مقيدا بمسار محدّد، بل يفيض تبعا للذكريات المستعادة، وضراوتها أو هدوئها وسكونها.

ملجأ الذكريات

جعل الصيني يو هوا من الزمن بطلا رئيسا في روايته “نهر الزمن”، فاختاره كمضاف إليه في العنوان، ومبتدأ للأحداث يخبر عما جرى ويجري، يؤكد من خلاله أن تذكر الماضي أو الحنين إلى الموطن ليس سوى تظاهر بالهدوء والقناعة بعد فقدان القدرة على مواجهة الواقع، فحتى لو طرأ علينا نوع من المشاعر والحنين، فهو ليس سوى مظهر خارجي. ويؤكد كذلك على أننا لا نعيش على هذه الأرض، بل نحن حقيقة، نعيش داخل نهر الزمن. يقول إن الحقول، الشوارع، الأنهار، البيوت كلها تشاركنا الانخراط داخل نهر الزمن، وإن الوقت يدفعنا سواء للأمام أو للخلف، ويغير من هيئاتنا.

يواجه الذات في مرآة الزمن بكل جرأة
يواجه الذات في مرآة الزمن بكل جرأة

افترض هوا أن الناس يؤثرون العيش في ماض آمن، على مستقبل ضبابي مجهول، بحيث تغدو الذكريات التي كانت مرهقة أو متعبة حين وقوعها إلى تفاصيل جمالية مستعادة، وتصبح الذاكرة ملاذا يلجأ إليه المرء خوفا من المجهول الذي يتربص به في مستقبله، وخشية من القادم الذي قد يكون أسوأ ويحمل مآسي جديدة يصعب التكيف معها أو مسايرتها أو احتواؤها.

لا يتقيد يو هوا بمسار زمني محدد وثابت، ولا يقتفي أثر الزمن بصيغة تصاعدية مقيدة، بل يبقيه منفلتا من أي عقال، ويتركه يتسرب بين شقوق الذاكرة ليرصد ذكريات متباعدة، يضمها بين ضفتي زمن يطوف به في عالم منفتح، شاسع، مفعم بدوره بمشاعر متناقضة تحمل في طياتها الغرابة والدهشة والأسى.

ولعل من المثير أن الهيئة تتحول إلى هوية، وأن الهيئات المستقلة التي تبلورها التجارب الحياتية تغدو بمثابة هويات لأصحابها الذين يغرقون في نهر الزمن الذي يكون بدوره ساحة لاكتشاف الذوات والآخرين، بحيث يتحول إلى مرآة كاشفة بعيدة عن الترقيع أو التجميل، تبرز العيوب والمآسي على أمل تجاوزها، ووضعها في سياقها التاريخي، وعدم تحويلها إلى محطات للذكرى على طريق الأمل والحياة.

يختار يو هوا شخصية الطفل سون قوانغ لين ليكون بطله الرئيسي، ويمضي معه في رحلته من الطفولة إلى اليفاعة، ويسلمه مقاليد السرد كراوية للأحداث، ليحكي من منطلق المتفرج المسار الذي اتخذته حياته منذ أن كان في السادسة حتى الثامنة عشرة من عمره. ويرصد التحولات التي تطرأ على شخصية بطله الطفل، ومن ثم اليافع، وكيف أثرت تلك التحولات على حياته النفسية ومحيطه الاجتماعي وعلاقاته مع عالمه ورؤيته له.

سن الخمسين

أما الأميركية إريكا يونغ فإنّها تلتقط مفارقات ومتغيرات مختلفة في روايتها “الخوف من الخمسين.. مذكرات منتصف العمر”، وكيف أن الزمن يبلغ محطة مختلفة لمَن يبلغ الخمسين، وبخاصة النساء، وأنّ هذا التاريخ يكون مفصليا في حياة الإنسان، وتراها تتحدث عن الزمن، وعن العمر وتراكم الخبرات والتجارب، وعن الحياة بما تُثرى به من مستجدات وأحداث دوما..

حديث عن الزمن وتراكم الخبرات والتجارب
حديث عن الزمن وتراكم الخبرات والتجارب

تشدد يونغ -وهي روائية وشاعرة أميركية، ولدت في نيويورك، في 26 مارس 1942- على أهمية تقبل الذات في سن الخمسين بالنسبة للمرأة، وأنها تكتب كتابها من موقع قبول الذات والغضب المطهر والضحك الأجش، وتذكر أنه كان هناك فيض من الكتب من أجل النساء في منتصف أعمارهن، وما إن كانت الأشياء تغيرت حقا، وهل تستطيع المرأة بسهولة شديدة أن تتخلى عن خمسين عاما من التدرب على تدمير الذات عند الوصول إلى عتبة الخمسين..

تستذكر يونغ في بداية روايتها تحذير والدها لها، حين قال لها “تعلمين أنك في خطر عندما تقومين بدور نفسك في النسخة السينمائية من حياتك”، ورغم ذلك تمضي في التحدي، ومواجهة الذات في مرآة الزمن بكل جرأة ومغامرة، باحثة عن الأمان المنشود وسط دوامة الزمن القاهرة.

تقول في نفسها إن سن الخمسين يشبه الطيران، ساعات من الضجر تتخللها لحظات من الرعب الشديد. وتقرر إقامة حفل عيد ميلادها الخمسين في منتجع، لأنها كانت في حاجة إلى شيء خاص، أنثوي، وتأملي لكي تفهم تلك المشاعر المتضاربة التي كانت تعترك بداخلها. وتلفت إلى أن سن الخمسين بالنسبة إلى المرأة يختلف عما هو بالنسبة إلى الرجل. تقول إنّ سن الخمسين هو نوع أكثر راديكالية من المرور إلى الطرف الآخر من الحياة، وهذا ما لم تتمكن من الاشتراك فيه مع زوجها. وتؤكد أن فخ الجمال أعمق مما تعتقد الفتاة الصغيرة التي كانتها ذات يوم، والضغوط الخارجية وليس الداخلية هي التي تمتّن الصلة.

تنوه إلى أن بنات جيلها يبلغن سن الخمسين مع إحساس بالارتباك والحنق. فلم يتحقق أي شيء من الأشياء التي اعتمدن عليها. وتثير الأسئلة التي تصفها بالأبدية عن الحب والجنس، وهل يمكن أن تنشأ صداقة بين الرجال والنساء وتدوم جنبا إلى جنب مع هيجان الهرمونات وسيطرتها، وما صلة الجنس بالحب، والحب بالجنس، وهل صحيح أن البشر مهملون داخل مشاعرهم الجنسية أم أن المجتمع وحده يصر على هذا..

تحكي عن دروس تعلمتها من الحياة، وأنها وبنات جيلها تعلمن كيف يكبحن ثورة غضبهن ويستخدمنها من أجل تغيير العالم، لكنهن لم يكففن عن أن ينقلبن ضد بعضهن بعضا، وتسأل متى ستتعلم النساء ألا يتفرقن بل أن يتّحدن، وكيف لهن أن يتعلمن أن يتحالفن في وقت ما زال المجتمع فيه يؤلب بعضهن ضد البعض الآخر كتذكار. وتلفت إلى أن غضب منتصف العمر ضار، وأنه ليس هناك ما ينقذ المرأة سوى المرأة نفسها. وتقول إن سن الخمسين هو الوقت الذي يبدأ به الزمن نفسه يبدو قصيرا.

عن صحيفة العرب اللندنية

The post الزمن بطل روائي صيني وعدو روائية أميركية appeared first on الرواية نت.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 1074

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>